1- إثبات التوقف عن الدفع :
إن الحديث عن إثبات التوقف عن الدفع يقتضي التعرض إلى مسألتين أساسيتين : عبئ الإثبات (أ) ووسائل الإثبات (ب) :
أ-عبئ الإثبات :
منذ صدور القانون عدد 34 لسنة 1995 أصبحت إجراءات التسوية القضائية تسبق وجوبا إجراءات التفليس وأعطي للتوقف عن الدفع مدلولا جديدا يتمثل في العجز عن مجابهة الديون الحالة بواسطة موجوداتها، وهو التعريف الذي إستقر عليه فقه القضاء كما سبق بيانه.
ويقدم مطلب التسوية القضائية حسب الفصل 19 جديد المنقح بقانون 15/7/1999 من قانون الإنقاذ إلى رئيس المحكمة من طرف :
- مسير الشركة أو رئيس مجلس إدارتها أو أغلبية أعضاء مجلس إدارتها أو هيئة الإدارة الجماعية.
- كل دائن تعذر عليه إستخلاص دينه بطرق التنفيذ الفردية.
كما يمكن أن يصدر الطلب عن رئيس المحكمة الإبتدائية من تلقاء نفسه بعد الإطلاع على تقرير المصالح الذي عاين فشل التسوية الرضائية وعدم التوصل إلى إتفاق بين الشركة المدينة ودائنيها.
كما أن الفصل 56 من قانون الإنقاذ قد أحال على أحكام الفصل 448 من م.ت ليتحمل المدين واجب التصريح بتوقفه عن الدفع في ظرف شهر من تاريخه وإلا فإنه يكون عرضة للمحاكمة من أجل التسبب في الإفلاس.
وبناء على ماسبق، فإنه يمكن الإقرار بأن مسير الشركة المدينة يكون مطالبا بالتصريح بتوقفها عن الدفع لدى كتابة المحكمة التي يوجد بدائرتها. كما يكون مطالبا بإثبات تلك الوضعية. لذلك فقد أوجب الفصل 4 مكرّر من قانون الإنقاذ على طالب التسوية القضائية أن يقدم مطلبه مرفوقا بالمعطيات والوثائق التالية :
- الهوية القانونية للتاجر أو المؤسسة.
- عدد مواطن الشغل وعدد الإطارات.
- نشاط المؤسسة.
- طبيعة الصعوبات وأهميتها.
- برنامج الإنقاذ المقترح.
- جدول الإستغلال المستقبلي للسنتين القادمتين.
- موازنات الثلاث سنوات الأخيرة ومايتبعها من جداول محاسبية.
- الأجور غير الخالصة.
- جرد في أملاك المدين ومساهماته.
- بيان ماله وماعليه من الديون مع تحديد أسماء الدائنين والمدينين ومقراتهم.
- الضمانات العينية والشخصية المقدمة من المدين.
على أن طلب الإنتفاع بإجراءات التسوية القضائية يمكن أن يصدر عن الدائنين.
والسؤال الذي يطرح هو هل يقع تحميل الدائن عبئ إثبات التوقف عن الدفع ؟
لئن كان بإمكان المدين إثبات وضعية التوقف عن الدفع عبر الوثائق المشار إليها آنفا والمنصوص عليها بالفصل 4 مكرر المذكور، فإن تلك الوثائق يصعب على الدائن الحصول عليها. لذلك فإنه يمكن القول بأن إثبات الدائن يقتصر على بيان طبيعة دينه وقيمته وأنه ثابت وحال ومعين المقدار مع بيان وسائل التنفيذ المادية التي إستعملها ضد الشركة المدينة خاصة وأن الفصل 19 جديد قد ربط بين طلب فتح إجراءات التسوية القضائية من طرف الدائن، بشرط التعذر عليه إستخلاص دينه بطرق التنفيذ الفردية.
غير أنه لايمكن إلزامه بإثبات عجز المدين عن مجابهة ديونه الحالة بما يتوفر لديها من موجودات.
بيد أن فقه القضاء قد ألزم الدائن بالإضافة إلى إثبات حلول دينه إثبات أن أموال مدينه غير كافية لخلاص ذلك الدين واستحالة مجابهة تلك الوضعية من طرف المدين(1).
