للأستاذة سنية العرفاوي
أن الأشخاص
بالمعنى القانوني للكلمة هم الكائنات المؤهلة لاكتساب الحقوق فهم بعبارة أخرى
أصحاب الحقوق فهم بعبارة أخرى أصحاب الحقوق
واتفق جل رجال القانون في تحديد مفهوم الشخصية القانونية على أنها القدرة على اكتساب الحقوق
والواجبات ولا يتحقق ذلك الا بتحديد هويتها "
والهوية ظاهرة إنسانية ملازمة للكائن البشري – فردا
أو جماعة تكون ظاهرة في حالة كمون في الظروف العادية غير أنها تخرج من طور الوجود بالقوة
الى
طور الوجود
بالفعل عندما يستفزها الآخر . وتعتبر
الهوية في معناها القانوني هي جملة العناصر
والعلامات
المميزة للفرد إذ لا تكفي الشخصية القانونية بمفردها لتمييز الأفراد بعضهم عن بعض
ولابد
من عناصر تعرف
بالحالة المدنية للشخص وتحدد مركزه القانوني في المجتمع فالهوية تعد من الحقوق
الخاصة بذات
الإنسان كالحق في الحياة والحرية وان هذا الحق ينشأ بمجرد الإعلان عن ولادة الطفل
سواء
كان طفلا
شرعيا أو غير شرعي ويكفي أن يولد حيا حتى تنشأ شخصيته القانونية لتنتهي بعد ذلك
بوفاته
حيث تمثل
الفترة الزمنية بين تاريخ النشأة وتاريخ انقضاء المسيرة الحياتية والقانونية للفرد
والتي تربط
آليا باكتساب
الحقوق وتحمل الواجبات المفروضة قانونا ضمانا للتعايش السليم بين أفراد المجتمع
ووقع
بيانها صلب
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 وذلك توصلا للقضاء على كل شعور بالحرمان
أو بالنقص أو
التهميش أو الإقصاء من شأنه أن يؤدي الى ظهور فئات مهمشة أو ناقمة وسط المجتمع
وتكتسي الهوية
باعتبارها تبين انتماء الشخص أهمية خاصة بالنسبة للطفل ضرورة أن فقدانها يضر
بمصلحته
الفضلى نفسيا واجتماعيا ويحدث تمييزا بين
الأطفال على أساس المولد أو الأصل الاجتماعي
وهو ما لا
تسمح به اتفاقية حقوق الطفل التي وقع إقرارها من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة
في دورتها
الرابعة
والأربعين يوم 20 نوفمبر 1989 والتي انخرطت فيها الجمهورية التونسية بمقتضى
القانون عدد
93 لسنة 1991
المؤرخ في 29 نوفمبر 1991 في فصلها الثاني وما يتنافى جوهريا مع مبدأ المساواة
بين كافة المواطنين أمام القانون حسب الفصل 6 من دستور الجمهورية التونسية
كل هذه القوانين تفتح المجال واسعا أمام كل عناصر المجتمع بمختلف فئاته وأفراده لاكتساب الهوية
بمفهومها الحديث من جنس واسم ولقب وتاريخ
ميلاد وجنسية أن لم نقل نسبا أيضا وذلك استنادا الى
أن أغلب التشريعات المعاصرة تعترف للطفل
الشرعي بحق اكتساب لقب والديه ليحيله بعد ذلك إلى
أبنائه فيصبح اللقب وسيلة لاكتساب وضعية
عائلية شرعية ومستقرة .
لذلك بفضل النسب يلحق الطفل المولود بعائلته
التي تكون لها بفضل العادات لقبا ثابتا ومشتركا
وقابلا للإحالة بين جميع أفرادها بما يسمح له
بمعرفة والديه الحقيقيين واكتساب حقوق بمقتضى
البنوة النسبية كحقه في الهوية وخاصة اللقب
العائلي وكذلك حقه في الإرث وغيرها من الحقوق .
ولا يجد الأطفال الشرعيون أي صعوبة في التمتع
بكامل عناصر الهوية باعتبار أنها تنقل إليهم آليا
عن طريق الآباء والأجداد بينما يبرز الإشكال
خاصة بالنسبة لبعض الفئات المهمشة من اللقطاء
المهملين ومجهولي النسب .
فاللقيط في التعريف اللغوي للعبارة نجد أنها
مشتقة من مفردة لقطة واللقطة هي الشيء الملقى
والمعرض للالتقاط ، وبالرجوع لكتب الفقه نجد
أن منها من عرف اللقيط بكونه مولود نبذه أهله
فرارا من تهمة الزنا أو خوفا من الفقر أو
لسبب آخر .
وأما الطفل مجهول النسب فهو الطفل الغير
معلوم الأب أو الذي قام الأب الذي انتسب إليه بنفي
نسبه
عنه وقد يكون الطفل مجهول النسب مطلقا بمعنى لم يعرف له لا أب ولا أم .
فجاء قانون 28 أكتوبر 1998 المتعلق بإسناد
لقب عائلي للأطفال المهملين ومجهولي النسب تتويجا
كما جاء بالأعمال التحضيرية لهذا القانون
"انه في نطاق تكريس مبادئ حقوق الإنسان في كافة الميادين
وضمان هذه الحقوق للفرد داخل المجتمع ، اتجه
الاهتمام بهوية الشخص باعتبارها من الحقوق البديهية
التي يكتسبها الفرد بمجرد كونه إنسانا "
وإذ كان قانون 28 أكتوبر 1998 يتعلق بإسناد لقب عائلي
للأطفال المهملين أو المجهولي الأب إلا أن
هذا العنوان كان مخفيا لطبيعة الطفل المراد إسناد اللقب العائلي
إليه فهو ابن طبيعي لم يتولى المشرع أن يكشف
القناع بصورة واضحة وصريحة عن نوع بنوته ولقد
مكن هذا القانون لأول مرة الطفل المهمل أو
مجهول النسب من إثبات هويته الحقيقية وأقر إمكانية الطفل
القيام بدعوى في إثبات الأبوة وإسناد اللقب
العائلي الأبوي و أدى الى نتائج ايجابية تتمثل بالخصوص في
تقلص ملحوظ لعدد الأطفال مجهولي النسب .
لكن الإضافة التشريعية الجديدة والتي تعتبر
هامة في مجال حقوق الأطفال المهملين ومجهولي النسب هو
إقرار هوية افتراضية وهمية للطفل المهمل أو
المجهول النسب لتفادي بقاءه دون هوية وذلك في
صورة عدم إثبات هويته الحقيقية .
هاته الشريحة من الأطفال ، والبعض منهم لم
يعد كذلك تعاني من إشكاليات ناتجة عن حرمانها من الحق
في
الهوية مع كل ما يترتب عن هذا الأخير من آثار .
وحري بالذكر أن قيمة الحق في الهوية لا تنبع
فقط من أهمية الآثار المترتبة عنه وإنما أيضا من الأسس
التي من أجلها تم ترسيخه كحق أولي من حقوق
الشخصية ، هذه الأسس هي بالأساس نفسية و اجتماعية
ذلك أن علماء النفس والاجتماع يتفقون على
مبدأ مفاده أن الطفل مرآة عاكسة لمنشئه أي لمولده ومحيطه
الأسري ،
فللطفل حاجيات نفسية واجتماعية في أن يكون ملحقا بأمه ولكن بنفس الأهمية
وربما بدرجة
أشد
الى أبيه وذلك بواسطة حمل لقبه .
وعلى العكس من ذلك فان لم يقع إشباع غريزة
الانتماء لدى الطفل فان ذلك من شأنه أن يؤدي الى إعاقة
نفسانية لديه نتيجة لعدم الانتماء وما ينجر عنه
من انخرام التوازن النفساني واضطراب السلوك
الاجتماعي فينطلق من الإحساس
بالتهميش والإقصاء لينتهي به الأمر ربما الى النقمة على المجتمع وقد
يصل به الأمر الى الانحراف .
ولا يخلو الحق في الهوية من الأهمية اذ لا
يمكن تكوين مواطن صالح متوازن الشخصية في غياب انتساب
لعائلة ولوطن وتبرز هذه الأهمية على الأقل
على مستويين فعلى المستوى النظري تكتسي الهوية
باعتبارها تبين انتماء الشخص أهمية خاصة
بالنسبة للطفل ضرورة أن فقدانها يضر بمصلحته الفضلى
نفسيا واجتماعيا ويحدث تمييزا بين الأطفال
على أساس المولد أو الأصل الاجتماعي وهو ما يتنافى مع
مبدأ عدم التمييز المضمن بالمادة الثانية من
اتفاقية حقوق الطفل ومبدأ الحق في معرفة الجذور الذي نص
عليه الفصل 7 من نفس الاتفاقية .
وبما أن الجمهورية التونسية قد صادقت على هذه
الاتفاقية فانه أصبح لزاما عليها ملائمة تشريعها الوطني
ليكون منسجما مع التزاماتها الدولية .
أما على المستوى التطبيقي فتفيد الإحصائيات
أنه سجل في تونس سنة 1990 ولادة 711 طفلا خارج
إطار الزواج وفي سنة 1996 ارتفع هذا العدد
ليصل الى 1065 طفل مجهول النسب .
وبناءا على هذه الإحصائيات
التي تكون قد تفاقمت في الأثناء فضلا عن النسب غير المحصاة رسميا كان
لابد من التفكير في آليات جديدة تمكن الطفل
في حقه في الانتساب أي حقه في الهوية بأقدس مفاهيمها
ومعانيها ، خاصة وأن المحاكم قد اختلفت في ظل
محاولات المشرع السابقة لقانون 28 أكتوبر 1998
لتسوية وضعية شريحة خاصة من الأطفال المهملين
ومجهولي النسب فيما يخص هويتهم والتي كانت
دون الإتيان بحل دائم وشامل ، فتشددت بعض محاكم الأصل وساندتها في
ذلك محكمة التعقيب في تطبيق
النصوص المتعلقة بإثبات النسب مما أدى إلى
استحالة إثبات النسب في غياب زواج سواء كان صحيحا أو
فاسدا .
في حين أن شق آخر في فقه القضاء كان مدفوعا
بإرادة إثبات هوية وتحقيق مصلحة الطفل فتساهل في
إثبات نسب مجهولي النسب إلى حد خرق النصوص
القانونية في بعض الأحيان فكان لا بد من وضع حد
لهذا التضارب بين المحاكم وإيجاد حل لإشكاليات الهوية .
وتعتبر الهوية قيمة محورية لا يستطيع الفرد
في غيابها الارتقاء بواقعه وطموحاته نحو الأفضل وهي من
الحقوق المتصلة باحترام حياته وبابقاءه على
صلته بعائلته ووطنه ، فهي حق أولي لصيق بالشخصية
مرتبط شديد الارتباط
بالإعلان عن الولادة وهي مرتبطة كل الارتباط بأب المولود أولا ثم بالأم ، لكن إذا
كانت هذه الولادة
غير مرغوب فيها أو إذا كان الأب المفترض للطفل غير معروف فهل لهذا الطفل يمكن
أن تكون له هوية ؟
وبالتالي فان هذا
الحق يختلف بحسب وضعية الطفل أو بالأحرى بحسب كيفية قدوم أي طفل إلى هذا العالم
أخلاقيا مع مراعاة
القوانين التي يعتمدها البلد الذي ينتمي إليه عند ولادته أو البلد الذي ينتمي إليه
بالأخص
والده .
من هذا المنطلق يشعر
أي شخص ما لهذا الموضوع من أهمية ومن هنا أيضا تتبلور أهمية هذا الموضوع
وحساسيته وعليه يكون
من الوجيه طرح السؤال التالي :
ماهي صور الهوية
وآثارها على حقوق الطفل ؟
ويكون من المتجه
دراسة صور الهوية ( الفصل الأول ) وآثارها ( الفصل الثاني ) .
الفصل الأول : صور الهوية
لقد شهد تعريف مفهوم
الهوية الشخصية وإثباتها تطورا بشكل مستمر في العقود الماضية بما يمكن لنا
القول أن عملية
اكتساب الهوية لها ماض طويل ولكن تاريخها قصير ، فهي ظاهرة قديمة وظاهرة العصر
في نفس الوقت وهي
ليست بمشكلة جديدة ولكنها اليوم أصبحت تلقى اهتماما مجتمعيا ودوليا متزايدا
لارتباطها بتنامي
الاهتمام بحقوق الطفل وحقوق الإنسان ابتدأت بصفة فعلية بعد الإعلان العالمي
لاتفاقية
حقوق الطفل .
ورغم أن مفهوم
الهوية أصبح يعد مفهوما واحدا وقارا ومحددا وفق ما تضمنه الفصل 7 من اتفاقية حقوق
الطفل ليشمل أساسا
تاريخ الميلاد فاللقب فالاسم فالجنسية والإقرار بأنه حق لكل طفل منذ الولادة إلا
أن
هذاالحق يختلف بحسب
وضعية الطفل باعتبار وأنه بحكم الواقع المعاش وبحكم ما ينجر عن هذا الواقع من
حالات وذلك عبر جميع
العصور ومن أول تاريخ الإنسانية يجب أن نقر بأنه يوجد عديد الأصناف من
الأطفال وذلك بحكم
اختلاف نوعية الولادات حسب قوانين وأخلاق المجتمع وما ينتج عن ذلك من اختلاف
في أنواع الهوية من
هوية حقيقية ( المبحث الأول ) وهوية افتراضية ( مبحث ثاني ) .
المبحث الأول : الهوية الحقيقية :
تستوجب تحديد هوية
الطفل التطرق بالأساس الى مكونات الهوية ( فقرة أولى ) لكونها هي المحدد
الأساسي لشخصية
الفرد القانونية وحتى يتمكن أي شخص من ممارسة حقوقه وواجباته كما يتأكد ما
لأهمية إثبات الهوية
لكينونة الإنسان ( فقرة ثانية ) وفق إجراءات خاصة بهدف تحديد الهوية الحقيقية
للأطفال تختلف بحسب
وضعيتهم أو بالأحرى بحسب كيفية قدومهم الى هذا العالم .
تعتبر الهوية قيمة أساسية لا يستطيع الفرد في غيابها الارتقاء بواقعه
وطموحاته نحو الأفضل وهي من
الحقوق المتصلة باحترام حياته وبقاءه على صلته بعائلته ووطنه باعتبارها من
الحقوق اللصيقة بالشخصية
والهوية ظاهرة إنسانية ملازمة
للكائن البشري فردا أو جماعة تكون
ظاهرة في حالة كمون في الظروف
العادية ، غير أنها تخرج عن طور الوجود بالقوة الى طور الوجود بالفعل عندما
يستظهرها الآخر. أما
الهوية في معناها القانوني هي جملة العناصر والعلامات المميزة للفرد إذ لا
تكفي الشخصية القانونية
بمفردها لتميز الأفراد بعضهم عن بعض ولا بد من عناصر تعرف بالحالة المدنية
للشخص وتحدد مركزه
القانوني في المجتمع .
وتتمثل عناصر الهوية في الحصول على جنس معين ( أ ) واسم ولقب ( ب ) وتاريخ
ولادة ( ج ) وجنسية ( د ) .وتعتبر هذه العناصر من
الحقوق البديهية التي يكتسبها الفرد لمجرد كونه إنسانا .
أ – الجنس
:
يعد تحديد جنس المولود من أوكد البيانات التي
يصرح بها الولي عند تسجيل مولوده والجنس عادة يحدد
مباشرة باختيار الاسم .
وقد اتفق الفقهاء على اعتبار الجنس عنصرا من
عناصر الشخصية القانونية لذلك يعرف الإنسان منذ
ولادته على أنه ذكر أو أنثى ، وقد اقتضى
الفصل 26 في فقرته الأولى من قانون الحالة المدنية لتونس
" أنه من بين التنصيصات الوجوبية لرسم
الولادة ذكر جنس المولود "
وتكمن أهمية ذكر جنس المولود في علاقته ببعض
الحقوق الخاصة منها مثلا ما يتعلق بالخدمة الوطنية
ومنها ما يتعلق بالزواج حيث يشترط اختلاف جنس
الزوجين لانعقاد الزواج ... وكذلك في الميراث حيث
أن الذكر يرث ضعف الأنثى .
لهذا فان البيانات التي يجب على المصرح
بالولادة الإدلاء بها لدى ضابط الحالة المدنية هو جنس المولود
والتي تقع معاينته من قبل الطبيب أو القابلة
وبالتالي التنصيص عليه بالشهادة المسلمة من قبلهما أو في
حالة غياب الشهادة الطبية فان ذكر الجنس يتم
من قبل المصرح وذلك دون سعي من طرف ضابط الحالة
المدنية للتأكد من صحة ذلك بل إن التنصيص
عليه يتضمن قرينة على صحته الى حين إثبات ما يخالفه
وهو نفس موقف التشريع الفرنسي بعد حذفه لواجب
تقديم المولود لضابط الحالة المدنية وبالتالي معاينته
المباشرة لجنسه بحيث لم يعد هذا الأخير من البيانات ذات الحجية
المطلقة والتي لا تقبل الطعن سوى
بالزور وإنما هي ذات حجية قابلة للدحض بالحجة
المعاكسة .
