مقدمة:
إن الجرائم على إختلافها تحمل طابع عصرها , فهي تنشأ و تتطور بتأثير العوامل و الظروف التي تتخلل نظام المجتمع الإنساني في نواحيه المتعددة و ذلك على إمتداد فترات زمنية متفاوتة , و لا تحيد جريمة السرقة عن هذا المسار .
و لئن إعتبرت جريمة السرقة ليست بالجريمة الجديدة فإنها تعد كذلك من أكثر الجرائم المثيرة للجدل و الإستفسار و الإختلاف في الفقه و فقه القضاء .
بصفة عامة فإن جرائم الإعتداء على الملك و بالوجه الخصوص جريمة السرقة تعد من قبيل الجرائم الأكثر إثارة للجدل لما قد يبدو في مفهومها من مرونة تجعلها قابلة لإحتواء أنماط متعددة من مظاهر السلوك الإجرامي و نجد هذه الأهمية التي يكتسبها مفهوم جريمة السرقة و التي ما فتئت تتجلى على مستوى عناصره المختلفة , مصادرها بالأساس في غياب التحديد التشريعي الدقيق لهذا المفهوم .
فالسرقة لغة هي أخذ الشخص ما ليس له بصورة مستترة فإن أخذ من ظاهر فهو مختلس و مستلب و منتهب و إن منع مما في يديه فهو غاصب .
أما على المستوى التشريعي فإنه يمكن إستيقاء مفهوم من خلال ما جاء صلب الفصل 258 من المجلة الجزائية على أن " من يختلس شيئا ليس له يصير مرتكبا للسرقة ". و عليه فإن السرقة هي إختلاس شيئا على غير ملك خاص .
من خلال ما جاء صلب هذا الفصل نتبين أن المشرع التونسي لم يختلف عن أغلب التشريعات الأخرى في العالم كالمشرع المصري الذي إعتبر أن " كل من إختلس منقولا مملوك منقولا لغيره فهو سارق " هذا و قد نص على نفس الشيء القانون المغربي بقوله " أن من إختلس منقولا مملوكا للغير يعد سارقا ". في حين إعتبر كل من المشرع الفرنسي و المشرع البلجيكي أن السرقة هي إختلاس شيء للغير عن سوء قصد.
ما تجدر ملاحظته أن أغلب النصوص التشريعية الواردة , تبدو قاصرة عن إعطاء مفهوم قاطع لجريمة السرقة فقد إكتفى المشرع التونسي صلب الفصل 258 من المجلة الجزائية بتحديد الركن المادي لهذه الجريمة و المتمثل في الإختلاس , الشيء الذي فتح الباب لإجتهادات فقهية فقد رأى البعض أنها أخذ مال الغير خفية أي دون علمه و بدون رضاه .
إن الحاجة لضبط مفهوم دقيق و واضح لجريمة السرقة أمر تفرضه ضرورة التمييز بين هذا الصنف من الجرائم و الجرائم الأخرى المجاورة له و المنضوية في نطاق جرائم الإعتداء على الملك كجريمتي التحيل و خيانة الأمانة .
نظرا لخطورة جريمة السرقة و لمالها من إنعكاسات على النظام العام و السلم الإجتماعي فإن المشرع الجزائي التونسي قد قسم جريمة السرقة إلى صنفين رئيسيين يتعلق الصنف الأول بجريمة السرقة المجردة أو السرقة البسيطة و هي التسمية التي يطلقها عليها بعض الفقهاء , و هذا الصنف تتوفر فيه جميع أركان جريمة السرقة و المتمثلة في إختلاس منقول مملوك للغير بغير رضاه و بنية التملك دون أن يضاف لهاته الأركان أحد العناصر القانونية التي يعلق عليها القانون أثرا على توفرها .
و أما الصنف الثاني فهو يتعلق بجريمة السرقة المركبة أو ما يسمى جريمة السرقة الموصوفة و هي الجريمة التي تتوفر فيها كل أركان السرقة البسيطة إلا أن هاته السرقة قد تقترن بعنصر من العناصر التي علق عليها القانون أثرا معينا, و هاته العناصر التي إقترنت بها جريمة السرقة الموصوفة لها خصوصية معينة بحيث أنها في مرحلة أولى لا تكون عناصر إضافية و إنما هي عناصر أساسية نص عليها المشرع الجزائي بالتحديد من خلال الفصل 260 من المجلة الجزائية .
