أن الجد الوارث هو الذي لا يدلي الى الميت بأنثى و هو أبو الأب و إن علا ( الجد لأب) و يسمي الجد الصحيح كما يسمي الجد العصبي .
أما الذي يدلي الى الميت بأنثى كأب الأم فهو ليس صاحب فرض و لا عصبة ،بل يعتبر من ذوي الأرحام و يسمي الجد الرحمي.
وقد اتفق الصحابة و الفقهاء على كون الجد يحجب الأخوة و الأخوات لأم ، ولكنهم اختلفوا بخصوص موضوع ميراث الجد مع الإخوة الأشقاء أو لأب.
وسبب اختلاف الفقهاء في حكم توريث الجد مع الإخوة يرجع الى عدم وجود نص صريح من القرآن الكريم أو السنة النبوية يبين بوضوح حكم ميراث الجد مع الإخوة.
نتعرض في فقرة اولى الى الاختلاف الذي وقع بين الصحابة والفقهاء حول ميراث الجد مع الاخوة ونتعرض بعدها الى موقف المشرع التونسي.
***1 - ميراث الجد مع الإخوة هو موضوع خلافي
لا يوجد نص في القرآن الكريم و لا حديث صحيح في خصوص ميراث الجد ( وهو أب الأب) مع أخوة أشقاء أو أخوة لأب.
و كل ما قبل عن ميراث الجد هو من اجتهاد الصحابة و الفقهاء و أهل الاجتهاد
و يعتبر ميراث الجد من أصعب المسائل في علم المواريث و الفرائض , كما انه يعتبر
موضوع خلافي بين الصحابة و من وراثهم المذاهب الأربعة و الفقهاء.
و يوجد مذهبان مختلفان.
المذهب الأول:
يرى ان الجد يحجب الإخوة جميعهم أيا كانوا و يستحق كل التركة في حالة عدم وجود وارث سواه أو الباقي منها بعد أصحاب الفروض و هو مذهب أبي بكر الصديق و ابن عباس و الزبير و عائشة وحذيفة و أبي سعيد الخدري و ابن بن كعب و معاذ بن جبل و أبي موسي الأشعري و به أخذ أبو حنيفة و أبو نور و المزني و ابن شريح الشافعي وداود , معتمدين في هذا على أن الجد يعتبر أبا مجازا حيث ينزل منزلة الأب عند فقدانه و من هنا جاء قوله تعالي " و اتبعت ملة آبائي إبراهيم و إسحاق و يعقوب " ( يوسف 38 ) فالله قد جعل الجد أبا و مادام الأب يسقط الاخوة من الميراث كان الجد كذلك، كما أن الجد يماثل الأب في كثير من الاحكام ، كعدم نقصانه في الميراث عن السدس، وحجبه للأخوة لأم.
أما المذهب الثاني :
يري أن الجد لا يحجب الأخوة أشقاء أو لأب و إنما يقاسمهم و يشاركهم و يعتبر كأنه واحد منهم يحيث لا يقل نصيبه عن السدس معتمدين في ذلك كون الأخ أقرب الى الميت من الجد و أشد قوة.
وينسب هذا المذهب الى عمر بن الخطاب و عثمان و علي و ابن مسعود وزيد بن ثابت رضوان الله عليهم, و به أخذ المالكية و الشافعية و الحنابلة و به قال الصاحبان أبو يوسف ومحمد بن الحنيفة .
*** 2- موقف المشرع التونسي :
نظم المشرع ميراث الجد بالفصول 108 و 109 و 110 م ا ش
الفصل 108 م ا ش :
الجدّ أحواله مع وارث آخر أربع:
1) أن يكون معه ابن و ابن ابن وإن سفل فيفرض له السدس من غير أن ينتظر شيئا.
2) أن يكون معه أصحاب فروض فقط فيفرض له معهم السدس فإن بقي له شيء أخذه بالتعصيب.
3) أن يكون معه إخوة فقط فيكون له الأفضل من ثلث المال أو المقاسمة فيتعين الثلث إذا زاد عدد الأخوة على اثنين من الذكور أو أربع من الإناث و تتعين المقاسمة و يكون كأخ يقسم معهم للذكر مثل حظ الأثنين إذا كان عدد الإخوة واحدا من الذكور أو ثلاثا من الإناث.
4) أن يكون معه إخوة و أصحاب فروض فيكون له الأفضل من ثلاث: السدس كاملا أو ثلث الباقي بعد أخذ ذوي الفروض فروضهم أو مقاسمة الأخوة.
الفصل 109 م ا ش : إذا اجتمع الأشقاء و الإخوة للأب مع الجد يحاسب الشقيق الجد بالأخ عند المقاسمة ثم يرجع فيما ينوب الأخ للأب فيأخذه.
