جريمة عدم إحضار محضون
وسام بوعبان " زيارة المحضون " رسالة ماجستير في ق.خ.
جريمة عدم إحضار محضون تحكمها شروط وضعها القانون المؤرخ في 24 ماي 1962 المتعلق بإحداث جريمة عدم إحضار محضون (فقرة أولى) وتنتج عنها آثار (فقرة ثانية). الفقرة الأولى: الشروط المكونة للجريمة يشترط لقيام الجريمة من جانب الحاضن وجود شرط سابق وهو صدور حكم قضائي وقتي أو بات يقضي بالزيارة (أ) وأركان مكونة لها وهي الأركان التي تحكم كل الجرائم من ركن الشرعي، مادي ومعنوي (ب).
أ-الشرط السابق لقيام الجريمة:
ينص القانون عدد 2 لسنة 1962 المؤرخ في 24 ماي 1962 والمتعلق بإحداث جريمة عدم إحضار محضون في فصله الوحيد على أنّه: " في صورة حكم وقتي أو بات بالحضانة فإن الأب أو الأم أو كل شخص آخر لا يحضر المحضون لمن له الحق في طلب إحضاره يعاقب بالسجن من ثلاثة أشهر إلى عام وبخطية من أربعة وعشرين دينارا إلى مائتين وأربعين دينارا أو بإحدى العقوبتين".
فالجريمة على أساس هذا القانون هي الفعل الذي يهدف من خلاله مرتكبها إلى الامتناع عن إحضار المحضون إلى من له الحق في طلبه وهي تفترض توفر شرط أولي يتمثل في صدور حكم قضائي وقتي أو بات يمنح حق الزيارة لمن لم تسند إليه الحضانة من الأبوين. ويصدر الحكم الوقتي إما من طرف قاضي الأسرة من خلال القرارات الفورية التي يتخذها على إثر فشل المحاولة الصلحية أو من طرف دائرة الأحوال الشخصية لدى المحكمة الابتدائية بمناسبة نشر قضية الطلاق أين تعتبر الحضانة والزيارة من المسائل الفرعية، في حين يصبح الحكم باتا إذا أصبح غير قابل للطعن بأي وجه من الوجوه ،هذا واعتبرت محكمة التعقيب في إحدى قراراتها أنّ: " عدم إحضار محضون لا يتكون منه جريمة إلا عند صدور حكم وقتي أو بات بالحضانة، فعدم الامتثال لحكم استعجالي قاضي بزيارة الأب المفارق لأحد أبنائه لا تتكون منه هذه الجريمة" .
إلا أن السؤال يبقى قائما حول صحة رفض قبول الحكم الاستعجالي القاضي بالزيارة كأساس لتجريم عدم إحضار محضون؟ أليس من خصائص الأحكام الاستعجالية الصبغة الوقتية شأنها شأن القرارات الفورية؟ أليست صادرة عن هيئة قضائية وتحقق الضمانات القانونية التي يخولها البت في أصل الحق؟ خاصة وأن استبعاد الأحكام الاستعجالية كأساس للتجريم سينتج عنه استبعاد بعض الأشخاص من التمتع بالحماية الجزائية للحق، من ذلك الجد الذي صدر في شانه قرار استعجالي من قاضي الأسرة يقضي بزيارة حفيده عند وفاة أحد والديه، أو غير الحاضن من الأبوين المنفصل عن ابنه أو أبنائه نتيجة انفراد قرينه بالحضانة الفعلية ودون وجود قضية في الطلاق؟
إن موقف محكمة التعقيب يبررّه النص القانوني، حيث نص قانون 24 ماي 1962 على أنه:" في صورة حكم وقتي أو بات بالحضانة" لنفهم منه صدور حكم أثناء النظر في قضية الطلاق سواء في الطور الصلحي أو الحكمي أو أثناء الحكم بإسقاط الحضانة، فيقضى بالحضانة لأحد الأبوين أو لغيرهما وبصفة آلية بالزيارة، في حين أن هدف الحكم الاستعجالي حفظ حق معين وقعت المطالبة به والذي قد يكون حقا في زيارة المحضون أو حقا في الحضانة، فإذا خرج الحكم القضائي عن هاتين الصورتين المنصوص عليهما بالقانون المذكور لا يمكن الحديث عن هذه الجريمة عملا بمبدأ التأويل الضيق للنصوص الجزائية.