للإشارة فإن هذه العناصر وعند توفرها تساهم في تحول صبغة السرقة من بسيطة إلى مركبة أي من مجردة إلى موصوفة بالتالي فإن العقوبة تقترن بظرف من ظروف التشديد و في صورة ما إن لم تقترن جريمة بعنصر من عناصر التشديد يقع تكييفها على أنها بسيطة و لا يقع التشدد في عقابها .
على الرغم من نجاعة هذا التقسيم فإن السرقة بصفة عامة عرفت تطور تاريخي هام بحيث كان محل إهتمام النظريات و التشاريع السماوية منها و الوضعية و التي حاولت حصر إهتمامها في تحديد ماهية جريمة السرقة في مرحلة أولى و تحديد الآثار المترتبة عنها في مرحلة ثانية .
جدير بالذكر أن هاته التشاريع كانت متنوعة من ذلك مثلا التشريع الفرعوني الذي وسع من مفهوم الجريمة ليشمل كافة مظاهر الإستيلاء على مال الغير كغيرها من جرائم التحيل و خيانة الأمانة , و تعد خاصة إذا تسلطت على ممتلكات شخص عادي في حين تعتبر عامة إذا تسلط الإعتداء على ممتلكات الآلهة أو الملك .
أما التشريع البابلي فلقد إختلف عن التشريع الفرعوني حيث أنه ميز جريمة السرقة بنوع من الخصوصية فلم يحصرها فقط في الأشياء المنقولة سواء أ كانت تابعة للذوات الطبيعية أو الآلهة لتشمل بذلك كل الأشخاص سواء أ كانوا أحرارا أم عبيد.
لكن و بالرغم من إهتمام هذه التشاريع بهاته الجريمة إلا أنها لم يقع التطرق إليها بشكل واضح و دقيق إلا من خلال التشاريع السماوية كالتشريع اليهودي الذي أكسب السرقة طابعا دينيا حيث حرمة و جرمت بإسم الدين , و كذلك التشريع الإسلامي الذي إعتنى بهذه المسألة بقوله سبحانه و تعالى في سورة البقرة " و لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل و تدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم و أنتم تعلمون" و على الرغم من إختلاف المذاهب في تعريفها إلا أن النص القرآني جاء صريحا في تحريمها من خلال إقرار عقوبة لمرتكبها و يظهر ذلك بقول الله سبحانه و تعالى " و السارقة و السارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا...".
نظريا فإن أهمية الموضوع تتلخص أساسا في سكوت المشرع و عدم إقراره لتعريف قاطع لجريمة السرقة الشيء الذي أتاح فرصة الإجتهاد و الإستنباط لعديد الفقهاء الذين لئن إختلفت تراكيب صياغتهم للمفهوم فإن المضمون كان على غاية من التشابه .
تطبيقيا فإن التمييز بين جريمتي السرقة المجردة و السرقة الموصوفة ساهم في تكييف الأفعال المكونة للجريمة و ظروف قيامها الشيء الذي مكن من تحديد مدى خطورتها على المجتمع عامة و على أصحاب الأموال خاصة و بالتالي إقرار العقوبة المتناسبة مع التكييف سواء أ كان بالتشدد أو عدمه .
يطرح موضوع السرقة المجردة و السرقة الموصوفة عديد الإشكالية لعل أنسبها :
إلى أي مدى تتشابه جريمة السرقة المجردة و السرقة الموصوفة ؟
للإجابة عن هذه الإشكالية سنتعرض إلى أوجه التشابه بين جريمتي السرقة المجردة و السرقة الموصوفة ( الجزء الأول ) و من ثم إلى أوجه الإختلاف بين جريمتي السرقة المجردة و السرقة الموصوفة في جزء ثاني ( الجزء الثاني )
الجزء الأول: أوجه التشابه بين جريمتي السرقة المجردة و السرقة الموصوفة
سنتطرق في الجزء الأول من موضوع الحال إلى إشتراك جريمتي السرقة الموصوفة و السرقة المجردة في الأركان الثلاثة التي يجب أن تتوفر في الجريمة غير أن الركن الشرعي لا يثير إشكالا فهو يتمثل في وجود نص قانوني يجرم الفعل , أما بالنسبة لبقية الأركان فإننا سنتناول بالبحث في إشتراك جريمتي السرقة المجردة و السرقة الموصوفة في الركن المادي ( المبحث الأول ) و ثم نتخلص لإشتراكهما في الركن المعنوي ( المبحث الثاني ) .
