المقــدمـــــــــــــــــــــــــة
تتنازع الأكرية التجارية مصلحتان متناقضتان :
*مصلحة المالك الذي يريد الحفاظ على حقه في الملكية سليما من كل تجزئة فلا يحول دون استرجاعه لعقاره قيد او شرط عند انقضاء أمد الكراء،*ومصلحة المتسوغ التاجر للعقار الذي يسعى من جهته الى الاستقرار به لأن إخلاءه له غالبا ما يفقده حرفاءه الذين اجتهد في اجتذابهم إلى تجارته وبالتالي أصله التجاري لارتباطهم بالمحل لموقعه وليس بشخصه .يفضي إخضاع الأكرية التجارية إلى الأحكام العامة للكراء الواردة بمجلة الالتزامات والعقود إلى تفضيل مصلحة المالك وإهدار حقوق المتسوغ التاجر بما أنها تجيز للمالك استرجاع عقاره عند انتهاء أمد الكراء ولا تلزمه بتجديده إلا متى رضي بذلك وهو ما يتيح له فرصة الإثراء على حساب المتسوغ إما باستغلال العقار في نشاط مماثل والاستئثار بحرفاء التاجر المحروم وإما بتسويغه لتاجر آخر يتعاطى نفس النشاط لقاء كراء أوفر. ومما يفاقم في ضرر المتسوغ أزمة المحلات والارتفاع المتزايد لأجور الانتفاع بها وهو ما يقلل من حظوظه في العثور على محل مجاور ونقل تجارته إليه.
فرضت هذه العواقب الوخيمة للحرية التي يتمتع بها المالك في رفض تجديد الكراء عند انتهاء أمده تدخّل المشرع لإرساء حماية خاصة بالمتسوغ التاجر بسن قواعد استثنائية للشريعة العامة تقر للمتسوغ الحق في تجديد الكراء عند انتهاء أمده أو الحصول من المالك على تعويض الضرر الذي لحقه نتيجة حرمانه من المكرى. وقد أرسى هذه القواعد أمر 09/10/1926 المتعلق بالملك التجاري الذي تم إلغاؤه بموجب الأمر العلي المؤرخ في 27/12/1954. وقد تواصل العمل بهذا الأمر إلى صدور القانون عـ37ـدد لسنة 1977 المؤرخ في 25/05/1977 المتعلق بتنظيم العلاقات بين المسوغين والمتسوغين فيما يخص تجديد كراء العقارات أو المحلات ذات الاستعمال التجاري أو الصناعي أو المستعملة في الحرف . وقد سعى المشرع من خلال تدخله إلى إعادة التوازن للعلاقة التسويغية بين التاجر المالك والمتسوغ الذي أضحت حظوظه أوفر في الاستقرار بالمكرى بالاعتراف له عند رفض المالك تجديد الكراء بالحق في المطالبة بغرامة الحرمان التي تعرّف بأنها تعويض عن الضرر الذي لحق المتسوغ نتيجة رفض المسوغ تجديد الكراء والتي قد تتجاوز قيمتها ثمن العقار المستغل به الأصل التجاري وقدرة المالك على دفعها . وما يدعم هذا الحق في التجديد وغرامة الحرمان التي تعادله أنه يهم النظام العام بما أن المشرع قد نص صراحة بالفصل 32 من القانون عـ37ـدد لسنة 1977 المتعلق بالأكرية التجارية على أن " البنود والشروط والاتفاقات التي من شأنها النيل من حق التجديد المحدث بهذا القانون تكون لا غية ولا عمل بها مهما كان شكلها" وبالتالي فإن بنود الكراء التي يتنازل بموجبها المتسوغ عن حقه في التجديد أو في غرامة الحرمان تعتبر باطلة ولا عمل عليها .
قد تثني هذه الغرامة بالنظر الى صبغتها التعويضية المالك عن معارضة المتسوغ في طلب التجديد وتكفل تواصل العلاقة الكرائية وبالتالي بقاء التاجر بالمحل. لكن يبقى رغم ذلك الخيار للمالك في قبول أو رفض التجديد مقابل دفع غرامة الحرمان بما أن الحق في تجديد الكراء المعترف به للمتسوغ لا يعدو ان يكون حقا شخصيا تجاه المالك لا يخوله حقا عينيا على العقار خلافا لما توحي به عبارة الملكية التجارية التي تطلق خطأ عليه.
تمثل غرامة الحرمان تبعا لذلك حجر الزاوية في الحل التوفيقي الذي اقره المشرع لفض التنازع بين المالكين والمتسوغين التجار. إذ تكفل بالنظر إلى قيمتها إما ضمان استقرار المتسوغ التاجر بالمحل وبالتالي الحفاظ على أصله التجاري الذي يمثل غالبا أهم عنصر في ذمته المالية الضمان العام لدائنيه أو تمكينه في صورة إخراجه من المكرى من تعويض يكفل له اكتساب أصل تجاري جديد يعادل الأصل التجاري الذي حرم منه. وهي تسمح للمالك في مقابل أدائها بالتحرر من عقد الكراء الذي أبرمه ومن استرجاع عقاره. وقد انعكست هذه الرغبة في تحقيق هذا التوازن بين المتسوغين والمسوغين في أحكام القانون عـ37ـدد لسنة 1977 سواء عند ضبطه لشروط استحقاق غرامة الحرمان ( الجزء الأول) أو استخلاصها (الجزء الثاني).
الجزء الأول: استحقاق غرامة الحرمان
الجزء الثاني: استخلاص غرامة الحرمان
الجزء الأول: استحقاق غرامة الحرمان
لا تثبت غرامة الحرمان إلا متى كان الكراء المبرم بين المسوغ والمتسوغ خاضعا لأحكام القانون عـ37ـدد لسنة 1977 وهو ما يفترض اكتساب المتسوغ الحق في التجديد (الفرع الأول ). لكن اكتساب الملكية التجارية لا يرتب حقا في غرامة الحرمان إلا متى كان رفض التجديد موجبا للتعويض (الفرع الثاني).
الفرع الأول – اكتساب الحق في التجديد
يستمد من أحكام القانون عـ37ـدد لسنة 1977 أن المتسوغ لا تنسحب عليه أحكامه ولا يكتسب الحق في التجديد إلا متى توفرت شروط تتعلق بالكراء وبتخصيص المكرى للاستغلال التجاري وأخيرا بالمدة.
الفقرة الأولى: الشروط المتعلقة بالكراء:
لا يحمي القانون عـ37ـدد لسنة 1977 إلا من كان يشغل المحل بموجب عقد كراء موضوعه عقار أو محل.
1-وجود الكراء :
نص الفصل الأول من القانون عـ37ـدد لسنة 1977 على أن " أحكام هذا القانون تنطبق على عقود تسويغ العقارات والمحلات " وهو ما يفترض لانطباقه وجود عقد كراء على معنى الفصل 727 م ا ع الذي عرف الكراء بأنه " عقد يسلم به أحد الفريقين للآخر منفعة شيء منقول أو غير منقول مدة بعوض يلتزم له بأدائه الفريق الآخر" ويستوي في ذلك بين ما إذا كان الكراء خطيا أو شفويا طالما لم يشترط المشرع تحرير كتب.لا ينتفع تبعا لذلك بحق التجديد وليس له المطالبة بغرامة الحرمان:* الشاغل لعقار دون سند*مالك العقار والأصل التجاري المستغل به الذي فقد ملكيته للعقار*الشاغل للعقار على وجه الفضل بما أن من أركان الكراء الاتفاق على الأجر*المالك على الشياع أو المنتفع* المستغل لمقطع أو منجم على اعتبار أن المشرع يكيف هذا العقد على كونه بيعا*الشاغل للمحل بموجب اتفاقية إشغال مؤقت بما أنها لا تمنح الشاغل إلا حق الانتفاع بالمحل مدة وجيزة وتجيز للمسوغ الرجوع فيها بحرية وهي تقصي بطبيعتها كل حق في التجديد
2- تعلق الكراء بعقار أو محل:
لا تنطبق أحكام القانون عـ37ـدد لسنة 1977 طبقا للفصل الأول منه إلا إذا كان موضوع الكراء عقارا مبنيا يخول مباشرة التجارة به. لا ينتفع تبعا لذلك بحق المطالبة بغرامة الحرمان في صورة عدم التجديد:*المتسوغ للمنشآت المعدنية المتحركة أو التي يمكن تفكيكها باعتبارها لا تمثل عقارا*المتسوغ للعقارات البيضاء التي لا تخضع لنظام الأكرية التجارية إلا إذا كانت ملحقة بالمبنى الواقع كراؤه والمخصص للنشاط التجاري بما أن الكراء لا يتجزأ أو أقيمت عليها بناءات بعد التسويغ بموافقة المالك الصريحة أو الضمنية.*المتسوغ للعقارات المبنية التي لا يسمح تصميمها أو مساحتها بمباشرة التجارة بها كما هو الشأن بالنسبة للجدران أو المساحات البسيطة التي لا تسمح إلا بعرض المنتوجات .ينطبق قانون الأكرية التجارية على المحل الأصلي الذي يستغل به الأصل التجاري. أما بالنسبة للمحلات التابعة، فلا ينسحب عليها إلا بالشروط التالية:*وجوب أن يكون استعمال المحل التابع " لا بد منه " لاستغلال الأصل التجاري فلا تعتبر من قبيل المحلات التابعة إلا تلك التي يمنع الحرمان منها مواصلة استغلال الأصل التجاري أو تحقيق المؤسسة موضوعها الاجتماعي .*وجوب أن يكون المحل التابع على ملك المسوغ للمحل الأصلي.* في صورة تعدد المالكين، يجب أن يكون مالك المحل التابع على بينة من أن المتسوغ التاجر استأجره منه قصد استغلاله واستعماله مع المحل الأصلي.الفقرة الثانية: تخصيص الكراء للاستغلال التجاري
اشترط الفصل الأول من قانون الأكرية التجارية لانطباقه استغلال أصل تجاري بالمحل وهو ما يفترض توفر صفة التاجر في المتسوغ وملكيته لأصل تجاري.
1- توفر صفة التاجر في المتسوغ
مبدئيا لا يحق المطالبة بغرامة الحرمان إلا ممن كان تاجرا ذاتا طبيعية كان أو معنوية. وتكتسب صفة التاجر من تعاطي الشخص الأعمال التجارية على وجه الحرفة باسمه وتحت مسؤوليته . أما بالنسبة للشركات فقد نص الفصل 7 من مجلة الشركات التجارية على أن الشركة تكون تجارية إما بشكلها أو بموضوع نشاطها وتعد تجارية من حيث الشكل ومهما كان موضوعها شركات المقارضة بالأسهم والشركات ذات المسؤولية المحدودة والشركات خفية الاسم.-لا تتوفر فيهم تبعا لذلك صفة التاجر ولا حق لهم في المطالبة بغرامة الحرمان في صورة رفض المالك تجديد الكراء الجمعيات التي لا تهدف بطبيعة نشاطها إلى الربح وكذلك أصحاب المهن الحرة بما أنهم لا يمارسون أعمالا تجارية بالمحلات التي في تسوغهم مثل الأطباء والمحامين والمهندسين الذين يشتغلون بالفكر ويسدون خدمات نبيلة لا يهدفون أساسا من ورائها إلى تحقيق الربح . لكن قد ينتظم أصحاب نفس المهنة في إطار شركة ذات مسؤولية محدودة أو شركة خفية الاسم أو شركة مقارضة بالأسهم والتي تعتبر تجارية بحكم القانون كما هو الشأن بالنسبة لمهنة المحاماة التي يمكن مباشرتها طبقا للفصل 4 من القانون عـ65ـدد لسنة 1998 المؤرخ في 20/07/1998 ضمن شركات حفية الاسم أو شركات محدودة المسؤولية. فهل يمكن لمثل هذه الشركات التي لها صفة التاجر بحكم القانون وتمارس نشاطا مدنيا أن تدعي حقا في التجديد وبالتالي في غرامة الحرمان عند إخراجهم من المحلات التي في تسوغها ؟ يعترف الفقه وفقه القضاء في فرنسا لهذه الشركات بالحق في التجديد لأن نشاطهم يكتسي الصبغة التجارية بالتبعية وهو موقف لا يجاريهم فيه الفقه في تونس استناد إلى أن الفصل 4 من المجلة التجارية ينص على أن التبعية تكون للتجارة وليس للتاجر وبالتالي لا تكتسي الأعمال المدنية الصبغة التجارية بالتبعية إلا إذا باشر التاجر أعمالا تجارية بطبيعتها وهو شرط منعدم بالنسبة للشركات التجارية بحكم القانون بما أن موضوعها مدني . لكن هذا الموقف من شأنه إخضاع هذه الشركات لأعباء والتزامات التجار وحرمانها في المقابل من المنافع المترتبة عن ذلك والتي من بينها الحق في التجديد.-لا يمكنهم المطالبة بغرامة الحرمان أيضا الوكلاء لأنهم لا يباشرون الأعمال التجارية باسمهم وإنما يجرونها باسم موكليهم ولحسابهم وكذلك الأجراء الذين لا يتمتعون في مباشرة نشاطهم بالاستقلالية ويخضعون للتبعية القانونية لمؤجريهم.
