المبحث الثاني: دعوى الاسترجاع
إن وجود دعوى تمكن المالك السابق من الالتجاء إلى القضاء للحصول على حكم يعيد له ملكية عقاره المنتزع، لم تكن أمرا بديهيا، وكان الاتجاه السائد في ظل الآمرين المؤرخين في 5 سبتمبر 1905 و9 مارس 1939 يتمثل في اعتبار الاسترجاع أمرا موكولا لاختيار الإدارة التي تمتع بسلطة تقديرية تمكنها من الرفض أو القبول دون أي رقابة قضائية عليها. ولعل خطورة هذا الرأي تمكن في تجريد حق المطالبة باسترجاع العقار من كل فاعلية وذلك بتركه رهين إرادة الإدارة التي تملك حرية الرفض والقبول، دون رقابة عليها من القضاء،
وهو ما يمني أن حظوظ المالك ستصبح تافهة وضعية كما أن الاسترجاع لن يلعب دورة المتمثل في جزاء الإدارة إلاّ أنّ هذا الرأي لم يستمر وجوده فبمناسبة الطعن في قرار صادرة عن المحاكم الفرنسية بتونس أقرت محكمة التعقيب الفرنسية بصحة قيام المالك بالمطالبة باسترجاع العقار المنتزع الذي لم يستعمل في مشروع يكتسي طابع المصلحة العمومية وفقا للفصل 24 من الأمر المؤرخ في 5 سبتمبر 1905.وقد اعتنقت محكمة التعقيب التونسية ذات المبدأ من قرار لها صادر في 22 ديسمبر 1953[2] مؤكدة أن الدعوى التي ترمي إلى الجبر على تنفيذ الحق الذي خوله الفصل 8 من أمر 9 مارس 1939 وهو حق استرجاع العقار المنتزع و الذي لم تستعمله الإدارة أو تقاعست في استعماله لأجل فات خمس سنوات و ليس طلب إبطال الإذن بالانتزاع ، إلاّ أنّ إبقاء ممارسة هذا الحق بيد الإدارة التي ترفضه أو تقبله حسب مشيئتها غير مقبول لدى بعض فقهاء القانون الذين يعتبرون ذلك تقليصا من حق المالك السابق في الاسترجاع.
إن هذا الجدال حول وجود دعوى قضائية من عدمها، لم يعد له محل في الوقت الحاضر، ضرورة أن المشرع التونسي تعرض صراحة لإمكانية قيام المالك السابق أمام القضاء للمطالبة باسترجاع عقاره فقد نص الفصل التاسع من قانون 11 أوت 1976 المتعلق بالانتزاع أنه في صورة امتناع المنتزع أو سكوته فللمعنيين أن يرفعوا القضية إلى المحاكم المختصة لكن وضوح التشريع من هذه الناحية لم يمنع من وجود غموض فيما يخص الشروط السابقة للقيام بدعوى الاسترجاع و قبولها (فقرة أولى) كما أن جدالا ثار حول اختصاص المحكمة الإدارية والمحاكم العدلية بالنظر في دعوى الاسترجاع (فقرة ثانية).
الفقرة الأولى : الشروط السابقة للقيام بدعوى الاسترجاع و قبولها:
يقصد بالشروط الأولية لقبول دعوى الاسترجاع هي الإجراءات والمراحل التي يجب أن يقطعها المالك السابق، حتى يمكنه اللجوء إلى المحاكم المختصة.
ولكن الملاحظة أن عبارات الفصل التاسع من قانون 11 أوت 1976 وردت مجملة وعامة ولم تفصل بوضوح الإجراءات التي يجب على المالك السابق إتباعها وهو ما أعطى الفرصة لفقه القضاء لاستكمال ما نقص وتوضيح ما غمض ويمكن القول أنه ليتمكن الطالب من اللجوء للمحاكم فعليه أن يقدم مطلبا للإدارة (أ) تواجهه هذه الأخيرة بالرفض أو السكوت (ب)
أ- ضرورة تقديم المطلب
إن تقديم المطلب للإدارة يعتبر شرطا ضروريا لإمكانية القيام بدعوى أمام المحاكم وجوبية هذا الشرط يمكن استنتاجها بسهولة من الفصل التاسع الذي أجاز للمالكين السابقين إمكانية استرجاع عقاراتهم وذلك بشرط أن يقدموا كتابيا مطلبا للمنتزع في بحر السنتين المواليتين
فانطلاقا من هذا الفصل فمن الواضح أن تقديم المطلب يعتبر شرطا بدونه لا يمكن استرجاع العقار.
ولعل هذا الشرط يدفع إلى تذكير بالفصل 40 من القانون عدد40 لسنة 1972 المؤرخ في 1 جوان 1972 المتعلق بالمحكمة الإدارية الذي اقتضى أنه بقطع النظر عن الأحكام التشريعية المخالفة لهذا القانون فإنه لا تقبل الدعاوى المقدمة للمحكمة الإدارية ضد مقرر صادر عن السلط الإدارية المشار إليها بالفصل الثالث من هذا القانون إلا إذا قدم بشأنه مطلبا مسبقا للسلط المذكورة في ظرف الشهرين المواليين لنشره أو الإعلام به، ويجب أن ترفع الدعاوى المذكورة للمحكمة الإدارية في ظرف الشهرين المواليين لجواب الإدارة على المطلب المقدم إليها.
