عرف المشرع الإكراه صلب الفصل 05 م.إ.ع بأنه " إجبار أحد بغير حق على أن يعمل عملا لم يرتضه".
وبالتالي يمكن تعريف الإكراه بأنه ضغط على إرادة الشخص يولد في نفسه رهبة تدفعه إلى التعاقد خشيةالأذى.
وقد خصص المشرع الفصلين من 51 و 51 م.إ.ع لتنظيم عيب الإكراه. ويمكن من خلالها تحديد عناصر وشروط الإكراه من جهة وأطراف الإكراه من جهة أخرى.
-1 عناصر و شروط ا إ لكراه
بالرجوع إلى الفصلين 50 و 51 م.إ.ع نستنتج أن الإكراه يقوم على استعمال وسائل ضغط تهدف إلى التأثير على إرادة الشخص. ويتبين بالتالي أنه يتكون من ركنين. ركن الإجبار أو التهديد غير المشروع من جهة وما يحدثه ذلك التهديد من أثر في نفس المتعاقد من جهة أخرى.
* الركن المادي: التهديد غير المشروع
من الشروط الأساسية للإكراه حسب الفصل 50 م.إ.ع أن يكون بغير حق أي غير مشروع. مما يفيد بأن التهديد باستعمال وسائل قانونية لا يكون ركنه المادي. فهي وسائل مشروعة تؤسس لإكراه مشروع لا يؤدي لإبطال العقد.
وردت هذه القاعدة في إطار الفصل 50 م.إ.ع الذي ذكر من بين وسائل التهديد المشروعة
التهديد بالمرافعة لدى المحاكم. إلا أن المشرع استطرد واستثني من هذه القاعدة التهديد الذي يكون الغرض منه "سلب منافع بغير حق " أو يصاحبه تهديد بوسيلة غير مشروعة على معنى الفصل 50 من م.إ.ع.
نستنتج أن تطبيق القاعدة مرتبط بالغاية من وراء استعمال وسيلة التهديد المشروعة. فيعتبر الإكراه مشروعا إذا وقع اقتصار التهديد على المطالبة بالحق. مما يفيد بأنه إذا كانت وسيلة التهديد والغاية مشروعتين لا يتحقق الإكراه. مثل: إذا هدد الدائن مدينه بالقيام ضده لدى المحاكم إذا لم يستخلص دينه منه. على العكس من ذلك إذا كانت الغاية من وراء استعمال الوسيلة المشروعة، غير مشروعة يتحقق الإكراه كأن يهدد شخص، شخصا آخرا ارتكب جريمة بإبلاغ السلطات عنها إذا لم يدفع له مقدار من المال.
لكن إذا كانت وسائل التهديد غير مشروعة فإن الإكراه يتحقق بقطع النظر عن الغاية سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة. وحسب الفصل 50 م.إ.ع قد تكون هذه الوسائل حسية أو مادية عندما تقع على جسم المكره كالتعذيب والضرب وقد تكون نفسية كالتهديد بالقتل أو بإثارة فضيحة أو بالتشهير. إلا أنه يتعين التنبيه في هذا الإطار أنه وبالرغم من أن صياغة الفصل 50 -ثانيا- لم تميز بين الإكراه المادي والإكراه المعنوي، إلا أن هناك حالات من الإكراه المادي التي تعدم الإرادة تماما ولا يمكن أن نعتبرها بأي حال من الأحوال من
عيوب الرضاء. كأن يمسك شخص عنوة بيد شخص آخر حتى يطبع توقيعه على عقد .
فما يميز الإكراه المعيب للرضاء، المقصود في الفصل 50 م.إ.ع، هو أنه ينال فقط من حرية ووعي إرادة المتعاقد نتيجة الضغط المسلط عليها.
* الركن المعنوي: الرهبة الدافعة للتعاقد
العبرة في الإكراه ليست في التهديد في حدّ ذاته وإنّما فيما يحدثه ذلك التهديد من أثر في نفس المكره.
ويتمثل هذا الأثر في الخوف أو الرهبة من ضرر فادح يفوق مدى الضرر الذي يصيب المتعاقد عند ابرام العقد.