أما فيما يتعلق بالإذن الصادر عن رئيس المحكمة بافتتاح إجراءات التسوية القضائية فهو يكون مؤسسا على تقرير المصالح المنتدب الذي يتضمن جميع المعطيات الكاشفة عن الوضعية الحقيقية للشركة موضوع التسوية. كما أن أحكام الفصل 22 من قانون الإنقاذ يسمح بتسمية خبير محاسب او مكتب دراسات يتولى تقصي حقيقة الوضع المالي والإقتصادي للشركة. كما أن القاضي المراقب يتولى
خلال الفترة التمهيدية إستدعاء كافة الأطراف بمن فيهم مسير الشركة ومطالبتهم بالوثائق اللازمة لإثبات حقيقة وضعية الشركة.
ومايمكن إستنتاجه هو أن إثبات التوقف عن الدفع لم يخرج عن القواعد العامة للإثبات والتي تجعل المدعي في الدعوى مدعيا في الإثبات. لذلك فإن الدائن طالب التسوية القضائية هو الذي يكون مطالبا بإثبات عدم خلاص دينه وعدم قدرة مدينه على ذلك. وفي صورة عدم الإثبات فإن المحكمة تقضي برفض مطلب التسوية لعدم ثبوت التوقف عن الدفع. وهذا ماأقرته المحكمة الإبتدائية بتونس في حكمها عدد 47 الصادر في 30/10/1997 إذ جاء فيه مايلي :
"حيث...لم يثبت من مؤيدات الملف أن الشركة طالبة التسوية قد عجزت عن دفع ديونها وأن أموالها غير كافية لمجابهة ذلك الدين وبالتالي استحال عليها مواجهة تلك الوضعية الإقتصادية والخروج منها خاصة وأن ممثلها القانوني أكد أنه يتولى خلاص كامل أصل القرض...مضيفا أن المؤسسة لاتزال تحقق أرباحا.
وحيث والحالة وماذلك فإن شرط التوقف عن الدفع غير ثابت وهو مايتعذر معه تمتيع المؤسسة بإجراءات التسوية القضائية وأتجه تبعا لذلك رفض مطلب التسوية...".
لكن من جهة أخرى فإن الفصل 448 من م.ت قد أوجب على المدين التاجر التصريح بتوقفه عن دفع ديونه وهو مايجعله متحملا إثبات وضعية التوقف عن الدفع عبر تقديمه للوثائق المثبتة لذلك.
كما أنه من جهة ثالثة فإن المحكمة تتولى التأكد من تحقق التوقف عن الدفع كوضعية قابلة للإنقاذ. ولها في هذا الغرض اللجوء للأبحاث والإختبارات اللازمة وهو مايعكس رغبة المشرع في تشريك جميع الأطراف في تحقيق حالة التوقف عن الدفع.
ب-وسائل الإثبات :
إن التوقف عن الدفع حالة واقعية تخضع لقائدة الإثبات بجميع الوسائل(1). وهي وضعية خاضعة لإجتهاد المحكمة التي تتولى استخلاصها من الوثائق المحاسبية للشركة وخاصة الموازنة المالية. ولعل الأمر لايثير صعوبات إذا ماتعلق الأمر بشركة، لأن تلك الوثائق المحاسبية تكون متوفرة على خلاف ماإذا تعلق الأمر بحرفي أو بصناعي. إلا أن الإشكال الذي غالبا ما يطرح يتعلق بالثقة والمصداقية التي يمكن إعطائها لتلك الوثائق.
واستخلاص التوقف عن الدفع يمكن أن يستند على عديد المعطيات نشير إلى البعض منها على سبيل الذكر.
- إثبات إمتناع الشركة عن دفع دين ثابت وحال ومعين المقدار بواسطة الإحتجاجات التي يحررها عدول التنفيذ على عدم دفع ذلك الدين أو عبر عمليات التنفيذ الرامية إلى إستخلاص ذلك الدين، كمحضر عقلة أجريت على مكاسب الشركة بقيت دون نتيجة لعدم وجود أموال قابلة للعقلة(2). وهو ماأقرته المحكمة الإبتدائية بتونس في حكمها عدد 11255 الصادر بتاريخ 14/01/2003.
- الرجوع في الإعتمادات الممنوحة للشركة، ورفض دائنيها منحها آجال إضافية للخلاص لفقدانهم الثقة في التعامل معها، خاصة إذا ماتزامنت هذه الوضعية مع المطالبة بخلاص الديون(3).
وتختلف وتتنوع المؤشرات التي يمكن الإستناد عليها لإثبات وضعية التوقف عن الدفع. ولعل مـن أبرز المعطيات المثبتة لتلك الحالة هو فشل التسوية
الرضائية وعدم التوصل إلى إتفاق بين الشركة المدينة ودائنيها، رغم المجهودات المبذولة من طرف المصالح.