وتثبت صفة التاجر من الترسيم بالسجل التجاري وهو شرط لا يثير مشكلا بالنسبة للشركات بما انها لا تتكون ولا تكتسب الشخصية المعنوية إلا بتمام هذه الشكلية وابتداء من تاريخها . أما بالنسبة للأشخاص الطبيعيين فقد نص الفصل 61 من القانون عـ64ـدد لسنة 1995 المؤرخ في 2 ماي 1995 المتعلق بالسجل التجاري على أنه " لا يمكن للخاضع للتسجيل الذي له صفة التاجر أن يتمسك بتلك الصفة إزاء الغير أو الإدارة إذا لم يطلب تسجيله في خلال شهر من بداية نشاطه ولا يكتسب تلك الصفة إلا من تاريخ التسجيل." لم تأخذ المحاكم مع ذلك بعدم الترسيم لحرمان التاجر من التعويض واعترفت للمتسوغ بالحق في غرامة الحرمان ولو أخل بهذا الواجب بل ولو ثبت انه موظف ولا حق له في مباشرة التجارة . لكن اعتمدت محكمة التعقيب عدم الخضوع للترسيم بالسجل التجاري مؤشرا لنفي صفة التاجر عن طبيب الأسنان الذي ادعى مضاربته في الأسنان الاصطناعية .
توسعا في مجال تطبيق القانون عـ37ـدد لسنة 1977، سحب المشرع أحكامه على عقود تسويغ محلات لا تتوفر في شاغليها صفة التاجر. فقد أخضع إلى نظام الأكرية التجارية المحلات التي يستغل بها أصل تجاري على ملك صاحب حرفة. وقد أثار تحديد أصحاب الحرفة الذين يتمتعون بالحق في التجديد جدلا في التطبيق إلا أن الاتجاه الغالب في فقه القضاء لا يعترف للحرفي بهذا الحق إلا إذا باشر أعمالا تجارية انطلاقا من أن القانون عـ37ـدد لسنة 1977 اشترط بالفصل الأول لانطباقه استغلال أصل تجاري بالمحل وهو ما يقود إلى البحث في كل مرة عما إذا كان نشاط الحرفي قاصرا على الأعمال اليدوية أو انه يشمل أعمال المضاربة . اعتبرت محكمة التعقيب تبعا لذلك أن كراء المحل المستغل لحلاقة النساء ينسحب عليه قانون الأكرية التجارية إذا باشر الحلاق به بيع مواد التجميل والعطورات أو صنعها ثم بيعها أو باشر كراء فساتين الأعراس في حين لا ينسحب نفس القانون على المحلات المستغلة لنشاط حلاقة الرجال لأن هذا النشاط لا يصاحبه في الغالب أعمال مضاربة بشراء مواد التجميل وبيعها. اعتبرت محكمة التعقيب في نفس الاتجاه أن محل إصلاح كهرباء السيارات هو محل حرفة لا ينطبق عليه قانون الأكرية التجارية باعتبار ان النشاط المستغل به مدني وليس من قبيل شراء المكاسب لتأجيرها في حين اعتبرت أن تزويد الميكانيكي حرفاءه بقطع الغيار يشكل عملا تجاريا ويخضع المحل الذي في تسوغه لنظام الأكرية التجارية .
تنسحب أحكام الأكرية التجارية أيضا على عقود تسويغ المحلات والعقارات التي بها مؤسسات تعليم خاص وقد أخذت محكمة التعقيب بعموم اللفظ واعتبرت انه يدخل في هذا الصنف من المؤسسات رياض الأطفال التي بها فصول للتعليم الخاص والمحاضن .
تنطبق أحكام الأكرية التجارية أخيرا على عقود التسويغ المحلات المستغلة بموافقة المالك الصريحة أو الضمنية لمصالح بلدية فرعية.
2-ملكية المتسوغ لأصل تجاري
لا يستحق المتسوغ حماية أكثر من تلك المقررة بالأحكام العامة للكراء إذا لم يثبت استغلاله بالمحل أصلا تجاريا على ملكه من شأن عدم التجديد أن يتسبب في اضمحلاله. إذ أن هذه الحماية القانونية لم تقرر لفائدته بوصفه متسوغا وإنما لكونه مالكا للأصل التجاري الذي كونه بالمحل. فلا ينتفع بالتالي بنظام الأكرية التجارية المتسوغ الذي لم يثبت ملكيته لأصل تجاري أو ثبت أن الأصل الذي استغله به قد اضمحل ولم يعد له وجود.
يقع إثبات ملكية المتسوغ لأصل تجاري بجميع الوسائل التي من بينها البينة أو الاختبارات الفنية باعتبارها من الأمور الواقعية التي يخضع تقديرها لاجتهاد محكمة الموضوع دون رقابة عليها من محكمة التعقيب بشرط تعليل حكمها بما له أصل بالملف. واعتبارا إلى أن الأصل التجاري يشمل وجوبا الحرفاء والسمعة التجارية طبقا للفصل 189 من المجلة التجارية، فإنه يحمل على المتسوغ إثبات أنه ضم إلى المحل حرفاء مرتبطين بنشاطه الشخصي. فالتاجر الذي لا يثبت أنه يختص بالحرفاء الوافدين على محله أو يثبت استغلاله لحرفاء الغير لا يكتسب ملكية الأصل التجاري وليس له أن يدعي حقا في الغرامة وقد قضت محكمة التعقيب في هذا الشأن بأن المحلات الموجودة داخل الفنادق لا تخضع لقانون الأكرية التجارية لان حرفاؤها مندمجة كلها في عناصر الأصل التجاري للفندق وهو نفس الحل الذي اعتمده فقه القضاء الفرنسي بالنسبة لأصحاب محطات التزويد بالبنزين على اعتبار أن الحرفاء الوافدين عليهم غير مرتبطين بشخصهم وتجارتهم وإنما بالعلامة التجارية التي يضعون ثقتهم بها .
الفقرة الثالثة: مدة الاستغلال
لا يكفي وجود الكراء والاستغلال التجاري لانطباق نظام الأكرية التجارية وإنما يحمل أيضا على المتسوغ إثبات أنه استغل بالمحل أصلا تجاريا مدة سنتين متتاليتين طبقا للفصلين 1 و3 من القانون عـ37ـد لسنة 1977. وهذه المدة المشترطة تتعلق باستغلال الأصل التجاري وليس بمدة الانتفاع بالمكرى. وقد تتطابق المدتان إذا كوّن المتسوغ أصله التجاري أو نقله بالمحل وباشر نشاطه بمجرد تحوزه به، لكن هذا التزامن بين الكراء والاستغلال ليس ضروريا فقد يبرم المتسوغ عقد الكراء ولا يتحوز بالمكرى إلا بصفة متأخرة عن تاريخ نفاذه أو قد يتحوز بالمكرى ولا يباشر به أي نشاط إلا بعد مضي مدة معينة وهو ما يخلص منه أن الكراء ليس قرينة على الاستغلال الفعلي.
ويشترط في الاستغلال -ما لم يثبت المتسوغ سببا شرعيا- أن يتواصل مدة سنتين بدون انقطاع سواء أكان الاستغلال مباشرا أو بواسطة نواب أو وكالة حرة. فلا ينتفع بغرامة الحرمان المتسوغ الذي ثبت انقطاعه عن مباشرة النشاط خلال المدة المذكورة ولو كان مجموع الفترات التي استغل بها الأصل التجاري بالمحل تفوق السنتين وكذلك المتسوغ المباشر بالمحل لأنشطة موسمية أو كان عقد تسويغه لا يخوله الانتفاع بالمكرى إلا لفترات محدودة ومتقطعة. ويحمل على المدعي طبقا للفصل 3 من القانون عـ37ـدد لسنة 1977 عبء إثبات استغلاله للأصل التجاري للمدة المذكورة والذي يكون بجميع وسائل الإثبات باعتباره من قبيل الوقائع القانونية.
مدة الاستغلال المشترطة لانطباق أحكام الأكرية التجارية أثارت في التطبيق مشكلا يتعلق بصحة التنبيه بإنهاء الكراء الموجه من المالك إلى المتسوغ المرتبط بعقد كراء لمدة سنتين أو لسنة وتجدد لنفس المدة والذي لا يقع تضمينه الشكليات المنصوص عليها بالفصل 4 من قانون الأكرية التجارية. فهل أن المعتبر في صحة التنبيه النظام القانوني المنطبق على العلاقة التسويغية في تاريخ توجيهه أم في تاريخ إنهائها؟إن إخضاع التنبيه للنظام القانوني الذي تخضع له العلاقة التسويغية في تاريخ توجيهه يجعله صحيحا ولو لم تحترم فيه الشكليات التي اشترطها الفصل 4 من القانون عـ37ـدد لسنة 1977 وهو ما ذهبت إليه محكمة التعقيب في قرارها عـ ــدد المؤرخ في ..*...*... وسايرتها فيه بعض محاكم الأصل. إلا أن هذا الموقف مجحف بحقوق المتسوغ الذي له طبقا للفصل 242 م ا ع الحق في الانتفاع بالمكرى واستغلال أصله التجاري به المدة المتبقية والتي بانتهائها يكون قد اكتسب الملكية التجارية. تحولت محكمة التعقيب عن موقفها المذكور واعتبرت أنه " إذا تضمن كتب التسويغ في محل تجاري واقع لمدة عام شرطا كتابيا يوجب تجديده لمدة عام آخر وتجدد الكراء فعلا للمدة المذكورة فإن الكراء يعتبر كتابيا لمدة عامين يوجب اكتساب الملك التجاري للمتسوغ والتنبيه الواقع للمتسوغ في هذه الصورة يجب أن يخضع لأحكام الفصلين 5 و 9 من قانون 27/12/1954 " واللذين يقابلان الفصلين 4 و 27 من القانون عـ37ـدد لسنة 1977 واستقر فقه قضائها على هذا النحو وسايرتها محاكم الأصل .على خلاف ذلك قد يعمد المالك إلى توجيه التنبيه للمتسوغ الذي لم يستكمل عامه الثاني طبقا لأحكام الفصل 4 من قانون الأكرية التجارية وهو ما يضطر المتسوغ إلى القيام بدعواه في المطالبة بغرامة الحرمان في ظرف الثلاثة أشهر من توصله به وقبل اكتسابه الملكية التجارية. لم تعتبر محكمة التعقيب مع ذلك أن قيام المتسوغ سابق لأوانه ونقضت موقف محكمة الاستئناف المؤيد للحكم الابتدائي القاضي برفض دعواه معللة قضاءها بأن العبرة في تحديد تاريخ اكتساب الملكية التجارية من عدمه ليس تاريخ توجيه التنبيه في إنهاء التسويغ وإنما انتهاء مدة التسويغ رغم أن محكمة البداية كانت تعهدت في النزاع وبتت فيه قبل استكمال المتسوغ القائم بالدعوى عامه الثاني بالمكرى .
لكن هذا الموقف على كونه يراعي حقوق المتسوغ التاجر إلا أنه يعاب عليه الخلط بين مدة التسويغ التي لا تأثير لها على استحقاق الملكية التجارية ومدة استغلال الأصل التجاري وكان من المفترض في تقدير صحة التنبيه ليس الوقوف فحسب عند اسكتمال المتسوغ انتفاعه بالمكرى عامه الثاني وإنما التأكد مما إذا تزامن مع ذلك استغلاله لأصل تجاري بالمحل.
