لا خلاف في أن دائرة الشغل تعد محكمة استثنائية بمقارنتها بمحاكم الحق العام و تتجلى هذه الخصوصية على عدة مستويات منها ما يتعلق بالقيام بالدعوى (الجزء الأول) و منها ما يتعلق بطرق الطعن ( الجزء الثاني ).
(الجزء الأول): إجراءات القيام بالدعوى الشغلية:
تمثل إجراءات القيام أمام دائرة الشغل استثناء للقواعد العامة المضمنة بمجلة المرافعات المدنية و التجارية ذلك أن إجراءات الدعوى الشغلية جاءت مبسطة و تتجلى تلك البساطة على مستوى تقديم الدعوى ( الفقرة الأولى ) و استدعاء المدعى عليه (الفقرة الثانية) والنيابة لدى دائرة الشغل (الفقرة الثالثة) وسير الدعوى (الفقرة الرابعة) و مجانية التقاضي (الفقرة الخامسة ).
(الفقرة الأولى): تقديم الدعوى:
وضع الفصل المشرع التونسي عدة طرق للقيام بالدعوى الشغلية يمكن ضبطها كما يلي:
- • تقدم الدعوى بمطلب كتابي يضمن فيه الطالب رغبته في رفع دعوى شغلية وعند ذلك يتولى كاتب دائرة الشغل تقييد القضية بالدفتر المعد لذلك و يسلم للطالب وصلا في الحين ينص فيه على عدد القضية و تاريخ الجلسة. (الفصل 201 م.ش. فقرة أولى)
- ويجب أن تتضمن عريضة الدعوى اسم و لقب و مهنة و مقر المدعي و المدعى عليه و موضع الدعوى و طلبات المدعي.
- • يمكن للطالب توجيه المطلب لكتابة دائرة الشغل بموجب رسالة مضمونة الوصول.
- وفي هذه الصورة فإن الوصل الذي ينص به الكاتب على عدد القضية و تاريخ الجلسة يرسل إلى المدعي أو نائبه بموجب رسالة مضمونة الوصول مع الإعلام بالبلوغ .(الفصل 201 م.ش. فقرة ثانية)
- و في كلتا الحالتين على كاتب الدائرة ترسيم العريضة يوم تلقيها في الدفتر المعد لذلك ثم يقدمها لرئيس الدائرة .
- • يمكن رفع الدعوى الشغلية مشافهة أمام دائرة الشغل شريطة حضور الخصم و هي الصورة المنصوص عليها بالفصل 203 م.ش. و تتمثل هذه الطريقة في مثول الأطراف المتنازعة أمام دائرة الشغل دون تقديم مطلب مسبق و تبعا لذلك يقضي لهم القاضي كما لو أدخلت القضية على مطلب مقدم مباشرة لكتابة الدائرة.
(الفقرة الثانية): إجراءات الاستدعاء أمام دائرة الشغل:الفصل 202 م.ش.
تتجلى خصوصية الاستدعاء أمام دائرة الشغل على مستوى طريقة الاستدعاء (1) و التنصيصات التي يجب أن يتضمنها الاستدعاء(2) و أجل الحضور(3).
1- طريقة الاستدعاء:
يتم الاستدعاء للحضور أمام دائرة الشغل بعدة طرق يمكن حصرها فيما يلي:
- • بمكتوب مضمون الوصول مع الإعلام بالبلوغ معفى من المعاليم البريدية.
- • بالطريقة الإدارية.
- • بواسطة عدل تنفيذ و ذلك بإذن من رئيس دائرة الشغل إذا لم يبلغ الاستدعاء للمدعى عليه بصفة شخصية و هي طريقة أضيفت بموجب القانون عدد 18 لسنة 2006 المؤرخ في 02 ماي 2006 و المتعلق بتنقيح و إتمام بعض أحكام مجلة الشغل.
كما يمكن استدعاء المدعى عليه بواسطة عدل منفذ بناء على طلب من المدعي طبق ما تقتضيه أحكام الفقرة الرابعة من الفصل 202 م.ش.
2- تنصيصات الاستدعاء:
يجب أن ينص المكتوب على اليوم، الشهر، السنة، اسم المدعي وحرفته و مقره، مواضيع الدعوى على اختلافها، يوم الحضور و ساعة الحضور
و تجدر الملاحظة أن السهو عن ذكر إحدى التنصيصات المذكورة أعلاه لا يترتب عنه البطلان خلافا لعدم التنصيص على أجل الحضور.
يجب أن يوجه الاستدعاء قبل ثمانية أيام من تاريخ انعقاد الجلسة.
و في صورة عدم احترام الأجل المذكور فان الاستدعاء يكون باطلا و يزول هذا البطلان بمجرد حضور المدعى عليه.
