هل التهديد بالتقاضي من باب الاكراه المفسد للرضا ؟
منقول
بقلم محمد علي التقرتي
الاكراه كالغلط يعيب الرضا طبقا للفصل 43 من مجلة الالتزامات والعقود « الرضاء الصادر عن.. إكراه يقبل الإبطال. »
و خلافا للغلط فقد عرف المشرع التونسي الاكراه في الفصل 50 من مجلة الالتزامات و العقود بانه « إجبار أحد بغير حق على أن يعمل عملا لم يرتضه. »
واضاف الفصل 51 من المجلة المدنية ان الاكراه الموجب للفسخ هو ذلك الذي « من شأنه إحداث ألم ببدن المكره أو اضطراب معنوي له بال في نفسه أو خوف عليها أو على عرضه أو ماله من ضرر فادح بالنسبة لسنّه وكونه ذكرا أو أنثى ومقامه بين الناس ودرجة تأثره. »
على انه و في جميع الحالات لا يكون الاكراه موجبا للفسخ الا اذا كان « السبب الملجئ للتعاقد » طبقا لما اقتضاءه الفصل 51 من المجلة المدنية.
و الاكراه موجبا للفسخ و لو لم يصدر من المعاقد و صدر من غيره طبقا للفصل 53 من المجلة المدنية
الفصل 53 : » الإكراه يوجب الفسخ وإن لم يقع من المعاقد الذي انجرت له منفعة العقد. »
كذلك فان الاكراه يوجب الفسخ و لو لم يقع على شخص المعاقد و انما وقع على من تربطه قرابة قوية بالمعاقد كل ذلك طبقا للفصل 54 من المجلة المدنية : « الإكراه يوجب فسخ العقد وإن وقع على من له قرابة قوية مع المعاقد المكره على العقد. »
لم يحدد القانون ما يعني بالقرابة القوية ومن المتجه اعتبارها قرابة من باب البنوة و الابوة ويبقى للقاضي حق تقدير قوة القرابة فيما بين الاخوة او ابناء العم و بين الزوج و زوجته بحسب احوال القضية و ظروفها.
ينطبق الفصل 330 من المجلة المدنية على الاكراه و تسقط دعوى طلب الفسخ من اجل الاكراه كدعوى طلب الفسخ من اجل الغلط بعام واحد
الفصل 330 من المجلة المدنية « يجوز القيام بالفسخ في الصور المبينة بالفصول 8 و43 و58 و61 من هذا القانون ويسقط القيام بذلك بمضي عام إلا إذا صرح القانون بمدة أخرى وسقوط الدعوى بمرور المدة لا يجري حكمه إلا في حق من انعقد بينهم الالتزام. »
و كما هو الامر بالنسبة للغلط فان الفصل 330 لم يتعرض لحالات الاكراه الموجبة للفسخ الواردة بالفصل 51 و 52 من المجلة المدنية الا ان محكمة التعقيب اكدت في قرار لها انطباق الفصل 330 في صورة الاكراه
مدني عدد 231 مؤرخ فى 24/06/1976 – اذا ادعى شخص انه باع في ظروف قهرية ابان انتشار التعاضد وطلب الفسخ من أجل الاكراه الحاصل في تلك الظروف فان طلبه هذا لا يكون مسموعا الا متى وقع خلال السنة الموالية لوقفة التأمل الواقعة بداية من غرة سبتمبر 69 و هو ما يعتبر بداية تاريخ زوال الاكراه و قيامه بعد سنة من هذا التاريخ يجعل قيامه ساقطا طبق الفصل 330 التزامات و عقود. »
كما اكد القرار ما نعلمه طبقا للفصل 331 من مجلة المدنية من ضرورة احتساب بداية الاجل من يوم زوال الاكراه.
لا يعتبر التهديد المعنوي المبني على المساومة بالعواطف و الاحاسيس كتهديد الوالدين ابنا لهما بالفراق ان لم يمض عقد البيع من باب الاكراه الموجب للفسخ.
مدني عدد 1059 مؤرخ فى 20/02/1979 – لا يتكون الاكراه الا بتوفر عنصر من العناصر المبينة بالفصلين 43 – 56 من مجلة العقود والالتزامات فلا يعد اكراها تصريح الوالدين بتهديد أحد أبناءهما بفراقهما ان لم يمضيا بعقد البيع المحرر بواسطة عدلين.
