الضوابط المتعلقة بالتجريم مقنطف من شرح المبادئ الجزائية دراسة تحليلية للدكتورعبد المنعم العبيدي مدير المعهد العلي للدراسات القانونية والسياسية بالقيروان
.إن الدور الخلاق للمشرع في المجال الجزائي على حد تعبير Merle et Vitu يحمله واجب الالتزام والتقيد بالضوابط التي يجب أن يكون عليها وضع النص الجزائي، فما دام النص" هو الذي يرسم الحدود الفاصلة بين الممنوع والمسموح فلا بد أن يكون هذا النص واضحا ودقيقا ومحدّدا ، بحيث يتجنّب المشرع أثناء عملية صياغة النّصوص الجزائية استعمال العبارات العامة والفضفاضة التي تحتمل كثر من تأويل". كما يجب عليه في اتجاه تحقيق الوضوح المنشود،
استعمال تقنية «المقابلة» أو «التقابل» بين الفعل الذي يعدّه جريمة والجزاء
المستوجب لمن يقترفه، وذلك لكي يكون كلّ فرد على بيّنة من العقاب الذي
ينتظره في صورة مخالفته للنص القانوني، وهو بدوره ما يؤدي إلى منع المشرّع من وضع
نص جزائي أشد بأثر رجعي.
ومهما يكن من أمر فإن
مسألة تقيّد المشرع بضابط الوضوح والدقة في صياغة النصوص الجزائية المتعلقة
بالتجريم والعقاب لم يكن في الواقع تقيّدا مطلقا ويبرز ذلك من خلال:
- أولا : استعمال المشرع في بعض الأحيان أسلوب
التجريم المفتوح، عبر وضع صياغة عامة في عرض الأفعال التي يعتبرها جرائم وهذه
الصياغة بإقحام عديد الأفعال المختلفة والمتنوعة في إطار هذا الصنف من الجرائم،
بحيث قد لا يقيّد هذا الأسلوب القاضي بشيء وتقنية الأسلوب المفتوح في التجريم التي
غالبا ما تجد مبررها في سعي المشرع نحو توفير أكبر قدر من الحماية للمجتمع ، تصطدم
أحيانا بحقوق الأفراد التي تنتهك وتهدر نتيجة عدم تحديد الأفعال المجرّمة وعدم وضوحها.
ولعل هذا ما جعل المجلس الدستوري السابق يعتبر أسلوب التجريم المفتوح أسلوبا لا يتماشى مع مبدأ الشرعية الذي يتطلب الدقة في ضبط
الفعل المجرم".
- ثانيا : استعمال
تقنية «الإحالة ، وهذه التقنية في المادة الجزائية يمكن أن تتخذ عدة أشكال، إذ
يمكن أن تكون إحالة داخلية أو إحالة خارجية، كما يمكن أن تكون إحالة على التجريم
أو إحالة على العقاب، وهذا الأسلوب المعتمد بكثافة خاصة في إطار القانون الجزائي
الاقتصادي قد ساهم في بروز ما أصبح يصطلح على تسميته بتجزئة النص الجزائي»، وفكرة
تجزئة النص الجزائي تأتي في مقابلة الصورة المثلى للقاعدة الجزائية التقليدية التي
تشتمل على شقي التجريم والعقاب في نص واحد، أما التجزئة فتعني أن شقي القاعدة
الجزائية لا يتواجدان في ذات النص، إذ قد يوجد التكليف في نص بينما الجزاء يتكفل
به نص آخر.
ورغم ما تثيره تقنية
الإحالة في المادّة الجزائية من جدل على مستوى الفقه، فإنّ لها رغم ذلك - وجودا
ثابتا في القانون الجزائي التونسي والمقارن، وقبلها من ناحيته المجلس الدستوري
السابق ولكنه اشترط في هذه التقنية احترام ضابط الدقة عند الإحالة على التجريم أو
العقاب واعتبر أنّ الإخلال بضابط الدقة جعل النص المتضمن للإحالة غير متلائم مع
مبدأ شرعيّة الجرائم والعقوبات.
- ثالثا : استعمال تقنية التجريم على البياض
" ، وهي الحالة التي يكون فيها شق التجريم في النص القانوني غير حال وغير
مستوف لمكونات وجوده لأنه يُحيل إلى
السلطة الإدارية ويوكل إليها صلاحية إصدار نصوص تطبيقية - قرارات أو مناشير أو
تراتيب بموجبها تتولى ملء النصوص الجزائية على البياض.
- رابعا : استعمال أسلوب التجريم غير المباشر، وهو الأسلوب الذي لا يقوم من خلاله المشرع مباشرة بتجريم أفعال معيّنة والعقاب عليها، وإنما ينتظر أفعال أخرى لكي يرجع وقوعها إلى المعاقبة عن إخلالات سابقة ومثاله التجريم غير المباشر في إطار القانوني الجزائي للشركات، حيث لم يقم المشرع مباشرة بتوفير الحماية الجزائية الشاملة لقواعد تأسيس الشركة خفية الاسم مثلا بل جاءت الحماية الجزائية بطريقة غير مباشرة إذا ارتبطت أساسا بعملية إصدار أسهم أو بتداولها، وعليه إذا لم يتوفّر الإصدار والتداول ولو مع وجود الإخلال المتعلّق بالتأسيس فلا جريمة ولا عقوبة.
إرسال تعليق