بالفصل 201 المذكور للقول بأنه غالبا ما يكون الاتفاق مصدره يتسلط على عقار دون نقل حيازته الى الدائن المرتهن و يخول
لهذا الأخير استخلاص دينه من ثمن بيع العقار المرهون بأفضلية على بقية الدائنين كما يمكنه من حق تتبع المرهونLe droit de suite مهما كانت اليد التي انتقل اليها.
مبحث تمهيدي: مصادر و خصائص الرهن العقاري
ان الرهن العقاري يمكن أن يكون اتفاقيا إذا كان مصدره الاتفاق فيبرم بشأنه عقد بين الدائن المرتهن و المدين الراهن
و يمكن أن يكون مصدره أيضا القانون فيكون رهنا قانونيا و يلتقي بذلك مع الامتياز و حق الحبس من حيث المصدر
و معنى ذلك أن نشأة الرهن القانوني تتم بمقتضى نص قانوني خاص و في هذا الخصوص يجدر الحديث عن رهون
قانونية لا رهن قانوني لأن هذا النوع من التأمين العيني الإجباري ورد في نصوص قانونية متفرقة hما صلب فصول
معينة من بعض المجلات القانونية كالفصل 485 من م. م. م. ت المتعلق بما يسمى رهن التبتيت و الفصل 453 من
الم. ت الذي وظف ما يسمى بالرهن القانوني لجماعة الدائنين أو في نصوص قانونية خاصة مثل الفصل 22 من
القانون ع 21 دد المؤرخ في 13 فيفري 1995 المتعلق بالعقارات الدولية الفلاحية ( أنظر في هذا الخصوص: نجيبة
النقاز، الرهون العقارية القانونية، مقال، محاضرات في التأمينات العينية والشخصية، المطبعة العصرية، ص247.
على أن جميع الرهون القانونية تمثل صورا استثنائية للرهن العقاري لأن الأصل فيه أن يكون اتفاقيا وكان من
الأحرى بالمشرع أن يجعل من قائمة الرهون العقارية امتيازات خاصة على عقار لتفادي تعقيد المادة من ناحية، ومن
ناحية أخرى لعدم اختلافها مع نظام الامتياز الخاص على عقار.
ورهن العقار سواء كان مصدره القانون أو الاتفاق فهو تأمين عيني غير حيازي إذ يبقى المدين الراهن حائزا للعقار
يتصرف فيه باعتباره مالكا له بجميع أوجه التصرف رغم وجود رهن على ذلك العقار.
وبما أن الأصل في الرهن العقاري الرهن الاتفاقي، فإن هذه الدروس ستخصص للبحث في تنظيمه ونظامه.
ويتميز الرهن العقاري بعدة خصائص تختلف بحسب ما إذا نظرنا إلى هذا التأمين العيني غير الحيازي كعقد أو كحق
عيني.
أ. خصائص الرهن العقاري كعقد
تتمثل هذه الخصائص فيما يلي:
1. الرهن العقاري من عقود الضمان:
و يعني ذلك أن هذا العقد شرع من أجل ضمان استخلاص دين معين فالرهن يهدف الى حماية الدائن المرتهن من أجل
استخلاص دينه عن طريق هذا الضمان و على هذا الأساس يعتبر عقد الرهن من عقود الضمان.
2. الرهن العقاري عقد شكلي:
لا يصح تطبيقا للفصل 275 من م. ح. ع الا بكتب يعين به ذات العقار المرهون و مبلغ الدين المضمون. و في غياب
هذا الكتب يبطل العقد بطلانا مطلقا اذ جاء بالفصل 275 من م. ح. ع ما يلي "لا يصح الرهن العقاري الا بكتب تعين به
ذات العقار المرهون و مبلغ الدين". و على هذا الاساس يمكن القول أن الشكلية خاصية هامة في عقد الرهن العقاري
تجعله ينتمي الى عائلة العقود الشكلية.
3. الرهن العقاري عقد تابع:
التبعية هي خاصية جوهرية في التأمينات العينية عموما ومن بينها الرهن العقاري إذ لا يمكن الحديث عن عقد رهن
دون وجود دين أصلي أي علاقة شخصية بين دائن و مدين لضمان استخلاصه.
4. الرهن العقاري عقد ملزم لجانب واحد:
عقد الرهن العقاري هو عقد ملزم للمدين الراهن و لا يتحمل الدائن المرتهن أي التزام لأن حيازة المرهون تبقى بيد
الطرف الأول أي المدين. و على هذا الأساس يكون هذا الأخير ملزما بحفظ المرهون و صيانته و يلزم بأن لا يفعل
بالعقار المرهون ما من شأنه أن ينقص في قيمته بالنسبة الى ما كان عليه زمن ابرام العقد. كما يلزم المدين الراهن بأن
لا يمنع الدائن المرتهن من ممارسة الحقوق الناشئة له من الرهن تطبيقا للفصل 207 من م. ح. ع الذي نص صراحة:
على أنه "ليس للراهن أن يفعل بالمرهون ماينقص قيمته بالنسبة لما كان عليه وقت العقد و لا ما يمنع المرتهن من
إجراء الحقوق الناشئة له من الرهن ".
ب. خصائص الرهن العقاري كحق عيني:
1. الرهن العقاري حق عيني:
يندرج الرهن العقاري ضمن قائمة الحقوق العينية العقارية بتنصيص صريح ورد صلب الفصل 12 من م. ح. ع
المتضمن لقائمة حصرية من الحقوق العينية العقارية. و باعتباره حقا عينيا عقاريا، يمنح الرهن العقاري صاحبه (أي
الدائن المرتهن) صلاحيتين أساسيتين:
الصلاحية الأولى: حق الأفضلية التي تمكنه من استيفاء دينه من ثمن بيع العقار المرهون بأفضلية قبل غيره من
الدائنين العاديين و الدائنين المرتهنين التالين له في المرتبة .
الصلاحية الثانية : هي صلاحية حق التتبع: يمارس هذه الصلاحية الدائن المرتهن في صورة انتقال ملكية
العقار المرهون من المدين الراهن الى المالك الجديد تخوله عقلة المرهون و بيعه بيعا جذريا.
و تجدر الاشارة في هذه الخصوص الى أن المشرع نص صراحة على هذه الصلاحية في الرهن العقاري في الفصلين 270 و 280 من م. ح. ع و اعتبرها مثل حق الأفضلية من ماهية الحقوق العينية التبعية.
2. الرهن العقاري حق عيني تبعي:
يرمي الرهن العقاري الى ضمان استخلاص الدين بما يجعله تابعا للعلاقة الأصلية فيرتبط بها من حيث وجوده و
انقضائه. و على هذا الأساس، تتخذ هذه التبعية المظاهر التالية التي تمثل في ذات الوقت نتائجها:
لا ينشأ الرهن العقاري إلا إذا وجد دين سابق. أسبقية الدين على الرهن تمثل المبدأ.
