قرر المشرع أن يكون هذا النظام اختياريا وقد أعلن قانون 9 نوفمبر 1998 عن ذلك منذ فصله الأول بل ومن العبارة الأولى فيه حيث نص صراحة على أن: "نظام الاشتراك في الأملاك هو نظام اختياري" (أ) ويتأكد هذا التوجه التشريعي من خلال إبقاء هذا القانون على مبدأ التفرقة في المكاسب "فالزواج المبرم دون تنصيص على رأي الزوجين في نظام الأملاك الزوجية هو بمثابة اختيار لنظام التفرقة في الأملاك". (ب)
أ- الصبغة الاختيارية لنظام الاشتراك في الأملاك:
ليس من السهل أن يكون نظام الاشتراك في الأملاك بين الزوجين نظاما إجباريا وذلك بالنظر إلى طبيعة العلاقة بين الزوجين فهي علاقة شخصية بالأساس لها حرمتها وقدسيتها وسرها الذي لا يعلمه غير الزوجين. ومهما كان تدخل المشرع فهو يبقى تدخلا محدودا لا يمكنه أن يتجاوز حد التأطير والحماية وهو ما تفطن إليه المشرع وجعله يقر بالصبغة الاختيارية لهذا النظام.
لذلك من المستبعد أن يكون لنظام الاشتراك في الأملاك تأثير على الانسجام العائلي وعلى الروابط بين الزوجين لأنه نظام اختياري بالأساس ويبقى خاضعا لإرادة الزوجين تماما كخيار الشرط والمشرع بإضافته لهذا النظام يكون قد فتح الأفق واسعا أمام الأسرة لتختار ما يناسبها في التصرف في أملاكها وفي إدارة شؤونها. فقانون 9 نوفمبر 1998 لم يفرض شيئا على أحد وإنما فرض الاختيار ولم يطالب الزوجين بأن يختارا هذا النظام أو ذاك وإنما هو فقط يقترح والزوجان هما اللذان يقرران.وهذا ما اعتبره البعض بمثابة الثورة في "العلاقات المالية داخل الأسرة فبعد أن كان نطاق هذه العلاقة منحصرا في فصل وحيد هو الفصل 24 من م.ا.ش وبعد أن عجز الفصل 11 عن م.ا.ش عن إيجاد نظام مالي مخالف وبقي مهجورا من هذه الناحية أصبحنا اليوم و مع وجود قانون 9 نوفمبر 1998 أمام تنظيم حقيقي للعلاقة المالية في العائلة يتراوح بين التفرقة في الأملاك والاشتراك فيها.والتنصيص على هذين النظامين فقط لا يعني أنهما الاختيارين الوحيدين إذ لابد من فهم حق الاختيار بصورة واسعة حتى لا تضيق من مجال التحرك الذي يريده الزوجان فكما لهما أن يختارا بين نظام الاشتراك ونظام التفرقة بإمكانهما أيضا أن يتفقا على نظام آخر يمزج بين النظامين أو حتى أن يبتكرا نظاما خاصا بهما.وما الإبقاء على الفصل 11 من م.ا.ش إلا رغبة من المشرع في تدعيم هذا التمشي الاختياري وفي ترك المجال فسيحا أمام الزوجين لتبني نظام آخر غير نظام الاشتراك أو نظام التفرقة يتفقان على جزئياته بالاعتماد على خيار الشرط. لكن إذا كان نظام الاشتراك في الأملاك اختياريا ومتوقفا في قيامه على الحرية التعاقدية للزوجين فما قيمة الأحكام التي جاء بها قانون 9 نوفمبر 1998 وما مدى الزاميتها ؟ وهل هي من قبيل القواعد الآمرة التي تهم النظام العام أم هي من قبيل القواعد المكملة التي من الجائز الاتفاق على خلافها ؟
بالنسبة لإلزامية قانون الاشتراك في الأملاك بين الزوجين فإن موقف المشرع واضح بكيفية لا تدعو للتحرز فهذا النظام لن يكون ملزما للزوجين إلا في صورة اتفاقهما على اختياره وهو بذلك خارج إطار النظام العام لسبق خضوعه لحرية الأزواج.
غير أنه وبمجرد اختياره تصبح أحكامه فيما يتعلق بشروط إبرام الاتفاق وإشهاره وإدارة المشترك وقسمته وغيرها من الأحكام من قبيل القواعد الآمرة التي تلزم من اختاره من الأزواج.نظام الاشتراك في الأملاك إذا هو نظام اختياري عند نشأته لكنه سرعان ما يتحول وبمجرد اختيار الزوجين له إلى نظام إلزامي.
وهذا التدرج من الاختياري إلى الإلزامي هو نتيجة حتمية لتدرجه من مرحلة العقد الذي تهيمن فيه المصلحة الخاصة للزوجين إلى مرحلة المؤسسة التي تكون فيها المصلحة عامة لتعلقها بمصلحة العائلة من جهة وبمصالح الغير اللذين لهم حقوق على المشترك من جهة أخرى.
