تفرّق م.إ.ع بين مفهومي التأويل والتفسير في خصوص تفسير العقود. لكنّ مجلّة الإجراءات المدنية والتجارية (م.إ.م.ت) تميل إلى إستعمال كلمة "تأويل".
-
مفهوم التأويل: يحدث أن يغيب حكم المشرّع عن مسألة معيّنة كما يحدث أن تكون القاعدة.
الوضعية غامضة تحتاج إلى تأويل وتفسير أي إلى توضيح حتى يتسنّى تطبيقها. فطبيعة
القاعدة ذاتها تدعو بالضّرورة إلى تفسيرها وتأويلها، فالمشرّع يفترض معرفته لكلّ
أنواع الوضعيات الواقعية فيضع حكما عاما لها. لكنّ الحياة وملابساتها تكشف أحيانا
ثغرات القاعدة إذ قد تفرز لنا وضعيات واقعية غير مقننة صمت في شأنها المشرّع كما
تفرز لنا حالات لا يسهل إخضاعها للقواعد القانونية بسبب غموض أحكامها فرضا أو
حلاّ. وبالتالي فإنّ تطبيق القاعدة أمر هين إذا كانت موجودة وواضحة وأنّ تأويلها
واجب إذا حدث الغموض أو السّكوت.
Ã
التأويل لا يشمل البحث عن معنى القاعدة الغامضة فحسب بل يمتدّ إلى تطبيق
قواعد معيّنة لتلافي غيابها.
-
أنواع التفسير: التفسير من عمل القضاء لكنّ هذا لا يعني غياب أنواع أخرى:
· التفسير التشريعي: يصدر عن المشرّع ذاته بنصّ مواز للنص الموجود. وينبني هذا التفسير على مبدأ
التفرقة بين السلط (المشرّع أولى من غيره بسدّ ثغرات النص الموجود أو برفع ما
تسرّب إليه من غموض) وعلى نظرية كمال التشريع (يٌعتبر النص الجديد متمّما للنصّ
القديم ويتّحد معه وهو ما يعني سريان نفاذه بصفة رجعية إلى حدّ بداية نفاذ النص
موضوع التأويل.
· التفسير الإداري: تتولّى الإدارة أحيانا إصدار مناشير تأويلية تفسّر
فيها بعض القوانين الجديدة حتّى يتسنّى تطبيقها ويحتدّ النقاش حول القيمة
القانونية للمناشير عموما. لكن لا يمكن أن ننكر القيمة العملية لمثل هذه
النّصوص الإدارية.
· التفسير الفقهي: يعدّ فقه الشراح doctrine
مجموع الآراء والإجتهادات التي تفرزها
أبحاث ودراسات شراح القانون. ولا يمكن إعتبار الرّأي فقها إلاّ إذا كان مكتوبا.
يٌصدر الشراح آرائهم حول تحليل القواعد وترتيبها
وتأويلها وتفسيرها ونقدها بإعتماد طرق منهجية علمية قد تساعد القاضي على تطبيق
النصوص أو تأويلها. كما قد تؤثّر على المشرّع ذاته فيسعى لتنقيح القاعدة الموجودة
أو إلى إنشاء قاعدة جديدة. ولكن فقه الشراح لا يعد في حدّ ذاته مصدرا للقانون حتّى
وإن تحقق الإجماع بل إنّه سلطة تساعد على فهم بعض القواعد أو على تجاوزها
بالمطالبة بقواعد جديدة.
· التفسير القضائي: إنّ تفسير القانون من المهام الأولى للقاضي حيث أنّه
مطالب بتطبيقه على الوقائع المعروضة عليه. لكن كيف يجوز للقاضي أن يفسّر القانون وهل
يمكنه أن ينشئ حلاّ لا تتضمّنه أيّة قاعدة ?:
المبحث الأوّل: مدارس التأويل:
للحديث عن هذه المدارس فائدتان:
-
الأولى تاريخية: إذ تبيّن لنا المناخ الّذي واكب صدور مجلّة الإلتزامات
والعقود.