إن التذكير بالفصل 40 من قانون المحكمة الإدارية ليس اعتباطيا فسنلاحظ من خلال الفقرات القادمة أن فقه القضاء تأثر على عديد المستويات بهذا التقارب والتشابه بين الفصل التاسع والفصل 40 من قانون 1 جوان 1972.
لكن قد يطرح التساؤل حول الغاية من إقرار ضرورة توجيه مطلب للإدارة قبل القيام بدعوى الاسترجاع؟ إن الإجابة على هذا السؤال تبدو واضحة فالمشرع أراد تمكين الإدارة من الإذعان رضائيا لمطلب المالك وتسليط الجزاء على نفسها وبالتالي التطويل في الإجراءات وبذل المصاريف.
إلاّ أنّ توجيه المطلب إلى الإدارة لا يحلّ المشكل بل يزيده تعقيدا و يتمحور هذا حول أجل تقديم المطلب(1) وشكله ومحتواه (2) والسلطة الذي يجب توجيهه إليها (3) وجزاء الإخلال بتوجيهه (4).
1)أجل تقديم المطلب :
إن الأجل الذي أعطاه المشرع للمالك السابق لتوجيه المطلب للإدارة واضح، فقد اشترط الفصل التاسع تقديمه في أجل السنتين المواليتين لانقضاء أجل خمس سنوات المتروك للإدارة لاستعمال العقار الذي يقع احتسابه بدوره انطلاقا من تاريخ أمر الانتزاع.
والملاحظ انه بمقاربة قانون 11 أوت 1976 بأمر 9 مارس 1939 يتبين أن المشرع التونسي دعم حق المطالبة بالاسترجاع فقد كان الأجل الممنوح للمالك السابق عاما واحدا.
(الفصل 8 من أمر 9 مارس 1939) وجعله في قانون 11 أوت 1976 عامان وهو ما يعني تمكين المالك السابق من مساحة زمنية أوسع للمطالبة بحقه وبالتالي مراقبة الإدارة مدة أطول لكن هذا قد يبدو قصيرا جدا مقارنة بالقانون الفرنسي الذي منح آجلا قدره ثلاثين سنة حسب الفقرة الثانية عشر من الفصل السادس من قانون الانتزاع الفرنسي.
إذ أنّ حصر المالك السابق بأجل يكون بخصوص تقديم المطلب و ليس بخصوص القيام بالدعوى بعد تقديم المطلب إذ أنّ الأجل يبقى مفتوحا و لم ينص المشرّع على أجل معيّن للقيام بها، نتيجة مفادها أنه لا يمكن الاعتداد بالمطلب المقدم بعد انقضاء هذا الأجل، وهو ما يفسر مراقبة المحكمة الإدارية لتاريخ تقديم المطلب ومن ذلك القرار مؤرخ في 25 ماي 1978 في قرار خليفة بن خميس السويسي و من معه ضدّ ديوان إحياء أراضي واد مجردة الذي ورد فيه ما يلي : وحيث أنه مما لا جدال فيه أن المستأنفين أصرا في خطابهما المرفوع إلى ديوان إحياء أراضي وادي مجردة في 7 نوفمبر 1970 عن رغبتهما الصريحة في استرجاع عقارهما...
وحيث أنه واضح من الاستثبات في الواقع أن مطلب استرجاع العقار حصل في الميعاد القانوني الوارد به الفصل 8 من أمر 9 مارس 1939...
و لا يمكن الاعتداد بالمطلب الذي يقع تقديمه قبل مرور خمس سنوات من تاريخ أمر الانتزاع باعتبار أنّ شرط عدم الاستعمال المنصوص عليهبقانون الانتزاع لم يتوفّر بعد في هذه الحالة باعتبار أنّ الإدارة لا تزال في استطاعتها استعمال العقار والحيلولة بذلك دون الاسترجاع كما أن حق المالك في المطالبة باسترجاع عقاره ولا ينشأ إلا بعد مرور هذا الأجل فقبله لا يمكن الحديث عن استعمال وعدم استعمال. وبالتالي لا يمكن الحديث عن استرجاع وهو ما عبرت عنه المحكمة الإدارية في قرار صادر بتاريخ 19 جوان 1993 مجلس ولاية نابل ضد ورثة عيّاد القابسي وذلك بتأكيدها ضمنيا على ضرورة تقديم المطلب خلال أجل السنتين.
وحيث تم انتزاع بمقتضى الأمر عدد 213 الصادر في 7/7/1967 وقد وجه المدعون لدى الطور الابتدائي ... مكتوبا مؤرخا في 6/7/1973 إلى والي نابل وهي الجهة التي وقع الانتزاع لفائدتها وطلبوا إرجاع أراضيهم المنتزعة إليهم مستندين إلى الفصل 8 من أمر 1939 وقد قاموا بهذا الطلب في الأجل القانوني أي خلال السنة الموالية للخمس سنوات المنصوص عليها بالفصل 8 المذكور..."
لكن الملاحظ أن وضوح المشرع اقتصر على آجال تقديم المطلب دون بيان شكله أو محتواه.
2 ـ شكل المطلب ومحتواه :
ان اعتبار الفصل التاسع من قانون 11 أوت 1976 أوردت عامة ومجملة فقد اكتفى باشتراط أن يكون المطلب كتابيا دون بيان محتواه.