أثار الاكراه المبني على التهديد بالتقاضي حالات عرضت على المحكمة العليا التي قضت احيانا بوجود الاكراه و احيانا اخرى بعدم اعتباره موجبا للفسخ
فالإكراه المبني على التهديد بالتقاضي لا يوجب الفسخ الا اذا كان » التهديد مما يؤثر في الشخص المقصود به بالنسبة لحاله حتى سلبت منه منافع بغير حق أو كان التهديد مصحوبا بأمور تقتضي الإكراه على معنى الفصل 50 المذكور اعلاه.
مدني عدد 47956 مؤرخ في 11/04/1996
البائع المدين للمشتري بمعين شيكين لم يقع خلاصهما ووقع تهديد المدين من طرف الدائن بعرض الشيكات على البنك للخلاص مما يجعل رضاءه معيبا لحدوث اضطراب في نفس البائع بسبب الخشية من التتبع الجزائي وهو ما توفر مع الإكراه الذي يستوجب الفسخ على معنى الفصل 51 من مجلة الالتزامات والعقود الذي يقتضي أن الإكراه يكون موجبا للفسخ عند توفر شرطين أولهما أن يكون الإكراه هو السبب الملجىء للعقد وثانيهما أن يكون ذلك الإكراه من شأنه أن يحدث ألما ببدن المكره أو اضطرابا معنويا له بال في نفسه أو خوفا عليها أو في عرضه أو في ماله بحيث إن توفر ذلك التهديد بالقول على النحو المشار إليه يكون كافيا لتواجد الإكراه الموجب للفسخ ولا لزوم لاتخاذ الإجراءات الفعلية لإبراز ذلك التهديد. »
اما بالنسبة للعامل المتهم بالسرقة فان التهديد برفع امره للمحاكم ثم اكراهه على الاستقالة فان هذا التهديد لا يمثل اكرها موجبا للفسخ
مدني عدد 7272 مؤرخ فى 10/03/1983 الاجير الذي اتهمه المستأجر بالسرقة و فضل الاستقالة كتابة عن رفع أمره للشرطة فان اعتباره مكرها على ذلك واعتباره مطرودا طردا تعسفيا و الحكم له بالغرامة دون بيان ماهية ذلك الاكراه على معنى الفصل 52 مدني الوارد في مثل تلك الصورة يكون به الحكم قاصر التعليل مخالفا لمقتضيات الفصل 123 من مجلة المرافعات المدنية و التجارية فيستحق النقض.
لم تحدد المحكمة العليا في القرارين المذكورين اعلاه المعيار الذي بموجبه يصبح التهديد بالتقاضي من باب الاكراه ذلك انه و من حيث المبدأ فان من يهدد غيره بالتقاضي و برفع الامر للمحكمة لا يؤتي ما يخالف القانون و يبقى عمله عملا مشروعا طالما انه ينوي التقاضي و الالتجاء للمحاكم لطلب تطبيق القانون.
و لا يمكن ان يفهم التهديد بالتقاضي على انه من باب الاكراه و من باب استغلال سذاجة المعاقد او ضعفه او خوفه على مكانته الاجتماعية الا اذا كان اصل الحق المدعى به من طرف من صدر عنه الاكراه غير ثابت و لا وجود له.
فالتهديد بإيداع صكوك للخلاص لا يعتبر مبدئيا من باب الاكراه اذ ان الحق في طلب خلاص الصكوك قائم وثابت وان من سلم الصكوك مع علمه بزوال رصيده او انعدامه يكون قد أخطأ في حق المعاقد الآخر ولا حق له في الحديث عن الاكراه و انعدام الرضا.
كذلك فان العامل المتهم باطلا بالسرقة له الحق في اعتبار الضغط المسلط عليه لتقديم استقالته من باب الاكراه و لا حق له اذا ما ثبتت في حقه تهمة السرقة في اعتبار التهديد في رفع امره للسلط من باب الاكراه.
فالتهديد بالتقاضي لا بد فيه للقاضي ان ينظر بحسب احوال القضية و ظروفها الى جدية الحق المدعى به من طرف من صدر عنه التهديد و حظوظ تكريس هذا الحق قضائيا فاذا كان الحق المدعى به ضعيفا او غير ثابت فان التهديد بالتقاضي اصبح من باب الاكراه و لا يكون كذلك اذا ما كان الحق ثابتا مع الاخذ بعين الاعتبار في جميع الاحوال شخصية من وقع عليه التهديد و ظروفه الاجتماعية والمادية.
و الرأي عندنا ان التهديد بالتقاضي متى استوفى شروطه يكون أيضا من باب الاكراه المفسد للرضا اذا ما تسلط على غير المعاقد ممن تربطه بالمعاقد قرابة قوية على معنى الفصل 54 الذي تعرضنا اليه اعلاه.
إرسال تعليق