-
الثانية نظريّة: إذ يطرح التأويل من جديد مسألة دور القاضي المدني في
الإسهام في مصادر القانون المدني.
لقد ظهرت في أوروبا 3 مدارس
للتأويل:
ç المدرسة التاريخية l’école historique: ظهرت بألمانيا وكان تأثيرها محدودا إذ إقتصرت على القول
بأنّ التشريع مستمدّ من روح الشعب وهو ما يسمح بتجاوز إرادة المشرّع للوقوف عند
إرادة الشعب.
ç مدرسة الشرح على المتون l’école de l’éxégèse: سادت في فرنسا خلال القرن 19 وكانت سببا رئيسيا في ظهور نظرية البحث العلمي الحرّ.
الفقرة الأولى: مدرسة الشرح على المتون:
المتن المقصود
هو النص الوضعي، وبصفة أدقّ مجلّة 1804 الفرنسية التي نتج عن ظهورها إعتقاد رساخ بفكرتين:
أ)
كمال التشريع:
إعتقد فقهاء فرنسا أنّ أحكام المجلّة الفرنسية عمل عقلاني لا بديل له بل
أنّه أتى على كلّ المشاكل والمسائل ومن ثمّ إعتباره كاملا لا نقص ولا شائبة تشوبه.
وأدّى هذا الموقف إلى إعتبار النّص المكتوب أي التشريع المصدر الوحيد للقانون
المدني.
وقد أدّى ذلك إلى إعتماد أساتذة الجامعة خطّة المجلّة ذاتها عند تدريس
القانون المدني إذ رتّبوا محاضراتهم حسب ترتيب الفصول بالتقنين المذكور.
ب)منهجية التفسير الوحيد المعتمد:
إنطلاقا من
إيمانها بكمال التشريع، فإنّ مدرسة الشّرح على المتون تفرّق بين صورتين تتطلّبان
التفسير:
1)
صورة غموض النّص:
تتبع هذه
المدرسة طريقة التفسير اللّفظي أو اللّغوي للنص فأعمال المشرّع مصانة عن
العبث وإن حصل إستعمال كلمة بدت غامضة، وجب البحث في المعنى الصحيح للكلمة بإعتماد
اللغة والقواعد النحوية analyse
grammaticale
وإلاّ يتّجه الإلتجاء إلى نيّة المشرّع وذلك بالبحث في الأعمال التحضيرية
للنص أو بتقريب النّصوص إلى بعضها لرفع غموض أحدها أي أنّ التحليل الإرادي أو
القصدي يدعم التحليل اللفظي.
2)
صورة غياب النص:
تفسّر مدرسة
الشرح على المتون هذه الصورة بنوع من التململ فهي تناقض فكرة كمال التشريع لكنّ
التفرقة بين نية المشرّع المصرّح بها ونيته المفترضة تسمح بتجاوز التناقض
وبإستنباط منهجية خاصة لتأويل السكوت وسدّ الثّغرة. وتعتمد هذه المنهجية قواعد المنطق
لإستخلاص الحكم الغائب من الحكم الموجود. وتشمل هذه القواعد:
ç الإستنتاج بالقياس le raisonnement par analogie: أي أنّ سدّ الفراغ التشريعي يحصل بإعتماد قاعدة موجودة
لإستنباط حكم لمسألة مشابهة فاقدة لنصّ. فيمكن مثلا أن نستمدّ بالقياس حكما جديدا
للشخص المعنوي بإعتماد الحكم الوارد في خصوص الشخص الطبيعي طالما لا يتعارض
الإستنتاج مع إحدى خاصيات الشخص المعنوي.
ç
الإستنتاج بمفهوم المخالفة le
raisonnement a contrario: عندما يمنع
النص عملا قانونيا معينا ويسكت في شأن عمل آخر يمكن إنطلاقا من قراءة معكوسة للنص
الوارد إستنتاج قاعدة تحدّد الحكم الغائب أي تبيحه.