إن أهمية هذا الحكم الصادر عن القضاء تبدو مزدوجة، فهو من جهة حكم قضائي يوجب احترامه الخضوع إلى مقتضياته، ومن جهة أخرى شرط أولي ووجوبي لقيام جريمة عدم إحضار محضون. على هذا الأساس اتفق شرّاح القانون طويلا على أن الغاية من إقرار هذه الجريمة تتمثل في حماية سلطة القضاء، ليطالب شق في الفقه الفرنسي بضرورة إدراج هذه الجريمة ضمن الجرائم الماسة بسير القضاء عوض إدراجها بالجرائم الماسة بالعائلة. ومن الواضح أن التجريم يهدف إلى تحقيق حماية جزائية للقرارات القضائية المتعلقة بحضانة الأطفال القصر.
بالنسبة للقانون الفرنسي، لم يعد يشترط المشرع صدور حكم قضائي لتوفر الجريمة، إذ يكفي عدم إحضار الطفل القاصر لمن له الحق في طلب إحضاره فنص الفصل 227-5 من المجلة الجنائية الجديدة:
« Le fait de refuser indûment de représenter un enfant mineur à la personne qui a le droit de le réclamer et puni d’un an d’emprisonnement et de 15.000E d’amende ».
لتشمل بذلك جريمة عدم إحضار محضون الصورة التي ينفصل فيها المحضون عن أحد أبويه دون طلاق بانفراد أحدهما بحضانته الفعلية، كذلك الصورة التي يكون فيها ثمرة علاقة خنائية، نفس الشيء بالنسبة للجد إذ يعتبر فقهاء القانون الفرنسي أن حق الأجداد مؤسس على قوة الرابطة القرابية مع أحفادهم وقوة العاطفة والحنان بينهم، وهذا الحق تقع ممارسته ولو عارض الأبوان أو أحدهما في ذلك مما يكون منطلقا للتتبعات الجزائية.
مهما يكن من أمر، فإن الحكم القضائي وقتيا كان أو باتا لا يمكن اعتماده كأساس للتجريم إلا إذا كان قابلا للتنفيذ، وعلى كل حال فإن القرارات الفورية المتعلقة بالحضانة وحق الزيارة تنفذ على المسودة وهي غير قابلة للاستئناف والتعقيب (الفقرة 6 من الفصل 32 م.ا.ش)، كما أن أجزاء الحكم المتعلقة بالحضانة وحق الزيارة تنفذ رغما عن الاستئناف أو التعقيب (الفقرة الأخيرة من الفصل 32 م.ا.ش).
إلا أن مسألة التنفيذ تطرح مشكل اكساء الأحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية وذلك في صورة وجود زواج مختلط.
ويمكن تعريف الإذن بتنفيذ الحكم الأجنبي بأنه الإجراء الذي يمنح من خلاله القاضي الحكم الأجنبي بعد مراقبته، قوة الشيء المقضي فيه ويكسبه القوة التنفيذية ولا يملك القاضي عندئذ إزاء الحكم الأجنبي سلطة مراجعته أو تقدير مدى صحته ومشروعيته وإنما يراقب مدى توفر مانع من موانع الإذن بتنفيذه المنصوص عليها بالفصل 11 م.ق.د.خ. حيث نص الفصل 12–1 م.ق.د.خ على أنه:" يؤذن بتنفيذ الأحكام وكذلك القرارات الولائية الصادرة عن سلطة أجنبية مختصة وتكسى بالصيغة التنفيذية متى سلمت من الموانع المنصوص عليها بالفصل 11 من هذه المجلة".
وضع الفصل 11 م.ق.د.خ شروطا لاكساء الأحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية وردت على وجه الحصر، ويمكن تقسيمها إلى طائفتين من الشروط، طائفة أول يقع التحقق من توافرها بالرجوع إلى النظام القانوني التونسي، وطائفة ثانية يقع التحقق منها بالرجوع إلى النظام القانوني لبلد صدور الحكم الأجنبي.