واشتراط أن يكون المطلب مكتوبا معقول لأن ذلك من شأنه أن يسهل إثباته وإثبات تاريخ توجييهه لكن الملاحظ أن المحكمة الإدارية اتخذت مرنا فيما يخص الشكل الذي يجب إفراغ المطلب فيه فهي لا تشترط شكلا معنيا وتكتفي بالمكتوب المضمون الوصول الذي وقع توجيهه للإدارة بل أكثر من ذلك فقد اعتبرت المحكمة أن عريضة الدعوى التي وجهها المالك السابق للإدارة والتي رفضت فيما بعد شكلا لعدم توفر شكلية الاسترخاص. يمكن أن تمثل مطلبا مسبقا فقد ورد في القرار المؤرخ في 21 فيفري 1985 ما يلي وحيث بالتأمل من وثائق الملف يتضح أن المستأنف ضده قام بقضية تحت عدد 570 بتاريخ 26 نوفمبر 1973 لدى المحكمة الابتدائية بسوسة في ترجيع عقاره إلا أنها رفضت شكلا لعدم توفر شكلية الاسترخاص المسبق من سلطة الإشراف تطبيقا للفصل 143 من قانون البلديات لسنة 1975.
وحيث لم يعين المشرع طريقة خاصة لكيفية تقديم المطلب بل اقتصر على تقديمه فقط بل أن صيغة الفصل 8 (أمر 9 مارس 1939) في هذا المضمار جاء بدون التقيد بشكل مخصوص للمطالبة وعلى هذا الأساس فإن عريضة الدعوى المذكورة تعتبر بمثابة المطالبة المشترطة بالفصل الثامن المذكور وبالتالي مقبولة من الزمن ضرورة أن هاته العريضة قدمت المحكمة في بحر السنة الموالية لانقضاء الخمس سنوات من تاريخ أمر الانتزاع.
أما فيما يخص محتوى المطلب فإن المشرع لم يشترط تنصيصات معينة وكذلك فقه القضاء لكن باعتبار أن موضوع المطلب هو استرجاع عقار فإن المنطق يفترض حد أدنى من الموضوعيّة ممّا يمكن الإدارة من معرفة موضوع وصاحبه كالتنصيص على أسماء المالكين السابقين وتحديد العقارات المراد استرجاعها.
ب- السلطة التي يجب توجيه المطلب إليها :
لقد استعمل المشرع في الفصل التاسع من قانون 11 أوت 1976 عند حديثه عن الجهة التي يجب تقديم المطلب إليها عبارة المنتزع وذلك دون تحديد أو توضيح فهل أن المنتزع هو السلطة المصدرة لأمر الانتزاع أي رئيس الجمهورية أو السلطة المنتزعة هي التي تقترح مشروع قرار الانتزاع ام المنتفع بالانتزاع وهي السلطة المستفيدة من العقار المنتزع؟
إن المحكمة الإدارية في قرارها المؤرخ في 6 جوان 1977 شارل بيني / بلدية المرسى أجابت بوضوح على هذا السؤال مؤكدة أن الجهة التي يجب توجيه المطلب إليها هي الجهة المنتفعة بالعقار المنتزع وقد ورد في أحد حيثيات هذا القرار ما يلي: وحيث وأنه خلافا لما احتجت به المستأنف ضدها فمن الواضح أن مفهوم كلمة "المنتزع" التي أوردها المشرع في الفصل 8 غيره من الفصول الموالية بالأمر المؤرخ في 9 مارس 1939 يقصد منها "المنتفع بالعقار المنتزع..."
هذا الرأي الذي انتهجته المحكمة الإدارية واستقرت عليه واعتبرت فيه أن المصلحة التي يهمها الأمر هي المصلحة التي وقع الانتزاع لفائدتها و يمكن التساؤل عن المنطق القانوني الذي يدفع طالب العقار إلى توجيه مطلبه إلى الجهة المنتفعة بالانتزاع و الذي ذهبت فيه المحكمة الإداريّة في عدّة قرارات حيث جاء فيها "... إن المقصود بعبارة الإدارة الآخذة التي وردت بالفصل 8 من أمر 9 مارس 1939 هي الجهة التي وقع الانتزاع لفائدتها وهي التي تتصرف في العقار وكان من واجبها استعماله في المصلحة المقصودة من الانتزاع..."
إن موقف المحكمة الإدارية يمكن تدعيمه بسبب آخر وجيه يتمثل في كون الإدارة المنتفعة بالانتزاع هي التي ستتأثر ذمتها المالية بالاسترجاع في صورة الحكم به فهي المالكة للعقار والاسترجاع يؤدي إلى تجريدها منه لذلك فإنه يبدو من المنطقي توجيه المطلب إليها وبذلك تكون طرفا في الاجراءات منذ انطلاقها حتى الحكم في أصل الحق.
لكن ما تجب الإشارة إليه هو أن اتجاه المحكمة الإدارية فيما يخص شكلية المطلب اتسم بالمرونة وهي مرونة تذكرنا بموقفها إزاء المطلب المسبق في دعوى تجاوز السلطة حيث عمل القاضي الإداري على الأخذ بيد المتقاضي وتصحيح ما قد يكون ارتكبه من خطأ في توجيه المطلب المسبق حتى لا يقع رفض الدعوى لمجرد عيب أو نقص أو عدم صواب في كيفية القيام به كل ذلك مع التنفيذ بهذا الشرط الذي يؤدي عدم توفره إلى رفض الدعوى.
فقد أقرت المحكمة الإدارية في قرارها المؤرخ في 16 أفريل 1981 مجلس ولاية نابل / ورثة عبد السلام التونسي أن تقديم المطلب للوالي بدل مجلس الولاية لا يؤثر في شيء على صحته.