هذا ويعتبر كل شخص منتميا بالضرورة لأحد
الجنسين حتى وان بدت عليه بعض التشوهات العضوية
أو غير العادية . فهو في النهاية إما رجل أو
امرأة ولا يمكن الحديث عن جنس ثالث . وبذلك فان
مضمون الولادة يحدد بشكل ثابت ونهائي مبدئيا
الانتماء الجنسي للمولود ويجوز طلب إصلاح رسم
الولادة في صورة وجود خطأ يشوب الرسم ولا يقع
إصلاح رسوم الحالة المدنية إلا بمقتضى حكم
قضائي تطبيقا لأحكام الفصل 63 جديد من قانون تنظيم الحالة المدنية .
وقد يرد ذكر الجنس برسم الحالة المدنية
مخالفا للواقع كأن يقع التصريح بأن المولود أنثى في حين أنه
ذكر ولإصلاح هذا الغلط مكن الفصل 63 من مجلة
الحالة المدنية من طلب الإذن بالإصلاح من رئيس
المحكمة الابتدائية بالمنطقة التي حرر فيها
الرسم وتبعا لإصلاح التنصيص المتعلق بالجنس يتم إصلاح الاسم
ب– الاسم
واللقب :
إن الاسم واللقب العائلي من العناصر الأساسية
المكونة لهوية الشخص ولحالته المدنية إذ لا يمكن التمييز
بين الأشخاص ما لم يكن لكل منهم اسما يستدل
به عليه وما لم يكن حاملا للقب العائلي يبرز انتماءه
الاجتماعي
والقانوني لخلية معينة بذاتها لذلك فقد اعتبر المشرع أن من الحقوق الأساسية
للطفل منذ
ولادته حقه في هوية وبالتالي في اسم ولقب
والاسم هو اشتقاق من فعل سمى يسمى أي تسمية
الغير باسم أي أعطى أو جعل له اسما ، والاسم هو
اللفظ الدال على ذات أو معنى وقد قال تعالى :
" ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه
أحمد " وللاسم
معنيان : معنى ضيق وهو الاسم الشخصي أو اسم
الأسرة ومعنى واسعا يطلق عليه الاسم الشخصي
واللقب معا
أما اللقب فيقصد به اسم الأسرة التي ينتمى
إليها الشخص حيث يشترك جميع أفراد الأسرة في حمل اسم
واحد لذلك يمكن القول أن أي طفل يجبر منذ
ولادته على حمل لقب عائلي يثبت وجوبا انتماءه لعائلة
واحدة وهو ما يجعلنا نؤكد أن اللقب يمتاز
بخاصية محددة وهي أن منحه أو إحالته لا تتم إلا بمقتضى
العلاقة الدموية والقانونية القائمة بين
المحيل للقب والمحال عليه اللقب مما يجعله لقبا وراثيا وإجباريا
كاشف عن سلسلة روابط أبوية تمتد عبر الزمن ،
إذن فالاسم واللقب يساهمان في تحديد هوية الشخص
فاللقب يشمل أفراد الأسرة الواحدة في حين لكل
فرد منها اسم أو أسماء ، فالاسم إذن ثم اللقب هما
عندما سئل عن ماهية الاسم يقول : " أن (perreau )المحددان لهوية الشخص ولعل هذا ما جعل الفقيه
الاسم هو نحن وهو
شرفنا على ألسنة وفكر الآخرين " في حين قال الفقيه جاكسون في نصوص اللقب
" أن اللقب العائلي هو الوسيلة الفعالة لترتيب الأفراد وهو
عنصر أساسي للنظام
والتنظيم " .
وفي تونس عادة ما
يتم تحديد الاسم واللقب منذ التصريح بالولادة وإقامة رسمها من طرف ضابط الحالة
المدنية . كما اعتبر
المشرع التونسي أن اللقب العائلي وجوبي وتتعلق الأحكام المنظمة له بالنظام العام
بحيث لا يمكن مخالفتها أو الاتفاق على خلافها
كما أن التنصيص عليه بمضمون الولادة يعد من البيانات
الإجبارية . وهو ما عمل المشرع على تركيزه مباشرة اثر
الاستقلال بمقتضى القانون عدد 53 لسنة
1959 المؤرخ في 26 ماي 1959 الذي اقتضى أن يكون
لكل تونسي لقبا عائليا وجوبا وذلك طبقا
لإجراءات وشروط خاصة
أقرها هذا القانون والتي رتب عن الإخلال بها عقابا جزائيا جاء به الفصل
الثالث من القانون
المذكور الذي وقع تنقيحه واتمامه بالقانون عدد 10 المؤرخ في غرة ديسمبر 1959
وبالمرسوم عدد 5
لسنة 1962 المؤرخ في 10 مارس 1962 .
وقد سعى المشرع
بفرضه هذا الواجب الى تفادي بعض العادات السائدة كحمل كنية عوض اللقب وكتعدد
الألقاب في العائلة
الواحدة أو حمل اسم الأب لتحديد الهوية
والمشرع التونسي لم
يفرض إسناد اسم للمولود حال ولادته غير أنه أوجب على الولي التبليغ بالمولود
حيث يجب عليه أن
يذكر اسم المولود ولقبه عند التبليغ إذ أن المبدأ يقضي أن دور ضابط الحالة المدنية
هو ترسيم الولادة
وذكر اسم ولقب كل من الأب والأم الذين يقع التصريح بهما لديه من طرف أحد
الأشخاص المذكورين
بالفصل 24 من قانون غرة أوت 1957 والذي جاء به يعلم بولادة الطفل والده
والأطباء والقوابل
وغيرهم من الأشخاص الذين شهدوا الوضع فإذا وضعت الأم حملها خارج مسكنها
يقع الإعلام من طرف
الشخص الذي وقعت الولادة بمحله إن أمكن ذلك ...
ومن جهة أخرى
ولتسهيل إجراءات اكتساب لقب عائلي جديد مكن المشرع الأفراد المعنيين من حق
اختيار لقب عائلي
على أن لا تختار:
- الألقاب التي ربما تكون من أجل معانيها أو عند
النطق بها محل التباس أو سخرية
- الألقاب التي تكون
من حيث معناها منافية للأخلاق الفاضلة
- الألقاب التي
أصلها غير عربي ما عدا الألقاب التي سبق استعمالها من قديم بالمغرب العربي
- أسماء البلدان (
الفصل 4 من القانون عدد 53 سنة 1959 )
وفي الآن ذاته فرض
المشرع سنة 1959 على كل تونسي أن يصرح للإدارة بلقبه العائلي وذلك في أجل
حدده القانون مكن اللجنة الإدارية المحدثة للغرض
من إسناد لقب لكل من لم يحترم إجراء التصريح
وذلك بصفة وجوبية
كما أجاز القانون
الصادر في 28 ماي 1964 تغيير اللقب أو الاسم في بعض الحالات فقط وطلب الإذن
بالتغيير لا يتم إلا
لمن كان تونسيا وليس له اسم عربي أو مغربي أو له اسم يكون من أجل معناه أو عند
النطق به محل التباس
أو سخرية أو له نفس الاسم الذي لأحد إخوته أو أخواته كما تم تنقيحه بموجب
القانون عدد 29 سنة
1966 المؤرخ في 3 ماي 1966 ، وتوجه مطالب التغيير الى وزارة العدل ويقع
نشر الأوامر الصادرة
في الإذن بإبدال اللقب أو الاسم بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية ويقع ترسيمها
بدفاتر الحالة المدنية بدفاتر
تونس كما يقع التنصيص عليها بطرة رسوم
ولادة المعنيين بالأمر و
الأكيد أن ذكر الاسم
واللقب من البيانات الأساسية في رسوم الولادة .
ج – تاريخ
الولادة :
يعتبر تاريخ الولادة
من البيانات الأولية في تحرير مضمون الولادة ذات الأهمية البالغة وذلك باعتبار
خطورة الدور الذي
تلعبه في ضبط وتحديد نقطة بداية تمتع الشخص بحق معين أو تحمله لواجب معين
والمقصود بتاريخ
الولادة هو السنة والشهر واليوم والساعة بل و الدقيقة إن أمكن التي تمت فيها واقعة
الوضع وهذا التاريخ
يختلف قطعا عن تاريخ تلقي التصريح وتحرير
رسم الولادة .
فبتاريخ الولادة
يبدأ كل شيء في الحياة القانونية للفرد باعتبارها مبدئيا نقطة بداية الشخصية
القانونية
وجواز الحلول بهذا
العالم " فالإنسان بدون سن ، بدون عائلة ، بدون حالة مدنية ، بدون ذاكرة يبقى
حصول محن جديدة حالة
شاذة
ويتصل تاريخ الولادة
بتحديد سن المولود كعنصر هام من عناصر تكوين الشخصية نظرا للعلاقة الرابطة
بين السن وحقوق
وواجبات الإنسان بعد ولادته خاصة فيما يتعلق بسن الرشد المدني أو الجزائي ، كما
له آثار قانونية
أخرى فهو يمكن من تحديد ما إذا كان للشخص الحق في التمتع بحقوقه السياسية أو ملزما
بواجباته الوطنية
وله كذلك فائدة كبرى في إثبات النسب وما ينجر عنه من حقوق وواجبات للشخص
نفسه أو لأقاربه .
د –
الجنسية:
تعتبر الجنسية من
متطلبات الكيان الإنساني فعدم انتماء الفرد الى دولة معينة يؤدي حتما الى حرمانه
من
حقوق أساسية تمس
شخصيته الإنسانية كحقه في الإقامة بإقليم دولة معينة وحقه في العمل والمشاركة في
الحياة السياسية .
وقد نص الفصل الخامس
عشر من اتفاقية لاهاي على ما يلي : " اذا كانت دولة من الدول لا تستند
جنسيتها قانونا بسبب
الولادة فوق إقليمها جاز لمن ولديها من أبوين عديمي الجنسية أو مجهولي الجنسية
أن يحصل على جنسية
تلك الدولة وقانون هذه الدولة هو الذي يتولى تحديد هذه الشروط التي يتوقف
عليها في مثل هذه
الحالات اكتساب جنسيتها
لقد حاول هذا الفصل
سد ثغرات الدول التي لا تسند الجنسية بموجب الولادة فوق إقليمها بأن تتخلى عن
تلك القاعدة وتسند
جنسيتها بموجب الولادة في الحالات التي وقع ذكرها وذلك تجنبا للوقوع في حالات
انعدام الجنسية وهو
ما يؤكد ضرورة تمتع كل فرد بحقه في الجنسية .
هذا الحق الذي كرسه
الفصل الخامس من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي ينص على ما يلي :
" لكل فرد حق
التمتع بجنسية ما " على أنه تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن الفصل لا يعدو
أن يكون تعبيرا مجردا عن حق الحصول
على الجنسية ، هذا
الحق الذي يجد حدوده في المبدأ المعروف بالقانون الدولي والمعلن عنه بالفصل
الأول من اتفاقية
لاهاي الصادرة في 12 أفريل 1930 الذي ينص على أنه " لكل دولة الحق في تحديد
وطنيتها بتشريعها الداخلي
، وعلى كل دولة احترام هذا التشريع بشرط أن يكون متماشيا مع الاتفاقيات
الدولية والعرف
الدولي والمبادئ المعترف بها على العموم في مادة الجنسية " .
لكن ما تجدر ملاحظته
في هذا الصدد هو أن الشرط المضمن بالفصل الأول من اتفاقية لاهاي لا يحدد
أي دولة يسلط عليها
واجب إكساب جنسيتها وطالما أنه لا يمكن إجبار أي دولة على إكساب جنسيتها لفرد
ما فانه المقصود من
الفقرة الأولى من الفصل 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يبقى بشكل عام
مجردا من كل المعاني
، طالما أن هناك دائما إمكانية أن تجرد الدولة أحد رعاياها من جنسيته أي أنه في
وسعيها هدم أساس
وجوبيه حمل الفرد للجنسية . ولهذا السبب تحديدا انعقد مؤتمر في سنة 1961 والتي
تضمن فصلها الأول ما
يلي : " يجب على الدولة الممضية أن تمنح جنسيتها الى الشخص المولود على
أراضيها والذي من
الممكن أن يصبح خلاف ذلك بدون جنسية " . ويضيف الفصل 5 من نفس الاتفاقية
أنه " إذا
استلزم قانون الدولة فقدان الجنسية نتيجة لأي تغير في الواقع الشخصي للفرد فان هذا
الفقدان
يجب أن يكون مشروطا
باكتساب جنسية أخرى "
وفي نفس هذا المنحى
يقر الفصل الثامن من هذه الاتفاقية أنه " يجب على كل دولة أن لا تجرد أي
شخص من جنسيتها في
صورة ما إذا كان هذا التجريد يؤدي إلى جعله بدون جنسية " .
كما نسجل تغافلا
صارخا مقصودا عن نقل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلى ميثاق نافذ ذو قوة إلزامية
وذلك منذ 15 جوان
1967 الذي لا يتضمن سوى إشارة يتيمة إلى حق الجنسية ضمن هذه الاتفاقية التي
ورد بالفصل 24 منها
أن : " لكل طفل الحق في أن تكون له جنسية "
علما وأن هذا الفصل
متناغم مع المبدأ الثالث من إعلان الأمم المتحدة الخاصة بحقوق الطفل الصادر
بتاريخ 20/12/1959 والذي يقتضي أن يعرف الطفل
منذ ولادته باسم معين وجنسية معينة .
كما تطرقت الدساتير
إلى ذكر الجنسية بشكل ما من ذلك أن الدستور التونسي الصادر في غرة جوان
1957 قد نص في الفصل
34 منه " تتخذ شكل قوانين النصوص المتعلقة بالجنسية . "
ولقد ضمن المشرع
تمتع الأطفال على اختلاف أوضاعهم بجنسية مثلما ضمن تمتعهم بالاسم . وتعطى
الجنسية التونسية دون
تميز حسب مبدأي النسل والتراب .
فقرة ثانية: إثبات الهوية
إن اكتساب الهوية
يكون عادة مرتبطا بعلاقة البنوة إذ يخضع إسناد اللقب الى قاعدة عرفية مفادها
أن إسناد اللقب هو
نتيجة لرابط النسب الأبوي ( أ ) ولا يجد
الأطفال الشرعيون أي صعوبة في التمتع
بكامل عناصر الهوية
باعتبار أنها تنقل إليهم آليا عن طريق الآباء والأجداد بينما يبرز الإشكال في
إثبات
الهوية بالنسبة لبعض
الفئات المهمشة وهي الأطفال المهملين أو مجهولي النسب لذلك عمل المشرع
التونسي على مراجعة
التشريع المتعلق بهذه الفئة من الأطفال ليكون أكثر ملائمة مع توجهات تونس في
مجال حقوق الإنسان
عامة وحقوق الطفل خاصة ’ وهو ما سنراه من خلال إثبات الأبوة البيولوجية (ب )
أ – الأبوة
النسبية:
إن النسب هو علاقة
دم قوية تقوم عليها الأسرة وتربط أطرافها برباط دائم الصلة وفيها وحدة الدم والولد
هو امتداد لأبيه
وكلاهما عصب للآخر فالنسب نسيج كل أسرة وهو لحمتها و سداها لذلك سهرت كل
التشاريع السماوية
أو الوضعية على تنظيم أحكام النسب حماية للمصلحة العامة لضمان قيام مجتمع
فاضل مبني على خلق
كريم محفوظ نسبه قويم عرضه حماية خاصة لمصلحة الأبناء أجيال المستقبل
الذين يتعهدهم
ووقايتهم يضمن بقاء النوع الإنساني على الوجه الأكمل وتأكيدا لما ذكر حرم التشريع
الإسلامي انتساب
الابن لغير أبيه باعتبار وأن البنوة وأيضا الأبوة كل منهما معنى من معاني الحياة
السامية وهي أساس
الارتباطات البشرية على اختلاف درجاتها ولسلامة هذه الارتباطات شرع الله
الزواج لغايات سامية
وأول هذه الغايات بقاء النوع الإنساني عن طريق شرعي .
والطفل الشرعي من
منظور القانون التونسي هو المتأتي من النسب ، أما في المعنى الضيق فهو العلاقة
القانونية والشرعية
التي تربط الطفل بأبيه على أن يكون مصدر هذه العلاقة الفراش ولقد عرفت محكمة
التعقيب الفراش في
قرارها عدد 2183 الصادر في 31 ديسمبر 1963 " بأنه الاتصال الذي يسند الى
عقد زواج "
وهذا التعريف يسمح بإبراز الخصوصيتين الأساسيتين للنسب ، فهو نسب أبوي من ناحية
ونسب شرعي من
ناحية أخرى وعلاقة النسب منظمة في مجلة الأحوال الشخصية بالكتاب
السادس
منها وتحديدا
بالفصلين 67 و68 ويرى العديد من الفقهاء
أن المشرع تبنى أحكام النسب الواردة في
الشريعة دون أن يدخل
عليها أي تحويرات جوهرية .