الفرع الثاني:رفض التجديد الموجب لغرامة الحرمان
لا يرتب رفض التجديد للمتسوغ الحق في غرامة الحرمان في جميع الأحوال بما أن المشرع أورد حالات يحق فيها للمسوغ رفض التجديد دون دفع غرامة الحرمان والتي يتجه تمييزها عن حالات الحرمان الموجبة لها.
الفقرة الأولى- حالات الرفض الموجب لغرامة الحرمان
يكون الحرمان موجبا للتعويض في صورة التنبيه على المتسوغ برفض التجديد بدون موجب أو استعمال المسوغ طرقا احتيالية لحرمانه من حقوقه.
1- التنبيه برفض التجديد بدون موجب
أبقى المشرع للمالك الحرية في تجديد الكراء أو الامتناع عن ذلك ويتجلى ذلك من خلال تنظيمه ممارسة الحق في رفض التجديد والتي يمكن أن يتخذ الصور التالية:
- الرفض على إثر تقديم طلب في التجديد وهي صورة الفصل 5 الذي ورد بفقرتيه الأخيرتين انه:" ينبغي على المسوغ أن يعلم الطالب حسب نفس الصيغ بامتناعه بقبوله للتجديد أو بقبوله حسب شروط جديدة مع بيان أسباب الرفض أو الشروط المطلوبة وذلك في بحر الثلاثة أشهر من الإعلام بالتجديد وإن لم يعم بنواياه في هذا الأجل يعد المسوغ قابلا لتجديد الكراء بنفس الشروط ولنفس المدة.ويجب أن يبين الإعلام المذكور بالفقرة السالفة نص الفصل 27 وإلا يقع إلغاؤه."ويستمد من الفصل المذكور أن رفض التجديد يجب لصحته أن تتوفر فيه الشروط والشكليات التالية:*توجيه الإعلام برفض التجديد بواسطة عدل منفذ* تبليغ التنبيه برفض التجديد للمتسوغ في بحر الثلاثة الأشهر الموالية لتقدم هذا الأخير بطلب التجديد*تضمين محضر التنبيه بالرفض أسباب الرفض ويكفي لتعليل المحضر تعبير المسوغ عن استعداده لدفع غرامة الحرمان*تذكير المتسوغ بعبارات الفصل 27- الرفض بمبادرة من المتسوغ : وهي صورة الفصل 4 الذي على أنه " خلافا لمقتضيات الفصلين 791 و 792 من مجلة العقود والالتزامات لا تنتهي اكرية المحلات الخاضعة لهذا القانون إلا بتنبيه بالخروج يقدم في أجل معين وهو ستة أشهر من قبل (...) وينبغي ان يقع ذلك الإعلام بواسطة عدل منفذ ويجب أن تبين الأسباب التي من أجلها وقع التنبيه بالخروج ويذكر عبارات الفصل 27 وإلا يقع إلغاؤه."ويشترط لصحة التنبيه بإنهاء الكراء على معنى هذا الفصل:*تبليغ المسوغ التنبيه للمتسوغ بالخروج بواسطة عدل منفذ* توجيه المسوغ التنبيه للمتسوغ ستة اشهر قبل انتهاء امد الكراء*وجوب تضمين التنبيه أسباب الامتناع من التجديد*وجوب تذكير المتسوغ بمحضر التنبيه بعبارات الفصل 27- رفض التجديد إثر التعديل القضائي لشروط الكراء: وهي صورة الفقرة الأولى من الفصل 30 التي نصت على أنه " إذا رفض المسوغ تجديد العقد حسب الشروط الوارد بها الفصل 28 من هذا القانون فإنه يجب على المتسوغ رفع الأمر للمحكمة ذات النظر في خلال الثلاثة أشهر الموالية للإعلام برفض التجديد وإلا سقط حقه."تتعلق هذه الحالة بالرفض الصادر عن المسوغ إثر صدور حكم في التعديل بين الطرفين في خصوص الكراء أو المدة أو الشروط الثانوية للعقد أن حكم التعديل لا يفرض على المتسوغ القبول بالشروط الجديدة ولا يلزمه بالتجديد.- رفض التجديد الصادر عن المسوغ البائع للأصل التجاري: وهي صورة الفصل 15 الذي نص على أنه " لا يمكن للمالك أو للمتسوغ الأصلي الذي هو في آن واحد مسوغ لمحلات وبائع للملك التجاري المتصرف فيه بالمحلات المذكورة والذي قبل كامل ثمنه أن يرفض تجديد التسويغ إلا بشرط دفع غرامة الحرمان المنصوص عليها بالفصل 7 من هذا القانون ما لم يستدل ضد المتسوغ بسبب معترف بخطورته وبشرعيته."يستمد من أحكام هذا الفصل أن البائع للأصل التجاري الذي هو في نفس الوقت المالك للمحل المستغل به أو المتسوغ الأصلي لا يمكنه رفض التجديد إلا مقابل دفع غرامة الحرمان ما لم يثبت ضد المتسوغ سببا خطيرا وشرعيا مبررا للرفض. لكن لا يمكن للمتسوغ التمسك بأحكام هذا الفصل إلا إذا كان اشترى الأصل التجاري وليس عنصرا منه وأن يكون قد دفع لبائع الأصل التجاري كامل الثمن.- الرفض الصادر عن الدولة أو البلديات أو المؤسسات العامة: وهي صورة الفصل 16 الذي نص على أنـه " يمكن الامتناع من تجديد أكرية العقارات أو المحلات التي هي على ملك الدولة والبلديات والمؤسسات العمومية أو ذات المصلحة العامة وأكرية العقارات أو المحلات المعدة من طرف جماعات لأشغال ذات مصلحة عامة وذلك لسبب مستمد من المصلحة العامة.وفي هذه الصورة فإن المتسوغ المحروم الذي يجب أن يوجه إليه تنبيه قبل مضي ستة أشهر عن طريق عدل منفذ يتمتع بغرامة الحرمان المنصوص عليها بالفصل 7 من هذا القانون ولا يطلب دفع ذه الغرامة إلا يوم الخروج من المحلات."يستمد من الفصل المذكور أن الدولة والبلديات والمؤسسات العمومية لا يمكنها رفض تجديد كراء المحلات التي على ملكها إلا إذا وجد سبب مستمد من المصلحة العامة وأنها ملزمة في جميع الأحوال بدفع غرامة الحرمان.
2- لجوء المسوغ للطرق التحيلية
إذا برر المسوغ رفضه تجديد الكراء بممارسة حقه في الاسترجاع ثم ثبت أنه لم يلتزم السبب الذي تمسك به وإنما كان استرجاعه له بقصد المضاربة بالأصل التجاري الذي حرم المتسوغ منه، فإنه يحق لهذا الأخير الرجوع عليه طبق الفصل 18 الذي نص على انه " وفي صورة ما إذا ثبت ضد المسوغ أنه لم يستعمل الحقوق التي منحها له الفصل 8 من هذا القانون وما بعده إلا لحرمان المتسوغ بطريق التحيل من حقوقه خصوصا بالقيام بعمليات أكرية وإعادة بيع سواء أكانت هذه العمليات ذات صبغة مدنية أو تجارية فللمتسوغ الحق في غرامة تساوي مقدار ما لحقه من ضرر."رغم ان المشرع لم يعرف هذه الغرامة بكونها منحة الحرمان، فإنه يمكن اعتبارها كذلك بالنظر إلى صبغتها التعويضية وتنصيصه على أنها تساوي مقدار الضرر وهي نفس العبارات التي استعملها بالفصل 7 عند تعريفه لغرامة الحرمان. ويثبت التحيل بجميع الوسائل التي من بينها الإدلاء بما يفيد قيام المسوغ بعمليات أكرية او بيع التي ذكرها المشرع على سبيل الذكر.الفقرة الثانية – عدم توفر أحد أسباب الإعفاء من دفع الغرامة:
يعفى المسوغ من دفع غرامة الحرمان عند رفض التجديد إذا أثبت وجود سبب خطير وشرعي أو مارس حقه في الاسترجاع.
1- السبب الخطير والشرعي
نص الفصل 8 من القانون عـ37ـدد لسنة 1977 على أنه " يمكن للمسوغ أن يرفض تجديد التسويغ بدون أن يكون مطالبا بدفع أي منحة إن أثبت وجود سبب خطير وشرعي ضد المسوغ الخارج." يستمد من عبارات هذا النص أن السلوك المتظلم منه يجب أن يتجاوز الحد الاعتيادي وأن يكتسي درجة من الخطورة وأن ينسب للمتسوغ أو أحدا ممن هم تحت رقابته وإشرافه. وقد يتمثل هذا السبب الخطير والجدي الذي يخضع تقديره لاجتهاد محكمة الموضوع في إخلال المتسوغ بواجب تعاقدي أو في انحراف بالسلوك.*الخطأ التعاقدي قد يستمد من مخالفة القانون أو العقد. إذ يرتب عقد الكراء في جانب المتسوغ طبقا للفصل 767 م ا ع التزامات تتمثل في أداء معينات الكراء وحفظ المكرى واستعماله فيما أعد له. يرتكب خطأ خطيرا وشرعيا يبرر رفض التجديد دون دفع غرامة الحرمان المتسوغ الذي يخل بواجبه في الاعتناء بالمكرى او يحدث أشغالا أو يغير النشاط المستغل به دون إذن المالك طالما وقع التنصيص على ذلك بعقد الكراء . يعود مع ذلك للقاضي التصدي لرفض المالك تجديد الكراء أو طلب الفسخ كلما تبين أن الخطأ المنسوب للمتسوغ ليس بالخطير والجدي كما لو ثبت أن الأشغال التي أحدثها بالمكرى لا تعدو أن تكون من قبيل التحسينات الضرورية لمباشرة نشاطه أو أن النشاط الذي أضافه إلى المحل لا يتخالف مع ما أعد له ولا يعدو أن يكون امتدادا للنشاط الأصلي المستغل به .يرتكب المتسوغ خطأ خطيرا وشرعيا أيضا إذا امتنع عن أداء معينات الكراء الذي يعتبر من أوكد واجباته وقد ذهب فقه القضاء في اتجاه التصريح بفسخ عقد الكراء كلما ثبت أن المتسوغ لا يؤديه إلا بعد القيام ضده بدعوى قضائية. إلا أن هذا الموقف يعرف تطورا نحو رفض الدعاوى المؤسسة على الفصل 796 م ا ع وإخضاع دعاوى الفسخ لعدم الوفاء بمعينات الكراء لأحكام الفصل 23 من قانون الأكرية التجارية الذي لا يعتبر المتسوغ مماطلا ولا يرتب على ذلك الفسخ إلا إذا مضت عن توجيه المالك تنبيها له بواسطة عدل منفذ ثلاثة أشهر وبقي التنبيه دون نتيجة . يكون للمسوغ أخيرا حق رفض التجديد دون أن يلزم بدفع غرامة الحرمان إذا أبرم المتسوغ كراء ثانيا دون موافقته بما أن الفصل 20 من قانون الأكرية التجارية يحجر عليه ذلك ما لم يتضمن عقد الكراء شرطا مخالفا.
*يمكن للمسوغ أيضا رفض التجديد إذا أخل المتسوغ نحوه بواجب حسن المعاملة كما لو وجه له ألفاظا مخلة بالحياء أو اعتدى عليه بالعنف. ولا يشترط المشرع للتفصي من دفع غرامة الحرمان أن يكون هذا التجاوز في السلوك قد ارتكب بالمكرى أو مرتبطا بتنفيذ عقد الكراء.
2- حق الاسترجاع
يقر المشرع للمسوغ حق استرجاع المكرى دون أن يكون مطالبا بدفع غرامة الحرمان إذا وجب هدمه بسبب إضراره بالصحة أو اعتزم تخصيصه للسكنى أو قصد من استرجاعه بناءه أو إعادة بنائه أو تعليته.
*الاسترجاع لهدم البناء المضر بالصحة أو الخطر
ميز المشرع بالفقرة الثانية من الفصل 8 بين حالتين لاسترجاع العقار الذي وجب هدمه. تتعلق الحالة الأولى بالعقار الذي صار مضرا بالصحة والحالة الثانية بالعقار الذي لا يمكن إشغاله بدون خطر. وتكمن أهمية التمييز بين الصورتين من حيث الإثبات إذ أن حالة المبنى المضر بالصحة لا تثبتها إلا السلطة الإدارية الذي لا يترك قرارها للقاضي مجالا للاجتهاد. أما حالة المبنى المهدد بالخطر فتثبت بجميع الوسائل بما في ذلك القرار البلدي القاضي بالإخلاء او بالهدم وكذلك بالاختبارات الفنية ومعيار الخطر ما يشكله البناء من تهديد لسلامة شاغليه وليس تهديد البناء بالانهيار.
