لم تعرف الشرائع القديمة كالقانون الروماني أو القانون
الكنسي مبدأ سلطان الإرادة و لم يصل هذا المبدأ إلا بعد تطور طويل خاصة فيما يتعلق
بالإرادة في حد ذاتها لإنشاء التصرف دون ضرورة أن يأتي في شكل أو في آخر.
و بعد سقوط الدولة الرومانية و خلال العصور الوسطى كانت
الكنيسة أكبر عون له إذ تنادي باحترام العهود و المواثيق إذ قررت أن كل اتفاق يكون
ملزما و لو تجرد من الشكلية ففي القرن 17 أوضحه المذهب الفردي الليبرالي فكان سبب
ازدهار مبدأ سلطان الإرادة و ذلك من خلال تبجيله واحترامه للفرد و اعتباره محور
القانون و أساسه إذ يقول أحد الفقهاء و هو الفقيه لوا زيل " إن الأبقار تقيد
من قرونها و الرجال يقيدون من ألسنتهم" وقد بلغ أوجهه في القرن التاسع عشر.
بهذا تعتبر الحرية التعاقدية وليدة هذا المبدأ إذ أن
إرادة الفرد وحدها تكفي لإبرام العقود, و بالتالي تستطيع هذه الإرادة إنشاء
الالتزامات العقدية, دون قيد على حرية الإنسان الكاملة.
ويبدو أن مجلة الالتزامات والعقود قد استلهمت وتأثره
كثيرا بأفكار المذهب الفردي الليبرالي فهي تكرس في عدة مناسبات مبدأ سلطان الإرادة
والرضائية في العقود ولكن في نفس الحين وفي نفس المجلة تعطي للقانون دورا هاما في
ضبط وتحديد مسألة التعاقد .
يكتسي مثل هذا الموضوع أهمية نظرية بالغة فضلا عن أهميته
التطبيقية ,حيث على صعيد المحاكم التونسية نستنتج أن القاضي التونسي متشبث بتكريس
مبدأ سلطان الإرادة والحرية التعاقدية إلى حد أن موقف القاضي التونسي وصل في بعض
الأوقات وطيلة سنوات إلى التحجر حيث رفض القاضي التونسي خلال مدة زمنية طويلة
التدخل قصد تعديل ما يسمى الشرط التغريمي أو الشرط الجزائي حتى ولان كان هذا الشرط
مشطا أو مجحفا ولعل
الحيثية الواردة بإحدى قرارات محكمة التعقيب المؤرخ في
18/2/1967 أحسن دليل على ذلك حيث تقر هته الحيثية "ما اتفق عليه المتعاقدان
يقوم مقام القانون بينهما ".
إن هذه الحيثية تكاد تكون نقل حرفي لأحكام الفصل 242
م.ا.ع "ما انعقد على الوجه الصحيح يقوم مقام القانون فيما بين المتعاقدين
".
وهذا ما يجعلنا نثير التساؤل التالي كإشكالية قانونية
يتناولها الموضوع ,
إلي أي مدى يكرس القانون التونسي الحرية التعاقدية ؟
الجزء الأول: مظاهر تكريس الحرية
التعاقدية في القانون التونسي
تبرز الحرية التعاقدية في القانون التونسي على مستويين,
على مستوى تكوين العقد (أ) وعلى مستوى آثار العقد (ب).
أ-الحرية التعاقدية على مستوى تكوين العقد :
يقصد بمبدأ الحرية التعاقدية كقاعدة عامة, حرية الشخص في
التعاقد من عدمه, حيث لا يوجد أي نص قانوني يجبر الشخص على الزواج أو الاقتراض
,الشراء أو الكراء, الهبة أو الجعل ...كما للشخص الحرية في اختيار معاقده(1),
الحرية في تحديد مضمون العقد(2), وتأكد احترام المشرع التونسي لهذا المبدأ من خلال
المظهر القانوني المتعلق بقاعدة الرضائية بمعنى حرية الأطراف في اختيار شكل العقد
حيث نص الفصل الثاني من م.ا.ع »أركان العقد الذي يترتب عليه تعمير الذمة هي :
أولا :أهلية الالتزام والإلزام
ثانيا :التصريح بالرضا بما ينبني عليه العقد تصريحا
معتبرا
ثالثا :أن يكون المقصود من العقد مالا معينا يجوز
التعاقد عليه
رابعا :أن يكون سبب الالتزام جائزا . «
------------
(1)- نستخلص من صريح
الفصل 23 م.ا.ع »لا يتم الاتفاق إلا بتراضي المتعاقدين « , فعبارة
الاتفاق تستدعي وجود الاعتبار الشخصي وتفترض منطقيا أن يختار كل متعاقد الطرف الذي
سيتفق معه.