كما أكدت المحكمة مرونتها أيضا في قرار المؤرخ في 22 افريل 1982 صالج بن فرج المهذّّبي الذي ورد فيه ما يلي : وحيث تبين من جهة أخرى أن المستأنف وجّه إلى المستأنف ضدها بشأن رغبته في الاسترجاع عدة خطابات ومنها خاصة خطابه الذي وجه في 21 جوان 1967 إلى الوالي بوصفه سلطة الإشراف والذي يتعين اعتباره بمثابة المطالبة المقصورة بالفصل 8 المشار إليه طالما أنه رفع إلى السلطة مختصة وفي الأجل القانوني المقرر.
لكن هناك سؤال يمكن أن يطرح نفسه في صورة تفويت الإدارة المنتفعة بالانتزاع في العقار للغير فهل أن المطلب يقع توجيهه للإدارة أم للغير؟
إن الفصل التاسع لم يتعرض لهذا الإشكال واقتصر على ضرورة توجيه المطلب للمنتزع ولعل تأويلات حرفيا لهذا النص يؤدي إلى نتيجة مفادها أنه يجب توجيه المطلب في جميع الحالات للإدارة المنتفعة بالانتزاع.
إضافة إلى هذا فإن فقه القضاء لم يطرح أمامه هذا الإشكال ويبدوا أنه من الأجدى طرح هذا السؤال في نطاق تساؤل أوسع يتمحور حول "الصفة" فهل أن الإدارة التي تفوت في العقار يمكن القيام ضدها بدعوى الاسترجاع أم يقع القيام ضد الغير المنتفع بالتفويت أم يقع القيام ضدهما معا.؟
إن هذا السؤال طرح على المحكمة الإدارية بخصوص توفر ركن الصفة في الاستئناف وذلك في القرار المؤرخ في 9 جوان 1993 الذي يمكن أن نقرأ فيه ما يلي :
وحيث تمسك محامي المستأنف ضدهم بأن مجلس ولاية نابل ليست له مصلحة في الاستئناف بناء على تفويته في القطع المنتزعة موضوع النزاع إلى الديوان القومي للسياحة والمياه المعدنية.
وحيث أن القيام من جانب المدعين تم ضد كل من مجلس الولاية المذكورة والديوان كما أن الحكم الابتدائي قد صدر ضد الاثنين مما يجعل مصلحة المجلس في الاستئناف مازالت قائمة...."
يبدو أنه من الصعب من خلال هذا القرار استنتاج جواب واضح فالمحكمة استمدت شرط الصفة والمصلحة من كون مجلس ولاية نابل كان طرفا في الحكم الابتدائي المطعون فيه بالاستئناف دون بيان هل أن التفويت في العقار يجرد الإدارة المنفعة بالانتزاع من شرط الصفة أم لا؟
لكن تجدر الإشارة أنه عمليا يحسن القيام على الإدارة المنتفعة بالانتزاع والغير الذي وقع التفويت له في العقار معا. وذلك لتجنيب المالك السابق كل المفاجآت ويكون الحكم بالاسترجاع نافذا تجاه الإدارة والغير.
وقياسا على هذا التحليل، فان على المالك السابق توجيه المطلب للإدارة المنتفعة بالانتزاع دون الالتفات التفويت في العقار من عدمه . وذلك ليتلافى الجزاء الذي سلطه المشروع في صورة الإخلال بشكلية المطلب.
ج - جزاء الإخلال بشكلية المطلب :
إن مرونة القضاء ، فيما يخص شكلية المطب ، ربما تبررها في جانب كبير ، حدة الجزاء المسلط في صورة الإخلال بهذا الشرط فقد نص الفصل التاسع على ما يلي ".... و ذلك بشرط إن يقدموا مطلبا كتابيا المنتزع في بحر السنتين الماليتين لانقراض الأجل المشار إليه في هذا الفصل و سقط حقهم ..."
فانطلاقا من هذا النص فان الجزاء هو سقوط الحق في المطالب بالاسترجاع ، وذلك بقطع النظر عن وجود الاستعمال من عدمه ، كما إن هذا الجزاء يتسلط في صورة عدم تقديم المطلب بتاتا ، أو في صورة تقديمه خارج الآجال التي حددها الفصل التاسع .
كما إن المشرع استعمل عبارة سقوط الحق ، وهو ما يعني أن الآجل المشترطة لتقديم المطلب هي آجال سقوط و ليست آجال تقادم ، و التالي فهي ليست قابلة للقطع أو التعليق وهو مايزيد في خطورة الجزاء وحدته .
إن ما يمكن ملاحظته هو إن هذا الجزاء ، المتمثل في سقوط الحق لا يتناسب مع الإخلال الذي ارتكبه المالك السابق ، و المتمثل في عدم توجيه المطلب أو تقديمه خارج الآجال ، وهو ما قد يؤول إلى نتيجة تبدو غير منطقية ، تتمثل في بقاء العقار في الذمة المالية للإدارة رغم عدم استعماله ورغم إرادة المالك في استرجاعه ،ولعله ، قياسا على ما نادى به بعض الفقهاء فيما يخص التظلم الإداري في دعوى تجاوز السلطة ،فانه يجدرالغاء " الطابع الإجباري للمطلب المسبق و جعل مثل هذا الإجراء اختيارا إذ إن الإدارة لا تجيب بالضرورة على المطالب الموجهة إليها، كما أن المدة التي يمكن أن تلتزم خلالها الصمت قد تكون طويلة نسبيا" .