الفصل 110 م ا ش: إذا كان مع الجد شقيقة واحدة و أخت الأب تحاسب الشقيقة الجد بأختها للأب فيكون للجد النصف و للشقيقة النصف و ليس للأخت للأب شيء فلو كان الجد و الشقيقة الواحدة أختان لأب أو ثلاث أخوات لاب لكان للأختين للأب و الأخوات للأب ما بقي بعد محاسبة الجد بجميع الأخوات و مقاسمته و أخذ الشقيقة النصف.
و هكذا يتضح أن المشرع التونسي تأثر بما ذهب اليه المذهب الثاني القائل بكون الجد لا يحجب الاخوة الأشقاء أو لأب.
و هذا التوجه الذي انتهجه المشرع نتج عنه صعوبات في التطبيق .
حيث لا حظنا ان اغلب طلاب الحقوق و حتى البعض من رجال القانون يجدون صعوبة في استيعاب أحوال الجد و في انجاز الفرائض المتعلقة به.
و نعرض فيما يلي مثال تطبيقي يخص فقط الفقرة الرابعة من الفصل 108 م ا ش للتأكد من صعوبة و تعقيد ميراث الجد.
مثال تطبيقي:
جاء بالفصل 108 م ا ش فقرة 4 " أن يكون معه إخوة و أصحاب فروض فيكون له الأفضل من ثلاث: السدس كاملا أو ثلث الباقي بعد أخذ ذوي الفروض فروضهم أو مقاسمة الأخوة ".
مثال ذلك، توفي رجل و ترك زوجة و أم و جد و شقيق .
في هذه المسألة يكون للجد الأفضل من ثلاث اما 6/1 او 3/1 الباقي او مقاسمة الاخوة.
اذا اختار 6/1 تكون المسألة على هذا النحو :
أصل الفريضة 12 للزوجة 4/1 لعدم وجود الفرع الوارث و للأم 3/1 لعدم وجود الفرع الوارث و لا جمع من الأخوة و للجد 6/1 و الباقي للشقيق تعصيبا
أصل الفريضة .........12
4/1 زوجة..................3
3/1 أم.......................4
6/1 جد.....................2
شقيق......................3
في هذه المسألة يتحصل الجد على 2/12
أما اذا اختار الجد المقاسمة :
فأصل الفريضة يكون 12 للزوجة 4/1 و للأم 3/1 و الباقي وهو 5 يتقاسمه الجد مع الشقيق و بما أن 5 لا تقسم على 2 فنضطر الى تصحيح أصل الفريضة بضربه في 2 فيصبح 24 للزوجة 6 و للأم 8 و للجد 5 و للشقيق 5.
أصل الفريضة.......12.................24
4/1 زوجة...............3...................6
3/1........................4...................8
جد 5....................5
شقيق........................................5
في هذه المسألة يتحصل الجد على 5/24
أما اذا اختار الجد ثلث الباقي :
فأصل الفريضة يكون 12 للزوجة 4/1 و هو 3 و للأم 3/1 و هو 4 و الباقي 5 و بما أن 5 لا تقسم على 3 فنضطر الى تصحيح أصل الفريضة بضربه في 3 فيصبح 36 للزوجة 9 و للأم 12 و للجد 5 و للشقيق 10
أصل الفريضة..........12..................36
4/1 زوجة...................4....................12
3/1 أم........................3.....................9
جد(3/1 الباقي)......5....................5
شقيق.............................................10
في هذه المسألة يتحصل الجد على 5/36
نلاحظ ان 24/5 أكبر من 12/2 و من 36/5
وبالتالي فالمقاسمة هي الأفضل بالنسبة للجد.
هكذا يتبين أن ميراث الجد معقد و صعب ، فلو تبنى المشرع التونسي موقف المذهب الأول و نزل الجد منزلة الأب في علاقته بالإخوة لكان الوضع أكثر بساطة و سهولة حيث باتباع منهج المذهب الأول بحجب الجد الأخوة حجب حرمان.
و تكون المسألة على النحو التالي:
الزوجة ترث 4/1 و الأم ترث 3/1 و الجد يرث السدس و يترقب الباقي طبقا لاحكام للفصل 108 فقرة 2 , والشقيق محجوب بالجد .
أصل الفريضة 12 للزوجة 3 و للأم 4 و للجد 2 و الباقي 3 يرجع للجد.
أصل الفريضة..........12.............12
4/1 زوجة...................3................3
3/1 أم......................4.................4
جد (6/1 مع الباقي)...3............5
باقي.....................2
ان اختيار توجه المذهب الأول يجعل التعامل مع فرائض الجد اكثر يسر وسهولة ولكن المشرع التونسي اختار الأصعب والأكثر تعقيدا ...فهل حان الوقت لمراجعة ميراث الجد ؟؟
إرسال تعليق