غير أنه يمكن لرئيس الدائرة أن يأذن بتوجيه الاستدعاء لأجل أقرب و حتى من ساعة إلى أخرى.
وتجدر الملاحظة أن هذه الطريقة في الاستدعاء تشمل الشهود أيضا حيث يقع استدعائهم حسب نفس الصيغ و الآجال الخاصة بالمدعى عليه طبق ما وقع توضيحه أعلاه ( الفصل 209 م.ش) و على ذلك الاساس فان استدعاء الشهود يكون بصفة مبدئية بمكتوب مضمون الوصول مع الإعلام بالبلوغ معفى من المعاليم البريدية على أن لا يقل أجل الحضور عن ثمانية أيام .
(الفقرة الثالثة) : النيابة لدى دائرة الشغل: الفصل 204 م.ش
- على خلاف محاكم الحق العام حيث تكون إنابة المحامي وجوبية أمامها فإن إنابة المحامي أمام دائرة الشغل غير وجوبية إذ يمكن للعامل أن يستعين بعامل أو عرف مباشر لنفس صنائعهم أو محام أو ينيب عنه أحدهم بشرط أن يكون بتوكيل كتابي محرر على ورق عادي أو بأسفل التكليف بالحضور أو بأسفل نسخته .أما المحامي فهو معفى من تقديم التوكيل.
- غير أنه يمكن لرئيس الدائرة أن يأمر بحضور الأطراف شخصيا و في هذه الحالة لا يمكن لهم أن ينيبوا عنهم أحدا للحضور مكانهم في الموعد المحدد لهم.
- رؤساء المؤسسات الصناعية و التجارية الذين ينيبون عنه المتصرف أو أحد مستخدمي المؤسسة يعتبرون حاضرين بأنفسهم.
(الفقرة الرابعة): سير الدعوى:
يتجه في هذا الإطار التطرق إلى الطور الصلحي (1) ثم الطور الحكمي (2).
1- الطور الصلحي: الفصل 207 م.ش.
جعل المشرع من إجراء المحاولة الصلحية أمرا وجوبيا (أ) كما حدد المكان الذي تجرى فيه(ب) و الفترة الزمنية المخصصة لإجرائها(ج) و آثار مبدأ وجوبية المحاولة الصلحية(د).
أ- مبدأ وجوبية المحاولة الصلحية:
* إن المحاولة الصلحية إجراء وجوبي و ذلك لتعلقها بالنظام العام و هو ما استقر عليه فقه القضاء من ذلك القرار التعقيبي المؤرخ في 02/12/1978 الذي جاء به " وحيث إن هذا الإجراء الذي نص عليه المشرع على وجوب مراعاته و رتب على مخالفته البطلان من الإجراءات الجوهرية التي يقوم عليها نظام التقاضي في القضايا العرفية لاعتبارات تتعلق بطبيعتها الخاصة ، فانه يغدو و الحالة تلك من المسائل المتعقلة بالنظام العام".
* يجب على المحكمة إجراء المحاولة الصحية بين أطراف النزاع وقبل الخوض في أصل الدعوى.
يجب أن تجرى المحاولة الصلحية بحجرة الشورى.
-لا يمكن تأخير القضية أكثر من مرتين للتصالح.
- لا يمكن أن تتجاوز مدة التأخير خمسة عشر يوما في كل مرة.
يمكن حصرها في اثرين يخص الأول جزاء الإخلال بالمحاولة الصلحية في حين يتعلق الثاني بحجة القرارات الصلحية .
• جزاء الإخلال بالمحاولة الصلحية :رتب المشرع على عدم إجراء المحاولة الصلحية و عدم التنصيص عليها بالحكم بطلان الحكم.
إلا أن فقه قضاء محكمة التعقيب قد أجمع على صحة إجراءات الدعوى الشغلية رغما عن تجاوز المرحلة الصلحية و ذلك في حالتين :
تخلف أحد الخصمين عن الحضور بالجلسة. وفي هذه الحالة يجب التفريق بين الصورة التي يتخلف فيها المدعي عن الحضور و الصورة التي يتخلف فيها المدعى عليه عن الحضور:
وجوبية المحاولة الصلحية لدى المجلس الابتدائي دون غيره من ذلك أن المحاولة الصلحية غير وجوبية في الطور الاستئنافي.
-حجية القرارات الصلحية :
أوجب المشرع على القاضي الصلحي أن يحرر محضرا يمضيه صحبة كاتب الجلسة و يضمنه تصريحات أطراف النزاع . و تختلف حجية المحضر المذكور بحسب ما إذا تعلق الأمر بأجزاء معترف بها أو بالأجزاء المتنازع فيها.