ثمّ إن توجيه المطلب للإدارة ، لا يكفي ، وحده ، لإعطاء الحق للمالك السابق للقيام أمام المحاكم المختصة ، بل يجب إن يواجه مطلبه بالرفض ، أو بالسكوت ، فقد نص الفصل التاسع من قانون 11 أوت 1976 انه " في صورة امتناع المنتزع أو سكوته فبمعنيين أن يرفعوا القضية إلى المحاكم المختصة " وهو ما يعني من ناحية أن المالك السابق لا يمكنه القيام إلا إذا تحقق من سكوت الإدارة أو رفضها و من ناحية أخرى فان الإدارة يمكنها أن تذعن رضائيا لمطلب المالك السابق .
إن ما تجدر به الإشارة إليه هو إن عبارات الفصل التاسع في فقرته الثانية وردت مقتضية جدا و لم تبين متى يمكن اعتبارالادارة ساكتة عن الجواب ؟
فهل من المنطقي القياس على إحكام الفصل 40 من القانون عدد 40 لسنة 1972 المؤرخ في 1 جوان 1972 المتعلق بالمحكمة الإدارية واعتبار سكوت الإدارة مدة أربعة أشهر بمثابة رفض ضمني يخول للمالك السابق القيام أمام المحكمة المختصة و المطالبة باسترجاع عقاره ؟
يبدو أن القياس على دعوى تجاوز السلطة من الصعب قبوله من الناحية المنطقية و ذلك لافتقاده لأساسه الراجع اى اختلاف هذه الدعوى عن دعوى الاسترجاع ، وهو اختلاف سيقع التأكيد عليه عند الحديث عن المحكمة المختصة . إضافة إلى هذا فان الطابع التشريعي لقواعد الإجراءات يقتضي أن يكون النص هو المصدر الأساسي للإجراء دون اللجوء للقياس.
كما أن اختياري اجل أربعة أشهر لاعتبار الإدارة في وضعية رفض ضمني لا يمثل الاختياري ، و لان هذا الأجل طويل نسبيا , و يبدو انه من الأجدى الاكتفاء باشتراط مدة طوية "معقولة" خاضعة لرقابة القاضي عند نضره في الدعوى ، و على كل حال فان الإدارة عند القيام عليها ستكون مضطرة إلى الإفصاح عن موقفها من المطلب بالرفض أو بالقبول .
إن هذه الانتقادات ، تبين بوضوح النقص الذي يشكوه الفصل التاسع من قانون 11 أوت 1976 ، الشئ الذي يجعل تدخل المشرع ضروريا لوضع إجراءات واضحة و مدققة لدعوى الاسترجاع يكون على المحكمة المختصة مراقبة صحتها .
الفقرة الثانية :المحكمة المختصة بالنظر في دعوى الاسترجاع
إن الحديث عن دعوى يؤدّي حتما إلى الحديث عن جهة قضائيّة مختصّة للنظر فيها ، وفي خصوص دعوى الاسترجاع فإنّ المشرّع نص صلب الفصل التاسع من قانون 11 أوت 1976 في فقرته الثانية على انه في صورة" امتناع المنتزع أو سكوته فللمعنيين أن يرفعوا القضية إلى المحاكم المختصة ".وجاء الفصل 49 من نفس القانون ناصا على أن لمحكمة الإدارية تنظر في مادة" الانتزاع للمصلحة العمومية طبقا لإحكام هذا القانون و إحكام القانون 40 لسنة 1972 المؤرخ في أول جوان 1972 المتعلق بالمحكمة الإدارية " وقد نص الفصل الثاني من هذا القانون الأخير على" انه تنظر المحكمة الإدارية في النزاعات المتعلقة بالإدارة ، غير انه و حتى يأتي ما يخالف ذلك فان المحاكم يمكن لها أن تنظر ابتدائيا طبقا لمقتضيات الإجراءات المنصوص عليها بالأمر المؤرخ في 27 نوفمبر 1888 و الأمر المؤرخ في 9 مارس 1939 في النزاعات القضائية المتعلقة بالتعويض على إن يقع الاستئناف و التعقيب لدى المحكمة الإدارية ".
بالرغم من وضوح الحل في هذه المسألة إلاّ أنذ الآراء الفقهيّة تضاربت بالرغم من استقرار فقه القضاء الإداري عليه
و لكن قبل التعرض لمختلف هذه الآراء يجدر التعريج ، و لو بإيجاز ، على القانون الفرنسي الذي كان فيه الحل واضحا أيضا، فقد وقع الاستقرار في الفقه و القضاء الفرنسيين على إن دعوى لاسترجاع ترجع بالاختصاص إلى المحاكم العدلية ،و تخصيص القضاء العدلي بالنظر في دعاوي الاسترجاع ، ترتبت عليه عديد الآثار العملية منها،أن العرائض الموجهة للقضاء الإداري بغية الحصول على إقرار بوجود حق الاسترجاع يجب أن ترفض على أساس عدم الاختصاص بالنظر فيها،كما ترف أيضا لنفس السبب ، الدعوى التي الهدف منها إلغاء قرار ضمني أو صريح برفض مطلب الاسترجاع من طرف الإدارة .