والمحكمة تكون مدعوة إلى التحقق من وجود الشركة في وضعية توقف عن الدفع وبيان العناصر المعتمدة في ذلك، واضعة نصب عينيها أهداف قانون الإنقاذ وفلسفته العامة ذات الأبعاد الإقتصادية.
2- تحديد تاريخ التوقف عن الدفع :
إن تاريخ التوقف عن الدفع يتخذ أهمية بالغة باعتباره منطلقا لفتح فترة الريبة في التفليس أو في التسوية القضائية.
وفترة الريبة هي الفترة الممتدّة بين تاريخ التوقف عن الدفع وتاريخ تعهد المحكمة بالقضية في إطار التسوية القضائية أو الفترة الممتدة بين تاريخ التوقف عن الدفع والحكم القاضي بالإفلاس في إطار أحكام الإفلاس.
وفي هذا السياق نص الفصل 452 من م.ت على أن الحكم بالتفليس يتضمن تعيين وقت التوقف عن دفع الديون. كما نص الفصل 27 من قانون 17/4/1995 والمنقح في 15/7/1999 على أن المحكمة تصرح بتوقف المؤسسة عن الدفع وتحدد تاريخ التوقف.
وقد ترك المشرع مهمة تحديد تاريخ التوقف عن الدفع لإجتهاد المحكمة. لتحديد ذلك فإن المحكمة يمكنها الإعتماد على عديد المعطيات المتوفرة لديها كاعتماد التاريخ الذي قدم فيه مسير الشركة تصريحا بتوقفها عن الدفع لكتابة المحكمة حسب مقتضيات الفصل 448 من م.ت.
كما لها أن تبحث في الأعمال التي قامت بها الشركة وخاصة منها أعمال التصرف التي تعكس إضطرابا.
أما إذا ماتعهدت المحكمة بطلب التفليس إثر النظر في التسوية القضائية فإنها تعتمد التاريخ الذي عينته عند قبول مطلب التسوية. وقد نص الفصل 27 المذكور أنه في صورة سكوت المحكمة عن تحديد تاريخ التوقف عن الدفع فإنه يقع إعتماد تاريخ إيداع مطلب التوقف عن الدفع المقدم من قبل وكيل الشركة أو رئيس مجلس إدارتها أو أغلبية أعضائه وكذلك هيئة الإدارة الجماعية وكل دائن لم يتمكن من استخلاص دينه بطرق التنفيذ الفردية. وقد إعتبرت المحكمة الإبتدائية بتونس في حكمها عدد 165 الصادر بتاريخ 5/12/2001 أن تاريخ إيداع مطلب التسوية القضائية لدى لجنة متابعة المؤسسات الإقتصادية هو تاريخ التوقف عن الدفع(1).
كما يمكن أن يأذن رئيس المحكمة من تلقاء نفسه بافتتاح إجراءات التسوية القضائية في صورة فشل التسوية الرضائية. وفي هذه الحالة يمكن إعتماد تاريخ الإذن بافتتاح إجراءات التسوية القضائية كتاريخ توقف الشركة عن الدفع.
على أن المشرع قد نص على إمكانية طلب تقديم تاريخ التوقف عن الدفع المحدد من طرف المحكمة. حيث جاء بالفصل 452 من م.ت أن وقت التوقف عن الدفع يمكن تقديم تاريخه بحكم أو بعدة أحكام قاضية بتقديم التاريخ تصدرها المحكمة إعتمادا على تقرير من القاضي المنتدب سواء من تلقاء نفسها أو بطلب من كل ذي مصلحة من المتداعين وبالخصوص الدائنين الذين يتولون القيام بطلب ذلك منفردين.
ولايقبل الطلب المذكور بعد مضي الأجل المعين بالفصل 501 من م.ت(1) وبانقضائه فإن الوقت المعين للتوقف عن الدفع يصير غير قابل للمراجعة تجاه جماعة الدائنين.
وهذا الفصل قد أقر إمكانية طلب مراجعة تاريخ التوقف عن الدفع المحدد من طرف المحكمة وذلك بطلب تقديمه صادر عن القاضي المنتدب أو أمين الفلسة في حق الدائنين وكل دائن منفرد أوالغير وذلك في شكل مطلب عادي. غير أن الفصل 9 من القانون الفرنسي المؤرخ في 25 جانفي 1985 قد رفض طلب ذلك من طرف الدائن المنفرد. وفي هذه الصورة فإنه يمكن للمحكمة أن تقدم تاريخ التوقف عن الدفع ولها في هذا الإطار سلطة تقديرية واسعة لايقيدها إلا شرط عدم إمكانية تقديم التاريخ لأكثر من ثمانية عشر شهرا من تاريخ الحكم القاضي بالتفليس. وهو الشرط الوارد بالفصل 452 المذكور.