لكن يجب الاشارة الى أن لهذا المبدأ استثناء تضمنه الفصل 206 من م. ح. ع الذي أجاز تكوين عقد رهن
لضمان دين محتمل أو مستقبل كضمان الاعتماد المفتوح l'escompte أو لحساب جاري إذ نص هذا الفصل
على أنه "يجوز أن يكون الرهن ضمانا لاعتماد مفتوح أو لمجرد فتح حساب جاري أو لدين مستقبل أو
محتمل أو معلق على شرط على أن يحدد في عقد الرهن مبلغ الدين المضمون أو الحد الأقصى الذي يمكن أن
ينتهي إليه هذا الدين ".
اذا قضي ببطلان الدين أي بطلان العلاقة الأصلية أو العقد الأصلي أو اذا انقضى الدين بأي سبب من أسباب
الانقضاء كالوفاء به مثلا فان الرهن أيضا يبطل في الحالة الأولى و ينقضي في الحالة الثانية.
3. الرهن العقاري حق عيني لا يتجزأ:
خاصية عدم التجزئة و التي تمثل في الواقع خاصية عامة بالنسبة لكل التأمينات العينية إلا أن خصوصية هذه الخاصية
في الرهن العقاري تبرز من خلال التنصيص الصريح من المشرع في الرهن عليها على خلاف بقية التأمينات العينية
إذ جاء بالفصل 208 صراحة أن "الرهن غير قابل للتجزئة و يبقى بكامله على كل جزء من الشيء الذي هو
موضوعه و يضمن جملة الدين ".
الفقهاء أجمع على أن عدم التجزئة خاصية تتعلق بكل التأمينات العينية و الفصل 208 ورد بالأحكام العامة بالرهن
أي أن هذه الخاصية تهم رهن العقار و رهن المنقول.
و يقصد بعدم التجزئة أن كامل العقار المرهون و كل جزء منه يضمن كامل الدين و كل جزء من الدين مضمون
بكامل العقار المرهون. و على هذا الأساس، اذا قام المدين بالوفاء بجزء من الدين فان الرهن العقاري يبقى بكامله
ضامنا للجزء من الدين الذي لم يقع الوفاء به. كما أنه اذا وقعت قسمة العقار المرهون مثلا يبقى الرهن العقاري بكامله
و يكون كل جزء من العقار ضامنا لجملة الدين.
مبحث 1: تكوين الرهن العقاري
باعتباره عقدا، يخضع الرهن العقاري في تكوينه الى الأحكام العامة المتعلقة بكل العقود و خاصة ما ورد منها صلب
الفصل 2 من م. ا. ع و لكن مع ذلك يخضع الرهن العقاري لأحكام خاصة به سواء فيما تعلق بشكله أو بجوهره.
فقرة 1: الشروط الجوهرية للرهن العقاري
تتعلق هذه الشروط بأهلية الأطراف المتعاقدة من ناحية و الدين المضمون من ناحية أخرى و المحل المرهون من
ناحية أخيرة.
أ. أهلية الأطراف
يتكون عقد الرهن بين طرفين: المدين الراهن والدائن المرتهن لذلك وجب التمييز بين أهلية كل منهما.
1. أهلية المدين:
تتجه الاشارة الى أن الرهن هو العقد الي يخصص به المدين أو من يقوم مقامه مالا معينا عملا بالفصل 201 من
م. ح. ع فالمدين الراهن يمكن أن يكون المدين الأصلي كما يمكن أن يكون أيضا شخصا آخر يسمى معير الرهن أو
الكفيل العيني.
إذا كان الراهن هو المدين الأصلي فان الأهلية المشترطة فيه هي أهلية التصرف أي الأهلية الكاملة ببلوغ 18 سنة
بموجب قانون 26 جويلية 2010 لأن عقد الرهن يعتبر من العقود الدائرة بين الضرر و النفع عموما و لكنها من
العقود الضارة بالنسبة للمدين. و بناء على ذلك، يكون قابلا للابطال الرهن الذي يبرمه الصغير المميز البالغ سن 13
سنة كاملة دون مشاركة وليه أو اذا لم يقم هذا الأخير باجازته.
أما اذا كان الراهن كفيلا عينيا، في هذه الصورة يشترط أن تتوفر فيه أهلية التبرع التي تعني أن يكون معير الرهن
بالغا سن الرشد 18 سنة كاملة و أن يكون غير محجور عليه لأي سبب من أسباب الحجر. و يتبرر اشتراط أهلية التبرع في جانبه باعتبار عقد الرهن بالنسبة الى الكفيل العيني يعد من العقود الضارة ضررا محضا. وبناء على ذلك،
اذا أبرم الصغير المميز رهنا عقاريا لضمان استخلاص دين لم يكن طرفا فيه فان هذه الرهن يكون باطلا بطلانا مطلقا
حتى لو تمت إجازته من قبل وليه تطبيقا للفصل 16 من م. ا. ع .
2. أهلية الدائن المرتهن:
على خلاف الدائن الاصلي و الكفيل العيني، يعتبر الرهن بالنسبة الى الدائن المرتهن عقد من العقود النافعة نفعا
محضا. لذلك، يكفي أن تتوفر فيه أهلية التمييز. فإذا أبرم الصغير المميز الذي تجاوز عمره 13 سنة رهنا عقاريا
بوصفه دائنا فإن ذلك الرهن يعتبر صحيحا.
لكن من الجدير في هذه الخصوص أن نشير الى القاعدة الخاصة الواردة بالفصل 204 من م. ح. ع التي نصت على أنه
"من ليس له شراء ما ذكر بالفصول من 566 الى 570 من مجلة الالتزامات و العقود ليس له تسلمه على وجه
الرهن". بموجب هذا النص، تم منع بعض الأشخاص كالقضاة و كتاب المحاكم و المحامون و العدول من ابرام رهن
على العقارات المتنازع فيها.
ب. الدين المضمون:
مبدئيا، كل دين يمكن أن يكون مضمونا بالرهن العقاري إذا توفرت فيه شروط منها أن يكون هذا الدين موجودا عند
إبرام عقد الرهن. يتعلق هذا الشرط إذن بأسبقية الدين على الرهن.
و لئن كان هذا المبدأ، فلقد استثنى المشرع بعض الحالات التي أجاز فيها صراحة إبرام الرهن قبل نشأة الدين عملا
بالفصل 206 من م. ح. ع " يجوز أن يكون الرهن ضمانا لاعتماد مفتوح أو لمجرد فتح حساب جار أو لدين مستقبل أو
محتمل أو معلق على شرط على أن يحدد في عقد الرهن مبلغ الدين المضمون أو الحد الأقصى الذي يمكن أن ينتهي
اليه هذا الدين. ". مع العلم أن هذه القاعدة الواردة ضمن الأحكام العامة المتعلقة بالرهن تنطبق في رهن العقار كما في
رهن المنقول.