المبحث الأول : من حيث الركن المادي
يتمثل الركن المادي عموما في الفعل أو السلوك الذي يجرمه القانون الجزائي و يرتب عن القيام به عقوبة و هذا الفعل يمكن ان يكون فعلا إيجابيا أو فعلا سلبيا يتمثل في الإمتناع عن القيام بما أوجبه القانون.
بالنسبة للركن المادي لجريمتي السرقة المجردة و السرقة الموصوفة فإنه يتميز عن الركن المادي في بقية الجرائم الأخرى بحيث أن هذا الركن يمكننا من تمييز جرائم السرقة المجردة و الموصوفة عن غيرها من الجرائم المشابهة لها كجريمة التحيل و خيانة الأمانة و جريمة الإستيلاء على الأموال العمومية , لذلك فإن الإختلاس هو الركن المادي الذي تشترك فيه جريمة السرقة المجردة و السرقة الموصوفة, و المقصود بذلك سواء أ كانت جريمة السرقة مجردة أو موصوفة فإنها يجب أن تتضمن فعل إختلاس كركن مادي أساسي في هاتين الجريمتين .
إن المقصود بالإختلاس هو القيام بفعل مادي محسوس ينتقل بموجبه الشيء من حيازة مالك ليدخل في حيازة الجاني فهو عبارة عن فعل مادي يستطيع شخص من خلاله أن يحول ملكية شيئا ما من مالكه الحقيقي إليه . رغم أن السرقة الموصوفة لها عناصر إضافية خاصة بها إلا أن ركن الإختلاس يعد ركنا أساسيا لقيامها و تمييزها مثلما هو الحال في جريمة السرقة الموصوفة و السرقة المجردة , فبدون الركن المادي لا يمكن الحديث عن جريمة السرقة .
للإشارة فإن المشرع التونسي لم يتعرض لتعريف الإختلاس بصفة صريحة و مباشرة إلا أنه حدد محل السرقة في الإختلاس و يظهر ذلك من خلال ما جاء بالفصل 258 من المجلة الجزائية الذي نص على أنه " من يختلس شيئا ليس له يصير مرتكبا للسرقة " كما عرفه الفقه الفرنسي بأنه " أخذ مال الغير بدون علمه أو بدون رضاه ".
في الوقت الذي سكت فيه المشرع عن إعطاء تعريف قاطع للإختلاس فقد ظهرت العديد من النظريات أبرزها التقليدية التي تبناها القانون الفرنسي حيث يقوم الإختلاس على نقل الشيء أو نزعه من حيازة مالكه و إدخاله في حيازة الجاني بغير علم المجني عليه و بدون رضاه.
وقع نقد هذه النظرية و التخلي عنها و في المقابل تبني نظرية أخرى و هي النظرية الحديثة التي تقوم على نظام الحيازة بعنصريها المادي و المعنوي .
فأما العنصر المادي للحيازة فهو يتمثل في جميع الأفعال المادية التي تفيد معنى الحيازة كإستعمال الشيء و التصرف فيه و أما العنصر المعنوي فإنه يتمثل في إتجاه نية الحائز لحيازة الشيء بإعتباره مالكا له و في صورة ما إن إقتصر الأمر على توفر العنصر المادي دون غيره من العناصر كالعنصر المعنوي فإن الحيازة تكون ناقصة , و عليه فإن هذه النظرية تشترط وجود عنصرين أساسيين لفعل الإختلاس و هو وجود شيء منقول للإستيلاء عليه و إنعدام رضا مالكه .
على عكس القانون المصري الذي حدد موضوع الإختلاس فأوجب أن تكون من المنقولات فإن المشرع التونسي لم يتطرق إلى هذا التحديد بصفة صريحة .
عموما فإن الركن المادي لجريمة السرقة بصنفيها يعد من العناصر الرئيسية لتكييف الجريمة إلا أن الركن المعنوي لا يقل عنه أهمية .
المبحث الثاني : الركن المعنوي
يتمثل الركن المعنوي لجريمة السرقة المجردة و السرقة الموصوفة عموما في توفر النية الإجرامية أو ما يعرف في أغلب التشاريع كالتشريع التونسي بالقصد الجنائي و الذي يتمثل في النية الإجرامية المتجهة إلى خرق القانون الجنائي أو في الإرادة المتجهة إلى إرتكاب فعل مجرم مع العلم بهذا التجريم .