فبالنسب تظهر على
مسرح الوجود الروابط بين الأصول والفروع ولقد أمر الشارع بأن ننسب كل ابن
الى أبيه حيث قال
تعالى في سورة الأحزاب : " ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله ، فان لم تعلموا
آبائهم
فإخوانكم في الدين
ومواليكم . " كما نهى الآباء عن إنكار نسب أبنائهم في قول رسول الله صلى الله
عليه
وسلم : " وأيما
رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه يوم القيامة وفضحه على رؤوس الخلائق
ويعتبر النسب في
القانون التونسي كأساس لإثبات هوية الطفل ويعد من المسائل القانونية التي تهم
النظام
العام باعتبار حرمة
الأبوة والأمومة التي تستوجب مراعاة الحقوق والواجبات التي أوجبها المشرع عن
طريق علاقة النسب مع
التأكيد على أن النسب كان بالنسبة للطفل المصدر الوحيد لاكتساب الحقوق ولعل
أبرزها اكتساب عناصر الحالة المدنية فيمنح اسما
يقع اختياره له من طرف والديه ويحمل اللقب العائلي
لأبيه وجنسيته حيث ينص الفصل 26 من القانون عدد
3 لسنة 1957 المتعلق بالحالة المدنية في رسوم
الولادات : "
أن ينص برسم الولادة على اليوم والساعة ومكان الولادة وجنس المولود والأسماء التي
تختار له واسم ولقب
ومكان وتاريخ ولادة الأب والأم ..." و يمكن القول أن جذور الهوية ضمن هذا
الفصل كانت واضحة .
كما يتمتع الطفل
الشرعي بالحق في الحضانة والنفقة والميراث من والديه وفي غياب النسب ضياع
للأبناء .فلئن كانت
علاقة الولد بأمه ثابتة في جميع حالات الولادة الشرعية كانت أم غير شرعية
فان علاقة الطفل من
أبيه لا تثبت إلا عن طريق الزواج الصحيح والفاسد أو الوطئ بشبهة أو الاستلحاق إذا توفرت شروطه.
وكان من نتائج ذلك
أن الزنا في الشريعة الإسلامية لايصلح سببا لثبوت النسب اعتبارا وأنه من الفواحش
التي نهى عنها
المشرع فقرر لها عقوبات تصل الى الجلد والرجم ، ويقول عز وجل في محكم تنزيله :
"
ولا تقربوا الزنا
انه كان فاحشة وساء سبيلا " وعملا بالحديث النبوي الشريف " الولد للفراش
وللعاهر
الحجر " لذلك
يعد ابن الزنا في الشريعة الإسلامية ابنا غير شرعي مقطوع النسب من أبيه ولو كان
هذا
الأب معروفا أو من
الممكن معرفته .
أما المشرع الفرنسي
وعديد التشاريع الغربية فقد اعترفت بالأبناء الغير الشرعيين أو الطبيعيين وخولت
لهم إثبات البنوة
وأقرت لهم نفس الحقوق تقريبا المقررة للأبناء الشرعيين
وكنتيجة لتأثره
بالشريعة الإسلامية استقر فقه القضاء التونسي من جهته على أن النسب في مجلة
الأحوال
الشخصية شرعي أولا
يكون وأكدت محكمة التعقيب في عديد المناسبات تشبثها بالمفهوم الشرعي
لمصطلح النسب بما هو
نعمة والنعمة لا يمكن أن تتأتي من محرم وأن العلاقات الآثمة لا يمكن أن
تكون أساسا يثبت به
النسب لما قد يترتب عن ذلك من اختلاط في
الأنساب فوضى في الاختلاف
وتشجيعا على الفاحشة
والفسق في المجتمع واستهانة بعقد الزواج الشرعي الذي تتكون منه النساب
والأسر المترابطة .
في ظل هذا الوضع فان
الطفل المهمل أو مجهول النسب باعتباره طفلا غير شرعي لا يمكنه من إثبات
أبوته وهو ما جعله
ينشأ دون هوية كاملة فيقتصر على الانتساب لوالدته وحمل لقبها من والدته إذا
كانت معروفة بينما
يبقى بلا هوية للأب وهو ما من شأنه أن يبقي الطفل محروما من كل حقوقه إزاء
والده وتخلق هذه
الوضعية مأساة حقيقية لهذه الفئة من الأطفال. لهذه الأسباب عمل المشرع التونسي على
مراجعة التشريع
المتعلق بهذه الفئة من الأطفال ليكون أكثر ملائمة مع توجهات تونس في مجال حقوق
الإنسان عامة وحقوق
الطفل خاصة .
ب – الأبوة
البيولوجية:
أقر الفصل 5 من مجلة
حقوق الطفل أن " لكل طفل الحق في الهوية منذ ولادته وتشمل هذه الهوية الاسم
واللقب العائلي
وتاريخ الولادة والجنسية " كما نادت
مجلة حماية الطفل بوجوب تنشئة الطفل على
الاعتزاز بهويته
الوطنية ولكن الاعتزاز بالهوية الوطنية لا يمكن أن يكون ممن كان محروما من هويته
الذاتية وهي حال
الأطفال المهملين أو مجهولي النسب – كما أدرجت مجلة حماية الطفل في فصلها
20 حالة الطفل
الفاقد للسند العائلي من بين حالات الطفل
المهددة. وحري بالذكر أن ضرورة تمكين الطفل
المهمل أو مجهول
النسب من هوية كاملة لا تنبع فقط من أهمية الآثار المترتبة عنها وإنما أيضا من
الأسس التي انبنت
عليها وهي بالأساس أسس نفسية واجتماعية ’
إذ اتفق علماء النفس والاجتماع على
مبدأ مفاده أن الطفل
مرآة عاكسة لمنشئه أو لمولده ومحيطه الأسري ولذلك فهو لديه حاجيات نفسية
واجتماعية في أن
يكون ملحقا بأمه ولكن بنفس الأهمية وربما بدرجة أشد الى أبيه وذلك بواسطة حمل
لقبه . وبالتالي
فإذا لم يعق إشباع غريزة الانتماء لدى الطفل فان ذلك من شأنه أن يؤدي الى إعاقة
نفسية
لديه لعدم الانتماء وما ينجر عن ذلك من انخرام
التوازن النفساني واضطراب السلوك الاجتماعي لينتهي
به الأمر الى النقمة
على المجتمع .
لهذه الأسباب عمل
المشرع التونسي على مراجعة التشريع المتعلق بهذه الفئة من الأطفال ليكون أكثر
ملائمة مع توجهات
تونس في مجال حقوق الطفل .
فجاء قانون 28
أكتوبر 1998 المتعلق بإسناد لقب عائلي للأطفال المهملين ومجهولي النسب ليكرس
ولأول مرة حق الطفل
مجهول النسب للحصول على هوية حقيقية والانتساب الى عائلة أصلية وفق نظام
معين يستوجب إجراءات
ووسائل معددة قانونا ليرتب عنها فيما بعد آثارا ووسائل معددة تكريسا لمبدأ
المساواة بين جميع
الأطفال .
وان كان قانون 28
أكتوبر 1998 يتعلق بإسناد لقب عائلي للأطفال المهملين أو المجهولي الأب إلا أن
هذا العنوان كان
مخفيا لطبيعة الطفل المراد إسناد اللقب العائلي إليه . فهو ابن طبيعي لم يتولى
المشرع
أن يكشف القناع
بصورة واضحة وصريحة عن نوع بنوته وقد
اعتبر الأستاذ علي المزغني أن عنونة
هذا القانون تبعث عن
الخطأ لأن موضعه أوسع من مجرد إسناد لقب عائلي
لقد مكن هذا القانون
لأول مرة الطفل المهمل أو مجهول النسب من إثبات هويته الحقيقية وأقر إمكانية
الطفل القيام بدعوى
في إثبات الأبوة وإسناد اللقب العائلي الأبوي . كما وضع وسائل قانونية لذلك وهي
الإقرار والشهادة
ووسيلة علمية وهي التحليل الجيني . كما رتب حقوقا تجاه الطفل المثبتة بنوته
المتمثلة
في الحضانة والنفقة [1]
وألزم هذا القانون الأم الحاضنة لابنها القاصر و مجهول النسب بأن تختار له
اسما وأن تصرح
بولادته طبقا لما ورد في قانون الحالة المدنية .
وبالفعل أدى هذا
القانون الى نتائج ايجابية تتمثل بالخصوص في تقلص ملحوظ لعدد الأطفال مجهولي
النسب ، وذلك بأن
أكسب الطفل لقب أبيه رغم عدم ثبوت نسبه لعدم ثبوت قرينة الفراش أي رغم
قدومه لهذا العالم
بطريقة غير شرعية ، أي أن المشرع هنا قنن ما هو ممنوع قانونا بالقانون وأول وسيلة
تقليدية سنتعرض
إليها هي الإقرار وهي صورة اعتراف الأب بأبوته للطفل المهمل أو مجهول النسب
وهي وسيلة مستقلة
بذاتها إذ يكفي إقرار الأب لكي يلحق الطفل بنسب والده أمام الملأ من الناس بأنه
والد الطفل أو إذا
ذكر بحجة رسمية أو غير رسمية أو بداية حجة كرسالة تضمنت اعترافا بعلاقة
جنسية غير شرعية مع
والدة الطفل في فترة يمكن أن يولد بعدها الطفل الى غير ذلك من التصرفات
التي يمكن أن يقوم
بها الأب مع ابنه .
كما يمكن أن يكون
الإقرار بالأبوة البيولوجية في قانون إسناد لقب حكميا ، غير أن ما تجدر الملاحظة
في هذا الخصوص أن
ذلك يصعب جدا باعتبار أنه في مثل هذه الولادات عادة ما يتنصل الأب من
المسؤولية لا يمكن
أن يكون إقراره تلقائيا حيث عادة ما يستنتج هذا الإقرار من قضية أخرى كقضية
مواقعة أنثى دون
رضاها أو برضاها أو بقضية اغتصاب أو زنا .
أما فيما يتعلق
بالشهادة فانه رغم انتقاد أغلب الفقهاء لهذه الوسيلة فان المشرع قد حافظ عليها ضمن
قانون إسناد لقب كما
أنه لم يضع لها شروطا ولعله بذلك يريد التيسير ولا التعسير خاصة ونحن في إطار
قانون استثنائي جاء
به المشرع ليمكن عديد الأطفال من تسويه هويتهم بالحصول على ألقابهم العائلية
الحقيقية دون إثبات
الزواج الشرعي .
غير أن ما يمكن
ملاحظته في هذا الخصوص هو أنه هذه الوسيلة لا يمكن لوحدها إثبات الأبوة
البيولوجية .
والسؤال الذي يطرح
نفسه هنا هو هل أن المحاكم ستتكلم بنفس اللغة التي تكلم بها المشرع أم أنها ستتخذ
اتجاها مغايرا ؟
الجواب بسيط فما
عهدناه من قضائنا هو التحري والتأكد قبل إصدار أحكامهم حتى تكون ناطقة بالعدل
لذلك نجدهم في جل
أحكامهم يلتجئون إلى وسيلة التحليل الجيني للتأكد من العلاقة البيولوجية بين الأب
وأبيه باعتبارها هي
الوسيلة القاطعة لأي شك في هذا الخصوص .
وبالتالي يمكننا
القول أنه إذا كان أساس القيام في قضية ما لإثبات الأبوة النسبية هو أحكام الفصل
68
فانه لابد من إثبات
الزواج الشرعي سواء كان صحيحا أو فاسدا أو باطلا ، أما اذا كان أساس القيام
هو أحكام قانون
إسناد لقب أي لإثبات الأبوة الطبيعية فانه لابد من إجراء التحليل الجيني رفعا لكل
التباس .
ويرى البعض أن أول
ما يتبادر الى ذهن أي إنسان في هذا الموضوع هو السؤال التالي :
- كيف يمكن للشاهد
أن يبين ما يفيد أن هذا الشخص هو الوالد البيولوجي للطفل ؟
الأكيد أن إثبات
الشهادة للعلاقة البيولوجية بواسطة الوقائع التي لا تصل لحد معاينة الاتصال الجنسي
بين أم الطفل ووالده
ومشاهدة الوطئ لأنها أمور جرت العادة على أن لا تكون على مرأى ومسمع
الناس إلا في حالات
نادرة وبالتالي فان هذه الشهادة تعد قاصرة
على إثبات العلاقة البيولوجية بين
الأب وابنه وبالتالي
لا يمكن اعتبارها من الحجج الدامغة لذلك استقر العمل القضائي على اعتبار الشهادة
في قانون إسناد لقب
من جملة القرائن التي يمكن الأخذ بها وهي التي تدفع بالمحكمة لإجراء التحليل
الجيني حتي يكون
وجدانها مقنعا ويكون قضائها ناطقا بالعدل وصائبا . غير أن السيد وزير العدل قد
أجاب على هذا الأمر
عند مداولات مجلس النواب المتعلقة بهذا القانون مؤكدا " شهادة الشهود تعد
وسيلة
إثبات كافية لإثبات
" نسب " الطفل مجهول النسب ولقد كرس المشرع هذا الاتجاه في أغلب المجلات
القانونية كمجلة
الالتزامات والعقود ومجلة المرافعات المدنية والتجارية ومجلة الإجراءات الجزائية
حيث
اعتبر أن شهادة
الشهود هي وسيلة إثبات مقبولة إذا لم يكن هناك ما يدحضها من القرائن القاطعة وأن
هذا التحليل الذي
ذهب إليه السيد وزير العدل يعد غريبا أولا لأنه استعمل كلمة نسب عوض عن إسناد
لقب والأهم هو أنه
سوى بين وسائل الإثبات في القانون العام وبين وسائل الإثبات للحالة الشخصية
ولئن أخذ المشرع
بهذين الوسيلتين الإقرار والشهادة لإثبات النسب رغم عدم قطعية نتائجها مستلهما
أحكامه من روح
الشريعة الإسلامية فان الأخذ بطريقة حديثة وعلمية وقاطعة تجنب اختلاط الأنساب
تكون أولى وذلك ما
اعتمده مشرعنا بمقتضى القانون عدد 75 لسنة 1998 طريقة التحليل الجيني المتعلق
بضبط مراقبة وتحديد
الأنسجة لدى جسم الإنسان في مختلف مكوناته ويطلق عليه تحاليل البصمات
الجينية والذي يوفر
نتائج على درجة كبيرة من الدقة يطمئن إليها القاضي وتقنعه بطريقة يقينية وهي
طريقة لها نظامها
القانوني الخاص بها كما أن أوجه اعتمادها محددة. وهو تفرد يمثل حقيقة علمية لا
مجال للشك فيها
فالمكونات الجينية تنتقل بالوراثة من الأصل الى الفرع وبصورة مختلفة من فرع لآخر
إلا أن الثابت أن المكونات الجينية الموجودة لدى
الفرع توجد لدى الأصل ومن هنا تربط علاقة الجينات
تأكيدا أو نفيا .
الذيplacenta كما يمكن إثبات بنوة
الجنين وهو داخل رحم أمه وذلك عبر جلب كمية من نسيج المشيمة
يكون مرتبط من الجهتين الأولى بالأم والثانية
بالجنين وتحمل كل منهما جينات الجانب المرتبطة به
ويمكن بواسطة آلة طبية خاصة استئصال كمية
صغيرة من النسيج لا يتجاوز 10 مغ وذلك ما بين
الأسبوع الثامن والعاشر للحمل ثم مقاربة
البصمات الجينية للجنين مع بصمات الأب والبت في ثبوت
الأبوة من عدمها ويكون النظام الوراثي مستقلا
في كل نواة من كل خلية في جسم الإنسان
ويتخذ شكل
وتكون كل واحدة منها من هبات خطية chromosomes ثلاثة وعشرون زوجا من الصبغات
ويصطلح على تسميتها بالحامض النووي ADNمركبة بدورها من ادن Molécules
أما الفائدة العلمية
من استعمال هذه التقنية فتظهر بالأساس فيما توصل اليه التحليل الجيني من كشف
بحيث توصل الى كشف
المكونات الجينية للبشر ولاعتمادها le génétique général للمجين البشري
لابد من خضوعها الى
إجراءات محددة مع الملاحظة وأنه على عكس تحليل الدم الذي يستوجب أخذ
عينات من دم الأب
والأم والطفل فان التحليل الجيني يمكن القيام به عن طريق عينة من أي عضو من
جسم الإنسان سواء
كان ذلك من الدم أو الجلد أو الأسنان أو العظم أو الشعر وسواء كان الأب حيا أو
ميتا
المهم أن يكون العظم
المأخوذة من العينة محفوظا .