فالخوف حسب الفصل 50 -ثانيا- م.إ.ع قد يكون على النفس أو العرض أو المال.
وإذا ثبت أن وسيلة التهديد المستعملة لم تحدث رهبة في نفس المتعاقد فكان شجاعا لا يأبه بالتهديد أو سيئ السمعة لا يأبه بالتشهير، لا يتحقق الإكراه لعدم توفر الركن المعنوي.
كما يجب أن تكون الرهبة حسب الفصل 50– أولا-م.إ.ع، السبب الدافع للتعاقد بحيث لولاها لما كان المتعاقد يبرم العقد، مما يفيد بأنه يشترط في الإكراه أن يكون حاسما.
وقد يتوفر لشخص نفوذ على طرف آخر كالنفوذ الشرعي للأب إااء ابنه أو النفوذ الاقتصادي للمؤجرإزاء الأجير، مثل هذا النفوذ يبقي أثرا أدبيا بحكم شدة العلاقة وقد ينقاد الطرف إلى الموافقة على ابرام عقد حياء واحتراما.
فهل تكفي الرهبة المترتبة عن الحياء لقيام الإكراه؟
حسب مقتضيات الفصل 50م.إ.ع لا يكفي الخوف الناشئ عن مجرّد النفوذ الأدبي لقيام الإكراه وإنما لا بدّ أن يصاحبه استعمال وسيلة تهديد غير مشروعة.
وبصفة عامة تقدير أثر الإكراه يقوم حسب الفصل 50 م.إ.ع على أساس معيار ذاتي وذلك بالرّجوع إلى شخصيّة المكره حسب سنه وجنسه ومقامه بين الناس ودرجة تأثره، فتقدير أثر الإكراه لا يكون بنفس الدرجة بالنسبة إلى كل الأشخاص فهو يختلف من شخص لآخر ومقدار التحمل لا يتساوى بين الناس فما يتحمله مثلا شاب لا يتحمله شيخ مسن...
-2 أطراف ا إ لكراه
وضع المشرع أحكاما خاصة بالطرف الذي قد يتسلط أو قد يقع عليه الإكراه أي بالطرف المُكْ ر ه من جهة وبمصدر الإكراه من جهة أخرى.
* الطرف المُكْره لا يشترط أن يقع الإكراه بالضرورة على شخص المتعاقد. ذلك أن أساس الإكراه هو الرهبة الدافعة للتعاقد التي قد تحصل حتى إذا لم يكن التهديد موجه بصفة مباشرة ضدّ المتعاقد. فقد يتسلط الإكراه على شخص له قرابة قويّة بالمتعاقد المكره على العقد حسب الفصل 50 م.إ.ع. وتثير عبارة "قرابة قوية" اشكال تحديد المقصود منها.
فالمشرع لم يقبل بأي قرابة بل اشترط أن تكون قوية. فهل تعني ضرورة وجود قرابة دموية مثل ما نصت عليه الترجمة الفرنسية للفصل المذكور ، وبالتالي حصرها في الأصول والفروع، أم تتجاوا ذلك إلى القرين وأقاربه مثلا؟ بما أنه يجب الاعتداد بالنص العربي وبما أن المشرع لم يحصر درجة القرابة في أشخاص معينين فإن تحديدها خاضع للسلطة التقديرية للقاضي. مما من شأنه أن يوسع في نطاق الأشخاص المتسلط عليهم الإكراه.
وفي هذا الإطار يمكن الاستئناس بموقف فقه القضاء الفرنسي الذي أوّل الفصل 1113 من المجلة المدنية الفرنسية يحصر القرابة في الزوج والزوجة والأصول والفروع، تأويلا
واسعا. حيث اعتبر أنه بالنسبة للأشخاص المذكورين فإن هناك قرينة على تحقق الإكراه أما بالنسبة لغير هؤلاء الأشخاص فإنه يجب إثبات الأثر في نفس المتعاقد المكره. وقد سمح هذا التأويل بالقبول بوجود الإكراه حتى وإن لم تتوفر علاقة القرابة كأن يكون الشخص له منزلة كبيرة لدى المكره من ذلك الصديق. وقد تغيرت صياغة الفصل المذكور وعدده بمقتضى تنقيح 5552 ولم تعد القرابة محصورة في درجة معينة
* مصدر الإكراه
من المؤكد أن الإكراه الصادر عن أحد المتعاقدين يبطل العقد، لكن يطرح السؤال بالنسبة إلى الإكراه الصادر عن غيرهما.