بالنسبة للطائفة الأولى، فيتحرّاها القاضي التونسي بالرجوع إلى الحلول والتوجهات والاختيارات القانونية المتبنّاة من طرف المشرع التونسي، وهي تتعلق أولا بعدم اختصاص القاضي الأجنبي الذي أصدر الحكم المراد تنفيذه، وثانيا بمخالفة الحكم الأجنبي للنظام العام في مفهوم القانون الدولي الخاص التونسي. أما بالنسبة للمانع الثاني والمتعلق بمخالفة النظام العام في مفهوم القانون الدولي الخاص التونسي، فقد يحدث أن يستصدر غير الحاضن مثلا حكما استعجاليا يقضي بزيارة ابنه وذلك طبقا للقانون الفرنسي الذي يجيز قيام جريمة عدم إحضار محضون بمجرّد عدم إحضاره لمن له الحق في المطالبة به ويريد تنفيذه فوق التراب التونسي، فإنه عمليا لا يمكن قبول اكساء الحكم الاستعجالي بصيغة التنفيذ من طرف المحاكم التونسية لأنّ قانون 24 ماي 1965 يشترط لقيام جريمة عدم إحضار محضون صدور حكم قضائي بالحضانة وقتي أو بات.
وتجاوزا لهذا المانع، يمكن في كل الأحوال اللجوء إلى القاضي الاستعجالي التونسي لطلب ممارسة حق الزيارة خاصة وأن اتفاقية التعاون التونسية الفرنسية في مواد الحضانة وحق الزيارة والنفقة قد أقرت في فصلها التاسع قاعدة خاصة تتمثل في التزام المحاكم المتعهدة بدعاوي الحضانة والزيارة في كلا البلدين بالنظر في هذه الدعاوي طبق الإجراءات الاستعجالية.
أما في خصوص الطائفة الثانية، فيتعلق الأمر بموانع الإذن بالتنفيذ التي يقع استيقاؤها انطلاقا من معايير موضوعة سلفا من قبل النظام القانوني الخاص بالقانون الأجنبي الذي أصدر الحكم أو القرار، فالمانع الأول في هذه الحالة يهم عدم قابلية تنفيذ الحكم المطلوب اكساؤه بالصيغة التنفيذية في بلد القاضي الذي أصدره، أما المانع الثاني فيتعلق بعدم احترام مبدأ المعاملة بالمثل. إلا أنّ مراقبة شرط احترام مبدأ المعاملة بالمثل يصعب تحقيقه في الواقع من قبل القاضي التونسي الذي يكون ملزما بالاطلاع على فقه قضاء الدول الأخرى، وقد تساءل بعض الفقهاء عن جدوى التمسك بالمعاملة بالمثل خاصة وأنه في مجال الحالة الشخصية والحضانة بالخصوص يضار منها لا محالة طرف من الأطراف وغالبا ما يكون الطفل، وقد انتهى أصحاب هذا الرأي إلى المناداة بالتخلي عن هذا الشرط.
بغياب هذه الموانع التي وقع ذكرها صلب الفصل 11 م.ق.د.خ يكتسي الحكم الأجنبي القاضي بالزيارة صيغة التنفيذ. والجدير بالذكر وأنه إلى تاريخ قديم يعود قبل إصدار مجلة القانون الدولي الخاص بموجب القانون عدد 97 لسنة 1998 المؤرخ في 27 نوفمبر 1998 ، وقع على مستوى القانون الدولي العام إبرام اتفاقية تعاون قضائي في مواد الحضانة وحق الزيارة والنفقة بين الحكومتين التونسية والفرنسية في 18 مارس 1982 نص الفصل الرابع منها على أنه:" في مادة الحضانة وحق الزيارة والنفقة، فإن الأحكام القضائية الصادرة على تراب إحدى الدولتين يمكن إضفاؤها الصيغة التنفيذية على تراب الدولة الأخرى من قبل محاكم هذه الدولة إذا كانت قابلة للتنفيذ وإذا كانت تستجيب للشروط التي وضعتها مقتضيات الفقرات أ، ب، د، ه، و من الفصل 15 من الاتفاقية التونسية الفرنسية المتعلقة بالتعاون القضائي في المادة المدنية والتجارية وبالاعتراف بالأحكام القضائية وتنفيذها " ، كما نص الفصل الخامس من الاتفاقية المذكورة على التزام كل من الدولتين بتيسير تنفيذ الأحكام القضائية لقوله : " تلتزم كل من الدولتين عن طريق التبادل بحسن تنفيذ الأحكام الصادرة في الدولة الأخرى في هذا الميدان".