نستخلص من كل ما سبق
أن المشرع التونسي قد استفاد مما توصلت إليه علوم البيولوجيا ووظف آخر
اكتشافاتها المتمثلة
في التحليل الجيني الذي أثبتت التجارب العلمية نجاعته لانتشال الأطفال المولودين
خارج إطار الزواج من
التشرد والضياع بأن خول لهم القيام بدعوى لإسناد اللقب العائلي إذا ثبت عن
طريق التحليل الجيني
بصورة أساسية أو بالإقرار أو بشهادة الشهود بنوتهم إذن فطالما أن أحكام النسب
في مجلة الأحوال
الشخصية تقصي الأبناء غير الشرعيين وتحرمهم من حقهم في النسب تجاه الأب
رغم أنه قد يكون
معروفا أو رغم إقراره هو نفسه بالأبوة أو تضافر شهادة الشهود على الشهادة بالبنوة
فقد أصبحت الحقيقة
البيولوجية هي هدف المشرع في قانون 1998 بحيث يكفي أن تثبت الرابطة
البيولوجية بين
الطفل وأبيه البيولوجي حتى يحكم له باللقب العائلي وتمكينه من الحقوق المبينة بهذا
القانون . كل ذلك
رغبة من المشرع في حماية أبناء ليس لهم من ذنب للمجيء لهذا العالم إلا خطأ
والديهما وإنصاف
هؤلاء الأبناء بعد أن كانوا محرومين من حقوقهم التي من الواجب إنسانيا أن تكون
طبيعية تجاه الأب البيولوجي
.
المبحث الثاني : الهوية الافتراضية :
ينص الفصل 5 من مجلة حماية الطفل على أركان الهوية وهي تشمل الاسم واللقب
العائلي وتاريخ الولادة
والجنسية .
وفي أغلب الأحيان فان الأطفال الشرعيون هم وحدهم المتمتعون بكامل عناصر
الهوية ولم تتمكن معظم
القوانين المنظمة لوضعية الأطفال المهملين أو مجهولي النسب إلا من تمكينهم
من هوية منقوصة ،
مقتصرة على أحد العناصر دون غيرها بينما يشمل قانون 07 جويلية 2003 في إطار
إقراره بوجوب
إسناد هوية افتراضية للطفل المهمل أو مجهول النسب وتمتعه بكامل مكونات
الهوية . وتتمثل هذه
المكونات في إسناد سلسلة من الأسماء والألقاب الافتراضية للطفل المهمل أو
مجهول النسب وأصوله
( فقرة أولى ) بالإضافة الى التنصيص على الجنسية التونسية الأصلية للطفل
وأصوله ( فقرة ثانية ) .
الفقرة الأولى : إسناد الأسماء والألقاب :
لقد مكن المشرع من خلال قانون 07 جويلية 2003 الأطفال المهملين أو مجهولي
النسب من اسم أب ولقبه
واسم أم ولقبها إن كانت غير معلومة بالإضافة إلى اختيار اسم جد ولقبه .
إلا أن المشرع قد أحاط إسناد السلسلة الافتراضية للأسماء والألقاب بعديد
الضوابط والشروط من ذلك
اختيار الأسماء والألقاب يكون من اختصاص السلطة القضائية وهي المخولة
للقيام بهذه المهمة ( أ ) كما
قام المشرع بحصر الأشخاص المخول لهم طلب إسناد الهوية الافتراضية (ب )
.
أ – الصبغة القضائية للإسناد :
نظرا لخصوصية إسناد الهوية الافتراضية فان المشرع لم يخضعها للإرادة
المطلقة للأشخاص وإنما جعل
منها موضوع طلب لدى القضاء ، إذ نص قانون 07 جويلية 2003 " أن يقدم
المطلب الى رئيس المحكمة
الابتدائية التي وقع بدائرتها تحرير رسم الولادة "
ويتم اختيار الاسم الشخصي مباشرة من قبل الأم الحاضنة أو الولي العمومي دون
تدخل القاضي بشرط أن
لا يكون الاسم المقترح أو المختار مما لا يجيزه القانون . وفي المقابل يكون
اختيار السلسلة النسبية للطفل
من جهة الأب أو من جهة الأم من اختصاص القضاء عملا بالفصل الأول جديد
والفصل الثاني جديد من
قانون 07 جويلية 2003 . والذي أخص رئيس المحكمة الابتدائية أو نائبه
باختيار عناصر الهوية وذلك
لتفادي علنية جلسات المحكمة الابتدائية بتركيبتها العادية .
وتسمى هذه الهوية بالهوية الافتراضية أو الوهمية المكتسبة بطريقة اصطناعية
، ونظرا لخصوصيتها
وأهميتها أوكل المشرع لرئيس المحكمة الابتدائية مهمة تحديد مصير الطفل
المهمل أو مجهول النسب
ومستقبله وهي مرتبطة بالنظام العام ، لذلك من الضروري أن يكون إسنادها
خاضعا لعدة ضوابط ليس
في مقدور الأم أو الولي العمومي التقيد بها ولذلك فان إخضاعها للسلطة
القضائية فيه حرص على حماية
الطفل المعني بالأمر بالدرجة الأولى وتفاديا لاختيار سلسلة نسبية قد تسبب
له الأذى وحماية لمصالح
الغير الذي من الممكن أن يطالهم الضرر من جراء اختيار سلسلة نسبية قد تحدث
لبسا لدى العائلات .
لكن على المستوى التطبيقي فان تقديم المطلب الى رئيس المحكمة التي وقع
بدائرتها إقامة الرسم يثير
بعض الصعوبات ، ذلك أن أغلبية الأمهات العازبات ينتقلن من مكان لآخر خوفا
من الفضائح فتتم الولادة
بإحدى المستشفيات البعيدة عن وسطها الذي تعيش فيه . فيتم تبعا لذلك ترسيم
مولودها في المنطقة التي
تمت فيها الولادة ثم تعود مع مولودها الى مسقط رأسها . في هذه الحالة يكون
تطبيق القانون صعبا نوعا
ما . ذلك أنه عندما تتلقى النيابة العمومية المحاضر التي تفيد وقوع ولادة
خارج إطار الزواج تجد صعوبة
في استدعاء الأطراف والطرف المعني بالأمر
نظرا الى أنها خارج دائرتها وهو ما يجعل العديد من
المطالب والأذون لإسناد الهوية الافتراضية لا تنفذ .
وتبعا لأهمية العناية بالأطفال المهملين أو مجهولي النسب التي تعتبر من
الأولويات في اتجاهات كل دولة
بالنظر خصوصا الى حرمانهم من حنان الوالدين وباعتبار الصعوبات النفسية
والعلمية التي تعترضهم
في مختلف مراحل حياتهم بسبب انتقاص هويتهم وقع الإقرار طبقا لقانون 07
جويلية 2003 بوجوب
إسناد هوية افتراضية متمثلة في إسناد السلسلة النسبية الافتراضية للطفل
المهمل أو مجهول النسب
ويتمثل ذلك في اختيار اسم الأب واسم الأم واسم جد للأب وجد للأم ولقب عائلي
افتراضي أو وهمي
فأوكل المشرع هذه المهمة الى عدد
من الأشخاص الذين بإمكانهم تقديم الإذن لطلب إسناد الهوية
الافتراضية .
ب – حصر الأشخاص المخول لهم:
نص الفصل الأول جديد من قانون 07
جويلية 2003 المنقح لقانون 28 أكتوبر 1998 " أن على الأم
الحاضنة لابنها القاصر ومجهول النسب أن تسند إليه اسما ولقبها العائلي كما
عليها في أجل لا يتجاوز
6 أشهر من تاريخ الوضع أن تطلب من رئيس المحكمة الابتدائية المختصة أو
نائبه أن يسند إليه اسم
أب واسم جد ولقبا عائليا بكون في هذه الحالة وجوبا لقب الأم ." أوجب
هذا القانون مثل قانون 1998
على الأم الحاضنة إسناد لقبها العائلي الى الطفل مجهول النسب أو المهمل ،
كما أوجب إتمام عناصر
هوية الطفل وذلك بطلب إسناد اسم أب واسم جد للأب افتراضيين ولقب للأب على
أن يكون لقب هذا
الأخير هو نفس لقب الأم تطبيقا للقاعدة العامة القائلة بأن الولد مجهول
النسب ينسب الى والدته فيحمل
لقبها . كما حرص المشرع على تمكين أبناء الجالية التونسية في الخارج من
هوية كاملة وان كانت وهمية
وذلك بأن مكن الأم التونسية المقيمة بالخارج من طلب ذلك من رئيس المحكمة
الابتدائية بتونس العاصمة
بشرط أن تتمتع الأم بالجنسية التونسية وتفاديا لاحتمال عزوف الأم عن القيام
لدى القضاء لطلب إتمام
هوية ابنها رغم أنها حاضنة له وأمام غياب جزاء عن هذا التخلف هو تفادي
تعقيد الأمور على الأم بما قد
يجعلها تتخلى عن حضانة الطفل وتسليمه الى مؤسسات خاصة ، فقد تضمن القانون
إجراءا احترازيا
يقوم به ضابط الحالة المدنية المتلقي للتصريح الصادر عن الأم متمثلا في
تبليغ وكيل الجمهورية بخلو
رسم الطفل من اسم أب واسم جد ولقب عائلي حتى يتسنى لوكيل الجمهورية طلب
إتمام هويته من طرف
رئيس المحكمة الابتدائية بعد مرور 10 أيام حسب الفصل 22 من قانون الحالة
المدنية وقد خير المشرع
عدم انتظار أجل 6 أشهر المشار إليه في الفقرة الأولى من قانون 07 جويلية
2003 ليقوم ضابط الحالة
المدنية بإعلام وكيل الجمهورية بخلو رسم الولادة من هوية كاملة ، لكن دور
وكيل الجمهورية المتمثل
في طلب إسناد سلسلة نسبية افتراضية من جهة الأب لا يكون إلا بعد مرور 6
أشهر من تاريخ الولادة
وهي تهم حالات الولادة التي تتم خارج المستشفيات العمومية أي سواء في
المنازل أو في المصحات
الخاصة أو في أي مكان آخر.
أما حالات الولادة خارج إطار الزواج بالمؤسسات العمومية للصحة ،المستشفيات
المحلية أو الجهوية
أو بمراكز التوليد أو العيادات أو المصحات الخاصة فقد أحدثت لجان مختصة
متكونة من ممثلي وزارة
الداخلية ،وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الصحة العمومية هدفها وجوبا
إعلام النيابة العمومية دون
الحاجة للإعلام من قبل ضابط الحالة المدنية بجميع الولادات التي تمت في
إطار غير مشروع ولحسن
تنفيذ هذه الإجراءات تولت وزارة
الصحة العمومية إصدار مناشير الى جميع المؤسسات الصحية
المذكورة تطالبها بإعلام اللجان سواء على مستوى إقليم تونس الكبرى أو
اللجان الجهوية لكل حالة ولادة
خارج إطار الزواج تحصل بالمؤسسات المذكورة وذلك للتصدي لظاهرة الإهمال
وتسهيل إجراءات
حصول الطفل على هوية كاملة .
وتعتبر حالة بقاء الطفل دون هوية أو سند عائلي حالة من حالات الطفل المهدد
المنصوص عليها بالفصل
20 من مجلة حماية الطفل .
وقد أبقى القانون على الدور الهام الذي يلعبه الولي العمومي في مجال حفظ
الأطفال المهملين وتكوين
هويتهم . وذلك بأن أوكل للولي العمومي على غرار الأم الحاضنة طلب إتمام
عناصر هوية الطفل من
القضاء ولا يباشر ذلك بنفسه حرصا على حماية مصلحة المجتمع وحقوق الناس
الذين يمكن أن يطالهم
الضرر من جراء اختيار سلسلة نسبية تحدث لبسا لدى الكافة أو لدى أفراد إحدى
العائلات .
ويعتبر وليا عموميا للأطفال اللقطاء
والمهملين حسب الفصل 1 من قانون 4 مارس 1958 المتعلق
بالولاية العمومية والكفالة
والتبني متصرفي المستشفيات والماوي ومعاهد الرضع ومديري الإصلاحيات
وماوي الأطفال عندما يتعهدون بحفظهم والولاة في جميع الصور .
وأوكل لهم المشرع من خلال الفصل الأول من قانون 11 أوت 1985 مهمة اختيار
اسم ولقب عائلي
للأطفال المهملين و مجهولي النسب إذا لم يطالب أحد من أهلهم بإقامة رابطة
القرابة في ظرف لا يتجاوز
3 أشهر بعد قبولهم من طرف السلطة المختصة وقد مدد قانون 28 أكتوبر1998 هذه
الفترة الى 6 أشهر
ليقع بعدها اختيار الأسماء والألقاب من طرف الولي . ويعتبر تدخل الولي
العمومي في كل الحالات ثانويا
إذ لا يحصل إلا إذا لم يطلب أحد من أهل المهمل ومجهول النسب إسناد اسمه
ولقبه العائلي له بعد مرور
6 أشهر على قبوله من طرف السلطة المختصة فالأولوية تكون لأبوي الطفل في
إسناد اسم ولقب الأب
في مرحلة أولى . فإذا لم يقع إثبات النسب أو الأبوة فالمجال للأم لتختار
اسما وتسند لقبا لابنها وتطلب من
القضاء إتمام عناصر هوية ابنها وحرصا من المشرع على امهال أهل الطفل مجهول
النسب متسعا من
الوقت للتراجع عما اقترفوه من ذنب في حق هذا الطفل بمنح الهوية الحقيقية
والكاملة عنه ،وبانتهاء
هذا الأجل يلزم الولي العمومي بطلب اسندا سلسلة نسبية افتراضية .
إلا أن المشرع لم يقر جزاء مخالفة هذا الواجب من طرف الولي العمومي كما سبق
وأهمل تقرير جزاء
على مخالفة الأم الحاضنة وضابط الحالة المدنية طلب إسناد عناصر الهوية
الافتراضية . كما راعى
المشرع وجود فرضية بقاء الطفل مجهولا بلا هوية كاملة ، حيث يمكن أن يتقاعس
جميع الأشخاص
المخول لهم التدخل لطلب إتمام هويته فخول له حسب الفصل 3 جديد من قانون 07
جويلية 2003 عند
بلوغ سن الرشد طلب ذلك بنفسه إتمام هويته أو البحث عن هويته . وترفع القضية
أمام رئيس المحكمة
الذي وقع تحرير الرسم بدائرته أومن ينوبه وذلك تفاديا لتعقيد الإجراءات
وارتفاع التكاليف وكذلك لتلافي
علنية جلسات المحكمة الابتدائية بتركيبتها العادية .
وتسند للطفل في جميع الأحوال لقب الأم الافتراضي وذلك إذا كان المعني
بالأمر مجهول الأم ويكون لقب
الطفل هو نفس لقب أمه إذا كان أسندت إليه والدته لقبها العائلي .
الفقرة الثانية : الجنسية:
نص الإعلان العالمي
لحقوق الإنسان في فصله الخامس على أن لكل فرد حق التمتع بجنسية ما .
أن من مصلحة الجماعة أن يقر أفرادها جميعاLahaye كما جاء في الجزء التمهيدي
لاتفاقية لاهاي
أنه يجب أن يكون لكل
فرد جنسية. يبدو لي مما سبق ذكره أن الجنسية تعتبر من متطلبات الكيان
الإنساني فعدم
انتماء الفرد الى دولة معينة يؤدي حتما الى حرمانه من حقوق أساسية تمس شخصيته
الإنسانية كحقه في
الإقامة بإقليم دولة معينة وحقه في العمل والمشاركة في الحياة السياسية.....الخ
وعلى هذا الأساس فان
الجنسية تعد شرطا مطلقا أو هي شرط ضروري للحرية والأمن بالنسبة للشخصية
الإنسانية وهي لذلك
تعتبر حقا من الحقوق اللصيقة بالشخصية الإنسانية واثر من الآثار التي يترتب عليها
الاعتراف للفرد
بالشخصية القانونية وما ينجر عن ذلك من حقوق وواجبات .
ويقول الأستاذ
المزغني " الجنسية رابطة واقعية يكرسها القانون وتمنح الفرد صفة
العضو في
مجموعة منظمة في شكل
دولة " .