ج. المحل المرهون:
جاء بالفصل 271 من م. ح. ع ما يلي: "لا تقبل الرهن العقاري الا الحقوق العينية التالية:
- 1 - الملكية القابلة للبيع و الشراء
- 2 - حق الانتفاع مدة قيامه
- 3 - الانزال
- 4 - الأمفيتيوز مدة قيامه
- 5 - حق الهواء. ".
على أن الحقوق العينية الثلاث الأخيرة )الانزال / الأمفيتيوز / حق الهواء( قد تم تحجير التعامل بها من تاريخ صدور
م. ح. ع سنة 1965 لكن الحقوق التي نشأت قبل هذا التاريخ بقيت نافذة وفق التشريع الذي نشأت في ظله و هو ما يبرر
ذكرها في هذا النص. و لكن نعتقد أنه حان الوقت لتنقيح هذا الفصل و مواكبة ما هو معمول به.
وبناء على ما تقدم، تقعد الملكية تطبيقا للفصل 271 من م. ح. ع من أبرز الحقوق العينية العقارية القابلة للرهن و قد
عرفها المشرع صلب الفصل 17 من م. ح. ع " الملكية هو الحق الذي يخول صاحب الشيء وحده استعماله و استغلاله
و التفويت فيه" و هوا ما يفهم منه أن الملكية المقصودة في الفصل 271 هي هذه الملكية التامة التي تمكن صاحبها من
استعمالها واستغلالها و التصرف فيها على خلاف الملكية الناقصة و هي التي تجزأ بين شخصين: المالك له حق
الرقبة و شخص اخر له حق المنفعة أو حق الانتفاع فيتمتع هذا الأخير بسلطتي استعمال الشيء و استغلاله فيكون
كلاهما صاحب عيني عقاري الأول صاحب حق الرقبة أو التصرف و الثاني صاحب حق الانتفاع.
و عملا بالفصل 271 المذكور يتسلط الرهن العقاري على حق الإنتفاع فهذا الحق العيني العقاري يقبل الرهن بصريح
الفصل المذكور و يعرف حق الانتفاع بكونه "الانتفاع هو الحق في استعمال شيء على ملك الغير و استغلاله مثل
مالكه لكن بشرط حفظ عينه" تطبيقا للفصل 142 من م. ح. ع .
و يتسلط الرهن العقاري على الانتفاع في ذاته مدة قيامه و يترتب على ذلك أنه اذا انقضى حق الانتفاع لأي سبب من
الأسباب الواردة بالفصل 157 من م. ح. ع :
- موت المنتفع
- انتهاء مدة الانتفاع
- اجتماع حقي الانتفاع و الملكية في شخص واحد
- عدم ممارسة حق الانتفاع لمدة 5 سنوات
- ينتهي حق الانتفاع بهلاك العين
← ينقضي تبعا لذلك الرهن العقاري و هو ما يؤكد هشاشة و ضعف الرهن العقاري المسلط على حق الانتفاع
و الجدير الذكر أيضا أنه خارج الحقوق العينية القابلة للرهن العقاري المحددة حصرا بالفصل 271 لا تقبل بقية
الحقوق العينية الأخرى بالفصل 12 من م. ح. ع الرهن العقاري كحق الاستعمال و السكنى و الارتفاق. كل هذه الحقوق
لا تقبل البيع و لا الرهن عملا بالقاعدة العامة "ما جاز بيعه جاز رهنه " (205 م. ح. ع( و العكس صحيح "ما لا يجوز
بيعه لا يجوز رهنه".
وبناء على ذلك، فإن الحقوق العينية القابلة للرهن العقاري هي الملكية و الانتفاع و المال أو الشيء محل هذه الحقوق
عقارا طبيعيا و ملحقاته و تحسيناته تطبيقا للفصل 272 من م. ح. ع في فقرته 1 " يشمل الرهن جميع ملحقات الرهن
المرهون و ما زيد فيه من تحسينات ".
و يقصد بالملحقات العقارات الحكمية أو كما تسمى العقارات بالتخصيص ) 9 و 10 م. ح. ع( كما تشمل هذه الملحقات
حقوق الارتفاق النافعة للعقار المرهون كحق المرور.
و بالاضافة الى ملحقات العقار يشمل الرهن العقاري التحسينات و يقصد بها الاضافات الحاصلة لفائدة العقاري
الطبيعي كالبناءات مثلا.
ان شرط المحل في الرهن العقاري يثير مسألتين هامتين: تتعلق الأولى بمدى جواز الرهن العقاري المعلق على شرط
أما الثانية فتتعلق بمدى امكانية رهن العقار الشائع.
في خصوص المسألة الأولى تقتضي الاجابة عنها الرجوع للفصل 202 من م. ح. ع " من ليس له على الشيء الا حق
قابل للفسخ أو للابطال أو معلق على شرط فرهنه للشيء لا يكون الا بالشرط أو الفسخ نفسه ".
فملكية محل الرهن العقاري قد ترد مشروطة لاقترانها بشرط تعليقي أو فاسخ. في هذه الصورة، يصح الرهن
العقاري لكنه يبقى خاضعا لنفس احتمالية الشرط و معنى ذلك أن مآله يتوقف على مآل ذلك الحق )أي حق الملكية
ذاته( و هو ما يجيز القول أن الرهن المعلق على شرط لا يحقق بالنسبة الى الدائن المرتهن الا ضمانا واهيا.
أما بالنسبة للمسألة الثانية متعلقة برهن العقار الشائع و الشيوع كما عرفه الفصل 56 من م. ح. ع " هو اشتراك شخصين
فأكثر في ملكية عين أو حق عيني غير مفرزة حصة كل منهم". فان الرهن العقاري الشائع بنص صريح هو الفصل
59 من م. ح. ع " لكل من الشركاء بيع منابه و احالته و رهنه و التفويت فيه بعوض أو بدونه الا اذا كان حقه مختصا
بذاته". يفهم من هذا الفصل جواز رهن العقار الشائع في حدود المناب المشاع أما إذا تعدى الرهن حدود المناب
المشاع ينطبق في هذه الصورة حكم رهن ملك الغير و الرجوع لمقتضيات الفصل 203 من م. ح. ع "يصح رهن ملك
الغير اذا أجازه المالك أو صار المرهون ملكا للراهن"
فقرة 2: الشروط الشكلية للرهن العقاري
يشترط في الرهن العقاري ثلاثة شروط: الكتب، الترسيم و الرخص الادارية.
أ. الكتب:
جاء بالفصل 275 م. ح. ع : " لا يصح الرهن العقاري الا بكتب تعين به ذات العقار المرهون مبلغ الدين". و هو ما يفهم
منه ان الكتب شرط لصحة الرهن العقاري فيكون بذلك الرهن العقاري عقد شكلي الذي لا يكفي فيه التراضي بين
الطرفين بل تستوجب شكلية الكتب لصحته وإذا غاب الكتب بطل العقد بطلانا مطلقا.