وعلى هذا الأساس تضمن اتفاقية التعاون المبرمة بين تونس وفرنسا في خصوص الحضانة وحق الزيارة والنفقة حسن تنفيذ الأحكام الأجنبية الفرنسية على التراب التونسي، إلا أن ذلك لا يكون في الواقع إلا طبق احترام مقتضيات الفصل 11 م.ق.د.خ.
ولئن كانت جريمة عدم إحضار محضون تفترض لقيامها صدور حكم قضائي وقتي أو بات يقضي بالزيارة، فإنه لابد من إعلام غير الحاضن به بصفة قانونية وهو ما أكدته محكمة التعقيب الفرنسية. ولا يتحقق الإعلام في الواقع ولا ينتج آثاره إلا إذا بلّغ إلى المستفيد من حق الزيارة كما يجب، وذلك بحصوله على نسخة رسمية من الحكم بناءا على طلب من المحكوم له أو من ممثله القانوني أو من وكيله أو محاميه أو خلفائه بشرط أن يقوم به عدل منفذ لشخص المعلم أو بمقره الأصلي أو المختار وأن يحرر فيه ذلك العدل محضرا رسميا يستجيب لكل الشروط والتنصيصات الواردة بالفصل 6 من م.م.م.ت، وأن يقع تبليغ نسخة من محضر الإعلام للمعلم طبق الأوضاع وبحسب الحالات المنصوص عليها بالفصول 8، 9و10 من م.م.م.ت.
لئن كانت جريمة عدم إحضار محضون تفترض لوجودها بصفة أولية بتّا في مسألة من المسائل المدنية تتعلق بصدور حكم قضائي بالحضانة وبالزيارة وبضرورة الإعلام به، فإنه لقيامها لابد من توفر أركانها القانونية.
ب-الأركان المكونة للجريمة:
يعتبر قانون 24 ماي 1962 الركن الشرعي في جريمة عدم إحضار محضون عملا بمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، إلا أن الجريمة لكي تتوفر بصفة قانونية لابد من وجود ركنيها المادي (1) والمعنوي (2) .
1 )الركن المادي :
يمكن تحديد الركن المادي لجريمة عدم إحضار محضون بأنه ذلك السلوك السلبي الذي يأتيه الحاضن والمتمثل في الامتناع، فيشير قانون 24 ماي 1962 " إلى الأب أو الأم أو كل شخص لا يحضر المحضون لمن له الحق في طلبه " ليجعل جريمة عدم إحضار محضون من قبيل جرائم الامتناع. وتختلف الصور التي يتعمد فيها الحاضن عدم إحضار المحضون، فيمكن مثلا أن تمتنع الأم بوصفها حاضنة من إحضار المحضون بتعلة أنه غير متواجد بالمنزل لسبب أو لآخر، كأن يكون في زيارة أحد الأقارب أو ذهب للتنزه مع الأصدقاء رغم معرفة الحاضنة أن الولي سيحضر لزيارة ابنه واستصحابه في ذلك الوقت، فما على الولي في هذه الحالة سوى الاستعانة بعدل منفذ ليحرر له محضر معاينة يعاين بمقتضاه عدم تواجد المحضون بالمنزل وقت الزيارة ، وهو ما أكدته محكمة ناحية تونس في حكمها: " وحيث يستخلص مما سبق بسطه أن المتهمة تعمدت نقل المحضون من المكان الذي يمارس فيه حق الزيارة قاصدة بذلك منع الشاكي من زيارة واستصحاب المحضون وهو ما يشكل في جانبها أركان الجريمة ، وحين تعزّزت التهمة في جانبها بتصريحات المتضرر ومحضري المعاينة المظروفين بالملف" .