إلا أن المشرع قد قيد قبول مطلب تقديم تاريخ التوقف عن الدفع بضرورة تقديمه في أجل عشرة أيام من الإعلان بالجرائد اليومية عن إيداع جدول الديون بكتابة المحكمة. وبالقضاء ذلك الأجل فإن التاريخ الذي عينته المحكمة كتاريخ للتوقف عن الدفع، يصبح غير قابل للمراجعة بطلب من الغير أو بقرار من المحكمة من تلقاء نفسها. لكن إمكانية المراجعة تنعدم في صورة ماإذا قررت المحكمة تحديد التوقف عن الدفع بثمانية عشر شهرا قبل تاريخ الحكم. ففي هذه الصورة لايقبل الطلب، إذ لايمكن للمحكمة النزول إلى ماتحت هذا التاريخ، عملا بالفقرة الأخيرة من الفصل 452 من م.ت.
إلا أن ذلك التقييد الزمني قد يحد من سلطة المحكمة في تقدير تاريخ التوقف عن الدفع وإبطال أعمـال الشركة المدينة الغير مشروعة الرامـية إلـى
الإضرار بمصالح الدائنين بتهريب مكاسب الشركة. بالإضافة إلى أن أغلب قضايا التفليس عادة مايتجاوز نشرها الثمانية عشر شهرا.
وفي هذا الإطار يمكن طرح سؤالين إثنين :
فالأول يتعلق بمدى إمكانية قيام الدائنين بطلب تقديم تاريخ التوقف عن الدفع في إطار التسوية القضائية ؟
لم ينص المشرع صراحة على تلك الإمكانية. وبالرجوع إلى أحكام الفصل 56 من قانون الإنقاذ نجده قد أحال على الفصول 446-448-450-451-462 و 463 من م.ت. ونص صراحة على إنطباقها على التسوية القضائية. ولكنه لم يشر إلى الفصل 452 الذي أقر إمكانية طلب تقديم تاريخ التوقف عن الدفع وبذلك فقد أقصى تلك الإمكانية من إطار التسوية القضائية.
وعلى خلاف ذلك فقد خول المشرع الفرنسي تقديم تاريخ التوقف عن الدفع محافظا على شرط الثمانية عشر شهرا التي تسبق الحكم القاضي بافتتاح إجراءات التسوية القضائية(1). ويبدو أن سكوت قانون الإنقاذ عن إقرار تلك الإمكانية هو من قبيل السهو، خاصة وأن المشرع في إطار قانون 17/4/1995 قد أشار إلى إنطباق الفصول 462 و 463 من م.ت المتعلقين بفترة الريبة التي تكون محددة زمنيا في حدود 18 شهرا على أقصى تقدير من تاريخ الحكم بالتفليس حسب الفصل 452 من م.ت.
من جهة أخرى، فقد أقر الفصل 32 من قانون الإنقاذ بطلان القرارات والعمليات الصادرة عن مسير الشركة والتي تلحق ضررا بهذه الأخيرة، والتي تكون سابقة لتاريخ تعهد المحكمة ولاحقة لتاريخ التوقف عن الدفع. لكن المشرع لم يحدد زمنيا تلك الفترة كما فعل فـي إطار أحكام الفلسة. ونعتقد أن نفس أجـل
الثمانية عشر شهرا المعتمد بالفصل 452 من م.ت يجب إعتماده أيضا عند تطبيق أحكام الفصل 32 من قانون الإنقاذ.
أما الإشكال الثاني الذي يطرح فيتمثل في مدى إمكانية طلب تأخير تاريخ التوقف عن الدفع ؟
إن هذه الإمكانية يصعب إقراراها وذلك لأن الفصل 452 المذكور تحدث عن إمكانية مراجعة تاريخ التوقف عن الدفع بتقديمه وليس بتأخيره. ولم يشر ولوضمنيا إلى إمكانية التأخير مما يجعلها إمكانية غير واردة في قانون 17/4/1995 ولا في إطار أحكام العجلة التجارية المتعلقة بالتفليس.
بهذا تستكمل بيان خصوصية التوقف عن الدفع لنتطرق إلى دراسة إزدواجية هذا المفهوم.
إرسال تعليق