(2)- حيث جاء بالفصل
23 م.ا.ع أنه »لا يتم الاتفاق إلا بتراضي المتعاقدين على أركان العقد وعلى
بقية الشروط المباحة التي جعلها المتعاقدان كركن له « وهذا تأكيد
من المشرع على حرية الأطراف في اختيار زمان و مكان ومحتوى العقد.
-----------
ينشأ العقد صحيح طبق هذه الأركان وهي أهلية
,رضا,محل,سبب,ويتضح من هذا الفصل أن الرضائية كافية لإبرام العقود دون
اشتراط ركن خامس يتعلق بشكل معين للعقد فيبقى المبدأ هو الرضائية في أغلب العقود
لان المشرع التونسي إذا ما اشترط شكلية معينة في العقد فهو ينص على ذلك صراحة ,مثل
عقد الهبة مثلا الذي جاء بالفصل 204 م.أ.ش فقرة أولى مايلي » لاتصح
الهبة إلا بحجة رسمية « .(1)
وفي صدد الحديث عن الرضائية وليس الرضا كمبدأ عام يمكن
الاستدلال بأحكام عقد البيع والكراء ,كنصوص تطبيقية للمبدأ العام انف الذكر.
حيث جاء بالفصل 580 م.ا.ع »إذا وقع من المتعاقدين
ما يدل على الرضاء بالبيع واتفقا على الثمن والمثمن وعلى بقية شروط العقد انعقد
البيع بينهما. «
فالمبدأ في عقد البيع أنه عقد رضائي كما أنه ملزم
لجانبين لذلك يجب التعبير عن التراضي ويكون الرضا سليما خاليا من العيوب وصادرا عن
من توفرت فيه أهلية التعاقد فينعقد بمجرد تطابق الإيجاب والقبول وهذا تكريسا لمبدأ
الحرية التعاقدية ولكن في بعض الحالات الاستثنائية يتدخل المشرع بموجب قواعد أمرة
بما يسمى بقواعد النظام العام الاقتصادي وهذا التدخل التشريعي قد يتدخل بفرض شكل
خاص في عقد البيع ولكن مع ذلك يبقى هذا التدخل مظهرا استثنائيا للخاصية الرضائية
في تعريف عقد البيع.(2)
أما فيما يتعلق بالرضائية في عقد الكراء فجاء الفصل 728
م.ا.ع بصريح العبارة » يتم الكراء بتراضي المتعاقدين على المكرى وقيمة الكراء
وغير ذلك مما عسى أن يشترط في العقد « .
فالرضائية هي المبدأ في إتمام عقد الكراء ويبرم بتطابق
الإيجاب بالقبول بين المسوغ و المتسوغ على استغلال المكرى من ناحية ومقدار
المعاليم الكرائية من ناحية أخرى.
------------
(1)-يراجع في هذا
الصدد , -خليفة الخروبي ,محاضرات جامعية في مادة العقود المسماة
(2)- -خليفة الخروبي
,محاضرات جامعية في مادة العقود المسماة
----------
من خلال ما تقدم من أمثلة تطبيقية ,يتضح أن للإرادة دور
هام و أساسي في إنشاء الالتزام ولقد ذهب أنصار مبدأ سلطان الإرادة إلى أن للإرادة
السلطان الأكبر في تكوين العقد وفي الآثار التي تترتب عليه بل وفي جميع الروابط
القانونية ولو كانت غير تعاقدية (1).
أما المشرع فقد أولى للإرادة مكانة بارزة في المنظومة
القانونية لا فقط على مستوى تنظيمها أو تأطيرها و الإقرار بها بل تجاوزها إلى حد
حماية هذه الإرادة من العيوب التي قد تشوبها.
ولذلك نص الفصل 43 م.ا.ع بصريح العبارة أنه »
الرضا الصادر عن غلط أو عن تغرير أو عن إكراه يقبل الإبطال « .