كما يمكن في حالات أخرى أن يحضر الطرف غير الحاضن لممارسة حقه في الزيارة، فتمتنع مثلا الحاضنة عن تمكينه من ذلك بتعلة أن المحضون مريض أوفي فترة امتحانات والحال أن محضر المعاينة أثبت عكس ذلك، وهو ما أكدته محكمة ناحية تونس بالحيثيات التالية:" وحيث باستنطاق المتهمة أفادت أنها امتنعت عن تمكين طليقها من استصحاب أبنائه نظرا لحالتهما الصحية كما أنهما بحالة مراجعة دروسهم وفي فترة امتحانات. وحيث وبدخول عدل التنفيذ إلى الغرفة عاين الفتاة وهي تضحك بدون أن تكون حالتها الصحية متعكرة".
كما يحدث في حالات أخرى، أن يبرّر الحاضن عدم التمكين من الزيارة برفض الطفل، غير أن هذا المبرر لا يعد وجيها إلا في حالات جد استثنائية، إذ من واجب الحاضن أن يستغل ماله من سلطة التأثير على الطفل حتى يغير من موقفه وإقناعه بوجوب استمرار علاقته بوالده غير الحاضن.
ويثار التساؤل في صورة سفر الحاضن وانتقاله بالمحضون إلى مكان بعيد يستحيل معه على الولي غير الحاضن من ممارسة حقوقه تجاه طفله، في هذه الحالة فإن الجريمة لا تتوفر إلا إذا تبين أن سفر الحاضن كان يقصد به عدم إحضار محضون ولا يمكن أن تضمحل في الواقع إلا إذا كان سفر الحاضن صحبة المحضون مبررا لغايات أملتها الضرورة والتأكد كالالتزامات المهنية أو الطبية. هذا وقد سبق لقاضي الأسرة أن منح الأم الحاضنة الحق بالسفر بالمحضون إلى بلد أجنبي لقضاء العطلة المدرسية.
تتعدد الأمثلة على صعيد الواقع أين يسعى الحاضن إلى جذب الطفل لنفسه والتأثير عليه لتنفيره من الطرف الأخر وغالبا ما تعمد الأم كحاضنة للطفل إلى منع الأب من ممارسة حق الزيارة وذلك حتى لا يجد الفرصة للانفراد به خاصة إذا ما كانت الزيارة تمارس بالاستصحاب، ذلك أن الأم تكون في خوف دائم من أن يحرمها من محضونها لذلك تسعى دوما للإبقاء عليه إلى جانبها باعتبار أن الأب غير الحاضن في نظرها يشكّل خطرا على الطفل.
إن إرتكاب عمل مادي نص القانون على تجريمه مسبقا غير كاف مبدئيا لقيام الجريمة قانونا بل يجب أن يكون هذا الفعل المادي ناتجا عن إرادة الجاني لإرتكابه، وهو ما يحيلنا إلى دراسة الركن المعنوي لجريمة عدم إحضار محضون.
2 )الركن المعنوي :
يتضح من خلال قراءة سريعة لقانون 24 ماي 1962 أن جريمة عدم إحضار محضون هي جريمة مادية لا تستوجب توفر ركن القصد استنادا إلى عبارة النص وهـي " لا يحضر المحضون"، لكنها في الواقع جريمة قصدية لا تقوم إلا متى ثبت وجود رفض أو امتناع إرادي عن إحضار المحضون لمن له الحق في طلب إحضاره، حيث نص الفصل 37 م.ج:"لا يعاقب أحد إلا بفعل ارتكب قصدا عدا الصور المقررة بوجه خاص بالقانون".