و على هذا الأساس فإن القصد الجنائي يستوجب علم مرتكب الجريمة بأن الفعل الذي قام به مخالف للقانون الجنائي بمعنى عدم مشروعيته .
في نفس الإطار يمكن أن نعرج إلى التمييز بين الدافع و القصد فالقصد سبق و إن تعرضنا إليه أما الدافع فنعني به " هو السبب الذاتي الذي جعل المجرم يرتكب جريمة و هو بذلك متغير و مختلف من حالة لأخرى و من شخص لأخر". فالسارق مثلا يمكن أن يكون قد إرتكب جريمة السرقة لأنه في حاجة إلى المال أو لأنه يريد تقديم مساعدة لشخص آخر في أمس الحاجة له .
و لكن بالرغم من أن الدافع الجنائي غير مأخوذ به في معظم الحالات و الإكتفاء بالقول أن القصد الجنائي يتمثل أساسا في الإرادة المتجهة إلى مخالفة القانون الجنائي فإن هذه الإرادة قابلة للإختلاف من صنف لأخر من الجرائم . و عليه فإنه يمكن القول بأن القصد الجنائي الذي يمثل الركن المعنوي إلى صنفين القصد الجنائي الخاص و القصد الجنائي العام و نقصد بهذا الأخير إرادة الجاني إلى القيام بالفعل المجرم مع العلم بأن القانون يجرمه و يقرر لفائدته عقوبة , و أما القصد الجنائي الخاص فنعني به النية و الإرادة المتجهة لإحداث نتيجة إجرامية محددة من ذلك مثلا في جريمة السرقة لا يكفي لإكتمال ركنها المعنوي أن تكون للفاعل إرادة متجهة للإستيلاء على مال الغير بل يجب كذلك أن تكون له نية أ و إرادة متجهة إلى إمتلاك هذا المال لذلك لا يعد سارقا من إختلس شيئا من المال و هو يعلم أنه على ملك غيره إذا كان قد فعل ذلك بنية إرجاع هذا المال إلى صاحبه أو تسليمه للسلطة التي لها النظر .
من خلال ما وقع بسطة نتبين أن جريمتي السرقة الموصوفة و السرقة المجردة لهها خصوصية تميزهما من خلال الترابط الوثيق و الإلتصاق بين القصد الجنائي العام و الخاص , و بإعتبارها جريمة قصدية أي عمدية فإنه لا يكفي توفر العلم و الإرادة لتحقق الإختلاس و إنما يجب أن تتوفر نية التملك بحيث يستنتج شق من الفقهاء ضرورة توفر هذا العنصر الأخير و هي عبارة " سوء النية " التي تضمنها الفصل 379 من المجلة الفرنسية و الفصل 258 من المجلة الجزائية Frauduleusement و الفصل 311 من قانون العقوبات المصري , حيث رأت محكمة التعقيب التونسية أن القصد الإجرامي خاضع لإجتهاد قضاة الأصل و ترى محكمة النقض المصرية أن القصد الجنائي في جريمة السرقة ينحصر في قيام العلم عند الجنائي وقت إرتكاب الجريمة و أنه يختلس مال الغير رغم إرادة مالكه بنية تملكه لنفسه , فلا يكفي توفر العلم بمكونات الواقعة الإجرامية لقيام القصد الجنائي فلابد أن تتجه إرادة الجاني إلى إخراج المال من حيازة صاحبه و إدخاله في حيازته أو حيازة غيره فإذا حمل شخص مثلا حقيبة من مكان لأخر جاهلا [ان شخصا أخر قد وضع داخلها مالا مملوكا للغير لا يعد سارقا لإنتفاء علمه بأنه يخرج مالا من حيازة صاحبه .