يعتبر الغلط ,التغرير والإكراه عيوبا تفسد الرضا
فالإرادة المجردة لاتكفي بل لابد من التحقق من سلامة الرضا الصادر عن المتعاقد
بخلوه من العيوب وإلا يكون عرضة للإبطال .
ومقصد المشرع من الإبطال في هذا السياق البطلان النسبي
والذي يختلف عن البطلان المطلق من حيث النشأة و التكوين والآثار ,فالعقد يولد ميت
هنا لكن عند التطرق إلى البطلان النسبي فالعقد يولد صحيح لكن تتخلله علة يجوز
إبطالها كما يجوز التصديق في شأنها.
إن الحرية التعاقدية لا تفرض فقط على المتعاقدين بل تمتد
إلى القاضي ويتجلى هذا خاصة من خلال الفصلين 513 و 515 م.ا.ع حيث إذا كانت بنود
العقد واضحة لا يجوز للقاضي التدخل لتأويل بنود عقد واضح وصريح لكن في المقابل
بإمكانه تأويل بعض البنود الغامضة في العقد وذلك بالرجوع لا إلى الإرادة الظاهرة
للمتعاقدين فقط بل إلى الإرادة الباطلة .(2)
إن قواعد العقد الغامض شبيهة بقواعد النص الغامض حيث أن
النص الصريح لا يحتاج لتأويل.
------------
(1)-الوسيط في شرح
القانون المدني,مصادر الالتزام ,السنهوري ص 120.
(2)-قرار تعقيبي عدد
192 مؤرخ في 2/11/1976 نشرية محكمة التعقيب لعام 1976,ج3,ص93 جاء فيه
مايلي » ما يتفق عليه الطرفان فانه يقوم مقام القانون بينهما إذا انعقد على
الوجه الصحيح وتفسير مثل هاته العقود وتقرير مدى ما ترمي إليه أمر موضوعي يرجع
لاجتهاد قاضي الأساس شريطة التعليل المستوجب بدون خطأ أو تحريف «
------------
أما القاعدة القانونية الغامضة يؤولها القاضي انطلاقا من
مقصد المشرع وهذا ما أشار إليه المشرع » مراد واضع القانون « وذلك
بالرجوع إلى المشاريع التمهيدية و مداولات مجلس النواب السابقة للمصادقة على
القانون .
إن تكريس الحرية التعاقدية لاينحصر فقط في مستوى تكوين
العقد بل يمتد إلى آثار العقد.
ب-الحرية التعاقدية على مستوى أثار
العقد (1):
تبرز هذه الحرية من خلال مبدأين ,القوة الملزمة للعقد من
ناحية ,والأثر النسبي للعقد من ناحية أخرى .
و لتقديم القوة الملزمة للعقد نستند إلى الفصل 242 الذي
جاء به »ما انعقد على الوجه الصحيح يقوم مقام القانون فيما بين المتعاقدين
ولا ينقض إلا برضائهما أو في الصور المقررة في القانون « .أراد المشرع بهذا
أن ينزل الإرادة منزلة القانون فإذا نشأ العقد صحيحا قام مقام القانون وهذه
القاعدة هي نتيجة مباشرة لمبدأ سلطان الإرادة تعطي أساسا اقتصاديا واجتماعيا
للعقد فالثقة في التعامل هي جوهر الحياة الاقتصادية والاجتماعية .
ولقد جاء بقرار تعقيبي عدد 59/397 مؤرخ في 1/11/1960
نشرية محكمة التعقيب لعام 1960ص 62 مايلي "العقد القانوني هو شريعة الطرفين
".
كما ورد بقرار تعقيبي أيضا "ما يتفق عليه الطرفان
فانه يقوم مقام القانون بينهما إذا انعقد على الوجه الصحيح وتفسير مثل هاته العقود
وتقرير مدى ما ترمي إليه أمر موضوعي يرجع لاجتهاد قاضي الأساس شريطة التعليل
المستوجب بدون خطأ أو تحريف "
------------
(1)-كرس المشرع هذا
المبدأ صلب الفصل 242 م.ا.ع وهو يرمي إلى إقرار حرية الأطراف في الاتفاق على تعديل
العقد أو فسخه فلا يتم ذلك إلا برضائهما وهذا هو المبدأ
------------
إن مبدأ القوة الملزمة و على مستوى أول يسلط على الأطراف
من ناحية وعلى القاضي من ناحية أخرى حيث يحمل على الأول الوفاء بالالتزام و على
الثاني احترام العقود ويجب أن يعتبرها بمثابة القانون له تفسيرها لكن ليس له
تعديلها أو تغيير محتواها(1).