بالرجوع إلى أحكام الفقرة الثانية من الفصل 8 يتضح أنها تقر للمسوغ رفض تجديد الكراء دون تمييز بين ما إذا كان الكراء يشمل محلا او عدة محلات قابلة للتجزئة وبين ما إذا كان المحل الواجب هدمه أصليا أو تابعا وكذلك دون تمييز بين ما إذا كان هذا المحل يمكن أن يقوم بدون جزئه الواجب هدمه من عدم ذلك وهو ما يترتب عنه في صورة اعتماد عموم عباراتها إلى حرمان المتسوغ من المكرى ولو ثبت أن جزء البناء أو المحلات التي لم يستوجب الهدم صالح لإيواء تجارته وهو حل مجحف بحقوق المتسوغ خاصة وأن المالك لا يلزمه إلا إثبات أن البناء يستوجب الهدم كليا أو جزئيا ولا يحمل عليه مباشرة أشغال الهدم . لذلك فإنه من المتجه التمييز بين ما إذا كان الكراء يمكن أن يقوم بدون الجزء الواجب هدمه أم لا.
لا يحق للمتسوغ في صورة ممارسة المسوغ حقه في استرجاع المحل المضر بالصحة أو المهدد بالخطر تعويضا من المالك مهما كان نوعه وإنما له في صورة إعادة بنائه من طرف مالكه أو خلفه حق أولوية الكراء بالبناء الجديد طبقا لما هو مقرر بالفصلين 10 و 11 الذين وضعا عدة شروط لممارسة هذا الحق تتمثل في:- وجوب إعلام المتسوغ عند مبارحته المحل أو في الثلاثة أشهر الموالية لذلك المالك برغبته في التمتع بحق الأولوية بموجب محضر محرر من طرف عدل منفذ يبين فيه مقره الجديد- توفر العقار المعاد بناؤه على محلات تجارية لها مساحة تساوي مساحة المحل المشغول قبل الهدم-اتجاه إرادة المالك تسويغ المحلات التجارية للغير بما يفهم منه أنه ليس للمتسوغ ممارسة حقه في الأولوية إذا خصص المالك المحل الجديد لمباشرة التجارة شخصيا ولو كان النشاط مماثلا للذي باشره المتسوغ المحروم بالمحل- تعبير المتسوغ عن قبوله الكراء أو قيامه لدى المحكمة ذات النظر في صورة عدم الاتفاق على شروط الكراء لتعيينها في ظرف ثلاثة أشهر من توصله بإعلام المسوغ اعتزامه تسويغ المحل له وإلا سقط حقه.*الاسترجاع للبناء:
نص على حق الاسترجاع للبناء الفصل 14 الذي خول المالك الذي حصل على رخصة بناء محل سكنى بكامل أو بعض إحدى الأراضي البيضاء المسوغة والتي أقام عليها المتسوغ بناءات للاستعمال التجاري. ويستمد من أحكام هذا الفصل أنه يشترط لممارسة المالك حقه في الاسترجاع للبناء شرطان أولهما حصوله على رخصة بناء محل سكنى وثانيهما قصور حق الاسترجاع على الأجزاء غير المبنية من الأراضي المسوغة وفي حدود ما هو ضروري لإقامة محل السكنى.لا توجب صورة الاسترجاع لبناء أجزاء الأرض البيضاء دفع تعويض للمتسوغ مهما كان مقداره إلا إذا ترتب عنه انقطاع الاستغلال التجاري ففي هذه الحالة يستحق المتسوغ غرامة تعادل كراء أربعة اعوام.* استرجاع العقار لإعادة بنائه
نص الفصل 9 على أنه للمالك الحق أيضا في رفض تجديد التسويغ لتجديد بناء العقار بشرط ان يدفع للمتسوغ المحروم قبل خروجه منحة تساوي كراء أربعة أعوام.يستمد من هذا الفصل أن الاسترجاع لتجديد البناء (Reconstruire l'immeuble ) يستوجب لممارسته عدة شروط أهمها:-اعتزام المالك هدم كامل المحل وإعادة بنائه من جديد فلا ينسحب هذا الحق على التحسينات أو التغييرات أو تعلية المحل أو هدم جزء منه وإعادة بنائه.- دفع المالك للمتسوغ غرامة للمتسوغ قبل إخراجه من المحل تقدر بكراء أربعة أعوام-مباشرة المالك للأشغال بصفة فعلية بما أن المتسوغ له الحق في البقاء في المحل إلى حين الشروع فيها وهو شرط ولئن يعكس حرص المشرع على تفادي ممارسة المالك حقه في الاسترجاع والمماطلة بعد ذلك في إعادة البناء فهو غير عملي بما أن انطلاق الأشغال يستوجب إخلاء المحل فضلا عن أن العبرة لا فحسب بمباشرة الأشغال وإنما أيضا بالفراغ منها في مدة وجيزة تسمح للمتسوغ من مباشرة حقه في الأولوية المخول له بموجب الفصلين 10 و 11 وتمنع المالك من المماطلة في إنجازها وهو ما سها المشرع عن ضبطه.*استرجاع العقار لتعلية البناء
نظم هذا الحق الفصل 12 والذي يستفاد منه أنه حق وقتي يخول للمالك إرجاء تجديد التسويغ لمدة محدودة يحق للمتسوغ على إثرها استعادة المكرى لاستئناف نشاطه به وهذا الحق يفترض:-عزم المالك تعلية البناء دون مبرر آخر-حرمان الأشغال المقرر إنجازها لتعلية المحل المتسوغ مؤقتا من مباشرة نشاطه-عدم امتداد الأشغال لأكثر من ثلاث سنوات-دفع غرامة للمتسوغ المحروم تعادل الضرر الذي لحقه جراء تأجيل تجدد الكراء دون ان تتجاوز كراء ثلاث سنوات.*استرجاع العقار للسكنى
نظم هذا الحق الفصل 13 الذي أحاطه بعدة شروط منها ما يتعلق بصاحب الحق في الاسترجاع ومنها ما يتعلق بالمستفيد من الاسترجاع ومنها أيضا ما يتعلق بالمحل وبإشغاله وبالغرامة:-فيما يتعلق بصاحب الحق في الاسترجاع فإنه يشترط فيه ان يكون المالك للمحل أو في صورة تجزئة حق الملكية المنتفع فلا يستفيد من هذا الحق المسوغ الأصلي أو مالك الرقبة الذي ليس له الانتفاع بالعقار وكذلك الذوات المعنوية. يشترط أيضا في المالك أيضا أن يمضي عن ثبوت تاريخ اكتسابه ملكية العقار ما يزيد عن الستة أعوام إذا انجر له بموجب عقد بعوض وأن لا يكون طبقا للفصل 15 البائع للأصل التجاري المستغل بالمحل المراد استرجاعه.-أما بالمستفيد من الاسترجاع فيشترط فيه أن يكون المالك ذاته أو أحد من أصوله أو فروعه وأن لا يكون له مسكن يوافق حاجياته العادية أو حاجيات أفراد أسرته المساكنين له وان تتفق حاجياته مع الاستعمال العادي للمحل.- المحل المراد استرجاعه يجب أن يكون قابلا لتهيئته للسكنى بالقيام بأشغال بسيطة-الاسترجاع يجب أن يشمل كامل المحل أما الاسترجاع الجزئي فلا يجوز إلا بشرط عدم الإضرار بالنشاط المستغل بالمحل أو بسكنى المتسوغ.-فيما يتعلق بإشغال المحل فإنه يجب أن يتم من طرف المستفيد من الاسترجاع في ظرف ستة أشهر وأن يتواصل لمدة أدناها ستة أعوام.-أخيرا فإنه يجب على المالك دفع غرامة تساوي معلوم الكراء المدفوع لقاء المحلات التي شملها حق الاسترجاع عن الخمس سنوات الأخيرة.
الجزء الثاني: استخلاص غرامة الحرمان
يمكن للطرفين المسوغ والمتسوغ التراضي على قيمة غرامة إلا أن ذلك نادرا ما يحدث في الواقع الذي يبرز أن غرامة الحرمان لا يقع استخلاصها إلا على إثر القيام بدعوى في المطالبة بها (الفرع الأول) تتولى بمناسبتها المحكمة المتعهدة تقديرها (الفرع الثاني) ولا يتم الدفع إلا بعد صدور الحكم فيها (فرع ثالث).
الفرع الأول : دعوى غرامة الحرمان
تفترض دعوى غرامة الحرمان التعرض إلى طرفيها وأجل القيام بها وكذلك المحكمة المختصة بالتعهد بها.
الفقرة الأولى : طرفا دعوى غرامة الحرمان:
طرفا دعوى غرامة الحرمان هما كسائر بقية الدعاوى المدعي والمدعى عليه. ويقتضي تحديد صفة كل من المدعي والمدعى عليه بعض التدقيق.
1- المدعـي:
المدعي في غرامة الحرمان هو مبدئيا المتسوغ الأصلي للمحل سواء أكان المحل أصليا أو فرعيا وفي صورة وفاته ورثته أو الموصى لهم الذين لهم باعتبارهم تواصلا لشخصه مواصلة الكراء الذي لا ينفسخ بموت المستأجر وكذلك طلب تجديد الكراء والقيام بدعوى المطالبة بغرامة الحرمان عند رفض المسوغ التجديد.
له صفة القيام بدعوى المطالبة بغرامة الحرمان أيضا المتسوغ الثاني الذي نقل إليه المتسوغ الأصلي الانتفاع بالمكرى، لكن يجب أن يستجيب كراؤه للفصل 20 من القانون عـ37ـدد لسنة 1977 الذي يحجر كل كراء ثان كامل أو جزئي إلا إذا أجازه المالك سواء صلب عقد الكراء الأصلي أو بكتب لاحق. وهذه الإجازة لا تعفي من الحصول على موافقته على المكتري الثاني بأن تقع دعوته للمشاركة في ذلك وفي صورة رفضه فإنه لا يمكن إلزامه بذلك. أما عند مخالفة أحكام الفصل 20 فإن المتسوغ الثاني ليس له معارضة المالك بسنده إلا إذا قبل التسويغ الثاني صراحة أو ضمنيا وتنتج الموافقة الضمنية من امتناعه من المشاركة في العقد بعد أن تمت دعوته من المتسوغ الأصلي.
ينتقل حق القيام بدعوى المطالبة بغرامة الحرمان إلى المحال له الذي له أن يتمسك طبقا للفصل 3 بالحقوق المكتسبة من طرف المحيل لغتمام مدة التصرف الشخصي وطلب التجديد. ويترتب عن إحالة الكراء حلول المحال له محل المتسوغ الأصلي في حقوقه والتزاماته تجاه المالك واكتاسبه بالتالي صفة المعاقد له.
تثبت الصفة في القيام بالمطالبة بغرامة الحرمان لدائني المتسوغ التاجر طبقا للفصل 306 م ا ع باعتبار ان الفصل المذكور بفقرته الثانية يجيز لهم مباشرة الدعوى المنحرفة وتتبع استخلاص ما لمدينهم من الحقوق على الغير.تثبت الدعوى ايضا لأمين الفلسة الذي يوجب عليه الفصل 492 م ت حين مباشرته لمهمته أن يقوم بجميع الاعمال اللازمة لصيانة الحقوق التي للمفلس على مدينيه.
2-المدعى عليه:
المدعى عليه هو أساسا المالك للجدران أو في صورة وفاته خلفه العام وهم ورثته أوالموصى لهم طبقا للفصل 241 م ا ع .
في صورة خروج الملك عن المسوغ اختيارا أو ببيعه جبريا يحل المشتري محل المسوغ في حقوقه والتزاماته تطبيقا للفصل 798 م ا ع الذي ينص على أن خروج الملك من يد مالكه طوعا او كرها لا يفسخ الكراء وإنما يحل المالك الجديد محل القديم فيما له وعليه من الحقوق في الكراء المذكور إن كان عقده خاليا من التدليس وله تاريخ سابق على تاريخ التفويت." أما إذا لم يكن الكراء ثابت التاريخ جاز للمالك الجديد أن يخرج المكتري من المحل بعد أن يضرب له أجلا حسب العرف.