الإكراه الصادر عن الغير:
ينص الفصل 51 م.إ.ع أن "الإكراه يوجب الفسخ وإن لم يقع من المعاقد الذي انجرت له منفعة العقد".
مما يفيد بأن الإكراه الصادر عن الغير يبطل العقد حتى إذا كان المتعاقد المستفيد منه جاهلا بوقوعه.
وتخالفهذه القاعدة حكم التغرير الصادر عن الغير الوارد في الفصل 52 م.إ.ع. ويمكن تبريرها بالخطورة الاجتماعيّة الكبيرة للإكراه مقارنة بالتغرير من جهة وبحرص المشرّع على حماية الإرادة الفرديّة من جهة أخرى.
الإكراه المتولد عن حالة الضرورة:
قد لا يصدر الإكراه عن شخص معيّن وإنّما عن ظروف خارجيّة تؤثر على إرادة المتعاقد ويستغلها أحد الأطراف لفائدته، كمن يحاول إنجاد شخص مهددا بخطر محدق، كأن يكون على وشك الغرق، مقابل مبلغ مالي باهض، فهل تمثل حالة الضرورة إكراها وبالتالي تجيز طلب إبطال العقد؟
لم يتعرّض المشرع التونسي صراحة لهذه المسألة. وقد أقرا سكوت المشرع نظريتين فقهيتين مختلفتين.
لم تأخذ النظرية الأولى التقليدية بحالة الضرورة واعتبرت أن الإكراه جنحة مدنية يتضمن عنصر القصد الذي لا يمكن أن يسند إلاّ لشخص معين.
أما النظريّة الثانية أو النظرية الحديثة فقد أخذت بحالة الضرورة واعتبرت أنه يجب الاعتداد بحصول وثبوت العيب بقطع النظر عن مصدره. فالعقد لا يكون صحيحا إلا بتلاقي إرادتين حرتين وواعيتين فإذا ثبت أن الشخص قد تعاقد تحت تأثير حالة الضرورة فهذا يعني أن الإرادة لم تكن حرة. وقد تبني أغلب الفقهاء 4 هذه النظرية. كما استند البعض 5 للصياغة الواسعة للفصل 53 م.إ.ع وأقروا أنها تسمح بإدخال حالة الضرورة تحت طائلة الإكراه.
وقد قبلت محكمة التعقيب في قرار تعقيبي مؤرخ في 6/11/2004 صراحة بإمكانية أن ينشأ الإكراه عن
حالة ضرورة. إلا أنها أخضعت هذه الإمكانية للعديد من الشروط وهي أولا "أن يكون الشخص مهددا في ماله أو نفسه"، ثانيا "أن يكون الخطر المحدق به خارجا عن إرادته"، ثالثا "أن يكون الضرر الذي أراد تجنبه أكثر من الضرر الناتج عن فعل الضرورة" ورابعا وأخيرا "إذا لم يكن أمام الطرف الذي يدفع بها أية حلول أخرى غير التصرف الذي أتاه".
بالنسبة للجزاء وباعتباره عيبا من عيوب الرضاء فإنه يترتب عن الإكراه إذا وقع إثباته بطلان العقد بطلانا نسبيا.
إضافة إلى ذلك يعتبر الإكراه على غرار التغرير جنحة مدنية يخول طلب التعويض من المعاقد على أساس المسؤولية التقصيرية.
إلا أنه يجب التنبيه إلى أن هذه الإمكانية الأخيرة غير واردة لو صدر الإكراه عن الغير أو عن حالة الضرورة.
إرسال تعليق