ويشترط بالكتب أن يكون محررا بالبلاد التونسية وهو ما نص عليه الفصل 274 م. ح. ع : " الكتب المحرر ببلد أجنبي
لا يمكن أن يرهن به عقار كائن بالبلاد التونسية أو أن يعتمد لتسليط رهن عليه ".
وعقد الرهن العقاري هو العقد الوحيد المستثنى من قاعدة خضوع العقد لقانون بلد التحرير.
ويشترط أيضا في كتب الرهن ان يتضمن مجموعة من البيانات التي تتعلق بالعقار المرهون بتعيينه من حيث مساحته
وموقعه وغير ذلك من المعطيات المتعلقة به. كما تتعلق البيانات بالدين المضمون من حيث مقداره.
وقد يكون الكتب المشترطة فيه البيانات كتبا رسميا أو كتبا خطيا إذ لم يحدد الفصل 275 م. ح. ع نوعا معينا أو صيغة
للكتب.
كما يجب الإشارة أيضا إلى أنه إذا كان العقار المرهون مسكنا يملكه الأب وتتمتع فيه الحاضنة والمحضون بحق البقاء
يشترط في هذه الصورة التنصيص على حق البقاء في الرهن تطبيقا للفقرة 5 من الفصل 56 م. أ. ش المنقح بالقانون
الصادر في 14 مارس 2008.
ب. الترسيم:
لقد أخضع المشرع الرهن المسلط على عقار مسجل الى الترسيم الذي كان يلعب وظيفة احتجاجية قبل سنة 1992
ومنذ هذا التاريخ أصبح للترسيم مفعول منشئ بمقتضى مبدأ المفعول المنشئ للترسيم. ينص الفصل 278 م. ح. ع : " لا
يتكون الرهن العقاري إلا بعد ترسيمه... ".
وبوصفه كتبا خاضعا للترسيم فقد أخضعه المشرع إلى قواعد خاصة تتعلق أساسا بالأشخاص المؤهلين لتحريره و هم
إدارة الملكية العقارية وأعوانها المكلفون بمهمة التحرير وعدول الإشهاد والمحامون المباشرون غير المتمرنين.
وتعتبر العقود المحررة من غير هؤلاء باطلة بطلانا مطلقا عملا بالفصل 377 م. ح. ع – مكرر. وهو ما يستفاد منه أن
شرط التحرير الوجوبي من الأشخاص المذكورين يهم صحة عقد الرهن العقاري الموظف على عقار مسجل خاضع
للترسيم لنشأة الحق العيني.
إلا أنه يجب الإشارة إلى أن الترسيم في هذه الصورة ليس شرطا لصحة العقد بل شرط لتكوين الحق العيني. وهو ما
يعني أن في غيابه يكون العقد صحيحا ولكن الحق العيني لا يتكون.
بالنسبة الى العقار غير المسجل يتجه الرجوع الى الفصل 279 م. ح. ع : " بالنسبة للعقار غير المسجل فإن الترسيم
بسجل الملكية العقارية يعوض بالتنصيص على الرهن برسم الملكية بواسطة عدلين ".
ج. الرخص الإدارية:
هي شرط فرضه المشرع في حالات استثنائية وهي شرط لصحة الرهن العقاري يترتب على غيابها بطلان عقد
الرهن.
من أهمها رخصة الوالي التي أوجبها المشرع لأول مرة بمقتضى أمر 4 جوان 1957 والتي حصر مجالها بموجب
مرسوم 21 سبتمبر 1977 في العقود التي يكون أحد طرفيها أجنبي .
وبمقتضى قانون 11 ماي 2005 ، تم إعفاء الأجانب من الحصول على هذه الرخصة إذا كان العقار موضوع التعامل
متمثلا في الأراضي أو المحلات المبنية بالمناطق الصناعية أو الأراضي الكائنة بالمناطق السياحية وكان الغرض من
التعامل فيها إنجاز مشاريع اقتصادية.
إلى جانب ذلك، يمكن الإشارة الى رخصة وزير أملاك الدولة بالنسبة الى رهن حق الانتفاع على عقار دولي فلاحي
طبق الفصل 16 من قانون فيفري 1995 المتعلق بالعقارات الدولية الفلاحية، مع ضرورة أن ينشأ هذا الرهن لضمان
القروض الرامية للاستثمار في الأراضي الفلاحية الدولية موضوع حق الانتفاع.
مبحث 2: آثار الرهن العقاري
يرتب الرهن العقاري آثارا تتعلق بأطرافه من ناحية وبالغير من ناحية أخرى.
فقرة 1: آثار الرهن العقاري بالنسبة للأطراف:
أ. آثار الرهن العقاري بالنسبة الى المدين الراهن:
تتمثل في الالتزامات المحمولة على كاهل المدين الراهن والتي تتمثل أساسا في التزامه بعدم الإنقاص من قيمة
المرهون وعدم عرقلة الدائن المرتهن عن إجراء الحقوق المترتبة له من الرهن، وهو ما يستخلص من الفصل 207
م. ح. ع : " ليس للراهن أن يفعل بالمرهون ما ينقص قيمته بالنسبة لما كان عليه وقت العقد ولا ما يمنع المرتهن من
إجراء الحقوق الناشئة له من الرهن". والمدين في الرهن العقاري يبقى حائزا للمرهون فالرهن العقاري تأمين عيني
غير حيازي. وبصفته تلك يكون ملزما بحفظ العقار المرهون وصيانته، ويكون ملزما أيضا بعدم الإنقاص من قيمته.
وبالإضافة الى ذلك، يلزم المدين الراهن بوصفه مالكا للعقار المرهون وحائزا له بالتصدي إلى الشغب سواء كان ماديا
أو قانونيا كادعاء الغير استحقاق العقار المرهون أو ادعاء حق ارتفاق على ذلك العقار.
أما إذا أخل المدين الراهن بالتزامه بعدم الإنقاص من قيمة العقار المرهون فيترتب على ذلك حلول أجل الدين
المضمون بالرجوع الى الفصل 276 م. ح. ع : " إذا هلكت العقارات المرهونة أو تعطبت بحيث أصبحت غير كافية
لضمان الدين كان للدائن الحق في طلب الوفاء بالدين. على أنه إذا كان الهلاك أو العطب بغير فعل المدين، جاز لهذا
الأخير أن يعرض لدائنه رهنا عقاريا إضافيا ".