لكن هذا لا يعني عدم تدخل القضاء الإداري وطلاقا في دعوى الاسترجاع ، فهو مختص بالنظر كلما وجد نقاش جدي Contestation sérieuse حول تأويل أمر الانتزاع أو حول تأويل أو صحة القرارات الإدارية الخاصة باستعمال العقار المنتزع و ينظر القاضي في هذه المسالة الاستباقية Question préjudicielle بعد إحالة من القاضي العدلي .
أ -التذبذب الفقهي بخصوص الاختصاص بدعوى الاسترجاع :
إن الآراء الفقه التي تناولت مشكل الاختصاص من زاوية مختلفة عن التي تناولته منها المحكمة الإدارية ، يمكن تقسيمها إلى اتجاهين كلاهما يرمي إلى جعل المحكمة الإدارية وحدها مختصة بدعوى الاسترجاع ، و ذلك بجعل هذه الدعوى منصهرة في قضاء الإلغاء بالنسبة للاتجاه الأول ، وجعلها منصهرة في القضاء الكامل بالنسبة للاتجاه الثاني .
1) الاتجاه الأول: اعتبار دعوى الاسترجاع دعوى إلغاء لأمر الانتزاع أو لقرار رفض الإدارة
إن الاتجاه الأول يتلخص في جعل المحكمة الإدارية مختصة بالنظر في دعوى الاسترجاع عن طريق قضاء الإلغاء ، وفي الحقيقة فان هذا الاتجاه ينقسم نظريا إلى قسمين مختلفين ، ذلك إن دعوى الإلغاء ، يمكن أن نتصورها موجهة ضد أمر الانتزاع أو ضد" قرار" الرفض الصادر عن الإدارة بعد توجيه المطلب إليها من طرف المالك السابق .
فالذين يعتقدون أن دعوى الاسترجاع تعتبر إلغاء لأمر الانتزاع، يعتمدون على فكرة مفادها ، أن الحكم باسترجاع العقار يعني في واقع الحال إلغاء أمر الانتزاع بصفة مباشرة، وهو تقريبا ما عبرت عنه المحكمة الابتدائية بتونس في حكمها الصادر بتاريخ 19/11/1977 بقولها " وحيث إن الطلب في منطوقه و مفهومه ليرمي إلى إرجاع ارض كانت انتزعت بمقتضى أمر ".
فبالرجوع للنصوص يتبين أن الفصل التاسع من قانون 11 أوت 1976 استعمل عبارة المحاكم في صيغة الجمع ، في حين انه لو أراد تخصيص المحكمة الإدارية وحدها بدعوى الاسترجاع لاستعمل عبارة " المحكمة الإدارية " أو على الأقل المحكمة المختصة ، وهو ما يعني أن المشرع أراد منح الاختصاص ابتدائيا للمحاكم العدلية .
كما تجدر الإشارة أيضا إلى أن الاسترجاع كان في ظل أمر 9 مارس 1939 من اختصاص المحاكم العدلية ، و ذلك تطبيقا للفصل الثامن من هذا الأمر ، وذلك رغم الفصل الرابع من أمر 27 نوفمبر 1888 يمنع على المحاكم المدنية أن تنظر في مطلب مآله إبطال عمل صدر من الإدارة ... وهو ما يؤكد إن دعوى الاسترجاع بعيدة كل البعد عن قضاء الإلغاء.
إضافة إلى هذا فقد نص الفصل 49 على انه تنظر المحكمة الإدارية في مادة الانتزاع للمصلحة العمومية ، طبقا لإحكام هذا القانون و أحكام القانون عدد 40 لسنة 1972 المؤرخ في 1 جوان 1972 المتعلق بالمحكمة الإدارية .
فانطلاقا من هذا الفصل ، فان اختصاص المحكمة الإدارية لا يحكمه قانون المحكمة الإدارية ، بل تحكمه أيضا إحكام قانون 11 أوت 1976 المتعلق بالانتزاع ، و من جملة هذه الإحكام الفصل التاسع الذي اسند الاختصاص ابتدائيا للمحاكم العدلية .
كما أن منع المحكمة الإدارية من النظر في دعوى الاسترجاع استئنافيا، على أساس أن هذه الدعوى خارجة عن النزاعات القضائية المتعلقة بالتعويض ، لا يستقيم، و ذلك لعدم صلابة الأساس الواقع الاعتماد عليه ، فدعوى الاسترجاع يجب النظر إليها من جميع الجوانب : جانب المالك الذي سيسترجع ملكيته، و جانب الإدارة التي ستصبح مستحقة بفعل الاسترجاع ، لغرامة الانتزاع التي كان المالك السابق قد قبضها (الفصل التاسع ) ، فإرجاع الغرامة يبرره تعويض الإدارة عن فقدانها لملكية العقار ، كل ما في الأمر انه لا يعاد تقديرها من جديد ، وهو ما يؤكد أن هنالك جانبا تعويضيا في دعوى الاسترجاع لا يجب نسيانه، مع التذكير بان مفهوم دعوى التعويض على معنى القانون عدد 39 و المؤرّخ في 03 جوان 1996 تشمل" المطالب التي مآلها التصريح بان الإدارة مدينة" .
كما أنّ دعوى تجاوز السلطة لا تستوعب دعوى الاسترجاع .