و نظرا لأهمية العنصر الثاني في جريمة السرقة و هو نية التملك ذهب بعض الفقهاء و فقه القضاء لإعتباره قصدا جنائيا خاصا في جريمة السرقة و لا يمكن قيام ركنها المعنوي إلا إذا توفر القصد الجنائي العام قصد جنائي خاص المتمثل في نية التملك و ذلك تحت تأثير نظرية الفقيه " ميل قارسون " في الإختلاس الذي أكد على أن القصد الجنائي الخاص في جريمة السرقة يتمثل في نية الجاني في تملك ذلك الشيء , فالإختلاس بمفهومه القانوني يتمثل في الإستيلاء على الشيء بركنيه المادي و المعنوي فإذا كان العنصر المعنوي يفيد نية المستولي للتصرف في الشيء بصفته مالكا أي نية الحلول محل المالك الأصلي و التمتع بكامل عناصر الملكية لذا لابد من البحث لدى الجاني عن نية التملك لتوفر الركن المعنوي للجريمة , فمثال لذلك إذا أخذ شخص شيئا على ملك غيره و ذلك للإطلاع عليه و إرجاعه لمالكه الأصلي فإن ذلك الشخص لا يعتبر سرقا و هذا ما تعرضت له محكمة التعقيب التونسية في أحد قراراتها " السرقة إختلاس الشيء من مالكه و بنية إمتلاكه و إذا لم تتوفر تلك النية فلا عقاب عليه ".
هذا وقد عرف الفقيهRobertrorin القصد الإجرامي بأنه غش خاص" un dol spécial" و يرى أن الجانب السلبي لمفهوم التملك بذكرنا بأبدية حق الملكية في حين أن كل سارق لا يبحث بالضرورة عن هذا العنصر فالإختلاس هو تنقيص من ذمة مالية أكثر مما هو إنتفاع لذمة مالية أخرى , و لكن بالرجوع لفقه القضاء نلاحظ أن أغلب القرارات تتجاهل نية التملك عند الجاني و تعتمد على عنصر أخر و هو إرادة الجاني حرمان المالك من ملكية الشيء المختلس كما نجد إتجاه ثاني لا يهتم بالنفع الحاصل بقدر ما حصل للذمة المالية للمتضرر من نقص و هذا ما أكدته عليه محكمة التعقيب حيث قضت في عديد قراراتها بالإدانة في غياب نية التملك لدى الجاني من ذلك الحكم بالإدانة في صورة إختلاس رسالة على ملك الغير لا بنية تملكها و إنما مجرد الإطلاع عليها . مثال سرقة الإستعمال أو ما يعبر عنه بالفرنسية vol d’usage التي مثلت محل جدلا فقهي فهل يعتبر مرتكب ذلك الفعل سارقا أم لا ؟
هنالك شق أول إتجه لإعتبارها جريمة لا يمكن معاقبة مرتكبها عليها خاصة إذا تعلقت بالإستعمال فقط و ذلك بعلة إنعدام نية التملك فغاية الجاني لم تكن تملكها و إنما فقط إستعمالها لفترة ثم إرجاعها لصاحبها الأصلي و هذا ما أكدته عديد الأحكام القضائية بالبراءة في خصوص القضايا المتعلقة بسرقة الإستعمال لكن بالرغم من ذلك فإنه من جهة أخرى نجد أن المحاكم قد جرمت أفعال و قضت بالإدانة في حق سارقي بنزين السيارات و هذا ما أدى إلى ظهور شق أخر من الفقهاء و من أهمهم الفقيه Rolland الذي كتب مقالا بعنوان "le vol d’usage " ميز من خلاله بين مسألتين الأولى انه إذا إستعمل المتهم السيارة ثم تخلى عنها و الثانية إذا إستعملها ثم أرجعها لصاحبها فإنه غير مسؤول و لا تقع معاقبته .
و لكن هذا الرأي تم إنتقاده من فقه القضاء الذي إستقر أخير على إعتبار سرقة الإستعمال سرقة كاملة موجبة للعقاب , و قد صدر في هذا الخصوص قرار تعقيبي فرنسي " تتوفر السرقة عندما يتم اخذ الشيء في ظروف تكشف عن نية الجاني في التصرف في الشيء تصرف المالك و لو مؤقتا " و لقد تبنى فقه القضاء التونسي ذلك في أحد قراراته " إن إختلاس سيارة للغير يعتبر من باب السرقة و لو أن مختلسها إستعملها مدة وجيزة و أرجعها إلى المكان الذي سرقة منه "
و بالتالي نخلص إلى بيان أنه بتوفر عنصري القصد الجنائي العام و الخاص و المتمثلان في العلم بملكية الشيء المختلس للغير و نية تملكه يكون قد إكتمل الركن المعنوي للجريمة .