ب. آثار الرهن العقاري بالنسبة إلى الدائن المرتهن:
لقد نظم المشرع علاقة الدائن المرتهن بالمدين الراهن. فمكن الأول من التمسك تجاه الثاني بما يلي:
أولا: بأن لا يمنعه المدين الراهن من ممارسة حقوقه الناشئة عن الرهن. مثال ذلك، قيام الدائن المرتهن
بإجراء عقلة تحفظية على العقار المرهون عند حلول الأجل ثم عقلة تنفيذية إذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه
بخلاص الدين المضمون. مثال ثان، في صورة حصول نزاع، لا يحق للمدين أن يمنع الدائن من طلب تسمية
مؤمتن عدلي على العقار المرهون .
ثانيا: إذا قام المدين بخلاص جزئي للدين المضمون بالرهن، فللدائن المرتهن مواجهته بعدم تجزئة الرهن
بالاستناد إلى الفصل 208 م. ح. ع : " الرهن غير قابل للتجزئة ويبقى بكامله على كل جزء من الشيء الذي هو موضوعه ويضمن جملة الدين". ويترتب على هذا المبدأ، أي عدم التجزئة في مواجهة المدين الراهن، في
صورة خلاص جزئي للدين المرهون، حق الدائن المرتهن في عقلة كامل العقار المرهون والتنفيذ عليه
لاستخلاص ما تبقى من دينه.
ثالثا: حق الدائن المرتهن استخلاص دينه من مبلغ التعويض الذي حل محل العقار المرهون كما في حال
الانتزاع من أجل المصلحة العامة إذ تحل غرامة الانتزاع أو العقار الذي تمت معاوضته بالعقار المنتزع
ليستخلص الدائن المرتهن دينه من تلك الغرامة بسبب تقنية الحلول العيني لها أو بحلول العقار محل
المعاوضة محل العقار المنتزع.
ويمثل الانتزاع من أجل المصلحة العامة هلاكا قانونيا للعقار المنتزع بالنسبة إلى الدائنين أصحاب الحقوق
الموظفة عليه. كما قد يكون الهلاك ماديا كالحريق الذي يلتهم العقار وما فيه. فإذا كان العقار المرهون مؤمنا
فإن مبلغ التأمين أي التعويض يحل محل العقار المرهون ليستوفي الدائن المرتهن دينه منه باستعمال تقنية
الحلول العيني لمبلغ التأمين محل العقار، وقد نص المشرع صراحة على هذه التقنية صلب الفصل 209
م. ح. ع: "ينسحب الرهن قانونا إذا تعيب المرهون أو هلك على ما بقي منه أو من توابعه وعلى ما يؤخذ من
العوض عن ذلك التعيب أو الهلاك كما ينسحب الرهن على ما يؤخذ من العوض عن انتزاعه للمصلحة
العامة وللدائن أن يتخذ الوسائل التي يراها لحفظ حقه في العوض ".
فقرة 2: آثار الرهن العقاري تجاه الغير:
ان الغير المقصود قد يكون بقية الدائنين العاديين أو المتأخرين أو الدائنين أصحاب حقوق عينية أخرى. فيترتب عن
الرهن حق أفضلية في مواجهة هؤلاء.
كما يمكن ان يكون الغير الشخص الذي انتقلت إليه ملكية العقار المرهون ويسمى واضع اليد الذي يواجه بحق التتبع
من طرف الدائن المرتهن .
أ. حق الأفضلية:
ويعني حق الدائن المرتهن استيفاء دينه بالأسبقية قبل غيره من الدائنين العاديين والدائنين التالين له في المرتبة.
وتقتضي ممارسة حق الأفضلية توفر شروط معينة .
1. شروط ممارسة حق الأفضلية:
شروط متعددة تتمثل فيما يلي:
حلول أجل الدين المضمون بالرهن العقاري
سواء كان هذا الحلول حلولا اتفاقيا إذا تم تحديد أجل الخلاص في العقد أو قانونيا كما هو الحال في حالة إفلاس
المدين أو وفاته.
تعدد الدائنين
ذلك أن الأفضلية تقتضي وجود تزاحم بين مجموعة من الدائنين، فلا يمكن للدائن أن يكون مفضلا على نفسه.
ويقابل تعدد الدائنين وحدة المدين .
وحدة محل التنفيذ
فحق الدائنين المتزاحمين يتعلق بنفس العقار المرهون.
عدم كفاية حصيلة التنفيذ
ومعنى ذلك أن يكون الثمن المتحصل عليه من بيع العقار المرهون غير كاف لخلاص جميع الدائنين.
اشهار الرهن العقاري )انظر: مقال لحاتم الرواتبي، بحوث في التأمينات العينية والشخصية( :
يختلف الإشهار حسب طبيعة العقار المرهون ان كان مسجلا أو غير مسجل.
بالنسبة الى العقارات غير المسجلة، يقع الإشهار طبق مقتضيات الفصل 279 م. ح. ع الذي ينص: "بالنسبة للعقار غير
المسجل فإن الترسيم بسجل الملكية العقارية يعوض بالتنصيص على الرهن برسم الملكية بواسطة عدلين".
ما إذا كان المرهون عقارا مسجلا، فإن إشهار الرهن يتم بواسطة ترسيمه بالسجل العقاري تطبيقا لنص الفصل 278
م. ح. ع المنقح سنة 1992 :"لا يتكون الرهن العقاري إلا بعد ترسيمه ".
وهو ما يعني أن للترسيم مفعول منشئ للرهن العقاري. فلا يتكون الحق العيني العقاري لفائدة الدائن المرتهن الا من
تاريخ الترسيم ولا يحتج به إزاء الغير الا من تاريخ ذلك الترسيم. وبذلك يكون الترسيم شرطا لتكوين الرهن بالنسبة
إلى الدائن المرتهن ويكون كذلك شرطا للاحتجاج به على الغير .
عىل أن نطاق مبدأ المفعول المنشئ للترسيم يقتضي الرجوع الى قانون 31 أكتوبر 2000 المتعلق بالعقارات المسجلة
التي لها رسوم عقارية أحدثت بمقتضى حكم بالتسجبل صادر عن المحكمة العقارية منذ 20 أفريل 1998 ، والعقارات
المسجلة التي لها رسوم عقارية تم تحيينها وفق قانون التحيين المؤرخ في 10 أفريل 2001.
أما خارج نطاق مبدأ المفعول المنشئ للترسيم أي بالنسبة الى العقارات المسجلة غير الخاضعة له، فهي تخضع الى
نفس النظام القانوني للعقارات غير المسجلة.
تحويل محل الرهن العقاري إلى قيمة نقدية:
بمقتضى التنفيذ عليه وبيعه جبريا لاستخلاص الدائن لدينه المضمون بالرهن العقاري بالأفضلية. والبيع الجبري يتم
بالمزاد العلني وفق الإجراءات القانونية المضمنة بالفصول من 410 الى 462 م. م. م. ت وتمارس ضد المدين الراهن
أو معير الرهن على حد السواء.