ç
الإستنتاج بواسطة قاعدة من أمكنه الأكثر أمكنه الأقل le raisonnement a fortiori: عندما يضع المشرّع حكما لأسباب معينة (كالبيع والشراء) ويسكت في مسألة أقل أهمية وخطورة (كالكراء). يجوز القول بأنّ الإباحة تمتدّ وتسري على عقود الكراء
لأنّ من أمكنه المشرّع ضمنيا وبالضرورة الأقلّ.
لقد سادت مدرسة الشرح على المتون في فرنسا طيلة القرن 19 إلى أن واجهها الفقيه François Geny بأهمّ نقد في مؤلّفه "طريقة التفسير ومصادر
القانون الخاص الوضعي".
حيث إنتقد مبالغة هذه المدرسة في
إعتبار كمال التشريع وقيدت القاضي ومنعت عنه الإجتهاد méthode d’interprétation et sources en droit positif.
الفقرة الثانية: مدرسة البحث العلمي الحر:
جاءت لتعارض مبالغة مدرسة الشرح على المتون في دور التشريع، فإذا كان
التشريع هو المرجع الأول في التفسير فهو ليس المرجع الوحيد بل على القاضي في صورة
غياب إرادة حقيقية للمشرّع أن يبحث عن الحلّ في مصادر أخرى.
ويعني جيني (رائد هذه المدرسة) أنّه يجب أحيانا الإعتراف بالنّقص التشريعي
وهو ما يدفع القاضي للقيام ببحث علمي حر ليتوصّل إلى حلّ جديد يطبّقه على
النزاع المعروض عليه.
هذا البحث هو حرّ أي أنّ القاضي يتخلّص من إفتراض كمال التشريع ولكنّه ليس
مطلقا فهو يفترض إعتماد منهجية علمية منطلقها المصادر المادية بصورة تجعل القاضي
يستنبط الحل بمراعاة نفس المقاييس التي كان من المفروض أن يراعيها المشرّع لو كان
هو واضع القاعدة.
وإن تخلّصت نظرية جيني من القيود الشكلية للتشريع فإنّها لم تتخلّص تماما
من القيود الجوهرية المنهجية الخاصة بالمشرّع.
كما أنّ جيني نبّه إلى أنّ القاضي لا يخلق قاعدة قانونية بل يخلق حلاّ
فرديّا للنزاع المعروض أمامه فحسب.
فما هو تأثّر القانون المدني التونسي ?
المبحث الثاني: تأثير مدارس التفسير على القانون المدني
التونسي:
كانت بداية القرن العشرين فترة إنتقالية شهدت أفول نظرية الشرح على المتون
وظهور الملامح الأولى لنظرية البحث العلمي الحرّ. وقد شهدت هذه الفترة صدور مجلّة
الإلتزامات والعقود التي إستفادت من التجربة الفرنسية إذ ظهرت بعد قرن من تاريخ
صدور المجلّة النابليونية (1804) ممّا سمح لواضعيها بإدراج عدّة أحكام لم تكرّسها
المجلّة الفرنسية كـ:
-
الأحكام المتعلقة بقاعدة الإثراء بدون سبب.
-
الأحكام المتعلقة بالتعسف في إستعمال الحق.
-
الأحكام المتعلقة بمضار الجوار.
وبعد
الإستقلال، صدرت مجلّة الأحوال الشخصية، الجنسية والحقوق العينية، ولعلّ حداثة
التشريع التونسي تكون وراء غياب بعض الصعوبات التأويلية التي واجهها ولا يزال فقه
القضاء الفرنسي.
الفقرة الأولى: إختيارات المشرّع:
تأثّر المشرّع التونسي بصفة واضحة بمدرسة الشرح على المتون فلئن لم يكرّس
القانون صراحة أسسها النظرية فإنّه تبنّى سنة 1906 في مجلّة الإلتزامات والعقود منهجيّتها في تأويل
النّصوص وإعتمد المشرّع التفرقة الأساسية بين صورتي:
أ) غموض النص:
حسب الفصل 532 من م.إ.ع،
يعتمد المشرّع معايير ثلاثة في تأويل النّص الغامض:
-
وضع اللغة يلتقي
المعياران ليكوّنا منهجية الشّرح اللّفظي.
-
عرف الإستعمال.