الجزء الثاني : أوجه الإختلاف بين جريمتي السرقة المجردة و السرقة الموصوفة
على إعتبار أن السرقة المجردة هي بداهة جميع السرقات البسيطة التي لم يقرنها المشرع الجزائي التونسي بأي ظرف من ظروف التشديد فإن السرقة الموصوفة هي محل التشديد ( المبحث الأول ) غير أن هذا الصنف الأخير من جرائم السرقة لا يختلف عن سابقه فقط في ظروف التشديد بل كذلك من حيث إقرار العقوبة و هو ما سنتعرض إليه في المبحث الثاني ( المبحث الثاني )
المبحث الأول : الإختلاف من حيث ظروف التشديد
بصفة عامة فإن السرقة المجردة هي سرقة بسيطة و هي التي لا يحتوي أي فعل من أفعالها على ظرف من ظروف التشديد بالتالي فإنها لا تنطبق عليها أحكام أي فصل من فصول 260 إلى 270 من المجلة الجزائية إلا أن هذا الفصول لا تنطبق إلا بصفة حصرية على جريمة السرقة الموصوفة بإعتبارها جريمة مركبة و في الحقيقة فإنها غالبا ما تشكل خطرا على الأفراد و على الأمن العام أكثر من الصنف الأخر من جرائم السرقة و هي السرقة المجردة .
لقد جاء بالفصل 260 :
" أولا : إستعمال العنف الشديد أو التهديد بالعنف الشديد للواقعة له السرقة أو لأقاربه .
ثانيا : إستعمال التسور أو جعل منافذ تحت الأرض أو خلع أو إستعمال مفاتيح مفتعلة أو كسر الأختام و ذلك بمحل مسكون أو بالتلبس بلقب أو بزي موظف عمومي أو بإدعاء بإذن من السلطة العمومية زورا .
ثالثا : وقوعها ليلا .
رابعا : من عدة أفراد .
خامسا : حمل مجرمين أو واحد منهم سلاحا ظاهرا أو خفيا ."
و بهذا الشكل يكون الفصل 260 من م.ج قد عدد حالات ظروف التشديد بصفة حصرية في خمس حالات و يكفي توفر أحدها حتى تتحول السرقة المجردة إلى سرقة موصوفة من ذلك مثلا الحالة الأولى المتمثلة في إستعمال العنف الشديد فإن المشرع قد ذهب لأبعد من ذلك ليدخل مجرد التهديد بإستعمال العنف الشديد من ضمن الحالات التي تكسب جريمة السرقة المجردة الصبغة المركبة .
على الرغم من أن المشرع التونسي قد خص فعل الإعتداء بالعنف الشديد بعقوبة مستقلة تجد لها سندا في الفصل 218 من نفس المجلة فإن فقه القضاء التونسي قد إعتبر بصفة مستقرة أن العنف المستعمل قصد السرقة لا تتكون منه جريمة مستقلة مهما كانت نتيجته و إنما هو بالإضافة لعنصر الإختلاس يكونان عنصر موحد لإضفاء الصبغة الجنائية لجريمة السرقة.
و بإعتبار أن المشرع الجزائي التونسي سكت عن إعطاء مفهوم واضح للعنف الشديد فإنه يتجه الرجوع لما ورد على لسان بعض الفقهاء بأنه إستعمال القوة تجاه شخصا توصلا إلى إرتكاب السرقة و ذلك بالجرح أو الضرب أو غير ذلك من أنواع العنف في حين إعتبره المشرع المصري بأنه إكراه و ذلك بدليل قوله " أنه يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة من يرتكب سرقة بالإكراه " و بهذا الشكل يكون قد وسع من مفهوم العنف الشديد على إعتبار ان كلمة " الإكراه " هي عبارة أشمل تفيد إستعمال وسيلة قسرية تساهم في تعطيل إمكانية مقاومة المجني عليه بشكل كلي أو جزئي .
هذا وقد سعى المشرع التونسي لتجنب الخلافات الفقهية فيما يخص الإكراه أساسا الإكراه المادي و المعنوي فقد أقر بأن الإكراه المعنوي لا يقل خطورة أو أهمية عن الإكراه المعنوي و سوا بينهما كظرف من ظروف التشديد و لعل ترتيبهما في أولى حالات التشديد يعود إلى خطورتهما .