في صورة انتزاع لمصلحة العامة فإنه يقع الرجوع على الجهة المستفيدة من الانتزاع طبقا للفصل 17 والذي يتعلق بانتزاع المحل من المسوغ بعد أن ثبت للمتسوغ الحق في المطالبة بغرامة الحرمان. وقد خول الفصل المذكور للجماعة العمومية أن تتخلص من دفع غرامة الحرمان بعرضها على التاجر محلا مماثلا كائنا بموضع المحل القديم وهو ما يفترض قيام الجهة المستفيدة من الانتزاع بالهدم وإعادة البناء.
الفقرة الثانية : أجل القيام
يتجه التمييز بين القيام بالدعوى على إثر توجيه المسوغ تنبيها للمتسوغ بإخلاء المكرى أو برفض التجديد وبين الحالات الأخرى التي يقوم فيها المتسوغ المحروم بدعواه مباشرة.
1-أجل القيام على إثر التنبيه بالخروج أو برفض التجديد
أوجب الفصل 27 من القانون عـ37ـدد لسنة 1977 بفقرته الأولى على المتسوغ الذي يريد المطالبة بغرامة الحرمان أن يرفع الأمر إلى المحكمة ذات النظر في الثلاثة أشهر الموالية لتاريخ إبلاغ الإعلام بالخروج أو لجواب صاحب الملك المنبه عليه بمقتضى الفصل الخامس. في نفس الاتجاه، نص الفصل 30 من نفس القانون على أنه إذا رفض المسوغ تجديد العقد حسب الشروط الوارد بها الفصل 28 منه فإنه يجب على المتسوغ رفع الأمر للمحكمة ذات النظر في خلال الثلاثة أشهر الموالية للإعلام برفض التجديد.
يبتدئ سريان أجل الثلاثة أشهر من اليوم الموالي لتوجيه التنبيه بالخروج للمتسوغ أو للإعلام برفض التجديد وهو ما يستفاد من استعمال المشرع لعبارة ثلاثة أشهر الموالية لتاريخ إبلاغ الإعلام بالخروج ومن تطبيق القاعدة العامة الواردة بالفصل 140 م ا ع التي تنص على أن يوم ابتداء عد مدة الأجل لا يكون معدودا منه.
يعكس هذا الأجل القصير الممنوح للمتسوغ رغبة المشرع في إنهاء النزاعات المتعلقة بالاكرية التجارية في مدة وجيزة إلا أنه قد يضر بمصلحة المتسوغ الذي قد يفوته أجل القيام لعدم تفطنه إلى توجيه التنبيه له خاصة إذا تم تبليغه إلى مخازنه على معنى الفصل 8 م م م ت ولم يتوصل ببطاقة الإعلام بالبلوغ إليه لعدم وضوح العنوان.
ما يجعل هذا الأجل قاسيا أن المشرع رتب عن فواته فقدان المتسوغ الحق في اللجوء إلى المحكمة واعتبار أنه عدل عن التحصيل عن غرامة الحرمان بالفصل 27 وسقوط حقه في المطالبة بغرامة الحرمان وهو ما يستمد منه أن أجل الثلاثة أشهر الممنوح للمتسوغ هو أجل سقوط لا يقبل القطع ولا التعليق . وقد اعتبرت محكمة التعقيب ان المتسوغ الذي اقتصر في دعواه على طلب إبطال التنبيه ولم يحرر دعواه في خصوص غرامة الحرمان إلا بعد فوات الأجل يكون قد سقط حقه في المطالبة بها . إلا أنها اعتبرت مع ذلك في القرار الصادر عنها تحت عـ5485ـدد المؤرخ في 18/11/ 1997 (غير منشور) أن قيام المتسوغ لدى المحكمة بدعوى المطالبة بغرامة الحرمان يعتبر عملا قاطعا يخوله القيام مجددا بدعوى ثانية إذا كان قيامه الأول باطلا لخلل في الإجراءات معللة قضاءها بأن عبارة فقدان حق الالتجاء إلى المحكمة يستحيل أن يفهم منها أنه بعد مرور ذلك الأجل والقيام بقضية سابقة رفضت لسبب ما لا يمكن للمتسوغ إعادة القيام وأن الفصل 541 م ا ع ينص على أنه إذا أحوجت الضرورة لتأويل القانون جاز التيسير في شدته ولا يكون التأويل داعيا لزيادة التضييق أبدا منتهية إلى أن التأويل الذي ذهبت إليه محكمة الاستئناف فيه تضييق للنص وفهم يتعارض مع القواعد العامة للقانون ومع الفصل 13 من م م م ت ومع إرادة المشرع ومع العدل والإنصاف.هذا التأويل الذي اعتمدته محكمة التعقيب يتجافى مع صريح عبارات الفصلين 27 و 30 من القانون عـ37ـدد لسنة 1977 التي رتبت عن عدم القيام في الأجل فقدان الحق في اللجوء أصلا إلى المحكمة واعتبار المتسوغ عدل عن حقه في المطالبة بغرامة الحرمان فضلا عما نص عليه الفصل 30 منه صراحة من كون المتسوغ الذي لا يقوم بدعواه في الأجل سقط حقه وهي عبارات واضحة الدلالة لا تقبل التأويل حتى يقع التيسير في شدتها. إلا أن موقف محكمة التعقيب يعبر عن عدم قناعة بالتشدد التشريعي بخصوص أجل القيام وهو ما يستشف من تذكير المحكمة بقواعد العدل والإنصاف التي غالبا ما يستنجد بها لاستبعاد تطبيق القواعد الشكلية الصارمة التي يترتب عن عدم احترامها ضياع الحق.
2-أجل القيام عند انتفاء التنبيه بالخروج
هناك حالات لا ينطبق فيها أجل القيام في ظرف الثلاثة أشهر وتتعلق معظمها بتظاهر المالك بممارسة حقه في الاسترجاع بصفة مشروعة حال أنه يضمر حرمان المتسوغ من حقه في الحصول على غرامة الحرمان والتي نص عليها الفصل 18. كذلك خول الفصل الفصل 13 للمتسوغ حق المطالبة بغرامة الحرمان في صورة إخلال المسوغ بالالتزامات المحمولة عليه عند استرجاعه المحل للسكنى بعدم إشغاله بنفسه في ظرف ستة أشهر أو عدم الاستقرار به مدة أدناها ستة أعوام.
لتحديد أجل القيام بالدعاوى المستندة إلى هذين الفصلين فإنه يجب الرجوع إلى الأحكام العامة تطبيقا للفصل 31 من القانون عـ37ـدد لسنة 1977. ونظرا إلى أنها لا تدخل في دعاوى المكتري على المكري المنصوص عليها بالفصل 766 م ا ع فإنها تسقط بمضي مدة خمسة عشر عاما طبقا للفصل 402 م ا ع وييتدئ سريان التقادم من اكتشاف التحيل.
بالنسبة للمطالبة بغرامة الحرمان في صورة الانتزاع لفائدة المصلحة العامة فإنها تخضع ..
الفقرة الثالثة : الاختصاص بنظر الدعوى
الاختصاص هو السلطة المخولة لمحكمة ما بالتعهد بالنزاع والبت فيه وهو نوعان حكمي وترابي مما يتجه معه التعرض أولا إلى الاختصاص الحكمي بنظر دعوى المطالبة بغرامة الحرمان وثانيا إلى المحكمة المتعهدة ترابيا بها.
1الاختصاص الحكمي:
تنظم قواعد الاختصاص الحكمي كيفية توزيع القضايا بين مختلف أصناف المحاكم. لم يسند قانون الاكرية التجارية في هذا الشأن اختصاص النظر بدعوى غرامة الحرمان إلى محكمة بذاتها وإنما اوجب بالفصلين 27 و 30 على المتسوغ الذي يريد المطالبة بها رفع الامر للمحكمة ذات النظر وهو ما يعد إحالة من طرف المشرع للأحكام العامة في توزيع الاختصاص بين المحاكم وتحديدا للفصل 21 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية الذي نص على ان " مرجع النظر في القضايا يتحرر بمقتضى طبيعة الدعوى ومقدار المال المطلوب فيها."
لا تخرج دعوى غرامة الحرمان طبقا للفصل 20 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية من حيث طبيعتها عن كونها دعوى شخصية لاستنادها إلى حق شخصي وهي من قبيل الدعاوى المقدرة باعتبار أن الطلب فيها مقدار من المال ولا يمكن بالتالي اعتبارها لا من قبيل الدعاوى غير المقدرة التي يكون الطلب فيها غير مقدر بمال أو من قبيل الدعاوى القابلة للتقدير والتي تكون فيها قيمة الشيء المتنازع فيه غير معينة ولكن ممكن تعيينها حسبما يقتضيه اجتهاد المحكمة.
يعود الاختصاص الحكمي بالتالي بنظر الدعوى إلى محكمة الناحية إذا لم يتجاوز المقدار المطلوب السبعة آلاف دينار طبقا للفصل 39 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية في حين ينعقد الاختصاص للمحكمة الابتدائية إذا تجاوز الطلب هذا المقدار وعندئذ يثار مشكل توزيع الاختصاص بين الدائرة المدنية والدائرة التجارية. تطبيقا للفصل 40 م م م ت فإن اختصاص الدوائر التجارية بنظر دعاوى المطالبة بغرامة الحرمان لا ينعقد إلا متى توفرت في المدعي والمدعى عليه صفة التاجر وكان النزاع متعلقا بنشاطهما التجاري وهو ما لا يتحقق إلا إذا كان المسوغ قد اتخذ له حرفة كراء العقارات طبقا للفصل 4 من المجلة التجارية. فيما عدا ذلك فإن الاختصاص بنظر دعوى غرامة الحرمان قاصر على الدوائر المدنية بالمحكمة الابتدائية إذا تجاوز المقدار المطلوب السبعة آلاف دينار.يبدو ان محاولة المشرع تبسيط الإجراءات بالإحالة على الأحكام العامة أعطت نتيجة عكسية وهو ما تبرزه الصعوبات التي أثارها تحديد المحكمة التي سيقع عرض النزاع عليها. إذ غالبا ما يسعى المتسوغ إلى المنازعة في صحة التنبيه وفي نفس الوقت عدم التفويت على نفسه حق المطالبة بغرامة الحرمان وهو ما يضطره إلى القيام بدعوى في إبطال التنبيه أمام قاضي الناحية باعتبار ان مقدار الكراء السنوي لا يتجاوز غالبا حدود نظره وبدعوى في المطالبة بغرامة الحرمان أمام المحكمة الابتدائية لتجاوز المبلغ المطلوب السبعة آلاف دينار وهو ما يترتب عنه تعطيل النظر في دعوى غرامة الحرمان إلى حين البت في دعوى البطلان. وقد لجأ بعض المتقاضين تفاديا لغطالة النزاع إلى القيام بدعوى واحدة امام المحكمة الابتدائية في المطالبة بصفة أصلية بإبطال التنبيه وبصورة احتياطية بغرامة الحرمان. لكن هذا الحل لم تأخذ به بعض المحاكم التي قضت برفض الدعوى بناء على ان الطلب الأصلي المتمثل في إبطال التنبيه يتحدد مرجع النظر فيه بقيمة الكراء السنوي وهو من أنظار قاضي الناحية لعدم تجاوزه مقدار حدود نظره وأنه لا يمكنها التعهد به والبت فيه دون مخالفة قواعد الاختصاص الحكمي ولو تجاوز الطلب الاحتياطي المتعلق بغرامة الحرمان السبعة آلاف دينار . إلا أن هذا الاتجاه لقي تأييد محكمة التعقيب بدوائرها المجتمعة التي اعتبرت أنه إذا كانت الدعوى شاملة لعدة فروع ناشئة عن سبب واحد فإن تلك الفروع تضاف لبعضها لتحديد مرجع النظر ودرجة الحكم وان عبارة الفصل 25 من م م م ت جاءت عامة ومطلقة والمطلق يؤخذ على إطلاقه تطبيقا للفصل 533 م ا ع."لا يبدو استناد محكمة التعقيب في تعليلها لقضائها للفصل 26 م م م ت وجيها ذلك أن الفصل المذكور يتحدث عن فروع الدعوى التي إنما تتعلق جميعها بطلبات أصلية يمكن إضافتها لبعضها لتحديد المرجع الحكمي بما أن المدعي يدعي استحقاقها كلها في حين أن إبطال التنبيه وغرامة الحرمان لا يمكن ضمهما لبعضهما بما أن الطلب الأول أصلي والثاني احتياطي فإذا ثبت للمحكمة بطلان التنبيه اقتصرت على التصريح به ولم تتجاوزه للنظر في غرامة الحرمان التي زال بالتالي سبب استحقاقها. لكن يجد موقف محكمة التعقيب ما يبرره في حفظ مصالح الخصوم وتجنب ارهاقهم بالمصاريف وإطالة النزاعات وكذلك في ضمان حسن سير القضاء بتجنب صدور أحكام متناقضة . ولعل تدخلا تشريعيا بإسناد اختصاص نظر دعاوى الملك التجاري إلى المحكمة الابتدائية حفظا لحقوق المتقاضين الذين يفقدون في صورة رفض دعواهم حق اللجوء مجددا للمحكمة ترتيبا لسقوط حقهم في القيام خاصة أن مثل هذا الحل ليس من شأنه إرهاق المحاكم الابتدائية لعدم تضخم عدد هذه القضايا فضلا عن أن معظم الاصول التجارية تتركز بالمدن ولا مبرر للتمسك بالتوجه المتمثل في تقريب القضاء إلى المتقاضين لندرة تعهد محاكم النواحي بمثل هذه النزاعات.