وعلى هذا الأساس
يعتبر جل رجال القانون والفقهاء أن للجنسية أهمية قانونية كبرى فهي التي تسمح
للفرد بأن ينتمي
لدولة دون غيرها . وقد كرست جل المواثيق والمعاهدات الدولية حق الإنسان بصفة
عامة والطفل بصفة
خاصة في الجنسية . حيث أقر المبدأ الثالث من إعلان الأمم المتحدة الخاص بحقوق
الطفل الصادر بتاريخ
20/12/1959 والذي يقتضي أن يعرف الطفل منذ ولادته باسم معين وجنسية
معينة ومن البديهي
أن يكتسب الطفل جنسية والديه فينتقل إليه بمجرد انتسابه لأب معروف ، إلا أن الأمر
على خلاف ذلك
بالنسبة للطفل المهمل أو مجهول النسب إذ تضمنت مجلة الجنسية أحكاما خاصة تسند
له بمقتضاها الجنسية
التونسية الأصلية ( أ ) وتماشيا مع التوجه العالمي نحو إلغاء جميع أشكال التمييز
بين الأطفال منها ما
جاء في الاتفاقية الأممية لحقوق الطفل لسنة 1989 ومجلة حقوق الطفل فقد نص
قانون 07 جويلية
2003 على اعتبار أصول الطفل المفترض تونسي الجنسية ( ب )
أ – اسناد الجنسية التونسية الأصلية:
إذا كان الشخص يكتسب
جنسية أي بلد في فترة من فترات حياته التي تأتي بعد ميلاده ولأسباب يحددها
قانون الجنسية ، فان
الجنسية الأصلية هي التي تثبت للفرد من الميلاد وهي تعرف أيضا بالجنسية
المفروضة إذ لا خيار
للفرد بشأنها .وقد تعارفت الدول على بناء جنسيتها الأصلية طبق معيارين أساسيين
هما حق الدم وحق
الإقليم وان الاعتماد بإحدى هذين العنصرين في منح الجنسية لا يمنع الاعتراف
بالمعيار الآخر بل
إن كل منهما مكمل للآخر .
واعتمدت مجلة
الجنسية التونسية على حق الدم تارة وحق الإقليم تارة أخرى لتمكن الطفل المهمل أو
مجهول النسب من
جنسيته فأسندت بذلك الجنسية التونسية الأصلية اعتمادا على حق الدم للأطفال
مجهولي النسب معلومي
الأم أما الأطفال المهملين فقد تم منحهم الجنسية التونسية بمقتضى حق الإقليم.
وقد وقع في معيار حق
الدم في قانون الجنسية التونسية اعتماد الأمر العلي المؤرخ في 19 جوان 1914
حيث تم إسناد
الجنسية التونسية لكل من ولد من أب تونسي وأم تونسية أومن أم تونسية وأب مجهول .
ووقع إقرار هذا
المعيار في الفصل 6 من مجلة الجنسية الذي نص على " أنه يكون تونسيا من ولد
لأب
تونسي من ولد من أم
تونسية وأب مجهول أو لا جنسية له أو مجهول الجنسية " .
فإذا ولد من أم
تونسية وأب مجهول سواء كانت الولادة بتونس أو خارجها يكون المولود تونسي الجنسية
وذلك بموجب انتسابه
لأم تونسية وقت ولادته غير أنه إذا ثبت فيما بعد نسبه لأبيه فانه يعتبر مكتسبا
لجنسية أبيه منذ
ولادته مع احترام الحقوق التي اكتسبها الغير حسن النية بناء على جنسيته التونسية
حسبما اقتضاه الفصل
11 من مجلة الجنسية وفي ذلك تمييز بين الأبناء الشرعيين و مجهولي الأب
وذلك خلاف ما عليه
الحال في فرنسا ، إذ شهد قانون الجنسية تغييرا ملحوظا منذ قانون 09 جانفي
1973 حيث تم إلغاء
الفرق بين الطفل الشرعي والطفل الطبيعي في خصوص اكتساب الجنسية ،
إذ اعتبر الفصل 17
من المجلة المدنية الفرنسية أنه يعتبر فرنسيا الطفل شرعيا أو طبيعيا إذا كان
أحد والديه فرنسيا .
وتجدر الإشارة الى أن الاعتداد بحق الدم كأساس
لبناء الجنسية الأصلية لا يمنع من الأخذ بحق الاقليم
الذي وقع إقراره
بمقتضى الأمر العلي المؤرخ في 8 نوفمبر 1921 وفي مجلة جنسية حيث تم
التنصيص ضمن الفصل 7
" يكون تونسيا من كان أبوه وجده للأب مولودين بها أيضا " فتثبت
بذلك الجنسية
التونسية الأصلية بموجب الولادة بتونس بتوافر شرطين يتعلق الأول بالولادة بالإقليم
التونسي والشرط الثاني
يتعلق بولادة كل من الأب والجد بتونس ويكتفي المشرع بإثبات واقعة الولادة
بقطع النظر عن جنسية
كل منهما .
كما نص الفصل 8 من
مجلة الجنسية أنه " يكون تونسيا من ولد بتونس من أبوين عديمي الجنسية مقيمين
بتونس منذ خمسة
أعوام على الأقل "
وعلى هذا الأساس
فانه من يولد بتونس لأبوين يملكان جنسية أجنبية لا يمكن إسناد الجنسية التونسية له
استنادا على حق
الإقليم ، لأنه في هذه الصورة تلعب رابطة الدم دورا قويا ويكتسب تبعا لذلك جنسية
والديه الأجنبية شأن
أعضاء السلك الدبلوماسي المولودين بتونس . وعلى خلاف ذلك فان شرط الولادة
بتونس بالنسبة للطفل
المهمل أو مجهول النسب يعد كافيا في حد ذاته لإسناد الجنسية التونسية إذ ينص
الفصل 9 من مجلة
الجنسية أنه " يكون تونسيا من ولد بتونس من أبوين مجهولين غير أنه إذا ما ثبت
نسبه الأجنبي بمقتضى
القانون الوطني لهذا الأخير فانه يعتبر كأن لم يكن قط تونسيا " فالشخص الذي
يولد بتونس ويتضح
أنه مجهول الأبوين أي مجهول الأب والأم معا يعد تونسيا ويتمتع تبعا لذلك
بالجنسية التونسية
وهو بذلك أعطى لحق الإقليم قوة خاصة ، ففرض بمقتضاه الجنسية التونسية الأصلية
بموجب الولادة بتونس
والتي تزول بثبوت نسب المولود لأحد أبويه أو كليهما حسبما اقتضته الفقرة 2 من
الفصل 9 وهو افتراض
لفائدة الطفل المهمل يجعل منه تونسيا بحكم ولادته بتونس كذا الشأن بالنسبة
للمولود المعثور حيث
نص الفصل 10 من مجلة الجنسية التونسية " أن المولود المعثور عليه بتونس
يعتبر مولودا تونسيا
"
ولا بد من الإشارة
الى أن افتراض الولادة بتونس للمعثور عليه أو الطفل المهمل يقود بالضرورة الى
تحديد عبارة "
بتونس " فالمقصود منها حسب الفصل 5 من مجلة الجنسية التونسية كامل التراب
التونسي
والمياه الإقليمية
التونسية والسفن والبواخر والطائرات التونسية .
فبذلك يفترض أن يكون
الطفل قد ولد حقيقة أو تقديرا بتونس فلا يشترط أن تكون الولادة قد تمت بصفة
فعلية بالإقليم التونسي إلا أنه إذا ثبت أنه ولد
بالخارج بعد ذلك فانه تزول عنه الجنسية التونسية منذ
ميلاده لكن دون
الإضرار بالحقوق التي اكتسبها الغير عن حسن نية وبناءا على جنسيته التونسية .
وبذلك
فان الجنسية
المكتسبة بموجب الولادة بتونس لا تعدو أن تكون مؤقتة فرضها المشرع لاجتناب وقوع
المولود بتونس في
حالة انعدام الجنسية .... " ففي هذه الفرضية تكاد تجمع كافة التشريعات على
ضرورة
منح اللقيط الجنسية
مادام أنه قد ولد في إقليمها وحتى لا يصبح عديم الجنسية "
كما أن إسناد
الجنسية للطفل المهمل أو مجهول النسب بمقتضى حق الإقليم لها أساس واقعي ، فالولادة
على التراب والوسط
الذي يعيش فيه المولود من شأنها أن يولد أو ينمي فيه الشعور بالولاء للدولة التي
ولد على ترابها كما
يساهم بشكل كبير في اندماجه في مجتمعه .
وليس تونس الدولة
الوحيدة التي تسند الجنسية التونسية الأصلية للأطفال المهملين أو مجهولي النسب
اعتمادا على حق
الإقليم بل وجد لهذا المبدأ أساس دولي وذلك من خلال ما جاء في اتفاقية لاهاي لسنة
1930 المتعلقة
بتنازع القوانين في مسائل الجنسية إذ اقتضى الفصل 15 منها أنه " إذا كانت
دولة من
الدول لا تسند
جنسيتها قانونا بسبب الولادة فوق إقليمها جاز لمن ولد بها من أبوين عديمي الجنسية
أو
مجهولي الجنسية أن
يحصل على جنسية تلك الدولة "
كما جاء بالفصل 14
من نفس الاتفاقية أن " للولد المجهول الأبوين جنسية البلد الذي ولد به
.....واللقيط
يعتبر مولودا بإقليم
الدولة التي وجد بها الى أن يثبت ما يخالف ذلك "
وهو تكريسا للاعتراف
بحق الطفل المهمل أو مجهول النسب في اكتساب جنسيته يندرج في إطار ما وقع
الاعتراف به لفائدة
كل طفل بالحق في الهوية .واعتبارا لكون الجنسية عنصرا من عناصر الهوية .
ولعل الأحكام
المخصصة لفائدة الطفولة في تونس بوجه عام ولفائدة الأطفال المهملين و مجهولي النسب
بوجه خاص قد سمحت
بالقول أن " تونس قد كرست بصورة جيدة جملة الحقوق الأساسية التي من بينها
حق كل مواطن أن تكون
له جنسية منذ ولادته .
وما من شك أن افتراض
الجنسية التونسية للطفل المهمل أو مجهول النسب له عديد الآثار الايجابية إذ يعد
مواطنا تونسيا وتسمح
له صفة المواطنة بالتمتع بالحقوق المدنية والسياسية كأي شخص على إقليم الدولة
التي ينتمي
إليها تعطيه الحق في المساواة أمام
القانون والتمتع بحماية القانون دون أدنى تمييز كما يكون
للطفل الحق في
الحرية والسلامة الذاتية . ويكون له الحق في الزواج وتكوين عائلة بالإضافة الى
الحق
في حرية الفكر و الوعي والدين والرأي والتعبير
والاجتماع السلمي والتجمع ، كما يحق له مغادرة
البلاد و التنقل
داخلها واختيار مقر إقامته بها .
غير أن هناك بعض
الحقوق التي لا يمكن للطفل المهمل أو مجهول النسب ممارستها لعدم انحداره من
أصول تونسية وهو ما
يبين الفرق بين هذه الفئة من الأطفال وغيرهم من معلومي النسب .
ولتكريس المساواة
وعدم التفرقة بين هذين الفئتين حرص المشرع صلب القانون 07 جويلية 2003 على
افتراض الجنسية
التونسية لمن هو مجهول من أصول الطفل .
ب – إسناد الجنسية التونسية لأصول الطفل :
إن الاعتراف بحق
الطفل المهمل أو مجهول النسب في اكتساب جنسية يندرج في إطار ما وقع
الاعتراف به لفائدة
الطفل بالحق في الهوية الى جانب الاسم واللقب .
والمتأمل في جملة
هذه العناصر يشعر بمدى أهميتها في حياة الإنسان لكونها هي المحدد الأساسي
لشخصية الفرد
القانونية كما تأكد ما لأهمية إثبات الهوية لكينونة الإنسان لذلك فان الولادة ولئن
كانت
تعتبر واقعة قانونية
إلا أن آثارها في إثبات الشخصية القانونية للفرد هامة جدا لذلك أوجب المشرع
ترسميها ضمن مضمون
الولادة وذلك لأهمية هذا الترسيم في جميع المجالات الحياتية التي تهم
شخصية الفرد سواء في
حقوقه وواجباته وان هذا الترسيم هو الذي يمكن الشخص مستقبلا في إثبات
هويته . إلا أن هذه
الهوية تظل منقوصة بالنسبة للطفل المهمل أو مجهول النسب نظرا الى أنه أما
مجهول الأب أو مجهول
الأبوين وبالتالي فان أصول الطفل تظل مجهولة الجنسية . وعلى هذا الأساس
فسيقتصر رسم ولادة
الطفل المهمل أو مجهول النسب على جنسية هذا الأخير وجنسية الأم إن وجدت
وهو ما من شأنه أن
يظهر الطفل بأنه مجهول النسب كما أن ذلك يمثل عائقا لاكتساب بعض الحقوق .
وتفاديا لهذا النقص
اهتم المشرع صلب قانون 07 جويلية 2003 بالطفل المهمل أو مجهول النسب
ليمنح الجنسية
التونسية لمن كان مجهولا من أصول الطفل معتمدا في ذلك على الافتراض بالنسبة للطفل
الذي أسندت إليه
سلسلة نسبية صورية من جهة الأب أو من جهة الأم أو
كليهما معا حسب منطوق الفصل
3 من قانون 07
جويلية 2003 .ولم يقتصر المشرع على افتراض الجنسية للأب أو للأم الافتراضيين بل
تعدى ذلك لينص على
اعتبار الجد للأب والجد للأم تونسي الجنسية وفي ذلك حرص على أن يتمتع
المعني بالأمر
بحقوقه كاملة .
ويطرح تساؤل في هذا
المجال حول الطبيعة القانونية للجنسية المسندة الى أصول الطفل المفترضة فهل
تعد جنسية أصلية أو
مكتسبة بفعل القانون ولابد من الإشارة إلى أن القرينة القانونية تزول بمجرد ظهور
أصول أجنبية للطفل
ولكن بدون الإضرار بالحقوق التي اكتسبها الغير حسن النية .
إن تطبيقا للمبدأ
القائل بأن الطفل تونسي الجنسية اعتبارا لأن أصوله تونسية الجنسية هو الأساس
المعتمد
عليه لإسناد الجنسية
التونسية المبني على حق الدم أو حق النسب . نفس المنطلق المطبق على الطفل
المهمل أو مجهول
النسب الذي يصبح بدوره تونسيا اعتمادا على الرابطة الدموية التي تفترض أن يكون
أبواه وجديه تونسيين
بقطع النظر عن شرط مكان الولادة . إلا أن هذا يحيلنا على مدى وجود تعارض
بين مقتضيات قانون
07 جويلية 2003 ومقتضيات الفصلين 9 و 10 من مجلة الجنسية التي تسند
الجنسية التونسية
للأطفال المهملين أو اللقطاء اعتمادا على حق الإقليم وافتراض الولادة بتونس .
لقد جاء الفصل 4 من
قانون 07 جويلية 2003 مكملا للفصلين 9 و10 من مجلة الجنسية ضرورة أن
هذين الفصلين يمكن
أن ينطبقا على المهملين بصفة عامة وعلى من لم يتمكن من الحصول على عناصر
افتراضية لا في
مرحلة الطفولة ولا بعد سن الرشد من جهة أولى ، أما من جهة ثانية فان ما جاء به
قانون 07 جويلية
2003 يظهر الجنسية كحق من حقوق الإنسان وكجزء لا يتجزأ من الحق في الهوية
ضرورة أن تجاوز إسناد الجنسية للطفل المهمل
لتشمل أصوله المفترضة يصب بالأساس في مصلحة
هذا الأخير بأن
يمكنه من حق كامل وشامل للهوية بالإضافة الى أن افتراض الجنسية التونسية لأصول
الطفل الصورية يجسم
مبدأ حرية الدولة في تحديد وطنيها بتشريعها الداخلي فهي التي تنفرد بالتدخل في
ذلك ولا يباح التدخل
لأية هيئة دولية .
ولا يخفى على أن
إسناد سلسلة نسبية افتراضية للطفل وان كان يوفر له حماية بتغيير نظرة المجتمع إليه
وجعله يظهر وكأنه
معلوم الأبوين إلا أن ذلك لا يكتمل إلا بوجوب إسناد الجنسية للأصول وبالتالي فهو
يكتسب كامل عناصر
الهوية من اسم ولقب وجنسية ضرورة أن هذه الأخيرة لا تكتسب في الغالب الا
اعتمادا على جنسية
الوالدين والأصل العائلي . وأن هذا الإجراء من شأنه أن يولد عند الطفل المهمل أو
مجهول النسب الشعور
بالرضاء نحو الدولة التي ينتمي إليها كما تسهل هذه الجنسية اندماج مجهول
النسب أو المهمل في بيئته
الاجتماعية وتجنبه الحرج من استخراج أية وثيقة رسمية خاصة منها مضمون الولادة
الفصل الثاني : آثار الهوية
ان دراسة مفهوم هوية
الطفل وأركانها يعد من المسائل المتشعبة لكونها تتعلق بتعريف الإنسان عامة
وضبط شخصيته
القانونية في مجتمع ما مع تأثير عاملي الزمان والمكان ولأن الإنسان كائن نوعي راق
فوجب أن يكون تحديده
بأكثر دقة وشمول لذلك انبنت الهوية القانونية حديثا على تعريف الإنسان جنسا
ومولدا زمانا ومكانا
وجنسية واسما ولقبا ان لم نقل نسبا أيضا وذلك استنادا الى أن أغلب التشريعات
المعاصرة تعترف
للطفل الشرعي بحق اكتساب لقب والديه ليحيله بعد ذلك الى أبنائه فيصبح اللقب
وسيلة لاكتساب وضعية
عائلية شرعية ومستقرة وهو ما من شأنه أن يكسبه حقوقا شخصية بمقتضى
البنوة النسبية كذلك
الشأن بالنسبة للطفل المهمل أو مجهول النسب حيث اعتبر المشرع من خلال تنقيح
7 جويلية 2003 أن
ثبوت البنوة الطبيعية يخول للطفل جملة من الحقوق تجاه الأب وكذلك تجاه الأم
عند ثبوت الأمومة .