أما فيما يخص العنف كظرف من ظروف التشديد فإنه يجب أولا أن يتسلط على مالك المال أو أحد أقربائه و ثانيا أن تكون الإستعانة بالعنف سابقة في الزمن أو متزامنة مع جريمة السرقة و يكون سابقا في الزمن في صورة أن يتم إستعمال العنف لترهيب المسلوب و دفعه على تقديم ما لديه دون مقاومة و يكون متزامن زمنيا في صورة ما إن أبدا صاحب المال مقاومة في الدفاع على ما يملكه لذلك يلجأ الجاني لإستعمال العنف توصلا لمقصدهو في المقابل فإذا تم إستعمال العنف بعد عملية السرقة أو السلب فإنه في هذه الصورة لا يمكن الإعتماد على العنف الشديد كظرف من ظروف التشديد لأنه لم يسهل عملية السرقة بالتالي يقع النظر إليه كونه جريمة أخرى مستقلة عن جريمة السرقة .
أما في الحالة الثانية وهي التسور أو الخلع أو جعل منافذ و غيرها من الوسائل التي تساهم في دخول المكان الواقعة به جريمة السرقة سواء أكان محلا معدا للسكنى أو لتعاطي نشاط تجاري أو غيره فإنه ينظر إليه كظرف لتحويل الطبيعة القانونية لجريمة السرقة من بسيطة إلى مركبة أي من مجردة إلى موصوفة بالتالي من جنحة إلى جناية و هو ما ذهبت إليه محكمة التعقيب و التي جاء في نصها " يكفي لتوفر السرقة الموصوفة أن يكون مرتكبها قد إستعمل إما التسور أو الخلع ولا لزوم للجمع بينهما و يكفي لذلك إبراز أحدهما بالحكم طبق الفصلين 260 و 261 جنائي ".
في الحقيقة يمكن الجمع بين ثلاثة الحالات المتبقية و القول بأن جريمة السرقة التي تنطبق عليها ظروف التشديد هي تلك الني يتم إرتكابها ليلا من قبل مجموعة من الأشخاص يكون أحدهم أو جميعهم حاملين لسلاح ظاهر أو خفي.
تأسيسا على ما وقع بسطه فإن جريمة السرقة المجردة تختلف عن جريمة السرقة الموصوفة فهي التي لا ترتكب من قبل مجموعة من الأشخاص ليلا من خلال التسور أو الخلف بالإستعانة بسلاح يكون الهدف منه حمل الشخص تقديم ماله دون مقاومة لذلك فإنه لا يمكن المساواة بين جريمتي السرقة المجردة و الموصوفة و لو أن القصد من كليهما هو إمتلاك شيء لملك الغير بصفة غير شرعية أي منافية للقانون .
المبحث الثاني : الإختلاف من حيث العقوبة
في الحقيقة فإن التشريعات الوضعية لم تكن سباقة و لا هي التي إبتدعت فكرة التفرقة بين جريمتي السرقة المجردة و السرقة الموصوفة و لا حتى في تشديد عقوبة إحداهما عن الأخرى , فإن جريمة السرقة تجد لها جذور في القرآن الكريم و هي من جرائم الحدود التي تستوجب عقوبات حدية تطبق بلا زيادة أو نقصان و لا يجوز إبدالها بغيرها أو التخفيف من عقوبتها أو عفو ولي الأمر عنها .
فأما النوع الأول و هو السرقة المجردة فقد ثبت الحد بالنسبة لها و ذلك بقوله تعالى في سورة المائدة :” و السارق و السارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله و الله عزيز حكيم، فمن تاب من بعد ظلمه و أصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم”.
و أما النوع الثاني فهي جريمة السرقة المركبة و هي تعرف في القرآن بالحرابة أو قطع الطريق و تعني خروج الجاني أو الجناة على المارة لأخذ المال على سبيل المغالبة أي بالإكراه أو التهديد أو القتل .
يقول تعالى في سورة المائدة " إنما جزاء الذين يحاربون الله و رسوله و يسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا و لهم في الآخرة عذاب عظيم إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفورا رحيم "
فالعقوبات هنا أربع إما القتل ، والقتل مع الصلب و إما القطع أو النفي.
فالقتل عقوبة تجب على قاطع الطريق عندما يقتل أحد المارة ، والقتل مع الصلب يجب عندما يقتل و يأخذ المال و القطع وحده يجب إذا إقتصر قاطع الطريق على أخذ المال و لم يقتل و النفي وحده يجب على قاطع الطريق إذا أخاف الناس دون أن يقتل أو ينهب مالا .