2-الاختصاص الترابي
يهم الاختصاص الترابي تحديد المحكمة التي يجب عرض النزاع عليها من بين جميع المحاكم من نفس النوع والدرجة وهو يتعلق بمصلحة الخصوم فيما عدا الحالات التي يفرض فيها حسن سير القضاء أو مصلحة الطرف الضعيف عرض النزاع على محكمة بذاتها.
أسند المشرع في هذا الصدد الاختصاص الترابي بنظر النزاعات التي ترجع إلى رئيس المحكمة الابتدائية بالجهة الكائن بها العقار وأحال تحديد الاختصاص بالنسبة للقضايا الراجعة بالنظر إلى محاكم الحق العام والتي من بينها دعاوى غرامة الحرمان إلى أحكام القانون العام التي تقضي بإسناد النظر في الدعوى إلى المحكمة التي بدائرتها المقر الأصلي للمطلوب لرفع العناء عنه لتمتعه بقرينة براءة الذمة وهي القاعدة التي تضمنها الفصل 30 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية. ويترتب عن العمل بذه القعدة عرض النزاع على المحكمة التي يوجد بدائرتها مقر المطلوب ولو كان المحل الذي في تسوغ المدعي خارجا عن دائرة نظرها ويكون بذلك المشرع قد آثر مصلحة المطلوب على مصلحة القضاء التي تقتضي إسناد الاختصاص للمحكمة القريبة من العقار المستغل به الأصل التجاري لما يقتضيه سير الدعوى من تكليف للخبراء لتقدير غرامة الحرمان. إلا أن عمل المحاكم تطور نحو التخلي عن اعدة مقاضاة المطلوب بمقره لتقر محكمة التعقيب بدوائرها المجتمعة ... معللة قضاءها بان .. وهذا نفس الحل الذي كان معتمدا في ظل الامر العلي المؤرخ في 27/12/1954 والذي تخلى عنه المشرع عند سنه للقانون عـ37ـدد لسنة 1977.
الفرع الثاني: تقدير غرامة الحرمان
وضع المشرع مبادئ توجيهية للتقدير لم تمنع من ظهور صعوبات عملية.
الفقرة الأولى - المبادئ التوجيهية
لا تثني غرامة الحرمان المسوغ عن قراره رفض التجديد إلا إذا عادل مبلغها قيمة الضرر الذي سيلحق المتسوغ المحروم وأفقرته بقدر ما توقع الإثراء به من استئثاره بالأصل التجاري المستغل بالمحل وهو ما يفترض التقيد بمبدإ التعويض عند تحديد عناصر الضرر وزمن تقديره.
1- مبدأ معادلة غرامة الحرمان للضرر:
سعى المشرع من خلال سنه للقانون عـ37ـدد لسنة 1977 إلى درء الضرر عن المتسوغ المحروم بأن فرض على المالك بالفصل 7 فقرة أولى منه بأن يدفع له " منحة تعرف بمنحة الحرمان تساوي الضرر الحاصل بسبب عدم التجديد" وفي ذلك تكريس من المشرع لمبدإ التعويض الذي يفترض أن تعادل الغرامات الضرر كل الضرر ولا شيء أكثر من الضرر . لكن هذه الفقرة على وضوح عباراتها لم تبدد كل الغموض حول عناصر الضرر المعتمدة عند احتساب التعويض ويعود ذلك إلى ما تضمنته الفقرة التي تليها من أن غرامة الحرمان تشمل " بالخصوص قيمة الأصل التجاري عند التعامل (...) تضاف إليها المصاريف العادة للنقل والانتصاب من جديد وكذلك المصاريف ومعاليم التسجيل الواجب دفعها في صورة شراء أصل تجاري له نفس القيمة." فهل قصد المشرع وضع حد أدنى لا يمكن النزول دونه لغرامة الحرمان التي يجب أن تعادل قيمة الأصل التجاري فلا تقل عنها ؟
يفضي الجواب عن هذا السؤال بالإقرار إلى القول بأن غرامة الحرمان من الممكن أن يتجاوز مقدارها حجم الضرر الحقيقي اللاحق بالمتسوغ المحروم إذا ثبت أنه احتفظ بأصله التجاري رغم خروجه من المكرى وهو ما لا يمكن الأخذ به لمخالفته قواعد التأويل التي تقضي بأن المشرع لا يناقض نفسه، فضلا عن تأكيد المشرع تمسكه بمبدإ التعويض بالفصل 18 من نفس القانون الذي أوجب على المالك الذي لا يستعمل الحقوق التي منحها له الفصل 8 أن يدفع للمتسوغ " غرامة تساوي ما لحقه من ضرر." يضاف إلى ذلك أن هذا الموقف يتجاهل الاختلاف في الصياغة بين الفقرة الثانية من الفصل 8 قديم من الأمر العلي المؤرخ في 27/12/1954 التي كانت تنص على أن على " المنحة المذكورة تكون على الأقل مساوية لقيمة الأصل التجاري وبين صياغة الفصل 7 الذي اكتفى بالتنصيص على أن غرامة الحرمان تشمل بالخصوص قيمة الأصل التجاري.
لم يعرف مع ذلك مبدإ التعويض تكريسا واضحا ومبدئيا في فقه قضاء محكمة التعقيب. ففي قرارها عـ9785ـدد المؤرخ في 22/03/1984 استخلصت محكمة التعقيب بعد التذكير بعبارات الفصل 7 من قانون الأكرية التجارية أنه " يؤخذ من صريح هذا النص القانوني أن منحة الحرمان يراعى أولا وبالذات في تقديرها جميع أصول الخسارة التي تلحق المتسوغ والربح الذي سيحرم منه بسبب الحرمان من التجديد ولا تكون المنحة مبدئيا أقل من قيمة الأصل التجاري" وهو موقف ينسجم مع مبدإ التعويض لتأكيد محكمة التعقيب على أن غرامة الحرمان لا تكون " مبدئيا " أقل من قيمة الأصل التجاري وهو ما يفهم منه تمتع المتسوغ بقرينة مفادها أن رفض التجديد يفقده أصله التجاري وأن للمالك دحضها بإثبات أن المتسوغ حافظ على أصله التجاري وأن التعويض لا يمكن أن يشمل قيمته. إلا أن محكمة التعقيب أوردت حيثية أخيرة بقرارها مناقضة للأولى جاء بها أن " موقف محكمة الاستئناف لم يحالفه التوفيق طالما كانت تقديرات الاختبار مبنية على الخسارة المتوقعة للمتسوغ وعلى الربح الذي سيحرم منه يسبب الحرمان من التجديد وهي العناصر التي أوجب الفصل 7 مراعاتها لتقدير غرامة الحرمان التي لا تكون في أي حال من الأحوال أقل من قيمة الأصل التجاري بغض النظر عن ملكية المتسوغ لمحل آخر له نفس النشاط من عدمه."
اعتمدت محكمة التعقيب موقفا مشابها في قرارها عـ18055ـدد المؤرخ في 20/12/1989 الذي نقضت بموجبه قرار محكمة الاستئناف بالمنستير القاضي القاضي بالتخفيض في غرامة الحرمان المحكوم بها ابتدائيا للمتسوغ بمقولة أن " الفقرة الثانية من الفصل 7 من قانون الملك التجاري عرفت منحة الحرمان بأنها تشمل بالخصوص قيمة الأصل التجاري .." حال أن الفقرة المذكورة لم تتضمن تعريف غرامة الحرمان وإنما أوردت على سبيل الذكر العناصر التي قد تشملها.
يوحي موقف محكمة التعقيب بأن غرامة الحرمان أساسها الخطأ حال أن رفض المالك تجديد الكراء حق يقره القانون وصلاحية يكفلها حق الملكية ولا يمكن اعتباره من قبيل الخطإ أو حتى من قبيل التعسف في استعمال الحق ولا يمكن الاستدلال على خلاف ذلك بغرامة الحرمان التي يحمل عليه دفعها للمتسوغ بما أن دفع الغرامة التزام فرضه القانون لمنع إثراء المالك على المتسوغ المحروم دون سبب.
2-عناصر الضرر:
يقتضي مبدإ التعويض أن تعيد غرامة الحرمان التوازن المختل بسبب رفض المالك تجديد الكراء وأن تضمن للمتسوغ على نفقته الحفاظ على نفس الوضع الذي من المفروض أن يكون عليه لو تجدد الكراء وهو ما يوجب تشخيص هذه الغرامة بحسب الظروف الخاصة بكل متسوغ .
يميز الفقه في هذا الصدد بين ما إذا كان عدم التجديد يؤدي إلى اضمحلال الأصل التجاري أو إلى مجرد نقل استغلاله من محل إلى آخر. يستحق المتسوغ المحروم في الفرضية الأولى غرامة بديلة عن الأصل التجاري تشمل قيمته عند التعامل ومصاريف النقل والانتصاب بالمحل الجديد علما وأن المشرع يضع قرينة بسيطة مفادها أن التجديد يترتب عنه اضمحلال الأصل التجاري وبالتالي فإنه لا يحمل على المتسوغ إثبات فقدانه لحرفائه وإنما يعود للمالك إقامة الحجة على أن المتسوغ قد حافظ عليهم للتخلص من دفع هذه الغرامة. أما في الفرضية الثانية فإن المتسوغ يستحق غرامة تنقل تشمل المصاريف التي سيبذلها لنقل أصله التجاري من المحل الذي حرم منه والانتصاب بالمحل الجديد. وتجد هذه التفرقة أساسا لها في القانون عـ37ـدد لسنة 1977 بالفقرة الثانية من الفصل 7 منه التي تشير إلى الغرامة البديلة عن الأصل التجاري المضمحل وكذلك الفقرة الثانية من الفصل 17 التي يفهم منها أنه في صورة استقرار المتسوغ بمحل مماثل ومجاور للمحل الذي حرم منه فإنه لا يستحق إلا غرامة عبر عنها المشرع بالتعويضية لقاء عدم تمكنه وقتيا من التصرف وعند الاقتضاء لتراجع قيمة الأصل التجاري وكذلك المصاريف المتعلقة بنقل الأثاث وانتصابها من جديد.