وعموما يمكن القول
أن إكساب الطفل لهوية حقيقية نجعله يكتسب حقوقا شخصية متمثلة في اسناد اللقب
العائلي والحق في
الرعاية ( مبحث أول ) وحقوق مالية ( مبحث ثاني ) .
المبحث الأول : الحقوق الشخصية :
يكتسب الطفل الشرعي هويته تبعا لوالده الذي يقوم عادة هو بنفسه بالتصريح
بولادته لدى ضابط الحالة
المدنية مع إسناده اسما وكذلك الشأن بالنسبة للطفل المتبني الذي يكتسب أيضا
نفس حقوق وواجبات الطفل
الشرعي حيث يصبح بمقتضاه للمتبني والمتبنى نفس الحقوق والواجبات المحمولة
على الأبناء والأبوين
الشرعيين ومن هنا فان هذين النوعين من الأطفال لا يثيرا أي إشكال . في
المقابل فان عددا من الآباء
يدركون جيدا أبوتهم لأطفالهم ولكنهم مع ذلك يعملون على التخلص من
المسؤوليات الأبوية تجاه أبنائهم
متعللين بعدم وجود علاقة زوجية تربط بأمهات هؤلاء الآباء ، كما لوحظ أيضا
وجود أمهات يقمن بتسليم
أولادهن للمستشفى فورا بعد ولادتهم ويذهبن إلى حال سبيلهن دون تحميلهن
لأدنى مسؤولية مما أدى الى
التفكير في إزالة الضرر الحاصل للطفل من تصرف هؤلاء الآباء والأمهات .
ووضع المشرع التونسي لذلك آليات جديدة تمكن الطفل من حقوق شخصية يلتزم بها
الآباء والأمهات على
حد السواء والحق يكون شخصيا إذا كان مرتبطا بذات الفرد أو بأسرته في نطاق
حالته الشخصية في
مفهومها العام ، ومن أوكد الحقوق الشخصية بالنسبة للطفل الشرعي والطفل
الطبيعي حسب تنقيح قانون
07 جويلية 2003 الحق في اللقب العائلي ( فقرة أولى ) والحق في الرعاية (
فقرة ثانية ) .
فقرة أولى : الحق في اللقب العائلي :
يعتبر إسناد اللقب العائلي من الحقوق الأساسية للطفل منذ ولادته يسند بمجرد
ترسيم تلك الولادة بدفاتر
الحالة المدنية ويعتبر المشرع التونسي أن اللقب العائلي وجوبي وتتعلق
الأحكام المنظمة له بالنظام العام
بحيث لا يمكن مخالفتها أو الاتفاق على خلافها كما أن التنصيص عليه بمضمون
الولادة يعد من البيانات
الإجبارية .
ويقصد باللقب اسم الأسرة التي ينتمي إليها الشخص ، حيث يشترك كل أفراد
الأسرة في هذا اللقب ويعتبر
من مقومات الهوية ووقع تركيزه
مباشرة اثر الاستقلال بمقتضى القانون عدد 53 لسنة 1959 المؤرخ في
26 ماي 1959 الذي اقتضى أن يكون لكل تونسي لقبا عائليا وجوبا وذلك طبقا
لإجراءات وشروط خاصة
أقرها هذا القانون والتي رتب عن الإخلال بها عقابا جزائيا جاء به الفصل
الثالث من القانون المذكور الذي
وقع تنقيحه وإتمامه بالقانون عدد 10 المؤرخ في غرة ديسمبر 1959 وبالمرسوم
عدد 5 لسنة 1962
المؤرخ في 10 مارس 1962 . وقد تجاهل هذا القانون الأطفال المهملين و مجهولي
النسب ثم تم إصدار
قانون 11 أوت 1985 والذي جاء متعلقا بهذه الشريحة من الأطفال واقتضى أنه
على الولي اختيار اسم
ولقب لكل من يقتصر منهم لذلك ويختلف قاعدة إسناد اللقب من طرف لآخر .
ذلك أن اللقب العائلي يعكس مبدئيا انتماء شخص لعائلة معينة أو لشخص آخر
يحمل اسمه ، لذلك فان
القاعدة تقتضي إكساب لقب عائلي نهائي منذ الولادة ، لكن قد يحدث أن يتغير
هذا اللقب لسبب قانوني
ما وخاصة في حالة تغير الوضعية القانونية للفرد وبالتالي حالته المدنية من
ذلك حالات التبني أو حالة
نفي النسب التي يفقد فيها الطفل حقه في حمل اللقب العائلي لزوج أمه ، كذلك
قد يستحيل في بعض
الحالات كشف حقيقة انتماء الطفل لعائلة معينة أو شخص معين فيتعذر بالتالي
تحديد نسبه ويتم إسناده
لقبا عائليا من طرف السلطة الإدارية المختصة وهذه الحالات تبقى استثنائية
مقارنة مع المبدأ الذي يقتضي
أن يكون إسناد اللقب العائلي نتيجة لرابطة النسب القائمة بين الأب والابن
وهي قاعدة تأخذ بها أغلب
التشريعات لمقارنة باعتبار الطبيعة الأبوية للمجتمع المعاصر والتي تعتبر
كأثر من آثار ثبوت الهوية
( أ ) كما يحمل لطفل اللقب العائلي
للأم وذلك في صورة اقتصاره على إثبات الأمومة دون الأبوة ( ب ) .
أ - الحق في اللقب العائلي الأبوي :
ان اكتساب الطفل للقب العائلي يحكمه مبدأ هام كرسته جل التشاريع المعاصرة
وهو مبدأ أولوية اكتساب
اللقب الأبوي الذي يقتضي أن يكون لكل شخص لقب عائلي وأن ينتقل له هذا اللقب
عن أبيه
فالمشرع التونسي لا يعترف بغير النسب الشرعي وبالتالي لا ينظم سوى البنوة
الشرعية لذلك فان رابطة
اللقب هي نتيجة حتمية و طبيعية لعلاقة قانونية قائمة بين الابن ووالده
وبالتالي فان اسناد اللقب العائلي
يتوقف على ثبوت نسب الطفل نحو أبيه بقطع النظر عن ثبوته من عدمه نحو أمه .
فالأب في القانون
التونسي وبالتالي في الفقه الإسلامي هو مصدر كل شيء الاسم والشرف والنسب
ورفعة الشعور بالانتماء
" ذلك أن لقب الأب يحكم وعينا وهو الأكثر من ذلك سلطان على لا شعورنا
بما أنه وحده رمز النسب
بأكمله لأن الأم مقصاة في هذا المستوى إذ يتوارى اسمها في البنوة الشرعية
وهو و إن ظهر في البنوة
غيرشرعية فهو يبرز بمظهر العيب أو الخطأ لأن من يحمل اسم أمه هو ليس ابنا
لأحد أي بمعنى آخر لا
نسب له فالبنوة الشرعية تضيء القمة وهي محل كل اهتمامات المشرع وحمايته
والطفل الشرعي ينتمي الى عائلة وهو وريث والديه كما
أن مضمون ولادته ينص على نسبه.
إسناد لقب عائلي
للمولود ذلك أن الطفل ينسب بشكل آلي لأبيه دون أمه وهو ما تقره أغلب التشاريع
كالتشريع الفرنسي
مثلا الذي يحجر إسناد لقب الأم لابنها في النسب الشرعي أما بالنسبة للمتبني فقد
نظم المشرع التونسي
مؤسسة التبني بمقتضى القانون عدد 27 لسنة 1958 في 4 مارس 1958 وذلك
الى جانب مؤسستين
قريبتين منه هما الولاية العمومية والكفالة والتبني يتم بمقتضى حكم تنشأ بموجبه
علاقة بنوة قانونية
بين شخصين وهي علاقة مصطنعة الى حد كبير باعتبار وأنها تقوم على اختيار طفل
أجنبي ليقوم مقام
ابن الصلب .
هذا و لم يعرف
القانون التونسي التبني رغم تنظيمه له وهو ما جعل الفقه خاصة يسعى الى تدارك هذا
النقص ويقترب التبني كثيرا من مؤسسة الاستلحاق الذي
يتمثل بدوره في قيام شخص بالتصريح
لدى الحاكم بانتساب
طفل إليه وهو ما يعد إقرارا بالأبوة طبقا للفصول 68 ، 70 ، 74 من مجلة الأحوال
الشخصية ومن الآثار
الأساسية لهذه المؤسسة هو حمل الطفل بصفة رجعية للقب المقولة بالنسب أو من
قام باستلحاقه وهو
اثر مطابق لما نص عليه الفصل 14 من قانون التبني من وجوب حمل المتبنى للقب
المتبني وان كان ذلك
بصفة غير رجعية أي من تاريخ صدور الحكم بالتبني وهذا خلافا لمؤسسة الكفالة
التي يحتفظ بمقتضاها
المكفول بحقه في حمل لقبه العائلي الأصلي وكذلك حقه في الميراث طبقا لأحكام
الفصل 6 من قانون 4
مارس 1958
هذا ويكتسب المتبني
بمقتضى التبني الشامل لقب المتبنى وجنسيته كما هو الحال بالنسبة للطفل الشرعي
وفي حالة التبني من
قبل زوجين فان لقب الزوج هو الذي يقع إسناده بينما يسند اللقب الأصلي للزوجة
اذا كانت هي
المتبنية للطفل .
أما فيما يتعلق بالطفل المهمل أو مجهول النسب
فقد اقتضت الفقرة الثانية من الفصل الثالث مكرر
من قانون 28 أكتوبر
1998 المنقح بقانون 07 جويلية 2003 أنه " يمكن للأب أو الأم أو المعني
بالأمر أو النيابة
العمومية رفع الأمر الى المحكمة الابتدائية المختصة لطلب إسناد لقب الأب للطفل
للطفل الذي يثبت
بالإقرار أو بشهادة الشهود أو بواسطة التحليل الجيني أن هذا الشخص هو أب ذلك
الطفل " فإذا ما تمكن الطفل خارج إطار الزواج من إثبات
بنوته طبق هذا القانون فبإمكانه المطالبة
بإسناد لقب والده
البيولوجي ويتم ذلك طبق مقتضيات الفصل 3 مكرر من القانون المذكور. وقد وفر
المشرع التونسي
للطفل المهمل أو مجهول النسب لأول مرة أساسا قانونيا يمكنه من حمل لقب والده
البيولوجي بعد إثبات
العلاقة البيولوجية بينهما باعتبار أن حمل لقب الأب هو أولوية إذا ما ثبت وجود
هذا الأب وثبتت
أبوته ومن هنا يتساوى الطفل المجهول النسب مع الطفل الشرعي من حيث حمل لقب
الأب .
ما يمكن استنتاجه
إذن أن إسناد لقب عائلي للأطفال الغير الشرعيين يعتبر مظهرا من مظاهر المساواة
التي أراد المشرع
التونسي أن يمنحها لهذه الفئة من الأطفال في إطار مقارنتها مع الأبناء الشرعيين
بعد أن أقصت مجلة
الأحوال الشخصية الأبوة الطبيعية ولم تعترف بها وهي لا تكرس إلا نوعا واحدا
من البنوة الشرعية
أي النسب . ولقد جاء قانون 1998 تتويجا للمسيرة المتدرجة نحو تكريس حق الطفل
في الهوية والانتماء
لأبيه الحقيقي وشعورا من المشرع بأهمية اللقب العائلي وأثره البالغ على نفسية
الطفل وشخصيته ووضعه
في المجتمع بما ينسجم مع اتفاقية حقوق الطفل الداعية الى إلغاء جميع أشكال التمييز
بين الأطفال بموجب
أصل الميلاد فيما يتعلق بالحق في الهوية باعتباره من الحقوق البديهية التي يكتسبها
الفرد بمجرد كونه
إنسانا بقطع النظر عن طبيعة بنوته .
ب - اكتساب لقب الأم عند اقتصار
الطفل على إثبات الأمومة :
لم يكتف المشرع بحق
اكتساب اللقب العائلي الأبوي بل أوجب عند تعذر إثبات الأبوة أوجب على الأم
الحاضنة أن تسند
اسمها ولقبها العائلي لطفلها وذلك طبقا لأحكام القانون المتعلق بتنظيم الحالة
المدنية .
لقد أوجب المشرع على
الأم اختيار اسم طفلها باعتبار أن الاسم هو أول عنصر من عناصر الهوية
للإنسان إذ أن جل
المواثيق والمعاهدات الدولية اتفقت على اعتبار اكتساب الاسم منذ الولادة حق من
حقوق الإنسان .
فقد أكد الفصل
السابع من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل على أن الطفل يسجل بعد ولادته فورا ويكون
له الحق منذ ولادته
في اسم والحق في اكتساب جنسية ويكون له قدر الإمكان الحق في معرفة والديه
ويتلقى رعاية منهما
.
كما أوجب المشرع
للأم الحاضنة أن تسند لقبها لابنها مجهول النسب كما يحق للطفل المهمل ومجهول
النسب الذي نجح في
إثبات الأمومة أن يطالب بإسناد لقبها العائلي إليه على غرار إسناد اللقب الأبوي
.
فان كانت علاقة
الطفل بوالده تؤثر على طبيعة بنوة الطفل فان علاقة الطفل مجهول النسب بوالدته
تكتسي دائما صبغة
شرعية ولا ترتب نفس الآثار التي يرتبها إثبات النسب باعتبارها رابطة فيزيولوجية
بينهما
من غير ذي تأثير على
نسبه ويسهل إثباتها خاصة وأن الحمل ثابت بظهوره وتأسيسا على ذلك يحرر
رسم الولادة على نحو
يكون فيه الطفل مجهول النسب ابنا لوالدته وحفيدا لوالدها تلقبه بلقب هذا الأخير
وتحمل الأم الحاضنة
مباشرة بعد الوضع بواجب إسناد اسم لابنها القاصر مجهول النسب طبقا للفصل
22 من قانون 1 أوت
1957 الذي اقتضى أن يقع إعلام ضابط الحالة المدنية بمكان الولادة خلال العشرة
أيام التي تلي الوضع
وعلى الأم الحاضنة خلال العشرة أيام ولم تقم بذلك فانه لا يمكن ذلك إلا بعد طلب
الإذن من السلطة
المختصة ولا تلزم الأم في طلبها هذا
بإثبات أمومتها فيكفي إقرارها بكونها أم الطفل
المولود على خلاف
أقرار الأب .
وإذا ما أذن رئيس
المحكمة المختصة بترسيم ولادة الطفل مجهول النسب فانه يقع توجيه هذا الإذن
بواسطة النيابة
العمومية الى ضابط الحالة المدنية بالمنطقة التي يتولى إدراجه برسم ولادة الطفل
وتجدر
الإشارة أن المشرع
صلب قانون 07 جويلية 2003 لم يرتب جزاء على عدم قيام الأم بطلب إسناد
عناصر هوية من
القضاء والهدف من غياب الجزاء هو تفادي تعقيد الأمور على الأم بما قد يجعلها
تتخلى عن حضانة
الطفل وتسليمه الى مؤسسات خاصة .
وقد سعى المشرع الى
ضمان حقه في الرعاية والتربية الى جانب حقه في اللقب العائلي .
الفقرة الثانية : الحق في الرعاية :
لقد اهتمت جل
القوانين والمواثيق الدولية بتكريس مسؤولية الأولياء والوالدين في تنشئة الطفل
ورعايته
واعتبرت الرعاية
واجب على الوالدين وحق الأبناء ، فقد أقرت المادة 7 من اتفاقية الأمم المتحدة
لحقوق
الطفل بأن هذا
الأخير يكون له قدر الإمكان الحق في معرفة والديه وتلقي رعايتهما ويشمل الحق في
الرعاية ، الحق في الحضانة ( أ ) والحق في الولاية (ب )
وتعتبر الرعاية واجبا على الأب وكذلك على
الأم .
أ - الحق في الحضانة:
لا شك أن الطفل بسبب
صغر سنه لا يمكنه أن يربي نفسه فعهد المشرع بواجب حضانته وتربيته الى
والديه ويعني ذلك
قانونا " حفظ الولد في مبيته والقيام بتربيته " على معنى أحكام الفصل 54
من مجلة
الأحوال الشخصية
وتعتبر الحضانة من حقوق الأبوين مادامت الزوجية مستمرة بينهما كما عرفتها
محكمة التعقيب
التونسية بأنها عبارة عن القيام بحفظ الصغير والتعهد بما يصلحه ووقايته مما يؤذيه
ويضره وتربيته نفسيا
وعقليا .