-
مراد واضع القانون: يعبّر هذا المعيار عن إعتماد المشرّع لمنهجيّة إضافية
للشرح القصدي الإرادي أي الذي يرمي للبحث عن نية المشرّع وهو ما يعني تكريس
المنهجية التي إعتمدتها مدرسة الشرح على المتون.
كما أقرّ المشرّع التونسي جملة من القواعد التأويلية
الإضافية التي تساعد على رفع الغموض اللاحق بالنص الموجود كـ:
-
قواعد تخصّ تأويل النص الموجود والغامض.
-
قواعد تخصّ ثغرات التشريع المفقود.
-
قواعد تخصّ مبادئ عامة أصلية.
ب)النقص التشريعي أو غياب النص:
1)
الحل المعتمد في الفصل 535
من م.إ.ع:
إذا تعذّر
الحكم بنصّ صريح من القانون أٌعتبر القياس فإن بقي شكّ جرى الحكم على مقتضى قواعد
القانون العمومية.
كما دعّم
المشرّع ميله لمدرسة الشرح على المتون بإعتماده جلّ الطّرق المنطقية كالإستنتاج
بالقياس (الفصول 535،536 و537 من م.إ.ع)، الإستنتاج
بمفهوم المخالفة (534 و538) وأورد صراحة قاعدة "من أمكنه الأكثر أمكنه
الأقل" (الفصل 550)، فالفصل 535 أعطى الأولوية لإعمال القياس لسدّ ثغرات التشريع. فإن
"بقي شكّ فإمكانية الحكم على مقتضى قواعد القانون العمومية".
2)
مفهوم قواعد القانون العمومية:
إختلف الفقه في
تحديد محتوى لفظة قواعد القانون العمومية وظهرت قراءتان في هذ الشأن:
ç قراءة أولى: جلّ القواعد العامة الواردة
بم.إ.ع هي قواعد تأويل خاصة موجّهة إلى الفقه لا إلى القضاء: جلّ القواعد العامة الواردة بباب "في تفسير العقود
وفي شيء من الأصول القانونية" المتضمّن للفصول 532 إلى 562 من م.إ.ع هي
قواعد أساسها المنطق السليم والقيمة النبيلة لأنّها عبارة عن قواعد حكيمة وردت في
الفقه الإسلامي وهي قواعد لا تتجه إلى القضاء بل إلى الفقه. كما لا يجب أن تعتبر
قواعد قانونية ذات صبغة إلزامية وجوبية وهو ما أدّى إلى حصر جدوى الفصل 535 في مسألة القياس دون تجاوزها.
ç قراءة ثانية: جلّ القواعد العامة الواردة تحت
عنوان "قواعد عامة تتعلّق بالقانون"هي قواعد مستمدّة من القواعد الكلية
والمبادئ العامة للقانون: المبادئ
العامة للقانون هي "التي يمكن إستلهامها من فلسفة
القانون وغاياته وأهدافه كمبدأ حرية التعامل (التجارة، الإدارة) في الأنظمة
الرّأسمالية اللّيبرالية".
وعندما أحال المشرّع إلى قواعد القانون العمومية
إنّما أحال إلى القواعد الكلية الفقهية أي إلى مبادئ الفقه الإسلامي وقد أعطى ضمن
م.إ.ع البعض منها تاركا للبحث وللقاضي حرية إستلهام الحلول بالرّجوع إليها.
ويستلخص من القراءة الثانية أنّ الفصل 535 يبيح بعد القياس الرّجوع إلى الفقه الإسلامي عبر قواعده
الكلية أي عبر مبادئه الأساسية وكذلك بالرجوع إلى المبادئ العامة للقانون التي
يمكن إستلهامها من فلسفة القانون.
ولعلّ مردّ هذا
النّقاش بين الفقيهين هو الغموض الّذي شاب أعمال اللّجنة المكلّفة بإعداد م.إ.ع
وهي مسألة تستدعي التفصيل بإعتبار أهمّيتها.