النزول عند الوقائع يمكن من التمييز بين عدة وضعيات وفرضيات:
1-فقد لا يترتب عن عدم التجديد سوى مغادرة المتسوغ للمكرى دون أن يؤثر ذلك على وجود الأصل التجاري أو قيمته أو تواصل نشاطه وحجمه كما هو الشأن عندما يسارع المتسوغ إلى شراء أو كراء محل ثان بمجرد بلوغ التنبيه بالخروج إليه والانتقال إليه أو تعلق الكراء بمحلات تابعة للمحل الأصلي المستغل به الأصل التجاري معدة لخزن البضائع أو المعدات والتي لا يقع فيها استقبال الحرفاء. يمكن أن تشمل غرامة الحرمان في هذه الحالة :*قيمة الحق في الإيجار*قيمة التحسينات أو البناءات التي أقامها المتسوغ بالعقار*مصاريف النقل والانتصاب بالمحل الجديد2-لكن قد لا يتسنى للمتسوغ التهيؤ للخروج من المكرى قبل حصوله على غرامة الحرمان وهو ما قد يضطره إلى تقليص نشاطه أو الانقطاع عنه مؤقتا طيلة الفترة الانتقالية الفاصلة بين إخراجه من المكرى وانتصابه بالمحل الجديد. يستحق المتسوغ في هذه الحالة علاوة على ما ذكر أعلاه:*الأرباح التي حرم منها بسبب الانقطاع عن نشاطه*المصاريف التي تحملها لحفظ محتويات المحل*الخسائر التي تكبدها جراء تلف بضائعه التي لا تقبل الحفظ أو تفريطه فيها بثمن بخس مخافة تلفها أو كسادها.*الغرامات التي اضطر إلى دفعها بسبب التأخير أو عدم تنفيذ العقود الجارية التي أبرمها.*النقص في القيمة الذي قد يكون لحق الأصل التجاري جراء نقله من المحل المستغل به3- عندما لا يتهيأ للمتسوغ الانتصاب بمحل مجاور للمحل المستغل به الأصل التجاري وفقد نتيجة ذلك حرفاءه وجب أن تكفل غرامة الحرمان للمتسوغ المحروم اكتساب أصل تجاري بديل تعادل مداخيله تلك التي كان سيحققها لو احتفظ بأصله التجاري القديم. تشمل غرامة الحرمان في هذه الحالة علاوة على المصاريف أو الخسائر التي قد يتكبدها المتسوغ خلال الفترة الانتقالية التي تفصل خروجه من المكرى وانتصابه بالمحل الجديد قيمة الأصل التجاري تضاف إليها المصاريف العادية للنقل والانتصاب من جديد وكذلك مصاريف ومعاليم تسجيل شراء الأصل التجاري الجديد.4- إذا ترتب عن إخراج المتسوغ من المكرى اضمحلال الأصل التجاري دون امكانية الانتصاب مجددا وبالتالي انقطاعه كليا عن النشاط فإنه يمكن أن تشمل غرامة الحرمان في هذه الحالة الغرامات التي يتوجب على المتسوغ دفعها لعملته .يثور التساؤل أخيرا عما إذا كان إخراج المتسوغ من المحل الأصلي وانقطاعه كليا عن النشاط يجعله محقا في طلب غرامة الحرمان عن إخلائه بصفة تبعية للمحلات الفرعية التي في تسوغه؟ هذه الامكانية تبدو واردة عندما تكون المحلات الفرعية على ملك المسوغ للمحل المستغل به الأصل التجاري. لكن يمكن أيضا تصور رجوع المتسوغ على مالك المحل الأصلي بالتعويضات الناجمة عن حرمانه بصفة فرعية عن استغلال المحلات الفرعية إذا ثبت أن المسوغ على بينة من حجم نشاطه ومن المحلات المستغل بها. ويمكن اعتماد نفس الحل في صورة إخراج المتسوغ من المحل التابع ولو لم يكن على ملك المسوغ للمحل الأصلي إذا ترتب عنه اضمحلال الأصل التجاري بما أن المشرع يشترط لانطباق نظام الأكرية التجارية عليه في صورة تعدد المالكين أن يكون مالك المحل التابع على بينة من نية المتسوغ استعماله مع المحل الأصلي.
2- زمن تقدير الضرر:
هل يعتد في تقدير الضرر تاريخ انتهاء العلاقة التسويغية أم تاريخ تعهد المحكمة أم تاريخ تحقق الضرر؟ يقتضي مبدأ التعويض تقدير الضرر عند تحققه وهو ما يوافق في صورة المطالبة بغرامة الحرمان تاريخ إخراج المتسوغ من المكرى. وتعمل هذه القاعدة في مصلحة الطرفين المتسوغ الذي يمكنه إثبات أن الأصل التجاري ازدادت قيمته وازدهر نشاطه مقارنة بما كان عليه في تاريخ انقضاء العلاقة التسويغية وكذلك في مصلحة المالك الذي يمكنه إقامة الحجة على أن الأصل التجاري تراجعت منذ ذلك التاريخ قيمته وتقلصت مداخيله .
ويمكن تصور تعهد المحكمة بتقدير غرامة الحرمان بصورة لاحقة أو متزامنة لتحقق الضرر إذا أخلى المتسوغ المحل بصفة اختيارية قبل ذلك التاريخ أو تولى المالك إخراجه منه بعد دفع الغرامة الوقتية المنصوص عليها بالفصل 19 من القانون عـ37ـدد لسنة 1977 أو في صورة قيام المتسوغ بالمطالبة بغرامة الحرمان على إثر إخراجه من المكرى بسعي من المالك الذي يثبت لاحقا أنه لم يستعمل الحقوق المقررة له بالفصل 8 إلا لحرمان المتسوغ بطريق التحيل من حقه في التجديد وكذلك في صورة الانتزاع لفائدة المصلحة العامة وقيام الجهة المنتفعة من الانتزاع بتأمين الغرامة الوقتية على ذمة المتسوغ.
يمكن أيضا تصور إخلاء المتسوغ المكرى بعد صدور الحكم الابتدائي وأثناء تعهد محكمة الاستئناف بالنزاع والتي يمكنها تعديل الغرامة المحكوم بها ابتدائيا ترفيعا أو تخفيضا بحسب ما طرأ على قيمة الأصل التجاري من زيادة أو نقص كل ذلك في حدود ما يجيزه مبدإ المفعول الانتقالي للاستئناف والذي يحجر على المحكمة الترفيع في الغرامة بأكثر من طلبات المتسوغ المحررة بالطور الابتدائي ولو ثبت لها أن الضرر عند تحققه يتجاوز حجمه غرامة الحرمان المحكوم بها أو عناصره تلك المعتمدة من قبل محكمة البداية.
واقعا، غالبا ما يتم البت في النزاع قبل التحقق من حصول الضرر، إذ أن المتسوغ ملزم قانونا بالقيام لدى المحكمة في أجل الثلاثة أشهر الموالية لتوصله بمحضر التنبيه بإنهاء العلاقة التسويغية وليس من تاريخ مغادرته للمكرى الذي له قانونا الاستمرار على إشغاله إلى حين توصله بغرامة الحرمان وهو ما قد يترتب عنه الإخلال بمبدإ وجوب معادلة التعويض للضرر الذي قد يتغير ارتفاعا أو انخفاضا بحسب الظروف بل إن عمل المحاكم يبرز اعتمادها انتهاء التسويغ تاريخا لتقدير الضرر وهو ما يباعد بين التقدير وتحقق الضرر الذي لا يمكن للمتسوغ المطالبة بالتعويض عن تفاقم نتائجه بما أن اشتراط القيام في ظرف ثلاثة أشهر من توصله بالتنبيه يمثل عائقا إجرائيا يحول دون قبول دعواه.
الفقرة الثانية- الصعوبات العملية
قد يتم تعويض الضرر اللاحق بالمتسوغ بأن يعرض عليه المالك كراء محل مجاور للمحل المستغل به الأصل التجاري وبنفس مواصفاته. إلا أن هذه الفرضية نادرا ما تحصل في الواقع إذ فضلا عن كونها تفترض توفير المسوغ لمحل ثان مجاور للأول، فإنه لا يمكن إجبار المتسوغ على القبول بذلك إلا متى تعلق الأمر بانتزاع للمصلحة العامة إذ يجوز في هذه الحالة فحسب للجهة التي تم الانتزاع لفائدتها أن تعرض على المتسوغ طبقا للفصل 17 من القانون عـ37ـدد لسنة 1977 عقارا مماثلا كائنا بموضع المحل القديم أو بجواره. فيما عدى ذلك، فإن المتسوغ محق في المطالبة بتعويض نقدي للضرر الذي لحقه بسبب عدم التجديد وهو ما يثير عديد الصعوبات العملية في احتساب الغرامة التي يستحقها.تعهد المحاكم تقدير هذه القيمة لخبراء عدليين مختصين في الأكرية التجارية دون أن تكون مقيدة بأعمالهم طبقا للفصل 112 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية ولها بالتالي اعتماد أو التخفيض أو الترفيع في المبلغ المقترح من طرفهم على ضوء العناصر المعروضة عليها شريطة التعليل المستساغ .لا تطرح بعض فروع الخسارة مشكلا في تقديرها:*فالتحسينات أو البناءات التي يحدثها المتسوغ بالعقار يمكن احتسابها بتقدير قيمة مواد البناء وأجرة اليد العاملة المبذولتين في إنجازها. أما مصاريف حفظ السلع والمعدات فيمكن تقديرها اعتمادا على الأجرة اليومية أو الشهرية المضمنة بعقود الوديعة أو كراء المخزن أو المخازن الموضوعة بها وعند الاقتضاء بالاعتماد على الأسعار المعمول بها في المحلات المماثلة ضارب الفترة الانتقالية المتوقعة بين خروج المتسوغ من المكرى وحصوله على محل ثان.* فيما يتعلق بالبضائع التي تمت تصفيتها خشية التلف أو الكساد فإنه يقع تقدير الخسارة باحتساب الفارق بين ثمن بيعها جزافا ومتحصل أثمان بيعها لو تم التفويت فيها بالتفصيل أو في ظروف عادية.* أما بالنسبة لمصاريف تحرير عقد بيع الأصل التجاري فإنه لم يصدر عن الهيئة الوطنية للمحامين قائمة في ضبط الأتعاب الدنيا للمحامين يمكن للخبير الرجوع لها عند التقدير.* مصاريف التسجيل تحتسب بضرب قيمة الأصل التجاري الذي سيقع شراؤه في نسبة 2.5 %تكمن الصعوبة في المقابل في كيفية تقدير قيمة الأصل التجاري. نص الفصل 7 من القانون عـ37ـدد لسنة 1977 بفقرته الثانية في هذا الخصوص على أن غرامة الحرمان تشمل قيمة الأصل التجاري عند التعامل وحدد طريقة ضبط هذه القيمة بحسب تقاليد المهنة.تعني القيمة عند التعامل الثمن المفترض للأصل التجاري لو تم بيعه طبقا لقاعدة العرض والطلب وهي توجب تقديرا جزافيا لقيمة الأصل التجاري وليس تقديرا تفصيليا يعتمد متحصل تصفية كل عنصر من عناصره بصفة مستقلة.أما تقاليد المهنة فإنها تحيل إلى ما جرى العمل به في تقدير قيمة الأصول التجارية بحسب النشاط المستغل وموقع المحل ضمن جداول موضوعة سلفا اعتمادا على معدل رقم المعاملات المحقق خلال السنوات الأخيرة ضارب نسب متفاوتة.لكن لا يبدو لتقاليد المهنة أثر في أعمال الخبراء التي لا تشير إلى وجود جداول أو طرق معتمدة لاحتساب قيمة الأصل التجاري علما وأن هذه الجداول يجد اعتمادها انتقادا لأنها تعتمد رقم المعاملات معيارا لضبط قيمة الأصل التجاري حال أن رقم المعاملات وحده لا يعكس موازنة الأصل التجاري ولا يكشف ما إذا كان حقق ربحا أو تكبد خسارة فضلا عن أن هذه الجداول لا تأخذ بخصوصية كل جهة أو موقع ولا يتم تحيينها بانتظام وهو ما يصيبها بالجمود لعدم مواكبتها للتغيرات الاقتصادية .في غياب المرجع الذي أحال إليه المشرع يحرم الخبير من أداة قانونية لاحتساب قيمة الأصل التجاري خاصة وأنه يصعب اعتماد قيمة الأصول التجارية المماثلة باعتبار أن الأثمان المصرح بها في عقود البيع تغلب عليها الصورية فضلا عن أنه قد يتعذر ماديا على الخبير الحصول عليها بالنظر إلى أن القانون لا يوجب أصلا التنصيص على الثمن بمضمون إشهار بيع الأصول التجارية وهو ما يفرض على الخبير الاعتماد على مجهوده الشخصي للتحقق من القيمة المتداولة بالسوق بالاستعانة بحزمة من المؤشرات الأخرى التي يمكن له استقاؤها من التشريع أو من جريان العمل. فقد أورد المشرع بالفصل 22 من القانون عـ37ـدد لسنة 1977 المتعلق بتقدير القيمة العادلة عدة معايير يمكن للخبير أن يستعين بها عند تقديره للقيمة الكرائية للمحل خاصة وأن هذه القيمة مؤشر هام لاحتساب قيمة الحق في الإيجار الذي قد يمثل أهم عنصر في غرامة الحرمان خاصة عندما يتعلق الحال بغرامة نقلة أو تعويض عن أصل تجاري ضعيف المردودية ومستغل بمحل كائن بمنطقة مزدهرة يكثر الطلب فيها على المحلات التجارية. وتتمثل هذه المعايير التي أوردها المشرع بالفصل 22 المذكور في:-مساحة المحل وحالته-النشاط المستغل بالمحل-مساحة المحلات الفرعية المعدة لسكنى المتسوغ أو أعوانه-العناصر التجارية أو الصناعيةتضمن الفصل 190 من المجلة التجارية المتعلق بالتنصيصات الوجوبية لصحة بيع الأصل التجاري أيضا مؤشرات تساعد المشتري على التحقق من قيمة الأصل التجاري يمكن للخبير بدوره الاستعانة بها عند تقديره لقيمة الأصل التجاري وذلك بأن أوجب تضمين العقد رقم العمليات التي باشرها التاجر في كل سنة من السنوات المالية الثلاثة الأخيرة أو من تاريخ الإحالة إذا كان استغلاله لم يمض عليه ثلاث سنوات والأرباح التي حصل عليها في نفس المدة وعند الاقتضاء كراء المحل وتاريخه ومدته ومبلغ الكراء الحالي. وقد اعتبرت محكمة التعقيب في قرارها عـ3390ـدد المؤرخ في 14/12/2000 أن تصاريح الدخل للسنوات الثلاثة الأخيرة هو المقياس الموضوعي الأنسب في تقدير الغرامة .
