تداول
ناشطون خلال الفترة الماضية خبرًا حول إصدار محكمة التعقيب، وهي أعلى
محكمة في الهرم القضائي في تونس، لقرار يقرّ بقبول الخيانة الإفتراضية كسبب
موجب للطلاق مع التعويض لصالح القرين المتضرر، وذلك كأول قرار من نوعه في
تونس كما تم ترويجه. وقد أثار هذا القرار موجة من الجدل والسخرية على مواقع
التواصل الاجتماعي محذرين الأزواج من تبعات ربط علاقات مشبوهة باستعمال
مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة فيسبوك.
ولكن
الحقيقة على خلاف ما تم ترويجه مؤخرا، إذ أن هذا القرار التعقيبي المتداول
بصفة متواترة مؤخرًا يعود تاريخه لجوان 2015 أي منذ أكثر من 4 سنوات.
والأهم من ذلك، أن محتوى هذا الحكم القضائي ليس الأول من نوعه، فليس بغريب
أو فتح جديد في القضاء التونسي. وقد تحصلنا على نسخة من حكم ابتدائي صادر
في فيفري 2015 أي قبل صدور القرار التعقيبي المذكور قضى بالطلاق للضرر عبر
خيانة مثبتة عبر موقع فيسبوك.
ما معنى خيانة إلكترونية؟
إن
ما وقع تسميته بـ"الخيانة الافتراضية" هو خرق للواجبات الزوجية المنصوص
عليها صراحة أو ضمنًا بمجلة الأحوال الشخصية ومنها بالخصوص حسن المعاشرة
بين الزوجين وعدم إلحاق الضرر بالقرين وواجب الإخلاص أو الوفاء كما يسمّيه
شراح القانون. ويقتضي هذا الواجب عدم قيام القرين بربط علاقات جنسية مع شخص
آخر وهو موجب للطلاق للضرر ولقيام جريمة الزنا أيضًا، كما يقتضي أيضًا عدم
القيام بربط علاقات ولو غير جنسية مع الغير، ذلك أن عقد الزواج يفترض وفاء
كل زوج للآخر والإخلاص إليه. وهذا الصنف الثاني من خرق واجب الإخلاص لا
يؤدي لقيام جريمة الزنا ولكنه يمنح للقرين المتضرر حق رفع دعوى للطلاق
للضرر والحصول على تعويض مادي ومعنوي.
وفي
القرار التعقيبي الذي وقع تداوله يظهر من وقائعه أن الزوج علم بربط زوجته
لعلاقة حميمية مع رجل عبر الارساليات عبر الهاتف الجوال، وقد تقدم بشكاية
في الزنا ضد زوجته وكذلك بدعوى للطلاق للضرر. ويتبين أن محكمة الأصل قضت
بعدم سماع الدعوى في قضية الزنا لعدم ثبوت وجود علاقة جنسية بين الزوجة
والرجل، ولكن أقرت المحكمة الابتدائية ثم محكمة الاستئناف بالطلاق للضرر ضد
الزوجة وتغريمها 3000 دينار لقاءه ضرره المعنوي. فتعقبت الزوجة القرار
الاستئنافي باعتبار أنه تم القضاء بعدم سماع الدعوى في قضية الزنا، ولكن
محكمة التعقيب أقرت أن الارساليات القصيرة وإن لم تثبت وجود علاقة جنسية
حميمية بين الزوجة والغير فإنها تثبت اخلال الزوجة لواجب "احترام العلاقة
الزوجية" وهو ما يجعل الحكم بالطلاق للضرر وتغريمها بالتعويض في طريقه.
وإجمالًا،
كما قد يقع إثبات خرق واجب الإخلاص أو الوفاء بإقرار القرين الفاعل، أو
بشهادة الشهود، فإنه قد يقع إثباته عبر المراسلات الإلكترونية على مواقع
التواصل الاجتماعي، أو عبر الإرساليات القصيرة على الهاتف الجوال بما
تتضمنه من رسائل بين القرين والغير تثبت وجود علاقة عاطفية أو حميمية فيما
بينهما. ولكن لا يعتد القضاء بالمراسلات الإلكترونية أساسًا إلا حين
معاينتها عبر محضر من طرف عدل منفذ.
حكم قضائي ليس الأول من نوعه
ليس
القرار التعقيبي كما ذكرنا هو الأول من نوعه. إذ أصدرت المحاكم التونسية
عديد الأحكام القضائية بالطلاق للضرر لخرق القرين لواجب حسن المعاشرة
والإخلاص وذلك سواء وقع الإثبات عبر الوسائل التقليدية أو الوسائل الحديثة.
فالزوج الذي يربط علاقة مع امرأة على فيسبوك ويتواصل معها بصفة مستمرة
رابطًا علاقة عاطفية، ولو دون أن يقابلها في الواقع، يكون قد خرق واجب
الإخلاص لزوجته التي يمكن لها حين التفطن لهذه العلاقة أن تتوجه للقضاء
لطلب الطلاق للضرر الحاصل لها.
وقد
تحصلنا على نسخة من حكم قضائي صادر عن المحكمة الابتدائية بتونس في 10
فيفري/فبراير 2015، قبل صدور القرار التعقيبي الذي أثار الجدل، أسست فيه
الزوجة طلبها الطلاق على خيانة زوجها لها بربطه علاقات خارج إطار الزواج
عبر شبكة التواصل الاجتماعي "فيسبوك". واعتبرت المحكمة أن تبادل الزوج
لرسائل حميمية مع امرأة غير زوجته "يُعتبر إهانة لكرامة زوجته وإساءة
لمعاملتها".
وأضافت
المحكمة أن "التعلل بأن العلاقة هي افتراضية وبالتالي لم ترقى إلى المستوى
الحسّي مردود إذ يكفي أن الزوجة صارت على علم بها وعرفت أن زوجها إنما يوجه
اهتمامه العاطفي والجسدي لامرأة أخرى حتى يحصل لها الضرر إذ أن الإساءة
للقرين لا تقتضي طابع العلنية، وإنما يكفي أن تكون ثابتة تستهدف حرمته
الجسدية أو المعنوية التي تهز ثقة الشخص بذاته وبعلاقته بقرينه مرتكب
الضرر".
وأكدت المحكمة أن
خطأ الزوج وإن كان لا يرقى إلى مستوى الخطأ الجزائي (أي أنه لا يؤدي لقيام
جريمة الزنا) فإنه خطأ مدني من خلال خرق واجب حسن المعاشرة وعدم إلحاق
الأذى بزوجته كما نص عليه الفصل 23 من مجلة الأحوال الشخصية. وقد قضت
المحكمة بالحكم بالطلاق للضرر مع تغريم الزوج بمبلغ 13 ألف دينار لقاء
الضرر المعنوي للزوجة و10 آلاف دينار لقاء ضررها المادي.
إرسال تعليق