2-الطور الحكمي :
- إن جلسات دائرة الشغل عمومية إلا إذا كانت المرافعات من شأنها أن تمس بالنظام العام أو بالأخلاق الحميدة حيث يمكن للرئيس أن يصرح بسرية المرافعات. ( الفصل200م.ش).
- خول المشرع للقاضي الشغلي إصدار الأحكام التحضيرية المتعلقة بالاختبارات و سماع الشهود و غيرها من الوسائل التحضيرية التي تهيئ للحكم و التي من شأنها أن تساعد القاضي على تكوين رأيه في النزاع .(الفصل 209)
- يمكن للأطراف في هذا الطور تقديم جميع الملحوظات كتابيا ( الفصل 210 م.ش)
- لا يمكن تأخير القضية من جلسة إلى أخرى أكثر من خمسة عشر يوما على الأقصى ( الفصل210 م.ش)
(الفقرة الخامسة): مجانية الإجراءات :
أقر المشرع مبدأ المجانية صلب الفصل 212 م.ش. كما وضع حدودا له.
- يشمل الإعفاء حسب صريح الفصل 212 م.ش إجراءات القيام أي عريضة الدعوى و التنابيه و الأحكام و الكتائب اللازمة لتنفيذ هذه الأحكام و المعاليم البريدية و هو إعفاء شامل لجميع مراحل التقاضي ذلك أنه ينسحب على القضايا الابتدائية و الاستئنافية و تلك المرفوعة لدى دائرة التعقيب.
- الإعفاء من الرسوم القضائية لا ينسحب إلا على الدعوي التي يكون موضوعها نزاعا شغليا يكون موضوعه المطالبة بحقوق العامل الناشئة فقط عن عقد الشغل أو عقد التمرين و أطرافها خاضعين لمجلة الشغل.
- أما المصاريف التي تتطلبها الاختبارات و خاصة أجور الخبراء فيسبقها صندوق الدولة.
- تنفيذ الأحكام يقع بواسطة عدول التنفيذ الذين لا يتقاضون المبالغ الراجعة لهم إلا بطريقة الصلح من محصول التنفيذ بما يفهم معه أن مصاريف تنفيذ الأحكام ليست معفاة.
وضع المشرع حدودا لمبدأ المجانية في صورتين:
* الصورة الأولى : صورة الفصل205 م.ش.
يوجب الفصل 205 م.ش أداء معاليم النشر في صورة القيام لدى دائرة الشغل للمرة الثانية اثر طرح القضية لعدم حضور المدعي رغم بلوغ الاستدعاء إليه. و من هنا تظهر أهمية دور كتابة دائرة الشغل لأنها تراقب مسألة القيام لأول مرة و مدى أحقية القائم بالدعوى بالتمتع بمجانية القيام.
* الصورة الثانية: صورة الفصل 213 م.ش.
و لئن أعفى المشرع أطراف النزاع الشغلي من دفع المصاريف القانونية و جعلها محمولة على صندوق الدولة فإن هذا الأخير يستخلص جملة ما سبقه إثر البت في موضوع الدعوى من المحكوم عليه الذي يتحمل كامل المصاريف المستوجبة عند نشر القضية أو عند تنفيذها.
الجزء الثاني: طرق الطعن في الدعاوى الشغلية
أقام المشرع التونسي نظام الطعن في الأحكام المدنية على قاعدتين أساسيتين هما مبدأ التقاضي على درجتين و مبدأ النقض وهما مكرسان عبر طريقتي طعن مبدئيتين هما الطعن بالاستئناف (الفقرة الأولى) كركيزة أساسية لمبدأ التقاضي على درجتين و الطعن بالتعقيب (الفقرة الثانية) كركيزة لمبدأ النقض .
(الفقرة الأولى): الاستئناف: الفصول 221 إلى 226 م.ش.
أخضع المشرع الطعن بالاستئناف في المادة الشغلية لأحكام خاصة .و تتجلى هذه الخصوصية على عدة مستويات:
تستأنف الأحكام الابتدائية الصادرة عن دوائر الشغل لدى محكمة الاستئناف طبق ما يقتضيه الفصل 221 م.ش كيفما وقع تنقيحه بموجب القانون عدد 18 لسنة 2006 المؤرخ في 02 ماي 2006.
المبدأ هو أن كل حكم قابل للاستئناف.
غير أن هذا المبدأ يشهد عدة استثناءات يمكن حصرها في ثلاث:
• الاستثناء الأول: موضوع الفصل 227 م.ش: الأحكام الصادرة نهائيا غير قابلة للطعن بالاستئناف و إنما بالتعقيب و هي الأحكام المتعلقة بتسليم الوثائق التي يجب على المؤجر تسليمها للعامل طبق أحكام الفصل 216 م.ش.