فدعوى تجاوز السلطة يمكن تعريفها حسب الأستاذ توفيق بوعشبة بأنها " دعوى قضائية يتم توجيهها ضد قرار إداري بغية الحصول على إلغائه على أساس عدم مشروعيته ، أي على أساس صدوره بما يخالف مقتضيات المشروعية " ، في حين أن دعوى الاسترجاع لا ترمي إلى إلغاء قرار إداري سواء كان هذا القرار أمر الانتزاع أو قرار الرفض الصادر عن الإدارة بعد توجيه المطلب إليها ، فالمالك السابق لا ينسب لهذين القرارين عيبا في الاختصاص أو خرقا للصيغ الشكلية أو خرق قاعدة من القواعد القانونية أو الانحراف بالسلطة أو بالإجراءات " فهو على خلاف ذلك يطلب استرجاع عقاره على أساس عدم استعماله في المصلحة العمومية التي انتزع من اجلها .
كما أن المطلب الذي يوجهه المالك السابق للإدارة المنتفعة بالانتزاع ، وفق ما يقتضيه الفصل التاسع ، وان كان يتشابه مع المطلب المسبق في دعوى تجاوز السلطة ، فهو يختلف عنه في مضمونه ، ذلك أن موضوعه هو طلب استرجاع عقار لا العدول عن قرار إداري وقع اتخاذه .
و ترتيبا على ما سبق ذكره فان الحكم بإرجاع العقار لصاحبه ليس له اثر رجعي، و لايمسّ الفترة التي كانت فيها الإدارة مالكة ، وذلك لأنه لا تأثير له على أمر الانتزاع الذي يبقى و تبقى آثاره التي أنتجها إلى حين استرجاع العقار.
و لعل خروج دعوى الاسترجاع عن دعوى الإلغاء هو الذي دفع البعض إلى محاولة جعل هذه الدعوى من اختصاص المحكمة الإدارية ابتدائيا و نهائيا عن طريق القضاء الكامل ، وهو ما يدفعنا التعرض لهذا الاتجاه الثاني.
2) الاتجاه الثاني :
"إن هذا الرأي يعتمد أيضا على أن الفصل الثاني من قانون غرة جوان 1972 لا يعطي اختصاصا استئنافيا للمحكمة الإدارية ، إلا في مادة التعويض ، وما دام الاسترجاع لا يدخل في هذه المادة فبالإمكان قبول الطعن فيه عن طريق القضاء الكامل ابتدائيا نهائيا، وهو ما يعني أن الدعوى الابتدائية تنتقل من الاختصاص المحاكم العدلية إلى اختصاص المحكمة الإدارية و تنعدم بذلك الدرجة الاستئنافية مثل الإلغاء ".
أن هذا الرأي كالرأي السابق ، قابل للانتقاد إذ انه ينطلق من الفصل الثاني من قانون المحكمة الإدارية و من خروج دعوى الاسترجاع عن مفهوم " النزاعات القضائية المتعلقة بالتعويض " (الفصل 2 من قانون المحكمة الإدارية ) ، وقد لاحظنا فيما سبق أن دعوى الاسترجاع يوجد فيها جانب تعويضي لا يجب إغفاله.
إضافة إلى هذا فان هذا الرأي من الصعب تطبيقه ، ذلك أن إجراءات الدعوى الابتدائية في القضاء الكامل غير متوفرة أمام المحكمة الإدارية ، كما تجب الإشارة إلى انه من الأحسن المحفظة على اختصاص المحكمة الإدارية استئنافيا في مادة الاسترجاع، وذلك محافظة على مبدأ التقاضي على درجتين الذي يجب تدعيمه لا الحياد عنه .
و يبدو إن كل هذه الأسباب مجتمعة، هي التي دفعت المحكمة الإدارية إلى تبني موقف مخالف للاتجاهات السابق عرضها.
ب ـ استقرار موقف فقه القضاء:
أن موقف المحكمة الإدارية بخصوص الاختصاص بفصل دعوى الاسترجاع ، كان مستقرا في نفس الاتجاه ، الذي يتلخص في اعتبار هذه الدعوى من اختصاص المحاكم العدلية ابتدائيا ، و من اختصاص المحكمة الإدارية استئنافيا فقط .
فقد أكدت المحكمة في قرارها المؤرخ في 22 فيفري 1976 أن "طلب إرجاع العقار المنتزع لعدم استعماله للمصلحة العامة التي انتزع من اجلها طيلة خمسة سنوات لا يدخل في نطاق اختصاص المحكمة الإدارية إلا استئنافيا" أن الواضح من خلال هذا القرار أن المحكمة الإدارية لم تعلل رأيها بل اعتبرت بصفة بديهية آن اختصاصها استئنافيا في دعوى الاسترجاع .
ويجد تعليل المحكمة الإداريّة آثاره في عدّة قرارات فقد اعتبرت أن هدف دعوى الاسترجاع هو إعادة الملكية المنتزعة إلى مالكها السابق و ليس إلغاء قرار إداري :
"و حيث أن الدعوى ترمي إلى إرجاع ارض منتزعة إلى أصحابها لعدم استعمالها للمصلحة العامة طيلة خمس سنوات " ...