الركن المعنوي لجريمة عدم إحضار محضون يتكون من قصد إجرامي عام وقصد إجرامي خاص، فبالنسبة للقصد الإجرامي العام فيتمثل في توجه إرادة الحاضن نحو إقتراف الفعل الإجرامي المتمثل في عدم إحضار محضون وامتناعه عن الإذعان للحكم الصادر بالحضانة مع العلم مسبقا بصفة ذلك الفعل المحظور، وهو ما يفترض توفر عنصري الإرادة والعلم. أما بالنسبة للقصد الجنائي الخاص فيتجسم في نية إجرامية خاصة متعلقة غالبا بالنتيجة الإجرامية، فإضافة إلى القصد العام المتمثل في إرادة الفاعل القيام بأفعال يجرمها القانون مع علمه بتجريم تلك الأفعال لابد من توفر قصد خاص يتمثل في نية عدم إحضار محضون، ويجب على المحكمة تأسيس حكمها بالإدانة أو بالبراءة على ثبوت أو نفي القصدين مع اعتماد جميع القرائن والأدلة المثارة أمامها ، وقد جاء في الحكم الجناحي الصادر عن محكمة ناحية تونس أنّـه: " يتضح من الإطلاع على أوراق القضية وخصوصا محضر المعاينة المجرى بواسطة عدل التنفيذ أن المتهمة منعت قصدا الشاكي من حق زيارة ابنته رغم علمها بالقرار الفوري" .
والقصد الإجرامي مسألة داخلية في ذات الإنسان لا يمكن للمحكمة إثباته بصفة مباشرة لذلك فإن مجال الاجتهاد يبقى مفتوحا في شأنه خلافا لتقدير الركن الشرعي أو المادي للجريمة.
الفقرة الثانية: آثار الجريمة
يترّتب عن قيام جريمة عدم إحضار محضون بتوفر ركنيها المادي والمعنوي وصدور حكم قضائي بالحضانة، آثارا على مستوى الإجراءات (أ) وعلى مستوى العقاب (ب).
أ-الآثار على مستوى الإجراءات:
يتجلى الجانب الإجرائي في جريمة عدم إحضار محضون على مستوى إثارة وممارسة الدعوى العمومية وعلى مستوى الجهة القضائية المختصة بالحكم، حيث تنطلق القضية مبدئيا في جريمة عدم إحضار محضون بمقتضى شكاية من المتضرر يرفعها سواء إلى أقرب مركز من مكان إقامته أو إلى ممثل النيابة العمومية المتمثلة في وكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية التي يقيم بدائرتها والذي تخوله وظائفه وصلاحياته من تلقي مثل هذه الشكايات من طرف المواطنين المتضررين والاعلامات بالجرائم من طرف أعوان الضابطة العدلية الراجعين له بالنظر، وبمقتضى هذه الشكاية تقوم النيابة العمومية بممارسة الدعوى العمومية عمـلا بأحـكام الفصـل 20 م.ا.ج الذي ينّص على أنّ : " النيابة العمومية تثير الدعوى العمومية وتمارسها كما تطلب تطبيق القوانين وتنفيذ الأحكام" .
لكن السؤال الذي يطرح يتمثل في معرفة ما إذا كانت ممارسة الدعوى العمومية من قبل النيابة العمومية متوقفة على شكاية من المتضرر؟
لم ينص قانون 24 ماي 1962 على ضرورة التشكي من طرف المتضرر لذلك تبقى النيابة العمومية مؤهلة لإثارة وممارسة الدعوى العمومية.
والجدير بالذكر في هذا الإطار أن المشرع أرسى مؤسسة الصلح بالوساطة في المادة الجزائية بالفصل 335 مكرر م.ا.ج الذي وقعت إضافته بمقتضى القانون عد 93 لسنة 2002 المؤرخ في 29 أكتوبر 2002، وتهدف هذه المؤسسة إلى ضمان جبر الأضرار الحاصلة للمتضرر من الأفعال المنسوبة إلى المشتكى به مع إزكاء الشعور لديه بالمسؤولية والحفاظ على إدماجه في الحياة الاجتماعية، ومن البديهي أن تلتقي هذه الأهداف مع الغاية الأصلية للصلح عامة وهي إنهاء الخصومة بصفة نهائية.
يتم الصلح بواسطة وكيل الجمهورية الذي يتدخل لتقريب وجهات النظر والتوفيق بين الطرفين: المتضرر والمشتكى به وقد نص الفصل 335 ثالثا م.ا.ج على جريمة عدم إحضار محضون كجريمة يشملها هذا الإجراء فتنتهي بموجبه الخصومة وتنقضي به الدعوى العمومية، ولا شك أن إجراء الصلح بالوساطة فيما يتعلق بهذه الجريمة التي تقع بين أبوي المحضون لدى فراقهما يخدم مصلحة هذا الأخير بالدرجة الأولى باعتباره طفلا يبحث المشرع عن تحقيق مصلحته الفضلى قبل كل اعتبار آخر، وهي تتجسم أساسا في بقائه على صلة بكلا أبويه وفي تجنّب تأثير سجن أحد أبويه على نفسيته وعلى توازنه الاجتماعي.