تساعد جميع هذه المؤشرات الخبير في تقدير قيمة الأصل التجاري لكنها لا تحل مع ذلك جميع الصعوبات إذ غالبا ما لا يمسك المتسوغ محاسبة من أصله كما أن رقم معاملاته وأرباحه المصرح بها للقباضة المالية نادرا ما تعكس حقيقة نشاطه بما أنه يقع تضخيم المصاريف وتقليص المرابيح تهربا من الأداء وهو ما يجعل المتسوغ نفسه يرفض الإدلاء بهذه التصاريح أو اعتمادها لتقدير قيمة الأصل التجاري. ولا يبدو أيضا أن فقه القضاء يفرض على الخبير التقيد بتصريحات الدخل أو أنه يقيد المتسوغ بها إذ العبرة في قيمة الأصل التجاري عند التعامل والتي يطلب من الخبير تقديرها على ضوء جميع العناصر المتوفرة لديه.
الفرع الثالث: دفع غرامة الحرمان
لازم المسعى التوفيق بين مصلحة المالك ومصلحة المتسوغ أحكام القانون عـ37ـدد لستة 1977 حتى دفع الغرامة بأن اقر للمتسوغ حق البقاء في المكرى إلى حين قبضها وخول المسوغ من الرجوع في التنبيه الصادر عنه بإنهاء العلاقة التسويغية او برفض التجديد
الفقرة الأولى : حق البقاء بالمكرى
يفرض الفصل 779 م ا ع على المتسوغ تسليم المكرى للمالك عند انتهاء مدته بما انه يفقد سند إشغاله له. ويفضي انطباق هذا الفصل على الكراء التجاري إلى تخويل المالك من إخراج المتسوغ من المكرى بحلول الأجل المنصوص عليه بالتنبيه وقبل دفع غرامة الحرمان وهو ما من شأنه أن يعكر في وضعيته لخسارته أصله التجاري وعدم قبضه في نفس الوقت الغرامة التي تكفل له الانتصاب من جديد. لهذا أقصى المشرع تطبيق الفصل المذكور في علاقة المتسوغ التاجر بالمالك بأن نص بالفصل 19 من القانون عـ37ـدد لسنة 1977 على أنه " لا يجوز إجبار أي متسوغ يمكنه ادعاء استحقاقه لغرامة الحرمان أو لإحدى الغرامات المنصوص عليها بالفصلين 9 و 16 من هذا القانون على الخروج من المحلات قبل اتصاله بالغرامة ويكون بذلك المشرع قد أقر للمتسوغ بحق شبيه بحق الحبس يتمثل في البقاء بالمكرى إلى حين قبضه لغرامة الحرمان. ولا يشترط المشرع لانتفاع المتسوغ بحق البقاء أن يكون استحقاقه للغرامة ثابتا وهو ما توحي به عبارات الفصل 19 الذي حجر إجبار أي متسوغ يمكنه ادعاء الحق في غرامة الحرمان من المحل ويكفي بالتالي للمتسوغ القيام بدعواه في الأجل لمواصلة إشغاله.
ويعتبر حق البقاء بالمكرى إلى حين قبض غرامة الحرمان خيارا في منفعة المتسوغ الذي له أن يمارسه أو أن يعدل عنه. إلا أن المحكمة الابتدائية بصفاقس اتخذت موقفا مغايرا بان اعتبرت ان الحكم القاضي بغرامة الحرمان يشتمل على فرعين أحدهما في مصلحة المالك المتعلق بإلزام المتسوغ بالخروج من المكرى والآخر في مصلحة المتسوغ ويقضي بان يدفع له المالك الغرامة وعليه فإن طلب تنفيذ الحكم مرتبط برغبة المالك وإرادته غلا أن محكمة الاستئناف نقضت قضاءها وأيدتها في ذلك محكمة التعقيب التي اعتبرت أن تعليق دفع غرامة الحرمان على تنفيذ الحكم من المالك في فرعه القاضي بالخروج لم يبق له موجب طالما أن المتسوغ بارح المكرى وتسوغ محلا آخر . ويمكن اعتماد نفس الحل حتى في صورة بقاء المتسوغ بالمكرى وعدم تسويغه محلا ضرورة انه لا يمكن حرمانه من حقه في التنفيذ جبريا على مكاسب المالك الذي له حينئذ استرجاع عقاره فضلا عن أن الحل الموقف الذي اتخذته المحكمة الابتدائية بصفاقس من شأنه أن يضر بالمتسوغ ويفرض عليه مواصلة الانتصاب بالمحل حال أن بقاءه فيه أصبح ظرفيا ورهين إرادة المالك وهو ما لا يخوله مواصلة تجارته او تنميتها.
لكن إذا اختار المتسوغ البقاء بالمحل، فإنه يحمل عليه طبقا للفصل 19 الالتزام ببنود وشروط عقد الكراء الذي انقضى امده ويقر فقه القضاء الفرنسي في صورة إخلاله بواجباته الحق للمالك في طلب الفسخ أو معاينة الفسخ وكذلك الرجوع في عرضه دفع غرامة الحرمان والتنبيه على المتسوغ من جدد بإنهاء الكراء لوجود سبب خطير وجدي . كما يحمل على المتسوغ طيلة إشغاله للمكرى دفع غرامة تصرف لقاء انتفاعه به.في مواجهة حق البقاء، اقر المشرع للمسوغ الحق في أن يطلب إخراج المتسوغ من المحل بعد دفع غرامة وقتية تخصم من مقدار الغرامة النهائية يقدرها رئيس المحكمة الابتدائية الذي يرفع إليه الأمر ويقضي فيه طبق الشروط المنصوص عليها بالفصل 28 والذي يوجب القيام أمام رئيس المحكمة التي بدائرتها المحل المستغل به الأصل التجاري الذي يفصل في الدعوى طبق الإجراءات المعمول بها في القضاء الاستعجالي باستثتاء الاستدعاء للجلسة الذي يجب أن يبلغ للمتسوغ ثمانية أيام قبل موعد الجلسة. ويحق للمتسوغ استئناف الحكم الاستعجالي إذا ظهر له أن الغرامة الوقتية المحكوم بها لفائدته زهيدة مع ضمان الاستمرار على إشغال المكرى بما أن الاستناف يوقف التنفيذ طبق الفصل 28. لكن لم يبين المشرع معايير تقدير هذه الغرامة ولا الأعمال الاستقرائية المتبعة لاحتسابها وهوما من شأنه أن يفرغ حق المتسوغ في البقاء خاصة إذا كانت الغرامة الوقتية زهيدة ولاتكفل للمتسوغ الانتصاب بمحل جديد.
الفقرة الثانية- الحق في العدول
رغم ان التنبيه يعتبر تصرفا قانونيا من جانب المالك يعبر عن إرادته في فسخ العلاقة الكرائية فقد خوله المشرع امكانية التراجع فيه وهو ما يستفيد منه الطرفان المتسوغ الذي يتسنى له بذلك ضمان استمرار كرائه والمسوغ الذي يتخلص من دفع غرامة الحرمان المحكوم بها ضده والتي قد تكون تجاوزت حدود توقعاته. وقد نصت على حق العدول الفقرة الثانية من الفصل 30 التي ورد بها انه " يمكن للمالك الذي صدر عليه الحكم وفي ظرف خمسة عشر يوما ابتداء من اليوم الذي يصبح فيه الحكم نهائيا إذا كان الأمر يتعلق بحكم ابتدائي أو من يوم صدور الحكم إذا كان ذلك الحكم استئنافيا أن يتخلص من دفع غرامة الحرمان على أن يتحمل مصاريف القضية ويقبل تجديد التسويغ الذي يتعين عليه شروطه في صورة عدم الاتفاق طبق تراتيب الفصل 28 ولا يمكن استعمال هذا الحق إلا إذا كان المكتري مستمرا على البقاء بالمحل ولم يسبق له كراء أو شراء عقار آخر."وتوجب هذه الفقرة إبداء الملاحظات التالية:-إن المشرع قد أسند حق الرجوع في التنبيه إلى مالك العقار ولكن يمكن سحب هذا الحق أيضا على المتسوغ الأصلي لعدم وجود مبرر لحرمانه منه.-تفترض الفقرة الثانية من الفصل 30 صدور حكم ضد المسوغ بأداء غرامة الحرمان. إلا نه لا مانع من مباشرة المسوغ هذا الحق قبل قيام المتسوغ لدى المحكمة أو أثناء سير النزاع طالما أن الغاية من الاعتراف للمسوغ بهذا الحق التخلص من دفع الغرامة.-وضع المشرع شرطين متلازمين لممارسة الحق في العدول وهما :*استمرار المتسوغ على البقاء بالمحل: فإذا غادره بعد إبلاغه بمحضر التنبيه بالخروج فقد المسوغ حقه في الرجوع في التنبيه دون أن يكون له الحق في منازعة المتسوغ استعجاله مغادرة المكرى طالما أن المشرع لم يقيد هذا الأخير بأجل.*عدم كراء المتسوغ أو شرائه لعقار: فإذا ما تهيأ المتسوغ للخروج من المكرى بصفة مبكرة وتسوغ أو اشترى عقارا فقد المتسوغ حقه في الرجوع في التنبيه ولو استمر المتسوغ على البقاء بالمحل إذ أنه لا يعاب على المتسوغ حرصه على الحفاظ على تجارته وتوفير محل جديد لمباشرة نشاطه به يضمن له الاستقرار بعد أن حرمه المسوغ من حقه في التجديد وجعل بقاءه بالمحل أمرا ظرفيا ورهن دفعه غرامة الحرمان.- أوجب المشرع على المتسوغ الذي يريد العدول عن التنبيه أن يعرب عن إرادته في تجديد الكراء وتحمل مصاريف القضية ولكنه لم يحدد الشكل الذي يجب ان يتخذه قرار العدول ولم يضبط فحواه وبالتالي يكفي تعبير المسوغ عن إرادته هذه بالشكل الذي يريد سواء بتوجيه إلى المتسوغ بواسطة عدل تنفيذ او رسالة مضمونة الوصول أو بتقرير نائبه في أجل خمسة عشر يوما من اليوم الذي يصبح فيه الحكم نهائيا إذا كان الأمر يتعلق بحكم ابتدائي وقد قصد المشرع بذلك صيرورة الحكم الابتدائي قابلا للتنفيذ وهو ما يفترض الإعلام به ومضي أجل استنافه المحدد بعشرين يوما ليقع بعد ذلك احتساب أجل الخمسة عشر يوما. اما إذا صدر قرار استئنافي في النزاع فإن احتساب اجل الخمسة عشر يوما يبتدئ من يوم صدوره.- الرجوع في التنبيه يمثل قبولا من المالك بمبدإ تجديد الكراء الذي يقع تحديد شروطه بالتراضي وفي صورة عدم الاتفاق طبقا للفصل 28- لا مانع قانونا لقيام المالك بالتنبيه مجددا على المتسوغ بالخروج إذا رفض تجديد العقد طبقا للحكم الصادر بين الطرفين.
إرسال تعليق