لكن تعليلها كان أوضح في القرار المؤرخ في 14 جانفي 1980 تحت عدد 331 ، ورثة محمّد الحبيب الأصرم ضد المكلّف العام بنزاعات الدولة و رئيس بلديّة باردو الذي يمكن أن نقرا فيه ما يلي : "و حيث يتجلى مما سبق بيانه أن الدعوى تهدف لا مثلما قضى به حاكم البداية إلى الطعن بالإلغاء في الأمر المذكور أعلاه ، و إنما إرجاع الأرض إلى مالكتها السابقة بدعوى عدم استعمالها للمصلحة العامة في المدة القانونية المذكورة ، ولذا فان الدعوى المرفوعة إليه من اختصاصه ابتدائيا ، على ان يقع الاستئناف لدى المحكمة الإدارية طبقا للفصل 2 من القانون عدد 40 لسنة 1972 المؤرخ في 1 جوان 1972 "
يبدو جليا من خلال هذا القرار إن المحكمة الإدارية عللت رأيها بالرجوع للغاية من الدعوى الاسترجاع ، وهي إرجاع العقار مباشرة ، دون المرور بإلغاء أمر الانتزاع ، أو قرار الرفض الصادر عن الإدارة ، و لكنها أضافت إن هذا الاختصاص الاستئنافي للمحكمة الإدارية مصدره الفصل 2 من قانون المحكمة الإدارية ، وهو ما أكده القرار عدد 156 الصادر بتاريخ 2 جويلية 1981 مجلس ولاية نابل ضد رجب بن فرج القابسي و من معه الذي اعتبر أن النزاع المتعلق بالانتزاع للمصلحة العامة من أنظارها سواء كان تعويضيا أو في استرجاع وفقا لأحكام الفقرة الثانية من الفصل 2 من قانون 1972 والذي وقع تأييده بالفصل 49 من القانون المؤرخ في 11 1976 "
إن الملاحظ عبر هذا القرار أن المحكمة غيرت نسبيا تعليلها ، فهي ترى أن المشرع قد أوكل لها نزاعات الانتزاع زمرة واحدة عن طريق الفصل 2 من قانون غرة جوان 1972 ، وذلك دون تفريق بين النزاعات المتعلقة بالتعويض و النزاعات باسترجاع .
و موقف المحكمة الإدارية تترتب عليه نتائج يمكن حوصلتها كالآتي :
- يجب أن لا تقبل دعاوى الإلغاء في مادة الاسترجاع و ذلك لأنها لا تدخل في اختصاص المحكمة الإدارية إلا استئنافيا .
- المحاكم الابتدائية مختصة ابتدائيا و ليس لها أن ترفض دعوى الاسترجاع عدم الاختصاص .
- انفراد المحكمة الإدارية بالنظر في قضايا الاسترجاع استئنافيا ، يترتب عليه أن البت في هذه القضايا من قبل محكمة الاستئناف ، يعتبر تجاوزا في الاختصاص ، وهو ما أقرته المحكمة صراحة في القرار المؤرخ في 8 ديسمبر 1977 بلدية باردو / ورثة الحبيب الاصرم و المكلف العام بنزاعات الدولة : و حيث يتعين التذكير مبدئيا أن البت في القضايا الانتزاع هو من اختصاص المحكمة الإدارية استئنافيا و ولاية فيه للقضاء العدلي إلا ابتدائنا فقط ، حسب صريح الفصل الثاني من القانون عدد 40 المؤرخ في 1 جوان 1972 و عليه فان البت في النزاع من قبل محكمة الاستئناف بتونس .... يعتبر تجاوزا في الاختصاص لا يقره القانون " .
إلاّ أنّه في سنة 2002 تدخّل مجلس تنازع الاختصاص لفضّ هذا النزاع
ج ـ تأييد مجلس تنازع الاختصاص لموقف المحكمة الإداريّة:
أحدث هذا المجلس بمقتضى القانون عدد 38 لسنة 1996 و المؤرّخ في 03 جوان 1996 و المتعلّق بتوزيع الاختصاص بين المحاكم العدليّة و المحكمة الإداريّة و إحداث مجلس تنازع الاختصاص للبتّ في القضايا التي تهمّ اختصاص المحاكم إذا شملها لبس .
و بمناسبة القضيّة عدد 62 بتاريخ 18 ديسمبر 2002 بتّ المجلس في قضيّة تشير وقائعها أنّه بتاريخ 28 نوفمبر 1970 تمّ انتزاع عقاريين بمقتضى الأمر عدد 596 ، و بعد استيفاء شروط القيام بدعوى الاسترجاع قام المالكين الأصليّين برفعها أمام المحكمة الابتدائيّة بصفاقس التي قضت " بعدم سماع الدعوى و إبقاء مصاريفها محمولة على القائم بها"
فقام المالكون الأصليّون باستئناف هذا الحكم لدى المحكمة الاستئناف بصفاقس طالبين نقض الحكم الابتدائيّ إلاّ أنّ محامي بلديّة منزل شاكر تقدّم بمطلب في عرض القضيّة على مجلس تنازع الاختصاص معتبرا أنّ قضاء الاسترجاع يكتسي صيغة النزاع الإداري و يعود مطلقا إلى المحكمة الإداريّة ابتدائيّا و استئنافيّا طبق الفصلين 2 و 17 من قانون المحكمة الإداريّة
و جاء قرار مجلس تنازع الاختصاص عدد 62 بتاريخ 18 ديسمبر 2002 قاضيا بأنّ دعاوى الاسترجاع هي من اختصاص جهاز القضاء العدليّ ابتدائيّا و جهاز القضاء الإداري استئنافيّا و تعقيبيّا.
و قد استند المجلس عند إصداره لهذا القرار على الفصل 30 من قانون الانتزاع عدد 85 الصادر في 11 أوت 1976 معتبرا أنّ قضاء الانتزاع الذي تنظر فيه المحاكم العدليّة ابتدائيّا و الدوائر الاستئنافيّة بالمحكمة الإداريّة استئنافيّا طبقا للفصل 19 من قانون المحكمة الإداريّة في فقرته الثانية.
إرسال تعليق