وتعتبر الحضانة من أبرز الحقوق الشخصية التي
منحها المشرع للطفل وهي من حقوق الأبوين معا
مادامت الزوجية
قائمة طبق الفصل 57 من مجلة الأحوال الشخصية واذا انفصم الزواج وكان الزوجان
بقيد الحياة عهدت
الحضانة الى أحدهما أوغيرهما حسب المصلحة الفضلى للمحضون ولكن الأمر هو في
غاية الاختلاف
بالنسبة للطفل المهمل أو مجهول النسب نظرا لغياب علاقة زوجية بين والدي الطفل ولم
يتبنى المشرع حلولا
لهذه الوضعية وأمام سكوت النص التشريعي يتعين الرجوع الى الأحكام العامة التي
جاءت بها مجلة
الأحوال الشخصية واعتمادا على الأحكام العامة للحضانة يجوز لوالدي الطفل الاتفاق
حول مسألة إسناد
حضانة الطفل على أن يكون هذا الاتفاق مراعيا لمصلحة المحضون وهو ما أكدته
محكمة التعقيب في
إحدى قراراتها " أحكام الحضانة لها مساس بالنظام العام لتعلقها بالأسرة
وتأييدا لذلك
فكل تعاقد بشأنها
يتنافى مع مصلحة المحضون يعد لاغيا ."
كما اعتبر فقه
القضاء أيضا أن التراجع في الاتفاق جائز أيضا وذلك بحسب مصلحة المحضون سواء
كان الاتفاق قد تم خارج المحكمة أو لدى المحكمة
.
فمصلحة المحضون تهم
جانبين جانب مادي يتعلق بمعرفة الظروف المادية التي سيعيش فيها المحضون
وجانب معنوي مهم جدا
باعتبار تهم العلاقة التي تربط عاطفيا المحضون بالشخص المترشح لحضانته
لذلك من الناحية
التطبيقية يصعب أن تقع إسناد الحضانة للأب خاصة بالنسبة للطفل المجهول النسب أو
المهمل والتي ثبتت
أبوته لأن الأم الحاضنة هي التي تقوم بدعوى في إسناد اللقب العائلي الأبوي مطالبة
بإثبات أبوة ابنها
باعتبار أن الأب قد تنكر لفعلته ورفض الاعتراف به بصورة إرادية وبذلك يصعب
أن تقوم الأم
الحاضنة بالتخلي عن طفلها وتسليمه لوالده لغياب العاطفة بينه وبين أبيه .
كما تجدر الإشارة
الى أن الحضانة تعتبر واجبا محمولا على الأم سواء بالنسبة للطفل الشرعي أو للطفل
المهمل أو مجهول
النسب بموجب صدور حكم بإثبات الأمومة . لكن هذا الإسناد مرتبط أيضا بمعيار
مصلحة المحضون .
ب - الحق في الولاية :
عرف الفقهاء
المسلمون الولاية بأنها تنفيذ القول على الغير شاء أم أبى كما عرفها الفقهاء بأنها
سلطة
تخول لمن يتولاها
الحق في إنشاء العقود والتصرفات نيابة عن الطفل القاصر العاجز عن القيام بشؤونه
وهي ولاية على النفس
وتشمل سلطة التأديب والتربية والتعليم والموافقة على التزويج ولكنها في ذات
الوقت ولاية على
الأموال وتقتضي التصرف في الذمة المالية للطفل القاصر وفي كافة ممتلكاته وتنتهي
الولاية بسن الرشد
أو الترشيد .
كما أقر القانون
الحق في الولاية وقد نص الفصل 23 من مجلة الأحوال الشخصية " ويتعاونان على
تيسير شؤون الأسرة
وفي حسن تربية الأبناء وتصريف شؤونهم بما في ذلك التعليم والسفر والمعاملات
المالية ..."
ففي ظل العائلة
الشرعية توزع صلاحيات الولاية على الأبناء القصر بين الأب والأم تطبيقا لمبدأ
التعاون
الذي أدخله المشرع
التونسي في ظل الأحوال الشخصية بموجب تنقيح 12 جويلية 1993 .
وبذلك فان تشريك
الأم في الإشراف على تصريف شؤون الأبناء يقتضي أن يكون لها قول في الموضوع
وأن يكون لتصرفها
وزن في إدارة الشؤون العائلية وحسن تربية الأطفال . ويظهر من التنقيح المذكور
أنه لم يسند حق الولاية
المطلقة على الأبناء وإنما تضمن تعاون الزوجين في كنف الانسجام في أمور السفر
والتعليم والمعاملات
المالية ضرورة أن غالبية الأولاد القصر يكونون عادة في سن الدراسة دون أن
يتعارض ذلك مع أن
الزوج هو رئيس العائلة كما أنه ليس تغييرا للمعادلات بحيث أنه في كل الحالات
التي لم تمنح فيها
الزوجة صلاحيات تعود الصلاحية للزوج والغاية من تشريك الزوجة كأم لها حقوق
على أبنائها وعليها
واجبات وقد نص الفصل 67 من مجلة الأحوال الشخصية على القاضي أن يراعي
مصلحة المحضون عند
البت في مسألة الحضانة
وتعتبر مصلحة الطفل
المعيار الوحيد لانتقال صلاحيات الولاية للأم الحاضنة ، كما يمكن أن تنتقل
صلاحيات الولاية
كنتيجة لوفاة الولي الشرعي وقد وقع تكريس هذا الحل بموجب تنقيح الفصل 155 من
مجلة الأحوال الشخصية
بتاريخ 18 فيفري 1981 " للأب ثم للأم ثم للوصي الولاية على القاصر أصالة
ولا تبطل إلا بإذن
من المحاكم لأسباب شرعية . "
فإذا قصر الولي في
أداء واجباته أو صار عاجزا عن القيام بها لسبب من الأسباب فان إسقاط الولاية أي
نزعها ممن أسندت
إليه سيكون أمرا حتميا .
ولإسقاط هنا لا يعني
مجرد إسناد صلاحيات لشخص آخر غير الولي المقصر أو العاجز وإنما يعني نفي
شروط اسناد الولاية
عنه واعتباره غير صالح إطلاقا لممارستها وهذا يترتب عن إسقاطه من قائمة
الأولياء فلا يزاحم
غيره ولا يفضله في استحقاقها بل ولا يترشح لنيلها طالما بقي حكم الإسقاط قائما
وإسقاط الولاية يمكن
أن يكون بحكم القانون كما هناك موجبات أخرى لإسقاط الولاية مستخلصة من فقه
القضاء من مفهوم
المخالفة للشروط العامة التي وضعها المشرع لإسناد الولاية مثل عدم التكليف وانعدام
الأمانة ووجود مرض
معدي أو خطير ، تزوج الحاضن بمن ليس هو محرما للطفل وذلك بالنسبة للأنثى
فقط ويمكن أن تنتهي
الولاية بالترشيد فان بلغ الطفل سن الرشد يكون وليا على نفسه أما فيما يخص
وضعية الابن المهمل
أو مجهول النسب فإنها تتميز ببعض الخصوصية بالنظر الى أنه لا يعيش في كنف
عائلة موحدة وعادة
ما يعيش مع أحد أبويه فقط وبالتحديد من كان حاضنا له . فإذا قام الطفل بإثبات
الأبوة ويقع إسناد
الحضانة للأب ففي هذه الصورة له أن يتخذ جميع القرارات المتعلقة بمصالح الطفل
المالية من تربية
وتأديب وإرسال الى مكان التعليم والسفر والزواج عند الاقتضاء .
أما إذا كانت الأم
معلومة فان الأب في هذه الحالة لا يملك السلطة المطلقة إذ أن اعتباره الولي الشرعي
للطفل لا يمنع من
تشريك الأم من خلال تنقيح 1993 متجليا في ممارستها لحقها في المتابعة والتعرف
على كيفية إدارة
الأب لشؤون الصغير كما لها أن تلجأ الى قاضي الأسرة إذا تراءى لها أن مصالح ابنها
مهددة وأصبح من
الضرورة التدخل لحمايته وذلك تطبيقا للفصل 20 وما بعده من مجلة حماية الطفل .
وأما إذا أسندت
الحضانة للأم فلها أن تمارس بعض صلاحيات الولاية المتعلقة أساسا بسفر المحضون
ودراسته والمعاملات
المالية وتبعا لذلك بإمكانها قضاء حوائجه المتعلقة بالترخيص له في الترسيم
بالمؤسسات التربوية
وفي الإحراز على جواز سفر الى الخارج وفي سحب المبالغ المالية الضرورية
لقضاء شؤونه والتصرف
فيها على أن تبقى للأب بصفته وليا لابنه واجب الإشراف على تنشئة المحضون
والنظر في شؤونه
وتأديبه و ممارسة بقية الصلاحيات التي لم تسند للأم صراحة بموجب أحكام الفصل
67 من مجلة الأحوال
الشخصية .
وفي نطاق الولاية
على المال فقد قيد المشرع التونسي تصرفات الولي وحددها بأعمال الإدارة وقد
تعرض الفصل 15 من
مجلة الالتزامات والعقود مجموعة أعمال أوردها على سبيل الذكر لا الحصر
وهي أعمال التصرف .
وإذا كان الطفل المولى عليه يتمتع بحد أدنى من التمييز يمكنه من العديد من
الحالات المساهمة في
تعمير ذمته المالية بقبول هبة أو وصية أو حتى المبادرة بإجراء التصرف القانوني
مع توقف العمل
المراد انجازه على إرادة الولي وإذا كان
المشرع قد كرس واجب التعاون بين
الزوجين صراحة
لتصريف شؤون الطفل ورعايته في ظل الشرعية فانه لا شيء يمنع من التأكيد على
ضرورة تكريس هذا
الواجب بين الأم والأب الذي ثبتت بنوته على معنى قانون 07 جويلية 2003 بحيث
يتعاونان ويتكاملان
في ممارسة صلاحيات الولاية على ابنهم القاصر ، أما إذا كان هناك تنازع بين
الأبوين في اتخاذ
قرار يتعلق بالطفل فان قاضي الأسرة هو المختص بفض هذا الإشكال .
وتعتبر الحقوق
الشخصية التي أضحى يتمتع بها الطفل الذي أثبتت هويته غير كافية وحدها لضمان
تربية الطفل تربية
كاملة اذ لا بد من حصوله على الحقوق المالية .
المبحث الثاني : الحقوق المالية :
تمثل الحقوق المالية
كأهم أثر من آثار انتساب الطفل لأبيه إذ بمجرد ولادة الطفل يكون الأب والأم
ملزمان بالإنفاق
عليه الى بلوغ سن الرشد أو يصير قادرا على التكسب ( فقرة أولى ) كما يستحق الارث
بمجرد وفاة والديه (
فقرة ثانية ) .
الفقرة الأولى : الحق في النفقة :
نص الفصل 50 من مجلة
الأحوال الشخصية أن النفقة تشمل الطعام والكسوة والمسكن والتعليم وما يعتبر
من الضروريات في
العرف والعادة في حين بين الفصل 51 من مجلة الأحوال الشخصية إنها تقدر
حسب وسع المنفق وحال
المنفق عليه وحال الوقت والأسعار كما أكد الفصل 53 أنه في تعداد الدائنين
للنفقة يأتي الأطفال
الصغار في المقدمة . وتأسيسا على ذلك فان كل من ثبت نسبه وألحق بأبيه يستحق
النفقة وتجب هذه
الأخيرة على من تم إثبات أنه والده ويتعين على الأب إعالة ابنه الذي كان مجهول
النسب أو مهملا في
البداية ووقع إثبات أبوته طبقا للإجراءات والآليات التي جاء بها قانون 28 أكتوبر
1998 والنفقة تبدو
من أوكد وأهم آثار القانون إذ هي تهدف الى حماية الأطفال من حرمانهم من الطعام
والكسوة والسكن
بمعنى ضمان العيش الكريم لذا وجب التعرف على شروط استحقاق النفقة ( أ )
وضمانات استخلاصها (
ب )
أ - شروط استحقاق النفقة :
مادامت العلاقة
الزوجية قائمة فالوالد ينفق على أبنائه بحكم التعايش تحت سقف واحد ، لكن بانفصام
الرابطة الزوجية
تسند الحضانة الى أحد الزوجين أو الى غيرهما فإذا أسندت للأب فانه سيواصل الإنفاق
عليهم بحكم العيش
معهم وإذا أسندت الى شخص آخر وللأم خاصة فانه يصبح من الضروري النظر في
موضوع النفقة وإلزام
الوالد بأن ينفق على أبنائه بدفع مبلغ مالي للحاضنة شهريا . ولقد أدخل تنقيح على
الفصل 46 من مجلة
الأحوال الشخصية فأصبح النص يشير الى أن النفقة تستمر الى أن يبلغ الطفل سن
الرشد وتستمر إذا
كان مواصلا لتعليمه ولكنها لا تستمر للأبد مع وضع حد وهو 25 سنة . بالنسبة للبنت
فهذه النفقة تستمر
الى أن تصبح قادرة على التكسب أو أن تتزوج بزوج دخل بها والى جانب شرط السن
فانه يشترط في مستحق
النفقة أن لا يكون له مالا عملا بمقتضيات الفصل 56 من مجلة الأحوال
الشخصية الذي ينص
على أن " مصاريف شؤون المحضون تقام من ماله إن كان له مال وإلا ضمن مال
أبيه " فإذا كان للطفل أموال خاصة به كأن تكون قد تأتت
له من هبة أو ميراث فلا يمكنه مطالبة الأب
أو الأم بالإنفاق
عليه وهو الموقف الذي اعتمدته محكمة التعقيب التونسية في عديد المناسبات و يمكن
اعتبار أن جميع
الأحكام المتعلقة بنفقة الابن الشرعي تنطبق على الابن المهمل أو مجهول النسب الذي
تم إثبات بنوته
بمقتضى قانون 1998 إلا أنه بالنسبة للقانون التونسي فانه لا يمكن القيام بدعوى
مطالبة
الأب بالإنفاق على
الطفل الطبيعي إلا إذا أثبتت علاقة البنوة والرابطة الدموية بينهما وقضت المحكمة
بإسناد اللقب
العائلي للطفل والحق في النفقة يعد من أهم الآثار العملية لقانون 07 جويلية 2003
المنقح
لقانون 28 أكتوبر
1998 باعتبار أنه يكفل لهاته الشريحة من الأطفال العيش الكريم ويجبر الآباء
على تحمل مسؤولياتهم
تجاه أبنائهم الطبيعيين وعدم التنصل منها ، كما أن إقرار حق النفقة تجاه الأم
الذي تم بمقتضى حكم
إثبات نسب الطفل إليها فائدة كبيرة خاصة إذا كان الطفل مجهول النسب من ناحية
الأب إذ أن ذلك يخرج
الطفل من دائرة المهملين ويوفر له حد أدنى من الإحساس بالحماية المعنوية
والمادية .
وإذا كانت علاقة
النسب الشرعي لا ترتب فقط حقوقا لفائدة الطفل الشرعي وإنما تحمله بعض الالتزامات
تجاه أبيه وكذلك
تجاه والدته منها واجب الإنفاق عليها حال عسرهما عملا بأحكام الفصل 49 من مجلة
الأحوال الشخصية .
فلا يمكن في هذه الصورة مطالبة الأب بالإنفاق على أبنائه إذا تبين أنه لا يملك
موارد مالية تخول له
الاضطلاع بهذا الواجب ، إلا أن إثبات عسر الأب وعجزه عن القيام بواجب النفقة
يستوجب بالضرورة على
القاضي البحث والنظر في جدية هذا الدفع من عدمه وذلك عن طريق الاستعانة
بالاختبارات
والأبحاث الاجتماعية والمكتبية من سماع للأم والابن والشهود عند الاقتضاء ولقد
نص
الفصل47 من مجلة
الأحوال الشخصية أن " الأم حال عسر الأب مقدمة على الجد في الإنفاق على ولدها
وهي لا تثير إشكال
على اعتبار أن علاقتها بابنها تعتبر شرعية وبالتالي واجباتها لا تختلف سواء تعلق
الأمر بابن شرعي أو
ابن طبيعي .
لكن الإشكال يطرح في
خصوص انتقال هذا الواجب الى الجد إذا تعلق الأمر بطفل ثبتت بنوته بموجب
قانون 1998 .
في صورة تعذر مطالبة
الأب والأم بالإنفاق على الطفل فانه يصعب مطالبة الجد بذلك باعتبار أن ثبوت
البنوة لا يترتب
عليها اندماج الطفل في عائلة أبيه وبالتالي مطالبته بالإنفاق عليه .