ç نحو تجاوز غموض الفصل 535: يجب التنبيه إلى أهمية أحكام الفصل 535 موضوع البحث لأنّها تحدّد المصادر الإحتياطية لسدّ ثغرات
التشريع المدني التونسي وبصفة أدقّ ضبط معنى لفظة "قواعد
القانون العمومية".
كما أنّه واضح أنّ الفصل 535 غامض في حدّ ذاته وهو ما يدعو لإخضاعه بدوره لقواعد
التفسير الغامض:
-
لغة: نلاحظ أنّ واضعي مجلّة 1906 إعتمدوا في
الفصلين 532 و535 بصفة تكاد
تكون حرفية أحكام الفصل 3 من المجلّة
الإيطالية: on ne peut,
en appliquant la loi, lui attribuer un autre sens que celui qui résulte de la
signification propres des termes, d’après la connexion existante entre eux, et
l’intention du législateur. Lorsqu’un létige na peut être tranché au moyen
d’une disposition précise de la loi, on doit recourir aux dispositions qui régissent
des cas semblables en matière analogue ; lorsque le doute subsiste
toujours on se prononcera d’appliquer les principes généraux du droit.
والفرق بين التشريع
التونسي والتشريع الإيطالي يكاد ينحصر في إستعمال الأوّل للفظة "قواعد
القانون العمومية" les règles générales de droit في حين يستعمل الثاني لفظة les principes généraux de droit وهو فرق جوهري تعلّق بأهمّ لفظة
في النصّ. لكنّ المطّلع على فحوى الفرع المخصّص لقواعد القانون العمومية
بم.إ.ع يلاحظ أنّ جلّها يتمثّل فعلا في
قواعد مستمدّة من الفقه الإسلامي (المجلّة العثمانية) وهي قواعد تساعد القاضي على
حلّ صعوبات التأويل في حالة الثّغرات رغم ما يشوبها من عمومية.
-
التفسير القصدي: فهو في غياب
وثائق الأعمال التحضيرية للمجلّة أمر غير
يسير. ولعلّ التركيبة المزدوجة للّجنة التي جمعت قضاة تونسيين وقضاة فرنسيين هي
التي تعسّر هذا الحلّ غير الواضح. لكن، ومع ذلك، فإنّ نتيجة التفسير اللّغوي التي
تثبت إنتساب جلّ القواعد التأويلية للقواعد الكلّية الواردة بالمجلّة العثمانية
تؤول إلى القول بأنّ الفقه الإسلامي هو مصدر مادي هام للقانون المدني التونسي مثله
مثل المصادر المادية الأخرى. فكيف تعامل القضاء التونسي مع هذه المعطيات التشريعية
?
الفقرة الثانية: التطبيق القضائي:
يتقيّد القضاء التونسي بدوره بالإختيارات العامة للمشرّع أي أنّه يلتزم
بمنهجية الشّرح على المتون إلاّ أنّه يستنجد أحيانا بالمصادر المادية للقانون
التونسي.
أ)
التقيّد بالنصّ:
-
دأبت محكمة التعقيب على نقض الأحكام والقرارات التي تـعمد لتأويل النص
الواضح حتّى
وإن إعتبر قضاة
الأصل الّذي تضمّن خطأ مطبعيّا يجب إصلاحه وإعتبرت محكمة التعقيب أنّ القرار
الإستئنافي قد خرق القانون عندما عمد إلى التأويل.
-
جاء بالأمر المؤرّخ في 27 جانفي 1883 أنّه "إذا إختلف النصّ
العربي مع النصّ الفرنسي فإنّ المحكمة تعمل بالنصّ المطابق للغتها".
وهو ما يفرض على المحاكم التقيّد بالنسخة الأصلية للنصّ أي النسخة المحرّرة
باللّغة العربية. فتحديد إمكانية التأويل من عدمه يتمّ بالنّظر إلى الصّياغة
المذكورة.
-
كثيرا ما لا تتفق دوائر محكمة التعقيب في تأويلها للنص الواحد. لكن هذا لا
يعني أنّ القضاة لا يتبعون نفس المنهجية. فالطّريقة الواحدة لا تمنع من الوصول إلى
تحاليل مختلفة.
