التعليق على الفصل 23 من م ا ش : العلاقات الزوجية
المقدمة:
جاء قانون الأحوال الشخصية بمفهوم الأسرة وهي مجموعة من الأشخاص تربط بينهم علاقة دموية كالأب والابن أو علاقة مصاهرة كالزوج وأم زوجته أو علاقة قانونية كالزوج والزوجة .
باعتبار الأسرة هي النواة الأساسية للمجتمع وجب دراسة مسألة الزواج باعتباره عقد من نوع خاص يبرم بين الرجل و المرأة ويهدف إلى تأسيس أسرة .
وبالتالي فالزواج ظاهرة اجتماعية ذات أهمية بالغة يترتب عن هذا الأخير أثار شخصية ومالية ينظمها الفصل 23 من م ا ش وهو قيد التحليل جاء به «..." وهذا الفصل نقح بموجب القانون عدد 74 بسنة 1993 المؤرخ في 12 جويلية 93 تحت عنوان " فيما يجب لكل من الزوجين على صاحبه ولهذا الفصل أهمية نظرية من خلال التنصيص على الآثار بنوعيها به إذا يعتبره الفقهاء بمثابة دستور العائلة زمن الناحية العملية فهو يضبط لكل واحد من الزوجين ما له من حقوق ومن واجبات
ولتحليل الفصل 23 من م ا ش نتعرض أولا إلى الواجبات على الزوجين اتجاه بعضهم لنمر إلى جزء ثاني إلى الواجبات المحمولة على الزوجين اتجاه الأبناء
-1- الواجبات المحمولة على الزوجين اتجاه بعضهم
تنقسم هذه الواجبات بين واجبات محمولة على الزوج اتجاه زوجته –أ- وواجبات محمولة على الزوجة اتجاه زوجها –ب-
-أ- الواجبات المحمولة على الزوج اتجاه زوجته
ينص الفصل 23 من م ا ش على انه :" على كل واحد من الزوجين إن يعامل الأخر بالمعروف ويحسن عشرته ويتجنب إلحاق الضرر به ..."
وهذه الصياغة جاءت بموجب القانون عدد 74 في 12 جويلية 93 ومن هنا نستنتج الشراكة والتعاون بين الزوجين لتسهيل شؤون العائلة وللزوج صفة رب العائلة ورئيسها ويجب إن يكون الزوج مخلص لزوجته وهذا الواجب مقترن لقاعدة أخرى في القانون التونسي وهي تجريم الزنا فلقد جاء بالفصل 236 من مجلة الجزائية :" زنا الزوج والزوجة يعاقب عنه بالسجن 5 أعوام وبخطية قدرها 500 ينار
ولا يجوز التتبع إلا من طلب من الزوجة أو الزوج الذين لهم وحدهم الحق في إيقاف التتبع وإيقاف تنفيذ العقوبة والشريك يعاقب بنفس العقاب المقرر للزوجة على شرط إن يكون على علم بذلك" وبموجب تنقيح 8 مارس 68 بالفصل 236 أصبح الزوج في مساواة مع الزوجة في مسألة الزنا
وقد جاءت في الفقرة الأخيرة من الفصل 23 من م ا ش " على الزوج بصفته رئيس العائلة إن ينفق على الزوجة... على قدر حالته في إطار مشمولات النفقة " وبالتالي يجب على الزوج إن ينفق على زوجته طوال الحياة الزوجية وهذا ما جاء كذلك صلب الفصل 38 من م ا ش إما في صورة الطلاق قان واجب النفقة يستمر مدة العدة ويخضع واجب النفقة المحمول على الزوج لعقاب جزائي فقد جاء بالفصل 53 مكرر الذي وقع تنقيحة بمقتضى قانون 12 جوبلبة 1993 جاء فيه " كل من حكم عليه بالنفقة أو بجراية الطلاق فقضى عمدا شهرا دون الدفع ما حكم بأدائه يعاقب بالسجن مدة تتراوح بين 3 اشهر و عام وبخطية من 100 دينار إلى 1000 دينار "
كما إن على الزوجة واجبات محمولة عليها اتجاه زوجها
-ب- الواجبات المحمولة على الزوجة اتجاه الزوج:
يجب على الزوجة طاعة زوجها إذا جاء بالفصل 23 من م ا ش :" ويقوم الزوجان بالواجبات الزوجية حسب ما يقتضيه العرف والعادة" ومسألة المساكنة طرحت إشكالا على مستوى فقه القضاء باعتبار قد تصبح هذه المسألة محل نزاع بين الزوجين