2. ترتيب حق أفضلية الدائن المرتهن:
قد يتزاحم الدائن المرتهن للعقار مع دائنني عاديين أو مع دائنين مرتهنين لنفس العقار. كما قد يتزاحم أيضا مع دائن أو
دائنين ممتازين ودائن أو دائنين حابسين لذلك العقار.
بالنسبة إلى الصنف الأول يتقدم الدائن المرتهن على بقية الدائنين العاديين فالترتيب في هذه الصورة لا يثير أي إشكال.
أما في خصوص التزاحم بين الدائن مع دائنين آخرين مرتهنين لنفس العقار. في هذه الصورة، يقتضي فض التزاحم
بينهم معيار الأسبقية الزمنية فتكون الأفضلية للدائن الذي رسم حقه قبل الدائنين الآخرين. فللتاريخ دور أساسي في
ترتيب الدائنين المرتهنين لنفس العقار. على أنه يجب الإشارة إلى أن "الرهون التي ترسم في يوم واحد تكون متساوية
في المرتبة ويدوم الترسيم مدة دوام الرهن " ( الفقرة 2 من الفصل 278 م. ح. ع ).
وفي صورة التزاحم بين دائن مرتهن مع دائن ممتاز، اختار المشرع أن يفض التزاحم بنفسه فنص صلب الفصل 195
م. ح. ع : " الدين الممتاز مفضل عن غيره من الديون وحتى على الديون الموثقة برهن عقاري ".
وما يلاحظ في هذا الخصوص أن المشرع لم يفرق بين الامتياز العام والامتياز الخاص لذلك فان الافضلية تتعلق
بالدائن الممتاز سواء كان امتيازه عاما أو خاصا.
والامتياز العام الذي يتسلط على عموم عقارات ومنقولات المدين على خلاف الامتياز الخاص الذي يكون وعاؤه عينا
معينة عقارا أو منقولا. كما يلاحظ أيضا أن منح حق الأفضلية المطلقة للدائن الممتاز على الدائن المرتهن تمثل حدا
هاما لنجاعة الرهن العقاري.
النسبة إلى صورة تزاحم الدائن المرتهن للعقار مع الدائن الحابس لنفس ذلك العقار، فعلى خلاف الصورة السابقة لم
يعط المشرع حلا صريحا و لا ضمنيا. هذا ما ولد آراء مختلفة.
فذهب الرأي الأول الى القول بأفضلية الدائن الحابس على الدائن المرتهن وحجته الأولى في ذلك تلك السيطرة الفعلية
التي يتمتع بها الدائن الحابس على العقار المحبوس والمرهون في نفس الوقت. )انظر رابعة الغندري، حبس العقار(.
ذلك أن حق الحبس من التأمينات العينية الحيازية فحيازة الدائن الحابس للعقار تجعله متقدما على الدائن المرتهن لنفس
ذلك العقار. أما الحجة الثانية التي يستند اليها أصحاب الرأي الأول فهي تتمثل في مصدر حق الحبس وهو القانون
كالامتياز .
أما الرأي الثاني وهو الأقرب إلى المنطق يعتمد معيار الأسبقية الزمنية في فض التزاحم بين الدائن الحابس والدائن
المرتهن . فإذا كان حق الحبس سابقا لإشهار الرهن العقاري تكون الأفضلية للدائن الحابس. أما إذا كان الحبس لاحقا
لتاريخ إشهار الرهن العقاري تكون الأفضلية للدائن المرتهن. وهذا موقف سلبي أمام غياب تنصيص تشريعي صريح
من مجلة الحقوق العينية .
ب. آثار الرهن تجاه واضع اليد: حق التتبع
جاء بالفصل 270 م. ح. ع : " الرهن المرتب على عقار يتبع العقار في أية يد ينتقل إليها". وهو ما يميز الرهن العقاري
على الامتياز إذ أقر المشرع صراحة حق التتبع للدائن المرتهن للعقار في حين سكت عنه في الامتياز. وقد نظم
المشرع حق التتبع في الرهن العقاري صلب الفصول من 280 حتى 289 م. ح. ع .
ويعد حق التتبع وسيلة قانونية تمكن الدائن من ممارسة حق الأفضلية رغم اكتساب الغير لملكية العقار المرهون.
وبناء على ذلك، يمكن تعريف حق التتبع بأنه الحق الذي يخول للدائن المرتهن عقلة العقار المرهون بين يدي الغير
الذي انتقلت إليه ملكيته قصد ممارسة حق الأفضلية على المتحصل من بيعه جبريا .
وحق التتبع يمارسه الدائن المرتهن ضد الغير الذي اكتسب ملكية العقار المرهون )واضع اليد، حائز العقار، املالك
الجديد(. فما هي إذن شروط ممارسة حق التتبع؟ وما هي آثاره؟
1. شروط ممارسة حق التتبع:
تخضع شروط ممارسة حق التتبع الى:
الشروط الأصلية:
منها ما يتعلق بالدائن المرتهن ومنها ما يتعلق بواضع اليد .
الشروط الأصلية المتعلقة بالدائن المرتهن:
أولا: حلول أجل الدين
ثانيا: الحصول على سند تنفيذي
على أن الرهن المرسم يشكل أساسا كافيا للتنفيذ في العقارات المسجلة إذ يعتبر سندا مرسما على معنى الفصلين 302
و 451 م. م. م. ت يعفي صاحبه من التحصيل على سند تنفيذي عادي المتمثل في حكم أحرز على قوة اتصال القضاء أو
مأذون بتنفيذه وفق الفصل 286 م. م. م. ت .
ثالثا: اشهار الرهن العقاري طبقا للفصلين 278 و 292 م. ح. ع
الشروط الأصلية المتعلقة بواضع اليد:
أولا: انتقلت إليه ملكية العقار المرهون بأي سبب من الأسباب المكسبة للملكية تطبيقا للفصل 281 م. ح. ع في
الفقرة 2 منه : " ويعتبر واضعا يده على العقار كل من انتقلت إليه بأي سبب من الأسباب ملكية هذا العقار أو
أي حق عيني آخر عليه قابل للرهن". و أسباب انتقال الملكية هي التي حددها الفصل 22 م. ح. ع .
ثانيا: لا يكون واضع اليد مدينا شخصيا للدائن. والمدين الشخصي هو الذي يلتزم بأداء الدين في كامل ذمته
المالية.
ثالثا: لا يكون انتقال الملكية الى واضع اليد مندرجا في إطار التفويتات التي تطهر العقار من الرهون
الموظفة عليه كالبيع الجبري للعقار بالمزاد العلني أمام المحكمة ) 481 م. م. م. ت( أو انتزاع العقار من أجل
المصلحة العمومية لأن التطهير ينقضي به حق التتبع ويبقى معه حق الأفضلية على التعويض.
