معارك النخبة في الجامعة التونسية: لطفي حيدوري
يخوض حسان اليحمدي الأستاذ بمهعد الصحافة وعلوم الأخبار بجامعة منوبة معركة إدارية وقضائية من أجل تعين موعد
لمناقشة رسالته لنيل شهادة الدكتوراه. ولا يزال عدد من الأساتذة أعضاء لجنة الدكتوراه بالمعهد يرفعون الفيتو ضد اليحمدي
ويعطلون قرارا قضائيا لصالحه مدعومني من رئاسة الجامعة.
ورغم أن وزير التعليم العايل دعا يف جويلية 2017 رئيس جامعة
منوبة إىل االمتثال للقرار الصادر عن المحكمة الإدارية بالترخيص الأستاذ حسان اليحمدي مبناقشة أطروحة الدكتور بالإستناد الى محضر جلسة لجنة الدكتوراه والتأهيل الجامعي بمعهد الصحافة
بتاريخ 13 أفريل 2016 . ّ وورد في مراسلة الوزير تذكير بأن تنفيذ
الأحكام الصادرة عن االمحاكم بمختلف أصنافها ودرجاتها يعتبر واجبا دستوريا، وأضاف بأن توجه وزارته هوالإلتزام بتنفيذ
الأحكام الصادرة ضدها وضد المؤسسات التابعة لها تكريسا لعلوية
القانون. و في الوقت الذي أعلن مدير معهد الصحافة استعداده
لتنفيذ الحكم وطلب من رئاسة الجامعة إصدار قرار مناقشة
االأطروحة ، رفض شكري المبخوت رئيس جامعة منوبة إصدار القرار
مستنداالى حيثيات ملف القضية التي فصلت فيها املحكمة لصالح
المترشح حالة اليحمدي هي مثال عىل ما يجري يف الجامعات
التونسية التي أصبحت محطات الرتقية والتدرج العلمي فيها
فرصة لتصفية الحسابات واستخدام "السلطة العلمية" يف معارك ال
ّ عالقة لها باملعرفة. يروي اليحمدي أن عرقلة مساره العلمي بدأت
منذ أن نظم تظاهرة ضد التطبيع مبعهد الصحافة وعلوم اإلخبار في مارس 2011
،تلك التظاهرة التي مست أسماء من االمدرسين بالمهعد التي تحوم حولهم شبهة التطبيع مع الكيان الصهيوين،
وهو ما جعل بعض الأساتذة الذين وافقوا عىل ملفه العلمي في لجنة الدكتوراه ينسحبون منها لتعطيل أعاملها، لتتحول لمعركة فيام بعد بني الطرفني إىل مالسنات عرب مواقع التواصل االجتامعي
وبعض املنصات اإلعالمية. وليس معهد الصحافة استثناء، ففي
مناقشة مللف التأهيل الجامعي الأستاذ في التاريخ بكلية 9 أفريل
بتونس، مل يفت أحد أعضاء اللجنة أن يشري إىل املايض السيايس
للمرتشح، وزاد عىل ذلك مبحاسبته سياسيا مشريا إىل تعاطف
!املرتشح مع حملة "وينو البرتول" عىل مواقع التواصل االجتامعي
جرى ذلك يف الجامعة التونسية بعد الثورة، وكان ميكن اعتبار
مالحظة األستاذ املناقش وشاية للسلطات لو حدثت قبل الثورة،
ّ لكنها، عىل ما يبدو، مالحظة مبثابة الفرز السيايس التي تؤخذ بعني
االعتبار يف توازنات "السلطة" العلمية بالجامعة. وهي مامرسة
ورثها بعض الجامعين عن عهد الإستبداد . ويروي العريب شويخة
يف كتابه "وسائل اإلعالم في تونس التحول الصعب" ما جرى له
عند ترشحه للتأهيل الجامعي سنة 2000 مبعهد الصحافة، حيث
كانت مناسبة لالنقضاض عليه بسبب مواقفه الحقوقية وكتاباته
يف وسائل االإعلام الأجنبية . يقول: "تحملت معاناة طوال العرشية
1990-2000 ، ّ فقد حكم عيل بالنبذ من قبل زملائي الذين يسيرون المعهد لم أحدس أن يتحول نقاش علمي جامعيالى محاكمة
ّ سياسية وايقنت أن خياري الوحيد في تلك الظروف الصعبة هو
أن أحزم أمري وأرفع التحدي بالسفر الى فرنسا لمناقشة ديبلوم
تأهيل الاشراف على البحوث". ويتحدث شويخة عن ورثة هذه
الملامسات في املعهد بعد الثورة فيقول: "اليوم يتعايش يف معهد
الصحافة وعلومالاخبار عاملان مكونان من الاشخاص الذين تورطوا
مع النظام القديم وكذلك الاشخاص ذوي التصورات والطموحات
والاهداف المختلفة تماما بل المتانقضة". وتعج كواليس الجامعة
التونسية مبعطيات مفصلة عن رصاعات الجامعيني وتصفية
الحسابات، ويعد الهادي الغابري، أستاذ بمعهد بورقيبة للغات
الحية منوذجا لالضطهاد لتعطيل مسارهفي الأرتقاء المهني ، وقد
أمكن له فرض نيل حقوقه بعديد األحكام القضائية. وفي كلية
العلوم اإلنسانية واالجتامعية 9 أفريل وصف األستاذ الملولدي
ّقسومي،في شهادة منشورة بمؤسسة التميمي للبحث العلمي
والمعلومات ، مناخ التدريس قائلا: "أصحاب اختصاص علمالإجتماع يمارسون عىل بعضهم التصفية املعرفية واملهنيةالمعرفية و المهنية وكذلك
ّ البحثية يحركهم في ذلك ضعفهم المعرفي وخوفهم من التجديد في احتكار السوق البحثية وكذلك دفاعهم عن النسق العام
والخوف من العلم المزعج". وقد وثّق المرحوم محمد الطاهر
االمنصوري أستاذ التعليم العالي حالة التحارب داخل الجامعة
ّ بني أساتذتها في كتابه المنشور بالفرنسية بعنوان يلخصالأزمة " ّ صمت"المدرجات " Les Amphis du silence"
فتحدث عن أساليب الضغط والمحاباة والإمتيازات والأنقسامات .
وكان من المنتظر أن تنهي الثورة هذه الحالة غري الصحية التي
يعيشهاالمناخ العلمي، لكن بعد أن كانت المخابر و المؤسسات البحثية العمومية مسكونة بهاجس الخوف والحذر وقراءة
الحسابات واالمعادلات الدقيقة والمستحيلة لردود فعل السلطات
العليا تجاههم حتى ال يتعرضوا للعزل واإلقصاء من وظائفهم
اإلدارية ومن مناصبهم "الترشيفاتية،" عىل حد عبارة الدكتور
سامل لبيض، أصبح اليوم الجامعيون رهائن للتجاذبات الفكرية
والحزبية وتوازنات قوى الضغط داخل الجامعة، متخلني عن
دورهم الحقيقي. وهي الحالة التي شجعت عددا كبريا من أساتذة
التعليم العالي إىل الهجرة، خاصة إىل الجامعات الخليجية حيث
حظوا بالتقدير وفتحت أمامهم فرص مواصلة البحث العلمي
وإدارة املخابر والورشات، ورفعوا ترتيب الجامعات التي التحقوا
بها، يف حني تغيب كل الجامعات التونسية عن التصنيفات الدولية.
معارك النخبة في الجامعة التونسية: لطفي حيدوري
إرسال تعليق