ب- الإبقاء على مبدأ التفرقة في الأملاك:
"يعتبر الزواج المبرم دون تنصيص على رأي الزوجين في نظام الأملاك الزوجية بمثابة اختيار لنظام التفرقة في الأملاك" .هذا هو المظهر الثاني لحق الزوجين في اختيار أو عدم اختيار نظام الاشتراك فامتناع الزوجين عن اختياره هو اختيار في حد ذاته لأنهما بذلك يكونان خاضعين لنظام التفرقة في المكاسب.والإبقاء على النظام القديم ليس إلا نتيجة طبيعية للصبغة الاختيارية التي يكتسيها نظام الاشتراك فلا يكفي منح الزوجين مطلق الحرية في اختيار نظام الاشتراك ولكن من الضروري أن لا يؤدي امتناعهما عن اختياره إلى فرضه وجوبا عليهما.نظام الاشتراك في الأملاك إذا لم يأت ليحل محل النظام القديم إنما هو نظام إضافي يتوقف قيامه على رغبة الزوجين. أما في ما عدى ذلك فيحتفظ نظام التفرقة في المكاسب بمكانته كمبدأ بما يجعل نظام الاشتراك في الأملاك منسجما مع أحكام مجلة الأحوال الشخصية ومتلائما مع مبادئها.غير أن الإبقاء على مبدأ التفرقة في الأملاك من شأنه أن يثير عديد الأسئلة: فهل أن هذا النظام وباعتباره النظام القانوني هو أنموذج النظام المالي الذي يصلح لأي زوجين ، وإذا لم يكن كذلك فأي النظامين أفضل؟ وإذا كان
نظام الاشتراك أفضل من نظام التفرقة فلماذا لم يجعله المشرع النظام القانوني الإجباري ؟الثابت أنه لا وجود لأنموذج معين لتنظيم العلاقة المالية بين الزوجين نظرا لخصوصية كل علاقة زوجية فلكل زوجين ظروفهما الخاصة بهما والتي تختلف بحسب ما إذا كانت المرأة تعمل أم لا وما إذا كان لكل واحد منهما مكاسب خاصة بهما أم لا و بحسب درجة التفكير والوعي لدى كل واحد منهما.وتبعا لخصوصية العلاقة الزوجية فإنه من الصعب أن نجزم بأن نظام الاشتراك في الأملاك أفضل من نظام التفرقة أو العكس فالنظام الذي ينجح مع بعض الأزواج قد لا يجد نفس النجاح مع البعض الآخر.بالإضافة إلى ذلك فإن لكل نظام مالي مزاياه وعيوبه وإطاره الفكري الذي نشأ فيه والذي لا يتناسب إلا معه.فالإطار الفكري المناسب لنظام الفصل في الأملاك هو بالتأكيد الفقه الإسلامي القديم الذي يتشبث بفكرة تعدد الزوجات ويجعل الطلاق بيد الزوج ومثل هذا الإطار لا يمكنه أن يسمح بنشأة فكرة الاشتراك في الأملاك بين الزوجين لأنه من الصعب تصور إمكانية تشريك الزوجة لزوجها في أموالها ومكاسبها وهي تعلم أن له زوجة أخرى قد تستفيد من مكاسبها أو وهي تعلم أنها مهددة في كل لحظة بالطلاق فيكون من الأفضل بالنسبة للزوجين في مثل هذا الإطار أن يستقل كل واحد منهما بمكاسبه ويديرها بنفسه.لكن هذا الإطار الفكري لم يعد هو نفسه اليوم إذ لا مجال لتعدد الزوجات ولم يعد الطلاق متوقفا فقط على رغبة الزوج ولم تعد الزوجة مجرد مستهلكة في الأسرة كما أنها تخلت عن دور المطيعة الممتنة لزوجها ولم نعد نفرق بينممتلكات خاصة بالزوج وأخرى خاصة بالزوجة بل أصبحنا نتحدث عن ممتلكات عائلية يساهم كلا الزوجين في تكوينها. وهذا الإطار هو الذي ساهم في ظهور فكرة الاشتراك في الأملاك حتى أن البعض كان يدعو المشرع إلى فرض نظام اشتراك قانوني لا اختياري عبر إلغاء قاعدة الفصل 24 من م.ا.ش والإبقاء على الفصل 11 من م.ا.ش كمجال للاتفاق على التفرقة غير أن المشرع خير أن يكون نظام الاشتراك في الأملاك اختياريا على الأقل في مرحلته الأولى إلى أن يترسخ في تقاليد المجتمع.وسواء تعلق الأمر بنظام الاشتراك أو بنظام التفرقة فإن نجاعة أي منهما تبقى نسبية ذلك أنه من الصعب أن نتحدث في إطار نظام التفرقة في المكاسب عن تفرقة فعلية فتعايش الزوجين في بيت واحد يجعل من الصعب أن يتمسك كل واحد منهما بملكيته لمكاسبه الخاصة أو أن يحرم الطرف الآخر من استعمالها وفي المقابل وفي إطار نظام الاشتراك في الملكية لا يمكننا أن نتحدث عن شراكة حقيقية فالزوج لا يزال محتفظا بدوره كرئيس للعائلة وذلك بحكم طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة وهو بصفته تلك يستأثر في غالب الأحيان بإدارة الأملاك المشتركة. وهذا ما جعل البعض يعارض فكرة أن يكون نظام الاشتراك في الأملاك هو النظام القانوني عوض نظام التفرقة كما هـو معمول به في التشريع الفرنسي إذ لا بد أن نضمن إدارة المشترك بصفة عادلة بين الزوجين قبل أن نجعل منه نظاما قانونيا إجباريا.هكذا إذا تكون إدارة الزوجين هي الفاصلة في اختيار نظام الاشتراك في الأملاك أو في بقائهما خاضعين للنظام القديم، و دورها لا يتوقف عند ذلك الحد فالزوجان اللذان يختاران نظام الاشتراك يحتفظان بحقهما في تحديد مدة العمل به.
إرسال تعليق