أما على مستوى ثاني ووفق مبدأ سلطان الإرادة فانه
للأفراد الحرية المطلقة في التعاقد كما لهم تحديد الحقوق والواجبات التي ارتضوها
لأنفسهم عند التعاقد وهذا هو نطاق القوة الملزمة للعقد(2).
أما على مستوى الأثر النسبي للعقد وتجسيدا لهذا المبدأ
فان العقد لا يرتب أثاره إلا بين المتعاقدين وهو لا يسري تجاه الغير.
فالغير هو من لم تساهم إرادته في تكوين العقد أي لم يكن
طرفا في العقد.
رغم تجليات الحرية التعاقدية ورغم تعدد مظاهرها الا أنها
تبقى محدودة في ظل هذه التطورات الصناعية والتجارية والتكنولوجية و بروز فكرة
النظام العام على أكثر من منهج.
فالعقد هو الالتزامات المصرح بها إراديا و التزامات
ضمنية مصدرها القانون والعرف والإنصاف.
------------
(1)-قرار تعقيبي
مدني مؤرخ في 28 أفريل 1975 نشرية محكمة التعقيب لسنة 1975 ص 224
(2)-أنظر أحكام
الفصل 234 م.ا.ع
----------
الجزء الثاني :القيود الواردة على مبدأ الحرية
التعاقدية
إن الحرية التعاقدية محددة على مستوى القاعدة القانونية
(أ) ومقيدة بالنظام العام (ب).
أ-القيود الواردة على مستوى القاعدة القانونية :
نفس الفصل 242 م.ا.ع يمكن استغلاله من زاويتين, الأولى
باعتباره يجسم إحدى مظاهر الحرية التعاقدية والثانية باعتباره قيد على الحرية التعاقدية.
وما يلفت الانتباه في هذا الفصل ورود كلمة "على
الوجه الصحيح" وكأن المشرع يضع شرط فلا يرتقي العقد إلى مرتبة القانون بين
الطرفين إلا إذا أبرم على الوجه الصحيح وكان مطابقا للقانون من ذلك أقر الفصل 67
م.ا.ع أن السبب في العقد يجب أن يكون جائزا أو مشروع مطابق للقانون وللنظام العام
وللأخلاق الحميدة ومن ناحية أخرى تعتبر مؤسسة الشفعة قيد هام يطرأ على الحرية
التعاقدية ويتجلى ذلك خاصة من خلال الفصلين 103 و 114 عيني .
حيث أن الشريك في الملك المشاع ليس من حقه بيع المناب
للأجنبي طالما وأن أجال الشفعة ما تزال قائمة. ويعرف الأجنبي في نطاق مؤسسة الشفعة
من لا يحمل صفة الشريك.
الفصل 243 م.ا.ع يعد قيد أخر يطرأ على الحرية التعاقدية
إذ لا بد من الالتزام بمقتضيات العرف والإنصاف والقانون
وتتعدد القيود كالقيود التي يفرضها في بعض الأحيان على
حرية اختيار زمان ومكان ومحتوى العقد فعلى خلاف الفصل 23 م.ا.ع الذي كرس هذه
الحرية يأتي الفصل 565 من نفس المجلة الذي جاء به "بيع المريض مرض الموت يخرج
مخرج الوصية " والمريض مرض الموت هو شخص سليم المدارك العقلية اتجهت إرادته
نحو إبرام عقد بيع ناقل للملكية,فتدخل المشرع لتحديد هذه الإرادة بجعل هذا البيع
لا يجوز إلا بموافقة جميع الورثة إذا كان لوارث من ناحية ولا يجوز إلا في
حدود ثلث التركة إذا كان لغير وارث من ناحية أخرى.
وهناك أمثلة أخرى كالعقود الموجهة (1) والعقود
الجماعية(2).