-
تتضح مظاهر التقيّد بالنصّ من خلال الأحكام والقرارات المكرّسة للشرح
اللّفظي للنّصوص وكذلك للشّرح القصدي أي الشّرح المعتمد لإرادة المشرّع. وبصفة
عكسية لا يحاول القضاء التونسي تعليل أحكامه دون الرّجوع إلى النصّ أو على الأقلّ
دون ذكر القاعدة التشريعية المعيّنة.
ويتمّ هذا التقيّد في كلّ الدّرجات بما فيها القرارات
الصّادرة عن الدّوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب، من ذلك:
1)
تأويل غموض أحكام الفقرة الثانية من الفصل 1416
من م.إ.ع:
التي أوردت أنّ
"عقدة المغارسة يحرّر فيها رسم صحيح"،
فإختلفت المحاكم حول تأويل كلمة "صحيح" فهل المقصود رسم غير باطل أم
المقصود الكتب الرسمي. وقد قرّرت الدّوائر المجتمعة في هذا الشّأن في قرارها عدد 706 الصّادر في 24 جوان 1961 أنّ "المقصود بالرّسم الصّحيح هي الحجّة الرسميّة الّتي
يحرّرها المأمور العمومي وفقا للفصل 442 من المجلّة المدنية".
2)
في خصوص تأويل غياب حكم خاص بالشرط التغريمي:
يحدث أحيانا أن يتضمّن العقد بندا خاصّا يسمّى شرطا تغريميا يقضي بتحميل
أحد الأطراف غرامة مالية في صورة إخلاله بأحد شروط العقد. وقد حاولت بعض محاكم
الأصل الوصول إلى مراجعة هذا الشّرط عندما تكون الغرامة مشطّة ومجحفة. لكنّ القرار
التعقيبي الصّادر عن الدّوائر المجتمعة تحت عدد 7919 بتاريخ 28 أفريل 1975 إعتبر هذه المحاولات غير مقبولة ونقض أحد القرارات
المطعون فيها بحجّة أنّ المشرّع لم ينظّم أحكام البند التغريمي ممّا يبيح تطبيق
الفصل 242 من م.إ.ع
الّذي يقضي بإحترم قاعدة العقد شريعة الطّرفين
ممّا أدّى بالتّالي إلى التصدّي لمحاولات بعض المحاكم لمراجعة البنود التغريمية
المجحفة.
ب)إعتماد المصادر المادية:
إنّ المتأمّل
في فقه القضاء، يلاحظ ميل العديد من المحاكم في نطاق منهجية الشّرح على المتون إلى
إعتماد المصادر المادية للنّصوص.
1)
إعتماد الفقه الإسلامي في تفسير النّصوص:
يعدّ الفقه
الإسلامي مصدرا ماديا لجلّ أحكام مجلّة الأحوال الشّخصية كـ:
-
تأويل أحكام الفصل 88 من مجلة الأحوال الشخصية: ينصّ هذا
الفصل على أنّ "القتل العمد من موانع الإرث"
ولو أنّ هذا الفصل لم يتعرّض صراحة إلى أنّ زواج المسلمة بغير مسلم ردّة "تمنع التوارث بين الملتين" لكنّ قوله "القتل العمد من موانع الإرث" يدلّ على أنّ
المشرّع لم يلغ الموانع الشرعية الأخرى بدليل أنّه إستعمل لفظة "التبغيضية" وبالتالي إعتمدت محكمة التعقيب
صراحة على الفقه الإسلامي وإعتبرت ضمنيا أنّ الردّة من موانع الإرث.
2)
إعتماد المصادر المادية الأخرى:
تشمل المصادر
المادية للنص أحيانا قانونا أجنبيا كالقانون الفرنسي أو الألماني أو الإيطالي أو
واقعا إجتماعيا يستلهم منه واضع النصّ حكمه وهو ما حدث عند سنّ أحكام التبنّي عند
قضاء محكمة الإستئناف بالمنستير الرّجوع في التبنّي في 1986 وهو حكم إستلهمته من القانون الفرنسي نظرا لسكوت النص
التونسي عن الحكم فيه.
إرسال تعليق