أما في صورة صدور
حكم إثبات الأمومة لفائدة طفل مجهول النسب وصدر حكم بالنفقة وكانت الأم في
حالة عسر فان واجب
النفقة ينتقل الى الجد للأم وذلك إذا أخذنا بعين الاعتبار الفصل 152 من مجلة
الأحوال الشخصية يرث
ولد الزنا أمه وترث قرابتها وفي نفس هذا الإطار اقتضى الفصل 53 من مجلة
الأحوال الشخصية أنه
" إذا تعدد المستحقون للنفقة ولم يستطع المنفق القيام بالإنفاق عليهم جميعا
قدمت
الزوجة على الأولاد
والأولاد الصغار على الأصول "وفي غياب نص تشريعي صريح وعدم وجود فقه
قضاء في هذا المجال
يمكن القول أنه طالما لم يفرق المشرع بين الأبناء صلب أحكام الفصلين
43و53 من مجلة
الأحوال الشخصية اللذين يتحدثان عن الأولاد في المطلق وقد وردت عبارة الأولاد بدون
أي تحديد أو تمييز
وبالتالي فإنهم يعملون على قدم المساواة ولا مجال لإعطاء الأفضلية للطفل الشرعي
على حساب الطفل
الطبيعي المثبتة هويته وفق مقتضيات قانون 1998 المنقح في 07 جويلية 2003 .
وفي صورة التزاحم
فان ترتيب الأولوية في استحقاق النفقة ترجع الى السلطة التقديرية للقاضي .
ب - ضمانات استخلاص النفقة :
اقتضى الفصل 50 و52
من مجلة الأحوال الشخصية أن النفقة تشمل الطعام والكسوة والمسكن والتعليم
وما يعتبر من
الضروريات في العرف والعادة أن النفقة تقدر لتسديد حاجيات المنفق عليه وتغطية ما
تتطلبه ضرورياته
الحياتية في حدود ما تسمح به حالة المنفق المادية . ونظرا لأهمية هذا الحق وأحقيته
بالنسبة للطفل
المثبتة هويته أمكن له القانون المطالبة به قضائيا عند امتناع الأب من دفع نفقة
أبنائه
بصفة إرادية وكذلك
عند امتناع الأم في صورة صدور حكم إثبات الأمومة عند دفع النفقة بصفة إرادية .
وللابن أيضا إذا
كانت له أهلية التقاضي أو من أسندت له الحضانة أو للأم القيام في حقه بدعوى النفقة
لدى محكمة الناحية
التي لها اختصاص مطلق للحكم في قضايا النفقات تطبيقا لأحكام الفصل 39 من
مجلة المرافعات
المدنية والتجارية
أما بالنسبة
للاختصاص الترابي فيمكن القيام بالدعوى لدى المحكمة التي بدائرتها مقر الدائن
بالنفقة أو
التي بدائرتها مقر
المطلوب ويخضع ذلك لاختيار القائم بالدعوى تطبيقا لأحكام الفصل 30 أو 36 من
مجلة المرافعات
المدنية والتجارية وذلك تسهيلا عليه لإجراءات القيام بالدعوى وتخفيفا عليه من
أعباء
التقاضي .
ويؤدي هذا التدخل
القضائي الى إلزام الأب والأم بالإنفاق على الابن شرعيا كان أو طبيعيا وذلك من
خلال الحكم بدفع
معينات النفقة التي يخضع تقديرها لاجتهاد المحكمة المختصة عملا بأحكام الفصلين
50 و51 من مجلة
الأحوال الشخصية ، وبالنظر للصبغة المعاشية للنفقة والتأكد من حاجة الابن الماسة
إليها يجوز للمحكمة
الإذن بالنفاذ الوقتي لأحكام النفقة .
وحماية لحق الأبناء
في استخلاص معاليم النفقة الى جانب حقهم في اللجوء الى طرق التنفيذ العادية أي
العقل لتتبع خلاص
النفقة فقد جرم المشرع تعمد الامتناع عن دفع معين النفقة ، إذ ورد بالفصل 53 مكرر
من مجلة الأحوال الشخصية : " كل من حكم
عليه بالنفقة أو بجراية الطلاق فقضى عمدا شهر دون دفع
ما حكم عليه بأدائه
يعاقب بالسجن مدة تتراوح بين ثلاثة أشهر وعام وبخطية من مائة دينار ( 100 د )
الى ألف دينار " .
غير أن تطبيق هذا
الفصل في عمومه وإطلاقه قد يؤدي الى تقويض الروابط الأسرية بمجرد صدور
أحكام جزائية ضد
الشخص المحمول عليه واجب الإنفاق .
وسعيا من المشرع
للحفاظ على تماسك الأسرة فقد أقر بالفقرة الثانية من نفس الفصل إمكانية إلغاء
مفعول التتبع
الجزائي وذلك بمجرد أداء معين النفقة المحكوم به فقد نصت الفقرة الثانية من الفصل
53 مكرر من مجلة
الأحوال الشخصية على أن " الأداء يوقف التتبعات أو المحاكمة أو تنفيذ العقاب
"
وتجدر الإشارة الى
أن العقوبة المقررة لا تتعلق فقط بالأب الشرعي فحسب في صورة تقاعسه بل كذلك
الأب الطبيعي الذي
ثبت أبوته وصدر في شأنه حكم بالنفقة .
وجريمة إهمال العيال
هي جريمة قصدية لا تثبت إلا بتوفر الركن المادي المتمثل في العمد والإصرار
على عدم الإنفاق مع
القدرة عليه ويقتضي ثبوت هذا الركن واجب الإعلام بالحكم القاضي بالنفقة بصفة
قانونية والتقاعس
مدة شهر واحد عن القيام بواجب الأداء .
ويعتبر الفصل 53
مكرر من مجلة الأحوال الشخصية والمتعلق بجريمة إهمال عيال هو الذي وضع
حجر الأساس لصندوق ضمان
النفقة وجراية الطلاق فقد تضمن " كل من حكم عليه بالنفقة أو بجراية الطلاق
"
فالمشرع أبقى على
العقاب الجزائي ومن جهة ثانية مكن المطلقة من الحصول على مستحقاتها وأبنائها
من الصندوق الذي يحل
محله في الأداء لضمان تسديد النفقة أو جراية الطلاق المحكوم بها لفائدة المطلقات
وأولادهن الصادر
لفائدتهن أحكاما باتة في النفقة وجراية الطلاق تعذر تنفيذها لتلدد المدين ويثبت
التلدد
إذا تعلقت به قضية
إهمال عيال .
ويبقى التساؤل حول
إمكانية تمتع الطفل الطبيعي بأحكام صندوق ضمان النفقة وجراية الطلاق الوارد
ذكرها بالفصل 53
مكرر من مجلة الأحوال الشخصية .
ان الجواب في هذه
الحالة سيكون قطعيا بالنفي إذ أن ذلك الصندوق لا يعطي إلا جرايات المطلقات
وأولادهن فقط
وباعتبار أن الغاية من إحداث هذا الصندوق هو إزالة الأضرار وتفادي وقوعها
بالنسبة للأبناء
الشرعيين بسبب عدم دفع مبالغ النفقة فان الطفل الطبيعي وفي إطار الاعتراف بالهوية
وببعض الحقوق منها
الحق في النفقة يكون في حاجة الى حمايته من الأضرار التي من الممكن أن تلحق
به بسبب عدم دفع
مبالغ النفقة له خاصة وأنه يكون في وضعية خاصة تتمثل في أن الاعتراف بالطفل
المجهول النسب لا
يكون إراديا من طرف الأب وإنما ناتج عن حكم قضائي صادر ضده .
لذلك فان تنقيح
الفصل 53 مكرر من مجلة الأحوال الشخصية في فقرته الثالثة يبدو مستحسنا إن لم يكن
ضروريا والسماح لهذه
الفئة من الأطفال بالالتجاء إليه واستخلاص نفقتهم منه وقد أكد المشرع على عدم
رجعية استحقاق
النفقة تجاه الأب وتجاه الأم التي تم إثبات نسب الطفل إليها طبق أحكام الفصل 3
مكرر
من هذا القانون وذلك
سعيا من المشرع لتشجيعهم على الإقدام على الاعتراف بأبوته وبأمومتها للطفل
المهمل أو مجهول
النسب وترغيبهم على تحمل مسؤولياتهم والتزاماتهم تجاه طفلهما دون إثقال كاهلهما
بنفقة قديمة قد لا
يكونا قادرين عليها .
والى جانب اقرار
المشرع لحق الطفل في النفقة فقد أقر له الحق في الإرث .
الفقرة الثانية : الإرث :
الميراث هو ما خلف
المورث من الأموال التي تنتقل بموته الى من يثبت له استحقاقها
ويتضح من هذا المفهوم
أن الميراث سبب من أسباب انتقال ملكية مال المورث الى ورثته بعد وفاته بدون
عوض بموجب الأحكام
المنظمة له والمصدر الرئيسي لهذه الأحكام في
القانون التونسي وأيضا في قوانين
البلدان العربية
الأخرى هو التشريع الإسلامي .
وقد نظم الميراث على
أساس علاقة القرابة والزوجية التي تربط الوارث بالمورث وذلك بتقديم الأقوى
قرابة على من يليه
فمثلا يتقدم الابن على ابن الابن والأب على الجد والأخ الشقيق على الأخ للأب لأن
الأول في كل هذه
الأمثلة أقرب الى المورث من الثاني .
كل هؤلاء الورثة من
الأقارب يمكن تقسيمهم الى فروع أصول وحواشي ، ويشمل صنف الفروع من
الورثة أبناء وبنات
المورث أي أن هناك علاقة أبوة بين الشخصين تجعل من أحدهما أبا ومن الآخر ابنا
وإذا ما وجد بين
الطرفين مورثا لأحدهما استحق منه الآخر نصيبا لتوفر أركان الإرث الثلاث وهي
الوارث والموروث
والعلاقة سبب استحقاق الإرث واهتمت مجلة
الأحوال الشخصية بالميراث
واعتبرت أن النسب
الشرعي القائم بين الأب وابنه هو السبب الرئيسي للميراث ( أ ) أما إذا الولد مقطوع
من نسب أبيه ومنسوب
لأمه فقط فانه لا يرث إلا أمه وقرابتها ولا ترثه إلا هي وقرابتها . كما أن
المشرع لم ينص صراحة
على حق الطفل المهمل أو مجهول النسب في الإرث من أبيه ( ب ) .
أ- حق الابن الشرعي في الإرث:
إن الشريعة
الإسلامية تعتبر مصدرا ماديا لمجلة الأحوال الشخصية فلا يخفي ما لها من تأثير على
أحكام
المجلة خاصة فيما
يتعلق بالنسب وبأحكام المواريث المسندة أساسا من القران والسنة واجتهاد الصحابة .
وسعيا الى تكريس
أفضلية العائلة الشرعية فان المشرع يعطي للابن الشرعي وحده الحق في الإرث من
والده ، وبالتالي
فهو يرتكز على النسب الشرعي بين الأب وابنه وما ينتج عن ذلك من حقوق وواجبات
كذلك الشأن بالنسبة
للطفل المتبني الذي يكتسب أيضا نفس حقوق وواجبات الطفل الشرعي ( مع
الملاحظة وأن التبني
لا يكون الا بحكم ) حيث يصبح بمقتضاه للمتبني والمتبنى نفس الحقوق والواجبات
المحمولة على
الأبناء والأبوين الشرعيين من ذلك أن المشرع خول للابن بالتبني الحق في الميراث .
الى جانب هاتين
الصورتين التي تقوما مقام الابن الشرعي فان المشرع قد تبنى صورة الابن المستلحق
والاستلحاق تعد
قانونيا وسيلة من الوسائل التي يثبت بها النسب وهو اعتراف الأب ببنوة ولد غير
متأتى
من فراشه وقد اشترط
فقهاء الإسلام عدة شروط لصحته منها أن يكون الولد المستلحق مجهول النسب أي
ليس له أب معروف وأن
يقول المعترف ( أي المستلحق ) بأنه ليس حاصل من زنا وقد وردت كلمة
استلحاق بصفة صريحة
بالفصل 74 من مجلة الأحوال الشخصية .
كما جاء بالفصل 68
من مجلة الأحوال الشخصية أنه إذا كان الولد غير منسوب لأبيه في تاريخ ولادته
فانه يمكن أن ينتسب
اليه فيما بعد بموجب الاستلحاق الذي هو إقرار الأب قبل وفاته بنسب ابنه أي بأن
الولد المقر له
بالنسب ابنه ، وهذا الإقرار نهائي ويترتب عنه استحقاق الابن المستلحق للميراث من
تركه
أبيه المستلحق لذلك نجد الفصل 74 من مجلة الأحوال الشخصية ينص
على انه إذا " استلحق الرجل
ولدا ثم أنكره فان
مات المستلحق قبل الولد ورثه الولد بالإقرار الأول وان مات الولد قبل الأب لم
يرثه الأب ووقف
المال فان مات هذا المستلحق صار هذا المال لورثته " .
وعلى هذا الأساس فان
الرجوع في الإقرار بالنسب للولد لا أثر له على هذا الأخير ، فهو لا ينفي نسبه
ولا يمنعه من
الميراث من تركة أبيه.
ب- إقصاء الطفل المهمل أو مجهول النسب من حقه في ارث أبيه وحقه في ارث أمه
وقرابتها:
لقد مكن قانون 28
أكتوبر 1998 الطفل المولود خارج الفراش إثبات بنوته بما يجعل رابطة القرابة
الدموية بينه وبين
أبيه قائمة ورتب حقوقا ناتجة عن هذه العلاقة كالحق في الولاية والحضانة والحق
في النفقة إلا أن
المشرع لم ينص على حق الطفل المهمل أو مجهول النسب في الإرث من أبيه وفي
نفس الوقت لم يقصه
بصفة نهائية من الإرث وإنما اعتبر النواب أن هذا الإقصاء ليس إلا إجراءا
مرحليا ووقتيا بحيث
يشكل القانون مرحلة أولى اعترف فيها المشرع بحق هؤلاء الأبناء في إثبات
البنوة وفي اكتساب
اللقب العائلي الأبوي وترتيب حق النفقة والرعاية والمسؤولية الأبوية على أن
تعقبها مراحل أخرى
الى حين الوصول الى تحقيق مساواة فعلية بين الأبناء الطبيعيين والأبناء الشرعيين
ومن ثم الاعتراف لهم
بالحق في الميراث وهو ما جاء في رد الوزارة على تساؤلات النواب أثناء
المداولات حول قانون
28 أكتوبر 1998 بخصوص إقصاء الطفل الذي ثبتت بنوته على معنى هذا
القانون من الميراث
ما يلي السؤال القائل " لماذا يحرم الابن من الإرث وأعيد السؤال لماذا لا
يتمتع
كذلك بالإرث ؟
فهو كان محروما من
كل شيء حتى إمكانية النمو بصفة طبيعية وكافة ملكاته العقلية والعضوية فقلنا
علينا أن نتوخى
دائما المرحلية .... "كان لنا طفل غير معترف به يعني مقضي عليه من طرف
المجتمع
فأصبح له الحق في
اسم ولقب وتبعا لذلك فان الأب سينفق عليه إذن أينا كنا وأين أصبحنا ؟ "
وأضاف ما يلي "
لم أقل أنه ليس له الحق بل قلت أن الموضوع مرحلي يعني تسيير بالمرحلة ونفي
الحق
مع الاحتياط "
.
ويبدو أن تكريس المشرع لمبدأ المرحلية لا يعبر
عن نيته في توريث الابن المهمل أو مجهول النسب
مستقبلا لأنه لو
كانت هذه الرغبة أو النية الحقيقية للمشرع لا درج حق الطفل في الميراث صراحة صلب
تنقيح 07 جويلية
2003 .
ويعود هذا التململ
لارتباط الإرث بالشريعة الإسلامية وبالتالي من الصعب القول بأن المشرع يكرس
مستقبلا مساواة
فعلية بين الطفل الشرعي والطفل الطبيعي وذلك لعدة اعتبارات تمليها الجذور الثقافية
والفكرية إضافة الى
المعطيات العائلية والاجتماعية .
ولا يعتبر ذلك
تهميشا أو احتقارا لهذه الشريحة من المجتمع بقدر ما هو اتجاه المشرع الدائم لتكريس
أفضلية العائلة
الشرعية وإذا قلنا بضرورة المساواة بين هذين النوعين من البنوة وكأننا نشجع على
العلاقات الحرة
وتهميش مؤسسة الزواج ، أما في خصوص ثبوت الأمومة فان المشرع مكن الطفل من
الإرث من والدته وقد
ورد هذا الحل صلب الفصل 152 من مجلة الأحوال الشخصية بأنه " يرث ولد
الزنا من الأم
وقرابتها و ترثه الأم وقرابتها " وهو حل مستمد من الشريعة الاسلامية التي تعرف
بحق
طفل الزنا في ميراث
من أمه وسلالتها . وبذلك يعتبر أن التوارث بين الطفل ابن الزنا وأمه اثر من آثار
ثبوت الأمومة .
كما أجمع جل الفقهاء
المسلمين على القول التسوية بين الابن الشرعي وابن الزنا من حيث ارث أمه
وقرابتها
الأستاذة سنية العرفاوي
إرسال تعليق