من خلال ما جاء بهذه الآيات أمكننا تقسيم جريمة السرقة إلى صنفين و توقيع العقوبة المناسبة لكل منهما تناسب مع الأفعال المتزامنة أو اللاحقة لجريمة السرقة .
فالقتل عقوبة تجب على قاطع الطريق عندما يقتل أحد المارة ، والقتل مع الصلب يجب عندما يقتل و يأخذ المال و القطع وحده يجب إذا إقتصر قاطع الطريق على أخذ المال و لم يقتل و النفي وحده يجب على قاطع الطريق إذا أخاف الناس دون أن يقتل أو ينهب مالا .
من خلال ما جاء بهذه الآيات أمكننا تقسيم جريمة السرقة إلى صنفين و توقيع العقوبة المناسبة لكل منهما تناسب مع الأفعال المتزامنة أو اللاحقة لجريمة السرقة .
أما القانون الوضعي فلم يتخلى عن هذا التقسيم على إعتبار أن السرقة تنقسم إلى صنفين لكل منهما عقوبات حيث يقر الفصل 260 بعقوبة السجن بقية العمر لمرتكبي جريمة السرقة التي استعملت فيها جميع الوسائل المذكورة بذات الفصل .
أما بالرجوع لأحكام الفصل 261 فإنه يعاقب بالسجن مدة عشرين عاما مرتكب السرقة الواقعة بإستعمال أحد الأمرين الأوليين من الأمور المقررة بالفصل 260 و مما لا شك فيه انه يقصد إستعمال العنف أو التهديد بالعنف أو التسور و ما شابهه من الوسائل التي تمكن من الولوج إلى محل السكنى لإرتكاب جريمة السرقة , في حين أن الفصل 262 يقر عقوبة و قع تقديرها بإثنتي عشر عاما لمرتكب السرقة بتوافر الأمور الثلاثة الأخيرة بالفصل و هي التسور ليلا من قبل عدد من الأشخاص يكون أحدهم أو جميعهم حاملين لسلاح خفي أو ظاهر.
إن ما يمكن ملاحظته هو أن المجلة الجزائية قد رتبت سلم العقوبات حسب خطورة السرقة على إعتبار أن درجة الخطورة هذه تستند إلى الوسائل التي يستعملها المجرم و التي تتضافر فيما بينها لتحقيق النية الإجرامية المراد الوصول إليها .
إن أهم الدلائل التي تشير إلى تفرقة المشرع الجزائي فيما يخص العقوبة لنوعين منم جرائم السرقة و هم السرقة المجردة و السرقة الموصوفة , ما جاء بصريح الفصل 264 من نفس المجلة على أن يعاقب بالسجن لمدة 5 أعوام و بخطية قدراها مائة و عشرون دينارا بالنسبة إلى كل أنواع السرقات و الإختلاسات الواقعة في غير الصور المبينة في الفصول من 260 إلى 263 من هذه المجلة .
في الحقيقة فإن الرجوع إلى عبارات النص التي كانت واضحة تغنينا عن البحث في أبرز أوجه الإختلاف فجريمة السرقة المجردة هي جريمة بسيطة تنطبق عليها أحكام الفصل 264 فيما يخص العقوبة و يقع تكييفها على أنها جنحة ما لم تقترن بحالة من الحالات المقررة بالفصول المذكورة سابقا و هو ما أكدته محكمة التعقيب في قراراها عدد 288 الذي جاء فيه " إذا كانت السرقة قد تمت بدون خلع أو تسور أو بأية حال من الأحوال الواردة بالفصل 260 من المجلة الجنائية فإنها تعتبر سرقة مجردة و تنطبق عليها أحكام الفصل 264 من نفس المجلة و تصبح بذلك القضية من أنظار المحكمة الجناحية."
خلاصة القول أن جريمتي السرقة المجردة و السرقة الموصوفة تتشاركان من حيث ركنيهما المادي و المعنوي غير أنهما يختلفان من حيث ظروف التشديد فطالما لم تتوفر الحالات التي وردت في الفصل 260 من المجلة الجزائية فإنه لا يمكن تكييف الجريمة بكونها جناية و لا تنطبق عليها إلا أحكام الفصل 264 من نفس المجلة , و في صورة ما إن توفرت حالة من تلك الحالة أو جميعها فإنها توصف بكونها جريمة موصوفة بالتالي جناية و تنطبق عليها الأحكام المخصصة لها بالفصول من 260 على 263 من المجلة الجزائية .
إرسال تعليق