الشروط الشكلية:
تتمثل في الإعلام والإنذار تطبيقا للفصل 283 م. ح. ع ويتوجه الإعلام الى المدين الأصلي قبل الشروع في إجراءات
العقلة والغاية من الإعلام حث المدين على الوفاء بالدين. أما الإنذار فيوجهه الدائن المرتهن الى واضع اليد لينذره
بالدفع أو بالتخلي عن العقار المرهون.
و يتم الإعلام والإنذار طبق الصيغة القانونية أي بواسطة محضر يحرره عدل تنفيذ يتضمن وجوبا العقار موضوع
التتبع )العقار المرهون( و مبلغ الدين المضمون بالرهن. وبالاضافة الى ذلك، يجب أن يتضمن الإنذار التنصيص على
أجل 30 يوما مخول لواضع اليد لاتخاذ القرار إما بالدفع، أي خلاص الدين المتخلد بذمة المدين الراهن أصلا و فوائد،
أو بالتخلي عن العقار المرهون أي التخلي عن ملكيته.
← لا يمكن الحديث عن حق التتبع اذا لم تنتقل الملكية إلى المالك الجديد.
2. آثار ممارسة حق التتبع: خيارات واضع اليد
مقابل حق التتبع الذي يتمتع به الدائن المرتهن، أقر المشرع لفائدة واضع اليد عدة خيارات لمواجهة حق التتبع و هي:
الخيار الأول: لواضع اليد الحق في أن يدفع بما يمكن أن يدفع به المدين تجاه دائنيه
لواضع اليد الحق في أن يدفع بما يمكن أن يدفع به المدين تجاه دائنيه و هي دفوعات متعلقة بالدين الأصلي كالدفع
ببطلانه أو بانقضائه أو بخلاصه. فله أن يدفع حق التتبع بأي وجه من أوجه انقضاء الالتزام كما حددها الفصل 339
من م. ا. ع .
الخيار الثاني: لواضع اليد أن يتخذ موقفا سلبيا بأن لا يحرك ساكنا أمام الاجراءات التي يقوم
بها الدائن المرتهن
يمكن أن يتخذ واضع اليد موقفا سلبيا بأن لا يحرك ساكنا أمام الاجراءات التي يقوم بها الدائن المرتهن أي أن لا يعبر
عن موقفه ازاء الانذار الموجه اليه فلا يدفع الدين و لا يتخلى عن العقار لكنه فضل أن يكون متفرجا و أن يتخلى عن
دوره كلاعب. في هذه الصورة، لا يبقى أمام الدائن الا أن يستمر في ممارسة اجراءات التنفيذ و البيع بالمزاد العلني
للعقار المرهون وفق الاجراءات المحددة بم. م. م. ت .
الخيار الثالث: التطهير
التطهير إجراء اختياري يمارسه واضع اليد بعرض ثمن العقار المرهون اذا كان مصدر ملكيته عقد بيع و شراء أو
قيمته اذا اكتسبه بوجه اخر غير الشراء كالهبة مثلا.
و اذا ما قبل الدائن المرتهن ذلك العرض يقع تطهير العقار من الرهن أو الرهون الموظفة عليه. و قد نظم المشرع
خيار التطهير ضمن الفصول من 192 الى 302 من م. ح. ع. أما اذا رفض الدائن المرتهن العرض المقدم من واضع
اليد، في هذه الصورة يقع بيع العقار بالمزاد العلني مع عرض زيادة في الثمن بقدر لا يقل عن ⅙ الثمن أو قيمته.
و يعتبر التطهير خيارا لمصلحة واضع اليد الذي يمكنه التخلص من الحقوق الموظفة على العقار المرهون و الاحتفاظ
بملكيته في صورة قبول الدائن المرتهن فردا أو جماعة لذلك العرض. أما بالنسبة لهذا الأخير أو هؤلاء )الدائن المرتهن أو مجوعة الدائنين المرتهنين( فقد يكون التطهير إجراء خطيرا خاصة بالنسبة الى ذوي المراتب المتأخرة
الذي يفقدون رهنهم على العقار بقطع النظر عن الخلاص الفعلي لجميع ديونهم.
الخيار الرابع: التخلي عن العقار
و هو خيار تم التنصيص عليه صراحة صلب الفصل 284 من م. ح. ع " يمكن لواضع اليد ان لم يكن مطلوبا شخصيا
)كأن يكون مدينا متضامنا( أن يتخلى عن العقار". و يتم التخلي عن العقار المرهون بكتابة المحكمة التي يوجد
بدائرتها العقار المرهون. مع الإشارة إلى أنه إذا كان المرهون عقارا مسجلا، يلزم كاتب المحكمة بأن يعلم ديوان
الملكية العقارية بالتخلي عن العقار المرهون ليتولى هذا الأخير )ديوان الملكية العقارية( التنصيص على التخلي برسم
الملكية.
و يترتب عن ممارسة إجراء التخلي تعيين مؤتمن عدلي بطلب من أحرص الطرفين يباع على يده العقار وفق
اجراءات البيع الجبري وهو ما تم التنصيص عليه صراحة صلب الفصل 285 من م. ح. ع .
الخيار الخامس: قيام واضع اليد بخلاص كامل الديون أصلا و فوائضا بمواجهة حق التتبع:
قيام واضع اليد بخلاص كامل الديون أصلا و فوائضا لمواجهة حق التتبع و هو ما يعبر عن رغبته في التمسك بملكيته
للعقار فيكون في هذه الصورة بمثابة المهاجم إذا كان لديه مالا كافيا لخلاص الدائنين المرتهنين.
مبحث 3: انقضاء الرهن العقاري
تعرض المشرع بالفصل 291 من م. ح. ع الى أسباب انقضاء الرهن العقاري فنص على ما يلي: "تنقضي الرهون:
- 1 - بانقضاء الالتزام الأصلي
- 2 - بتنازل الدائن عنها
- 3 - باتمام الاجراءات و الشروط والتي يفرضها القانون على واضع اليد لتطهير العقارات مما عليها من رهون ".
و بذلك يمكن تقسيم أسباب انقضاء الرهن العقاري الى نوعين: انقضاء تبعي و انقضاء أصلي .
فقرة 1: الانقضاء التبعي للرهن العقاري
يعني أن ينقضي الرهن العقاري بانقضاء الدين الأصلي ) 291 م. ح. ع( و هو أثر واضح من اثار التبعية التي تعتبر من
بين أهم خصائص التأمينات العينية، و انقضاء الالتزام الأصلي يتم بأي سبب من الأسباب الواردة بالفصل 339 م. ا. ع
الذي تضمن ما يلي: "تنقضي الالتزامات بأحد الأوجه التالية :
- 1 - الأداء
- 2 - تعذر الوفاء
- 3 - الإبراء الاختياري
- 4 - تجديد الالتزام
- 5 - المقاصة
- 6 - اختلاط الذمة
- - مرور الزمن
- 8 - الإقالة ".