ولان كانت اغلب العقود تخضع للرضائية إلا أن المشرع وفي
بعض العقود يجعل من الشكلية الركن الأساسي الذي بغيابه يعد العقد باطل فاشتراط
الكتب نجده في العديد من المجالات القانونية فالفصل 4 م.أ.ش ينص على أنه"لا
يثبت الزواج إلا بحجة رسمية يضبطها قانون خاص" فلا يعد العقد صحيحا إلا بتوفر
هذا الشرط وهو شرط الكتابة وعادة ما نميز بين شروط صحة العقد وشروط نفاذ العقد حيث
يرمي الأول لتنبيه المتعاقدين على خطر ما يقدمون عليه من تعاقد وحماية لمصالحهم
مثلما جاء بالفصل 581 م.ا.ع يتعلق بالكتب في إطار بيع العقارات بوجه عام.أما
الثاني فالغاية من اشتراطها هي حماية الغير من التدليس الذي قد يحصل من جراء تسبيق
التاريخ فيتدخل المشرع ليجعل الإشهار إجراء يهدف إلى إعلام الغير بالتصرف القانوني
و مثال ذلك ما جاء بالفصل 460 م.ا.ع حيث جاء به "اعتراف الخصم بخطه أو
بإمضائه لا يسقط حقه في معارضة الكتب بجميع الأوجه الباقية لديه من حيث الأصل أو
من حيث الشكل."
_________
(1)- هي العقود التي
يتدخل المشرع لتنظيمها عبر قواعد أمرة مثل عقد الشغل ,عقد التأمين,عقد الكراء
الفلاحي,عقد الكراء التجاري...
(2)-وهي انطواء
الفرد تحت لواء طائفة معينة مثل نقاية أو جمعية يجعل الفرد يخضع لعقود لم يساهم
فرديا في تحديد مضمونها.
_________
أما فيما يتعلق بالقاعدة القانونية التي وضعها المشرع
بالفصل 242 م.ا.ع التي تعطي للأطراف الحرية في الاتفاق على تعديل العقد أو فسخه
تعد مقيدة عند الوقوف عند بعض المؤسسات القانونية الأخرى حيث يعد عقد الزواج عقد
في نهاية الأمر لكن الطلاق وان كان بالتراضي فهو يشترط صدور حكم فيه من المحكمة
(1)
كذلك الشأن بالنسبة للمالك الذي يريد إنهاء عقد الكراء
التجاري بدفع غرامة حرمان للتاجر المتسوغ الذي استغل في المحل المكرى أصلا تجاريا
لمدة تزيد عن السنتين (2).
يتضح من خلال كل القيود المذكورة أنها مضبوطة من حيث
الشروط ومنها ما يستدعي إجراءات معينة أو يقتضي أجالا خاصة .
هذا يؤكد أن الحد من الحرية التعاقدية يبقى هو الاستثناء
الذي لا يمكن أن يتحول إلى قاعدة ,إذن رغم تعدد الاستثناءات فان المبدأ في القانون
التونسي هو الحرية التعاقدية وليس العكس والاستثناء لا يتحول إلى قاعدة .
_________
(1)-أنظر الفصل 30
م.ا.ش .
(2)-القانون عدد 37
لسنة 1977 مؤرخ في 25 ماي 1977 المنظم للعلاقات بين المسوغين والمتسوغين للمحلات
التجارية.
_________
ب-القيود الواردة على الحرية التعاقدية على مستوى النظام
العام :
نميز بين نوعين من النظام العام ,النظام العام
التوجيهي(أ) والنظام العام الحمائي(ب) .
أ)-النظام العام التوجيهي :
في نطاق
النظام العام التوجيهي نميز بين صنفين من القوانين الآمرة (1) والقوانين المكملة
للإرادة (2).
1-القوانين الآمرة :
القواعد الآمرة وهي قواعد لا يمكن مخالفتها أو استبعادها
لتعلقها غالبا بالنظام العام فهي تضبط نطاق العقد دون اعتبار لإرادة الأطراف.
ففي صورة صدور قانون جديد يهم موضوع العقد فهو لا يسري على الماضي إلا في
صورة ارتباطه بالنظام العام وبالتالي سيكون في هذه الحالة معدلا لإرادة الأطراف
ومحددا لمحتوى العقد. مثال: عقود الكراء ألفلاحي و عقود الشغل, أحكام قانون 1987
المتعلقة بالكراء الفلاحي الناصة على أن كراء العقارات الفلاحية التي" لا
يمكن أن تقل عن 3 سنوات قابلة للتجديد" تطبق حتى على الأوضاع التعاقدية
الجارية.