• الاستثناء الثاني: موضوع الفصل 207 م.ش: المحضر الممضى من طرف الرئيس تكون له قيمة حكم غير قابل للاستئناف مهما كان مقدار المبلغ المعترف به.
• الاستثناء الثالث: يتعلق بالأحكام التحضيرية طبق أحكام الفصل 41 م.م.م.ت ثالثا إذ لا يقع استئنافها إلا مع الحكم الصادر في الأصل.
حق الطعن بالاستئناف مخول للأشخاص الذين كانوا طرفا في الدعوى الأصلية أي كانوا مشمولين بالحكم الابتدائي أو محكوما عليهم.
- آجال الطعن بالاستئناف هي ذات الآجال المعمول بها لدى محاكم الحق العام أي عشرون يوما من تاريخ بلوغ الإعلام بالحكم كما يجب للمحكوم عليه طبق ما يقتضيه الفصل 141 م.م.م.ت الذي أحال له الفصل 222 م.ش.
- لكن يمكن التمديد في أجل العشرين يوما إذا كان اليوم الأخير هو يوم عطلة رسمية.
- يرفع الاستئناف بعريضة كتابية ممضاة من الطاعن أو محاميه يقدمها إلى كتابة المحكمة الاستئنافية ذات النظر .
- تتضمن العريضة البيانات المنصوص عليها بالفقرة الثانية من الفصل 130 م.م.م.ت.
و تتمثل هذه البيانات في البيانات الواجبة بعريضة افتتاح الدعوى و على بيان الحكم المستأنف ضده و عدده و تاريخه.
- يتولى كاتب المحكمة الابتدائية بتسجيل الاستئناف بدفتر خاص.
- يسلم للمستأنف وصلا في الاستئناف و استدعاء للجلسة التي ستنشر فيها القضية بعد تقييدها بدفتر القضايا الاستئنافية
- يجب أن لا يتجاوز تاريخ نشر القضية مدة خمسة عشر يوما من تاريخ تلقي مطلب الاستئناف ثم يقوم باستدعاء المستأنف ضده للجلسة المعينة طبقا لأحكام الفصل 202 م.ش.
- يجب على الكاتب اثر ذلك أن يعلم حالا كاتب الدائرة الشغلية التي أصدرت الحكم بوقوع الاستئناف و يطلب منه توجيه ملف القضية مع نسخة إدارية من الحكم المطعون فيه ثم يتولى إضافته لملف القضية و يحيله على رئيس المحكمة لتعيين القاضي الذي سيتولى تحرير التقرير عند الاقتضاء.
(الفقرة الثانية): التــعقيب: الفصل 227 م.ش.جديد
يخضع القضاء الشغلي مثل غيره من فروع القضاء المدني لمبدأ النقض الذي يكرسه حق التعقيب .
يشترط لممارسة حق التعقيب أن يكون الحكم المطعون فيه نهائيا. و المقصود بالحكم النهائي هو أن ترفع ولاية محكمة الموضوع سواء كانت محكمة درجة أولى أو محكمة درجة ثانية عن النزاع.
يكون الحكم نهائيا في حالتين:• الحالة الأولى :هي التي نص عليها الفصل 216 م.ش. و تخص الأحكام الصادرة في الدعاوى المتعلقة بتسليم الوثائق من المؤجر إلى العامل• الحالة الثانية : الأحكام النهائية الصادرة عن محكمة الاستئناف.
تضمن الفصل 227 م.ش أن الأحكام النهائية الصادرة في المادة الشغلية يمكن الطعن فيها بالتعقيب حسب إجراءات محاكم الحق العام .
- يرفع مطلب التعقيب في أجل عشرين يوما من تاريخ الإعلام بالحكم موضوع الطعن طبق القانون : الفصل 195 م.م.م.ت.
- يرفع الطعن بعريضة كتابية يحررها محام مرسم بجدول المحامين لدى التعقيب
- يجب أن تتضمن العريضة جميع البيانات المتعلقة بأسماء الخصوم و مقراتهم و بيان الحكم المطعون في و تاريخه و المحكمة التي أصدرته .
- يتلقى الكاتب عريضة الطعن و ينص على تاريخ تقديمها و يرسمها بالدفتر و يسلم وصلا فيها متضمنا تاريخ تقديمها ثم يكاتب في توجيه الملف من المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه.
- على الطاعن أن يقدم في اجل ثلاثين يوما من تاريخ تقديم العريضة إلى كتابة المحكمة محضر الإعلام بالحكم المطعون فيه إن وقع الإعلام به و نسخة من الحكم مع نسخة مجردة من الحكم الابتدائي مع مذكرة في بيان أسباب الطعن و توضيح المطلوب نقضه مع المؤيدات و نسخة من محضر إعلام المعقب ضده من تلك المذكرة.
إرسال تعليق