للمقاربة بين الفصلين 291 م. ح. ع و الفصل 339 م. ا. ع يتجه القول أن الرهن ينقضي في كل صور انقضاء الالتزام
الأصلي لأن الرهن حق عيني تبعي يتبع الدين الأصلي نشأة و وجودا و زوالا. و لكن الانقضاء التبعي، و لئن كان
واضحا في خصوص حالاته المقررة بالفصل 339 م. ا. ع المذكور، لكنه في الحقيقي يستدعي بعض التدقيق و
التوضيح في خصوص الصورة السابعة المتعلقة بمرور الزمن )التقادم(.
فهل يسقط الدين الموثق برهن عقاري بمرور الزمن؟
لئن أقرت أغلب التشاريع المقارنة و منها القانون المدني الفرنسي سقوط الدين الموثق برهن بمرور الزمن فإن
المشرع التونسي أقر خلاف ذلك بمقتضى الفصل 390 م. ا. ع اذ نص بصفة صريحة على أنه "اذا كان للدين رهن
منقول أو عقار فان القيام به لا يسقط بمرور الزمن". و معنى ذلك أن الدين الموثق برهن على خلاف الدين العادي لا
يسقط بمرور الزمن.
هذه القاعدة الخاصة تجعل من الرهن عاملا مؤثرا في الدين لا العكس فالرهن الموثق للدين هو السبب في عدم سقوط
الدين بالتقادم وهو ما يعني أن الرهن يعطي قوة للدين. لكن لا يجب الوقوف عند هذا الحد بل وجب الرجوع الى تاريخ
نص هذه القاعدة الخاصة للفصل 390 من م. ا. ع و التي ترجع الى تاريخ 1906 أي تاريخ صدور م. ا. ع و التي كانت
تنظم أحكام الرهن بما فيها أحكام الرهن الحيازي للعقار الذي كان موجودا آنذاك لكن منذ صدور م. ح. ع سنة 1965
أصبح الرهن العقاري غير حيازي. و على هذا الأساس، يجوز القول أن الفصل 390 م. ا. ع المذكور لم تعد له إلا قيمة
تاريخية بالنسبة للرهن العقاري اذ منذ صدور م. ح. ع لم يعد لهذا النص معنى بالنسبة للديون الموثقة برهن عقاري لأن
الرهن العقاري الحيازي لم يعد موجودا. و بناءا على ذلك، يجوز القول أيضا أنه كان على المشرع تنقيح الفصل 390
من م. ا. ع و حصر عدم سقوط الدين الموثق برهن حيازي على منقول دون الدين الموثق برهن غير حيازي على
عقار.
فقرة 2: الانقضاء الأصلي للرهن العقاري
يعني أن ينقضي الرهن العقاري بصفة مستقلة عن الدين الأصلي في الحالات الصريحة الواردة بالفصل 291 من
م. ح. ع حين أشار المشرع الى تنازل الدائن عن الرهن العقاري و تطهير العقار من الرهون الموثقة عليه يعني أن
ينقضي الرهن العقاري بصفة مستقلة عن الدين الأصلي. لكن، يجب الاشارة الى أنه الى جانب هذين الصورتين
المنصوص عليهما بالفصل 291 م. ح. ع توجد صور أخرى خارجه.
أ. الصور الواردة بالفصل 291 من م. ح. ع:
أورد المشرع بالفصل 291 من م. ح. ع سببين ينقضي بهما الرهن العقاري بصفة أصلية و هما التنازل و التطهير.
(انظر كتاب "التنازل عن الحق العيني" - حاتم المحمدي ).
1. التنازل عن الرهن العقاري:
و هو ترصف إرادي يصدر عن الدائن المرتهن باعتباره صاحب الحق العيني والمستفيد بالتأمين. والسؤال الذي
يطرح: هل يمكن للدائن المرتهن أن يتنازل عن جزء من الرهن دون كامله؟ هي يصح التنازل الجزئي؟
الجواب بالإيجاب. والحجة في ذلك أنه إذا كان بإمكان الدائن المرتهن أن يتنازل عن كامل الرهن فمن باب أولى
وأحرى تمكينه من التنازل عن جزء منه عملا بالقاعدة العامة "من أمكنه الأكثر أمكنه الأقل".
ولكن ألا يمكن مواجهته بعدم تجزئة الرهن؟
للجواب يصح القول إن قاعدة عدم التجزئة شرعت لحماية الدائن فقط وهي الا تهم النظام العام. وعليه يمكن للدائن
المرتهن أن يتنازل عن كامل الرهن أو عن جزء منه. فمن أمكنه الأكثر أمكنه الأقل.
2. التطهير Le purge:
هو سبب لانقضاء الأثر العيني المتمثل td حق التتبع. فالتطهير ينقضي به حق التتبع بصفة أصلية دون حق التفضيل
الذي يستمر اىل حتى استخلاص الدين الذي يقع عرضه من قبل واضع اليد.
ب. الصور الخارجة عن الفصل 291 من م. ح. ع:
1. صورة الهلاك الكلي للعقار المرهون:
شريطة أن لا يكون العقار المرهون محل تأمين ) assurance ( ترتب عنه تعويض أو غرامة مالية من أجل الانتزاع
من أجل المصلحة العامة تم تعويض المنتزع منه و هو المدين بغرامة مالية أو بعقار اخر لأنه في هذه الحالات لا
ينقض الرهن العقاري بل يحل التعويض أو غرامة الانتزاع محل العقار المرهون.
و بذلك يجب القول بأنه يشترط في الهلاك كسبب لانقضاء الرهن بصفة أصلية أن يكون كليا، لأنه في صورة الهلاك
الجزئي ينسحب الرهن قانونا على ما تبقى من العقار. هذا ما يستخلص من منطوق الفصل 209 م. ح. ع : " ينسحب
الرهن قانونا إذا تعيب المرهون أو هلك على ما بقي منه أو من توابعه وعلى ما يؤخذ من العوض عن ذلك التعيب أو
الهلاك كما ينسحب الرهن على ما يؤخذ من العوض عن انتزاعه للمصلحة العامة و للدائن أن يتخذ الوسائل التي
يراها لحفظ حقه في العوض". وبناء عليه، لا ينقضي الرهن العقاري إلا في صورة الهلاك الكلي للعقار المرهون
ودون حلول عقار آخر محله.
2. اجتماع الملكية و حق الرهن في يد الدائن المرتهن:
ينقضي الرهن العقاري بصفة أصلية إذا أصبح الدائن المرتهن مالكا للعقار المرهون بمقتضى الشراء أو الميراث الا
إذا تزاحم هذا الدائن المرتهن مع دائنين آخرين مطالبين ببيع العقار وخلاص ديونه. في هذه الصورة، ينقضي الرهن
ويبقى الدائن محتفظا بحقه في الأفضلية.
إرسال تعليق