بالنسبة للجهة المختصة بالحكم، وبالرجوع إلى القانون الصادر في 24 ماي 1962 المتعلق بجريمة عدم إحضار محضون، نستنتج أن المشرع جعل من هذه الجريمة جنحة استنادا إلى العقاب المترتب عنها المتراوح بين ثلاثة أشهر وعام سجنا ومن 24 دينار إلى 240 دينار خطية، وبالتالي تكون من اختصاص محاكم النواحي. أما بالنسبة للاختصاص الترابي فالمحكمة المختصة بالنظر في جريمة عدم إحضار محضون هــي محكمة الجهة التي ارتكبت فيها أو محكمة المكان الذي به مقر المضنون أو المكان الذي به مقر إقامته الأخير أو محكمة المكان الذي وجد فيه بعد فراره، والمحكمة التي وقع نشر القضية فيها أولا والمتعهدة بهذه الجريمة هي التي تنظر وتبت فيها.
ويصدر حاكم الناحية المختص بالنظر حكميا وترابيا في الجريمة، أحكاما ابتدائية تكون قابلة للطعن فيها بالاستئناف لدى المحكمة الابتدائية بوصفها محكمة استئناف لأحكام حكام النواحي التابعين لدائرتها.
إن التطرق إلى آثار جريمة عدم إحضار محضون على مستوى الإجراءات يدعونا إلى التطرق إلى أثارها على مستوى العقوبة، فلا يمكن تصور حكم قضائي قاضي بالإدانة دون أن يتضمن عقوبة أصلية سواء كانت بدنية بالسجن أو مالية بالخطية.
ب- الآثار على مستوى العقوبة:
يستوجب قانون 24 ماي 1962 بالنسبة لجريمة عدم إحضار محضون عقابا بدنيا يتراوح بين ثلاثة أشهر وعام سجنا وعقابا ماليا يتراوح بين 24 د إلى 240 د خطية أو بإحدى العقوبتين فقط، هذا وقد أحدث الفصل 15 مكرر م.ج الذي أضيف بموجب القانون عدد 89 لسنة 1999 المؤرخ في 2 أوت 1999 مؤسسة العمل لفائدة المصلحة العامة فنص على أنّه:"للمحكمة إذا قضت بالسجن النافذ لمدة أقصاها ستة أشهر أن تستبدل بنفس الحكم تلك العقوبة بعقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة وذلك دون أجر لمدة لا تتجاوز ثلاثمائة ساعة بحساب ساعتين كل يوم سجن.
ويحكم بهذه العقوبة في جريمة عدم إحضار محضون..".
إلا أن أهمية حق الزيارة وتأثير هذه الأفعال المجرمة على حقوق كافة الأطراف وخاصة على مصلحة الطفل المحضون، الذي يعيش حالة من التذبذب والتشتت في عواطفه بين حاضنه ومن يتمتع بحق زيارته، يجعلنا نقترح إمكانية إعتماد المشرع التونسي، الذي بدا حريصا على توسيع مجال الحماية الجنائية للطفل المحضون، بعض الظروف المشددة للعقاب المستوجب في هذه الجريمة على غرار ما ذهب إليه المشرع الفرنسي الذي أورد في الفصلين 227-9 و 227-10 من المجلة الجنائية الجديدة ظرفين مشددين للعقاب، يتعلق الأول، بصورة إخفاء المحضون لمدة تتجاوز خمسة أيام أو عند إخفائه خارج تراب البلاد أما الثاني فيتعلق بنزع حق الحضانة عن الحاضن المرتكب للجريمة. هذا بالإضافة إلى ضرورة تجريم المحاولة، فضلا عن تأكد إقحام الفصل الوارد بقانون 24 ماي 1962 بالمجلة الجزائية على غرار القانون الفرنسي.
إرسال تعليق