قبلت محكمة
التعقيب 1981سريان قانون 1978 على حوادث الشغل الواقعة قبل صدوره اعتمادا على أن
"الحقوق الوارد بهذا القانون المذكور تهم النظام العام لتعلقها بمستحقات
العمال لأجورهم القانونية." أما التحديد التشريعي لمدة العقود ,الأطراف
ليسوا أحرارا في تحديد مدة بعض العقود: الكراء الفلاحي(قانون 1987) : لا تقل مدته
عن 3 سنوات. المكترين لمحلات معدة للسكنى أو حرفة أو الإدارة العمومية ( قانون 1976
), لهم حق البقاء إلى أجل مسمى وقع التمديد فيه دوريا بقوانين إضافية " وذلك
دون اعتبار لكل شرط وارد بالعقد"
الاكرية التجارية تخضع لنظام آمر وفيما يتعلق
بالتحديد التشريعي لكيفية تنفيذ العقود , فان بعض العقود تخضع في كيفية تنفيذها
إلى أحكام قانوني مثل ضبط معلوم الكراء بالنسبة لأراضي الزراعات الكبرى
(قانون 1987):"بالرجوع إلى قيمة الكراء الفلاحي التي تضبط كل سنة بالأمر
المتعلق بتعيين سعر الحبوب وبكيفيات دفع أثمانها وخزنها وإحالتها "(1).
___________
(1)-الأكرية التجارية مراجعة معينات الكراء فيها تخضع
لقانون25/5/ 1977 المتعلق بتنظيم كراء المحلات التجارية. و الفصل 137 م ا ع يعطي
للقاضي صلاحية منح المدين آجلا على وجه الفضل لسداد الدين.
___________
2-القوانين
المكملة :أو القواعد المكملة وهي التي يعطي القانون الحق للأفراد في
استبعادها والاتفاق على خلافها وعند سكوتهم تعتبر نافذة بحقهم فهي تؤثر على العقد
إذا التزم الطرفين السكوت في خصوص شروط الاتفاق الحاصل بينهما . و الهدف من هذه
القوانين هو إعفاء الأطراف من عناء التفكير في كل جزئيات العقد . أمثلة : البيع :
يتم بمجرد إتفاق الأطراف على الثمن والمثمن دون بقية التفاصيل التي تنظمها الفصول
المتعلقة بالبيع ( الفصول 565حتى 582 م إ ع) عقد الشركة يكفي ذكر البيانات
الأساسية : وما زاد عن ذلك يمكن فيه اعتماد القواعد القانونية المتعلقة بنوع
الشركة المحدثة .
ب)- النظام العام الحمائي : لقد تم إقرار النظام
العام الحمائي فقد تم إقراره كقيد على الحرية التعاقدية نظرا لاختلال موازين القوى
وتدخل الدولة لحماية الطرف الضعيف في العقد مثل حق الأولوية في الشراء قانون
عدد 39 لسنة 1978 مؤرخ في 8 جوان 1978.
على المالك قبل القيام ببيع العقار إعلام المتسوغ بنيته
في إحالة هذا العقار وعلى هذا الأخير إن ارتضى الشراء التعبير عن رغبته في اجل
محدد وعدم احترام هذه الإجراءات يخول للمتسوغ طلب الحلول محل المشتري في التملك
بالمبيع.
أما في قانون المنافسة والأسعار (1) وحماية
المستهلك نلاحظ أه ذو صبغة حمائية للمستهلك خاصة في زمن كثر فيه اللجوء إلى
الإشهار وتدعيم التشجيع على التجارة الحرة .
كما يقلص دور الحرية خاصة في التعاقد من عدمه إجبارية
التامين (2) يعتبر قيد هام يطرأ على هذه الحرية ويعد التأمين إجباري لفائدة
المتضررين من حوادث الطرقات .
(1)- قانون عدد 64
لسنة 1991 مؤرخ في 22 جويلية 1991
(2)- قـانــون
عـــدد 24 لســـنة 1992 مــؤرّخ في 9 مــارس 1992 يتعلّق بإصـدار مجــلّة
التـأمــين