ومثلا إذا اختار الزوج محلا بقرب عمله وترفض الوجة ذلك فهل يعتبر هذا التصرف مضرا بمصالح وحقوق الزوج وموجب للطلاق للضرر؟ وقد اعتبر فقه القضاء عموما إن المساكنة واجبة على الزوجة وحق الزوج اعتبر هذا الواجب نتيجة عادية لواجب الطاعة الذي جاء به الفصل 23 من ما ش ويمكن إن نذكر قرار محك التعقيب بتاريخ 1 مارس 1983 الذي أقرت فيه انه :" من الواجب على الزوجة مساكنة زوجها وطاعته طبقا للفصل 23 من م ا ش " ثم القرار الثاني في 6 أكتوبر 1987 جاء به انه "يجب على الزوجة مساكنة زوجها في المقر الذي يختاره ويقتضيه عمله بوصفه رئيس العائلة وإذا امتنعت الزوجة عن ذلك لدون مبرر يعتبر امتناعها نشوز وإخلال في القيام بواجبتها المفروضة عليها اتجاه زوجها"
ويمكن إن نلاحظ إن هذه النظرة لم تتغير كثيرا بعد تنقيح 12 جويلية 1993 فقد جاء بقرار تعقيبي بتاريخ 11 جويلية 2000 إن " امتناع الزوجة على مساكنة الزوج من شانه إن يلحق ضرر يهذا الأخير ويعد إخلال منها بواجب حسن المعاشرة وموجب للطلاق بناء على ثبوت النشوز "
كما على الزوجة الإخلاص لزوجها واقتران هذا الواجب بتجريم الزنا وهذا طبقا للفصل 236 السابق الذكر
كما إن هناك واجبات محمولة على الزوجين اتجاه أبنائهم
-2- الواجبات المحمولة على الزوجين اتجاه الأبناء
جاء بالفصل 12 من م ا ش بواجبات محمولة على الزوجين اتجاه أبنائهم وذلك من حلال السهر على الإنفاق بالنسبة للرجل –أ- ومساهمة الزوجة بالإنفاق على الأسرة –ب-
-أ- السهر على الإنفاق بالنسبة للرجل
جاء بالفصل 12 من مجلة الأحوال الشخصية " ويتعاونان على تسيير شؤون الأسرة وحسن تربية الأبناء وتصريف شؤونهم بما في ذلك التعليم والسهر والمعاملات المالية
وعلى الزوج بصفته رئيس للعائلة إن ينفق على الزوجة والأبناء على فدر حاله وحالهم في نطاق مشمولات النفقة "
وتشمل النفقة حسب صريح الفصل 50 " الطعام والكسوة والمسكن والتعليم وما يعتبر من الضروريات حسب العرف والعادة " وبالتالي يجب على الزوج بوصفه رئيس العائلة ورب البيت وقدوة الأبناء الإنفاق على أبنائه وتوفير لهم كل حاجياتهم من مأكل وملبس وتعليم وعيش كريم وما تتطلبه الحياة من ضروريات . وهذا الواجب يبقى محمولا على الزوج حتى بعد طلاقه من الزوجة وهذا فيما يخض انحلال العلاقة الزوجية إما عند قيام العلاقة الزوجية فيمكن للزوجة المساهم في الإنفاق على الأسرة ومساعدة زوجها .
-ب- مساهمة الزوجة في الإنفاق :
كان الفصل 23 من م ا ش ينص "على الزوجة إن تساهم في الإنفاق على الأسرة إذا كان لها مال" وهذه الصياغة غامضة لا تسمح بمعرفة إذا كانت مساهمة الزوجة واجبة عليها أم متروكة لاختيارها , وقد كان فقه القضاء يعتبر عموما المساهمة في الإنفاق من طرف الزوجة يبقى اختياريا ولا يفرض عليها وهذا ما أقرته محكمة التعقيب في العديد من قراراتها من بينها القرار المؤرخ في ّ9 جوان 1981
لكن بتنقيح 12 جويلية 1993 تغيرت صياغة الفصل 23 فسار ينص على واجب المساهمة فقط فقد جاء فيه "وعلى الزوجة إن تساهم في الإنفاق على الأسرة إن كان لها مالا"
لكن المشرع توقف في نضف الطريف ولم يخضع واجب الإنفاق المحمول على الزوجة لعقوبة جزائية كما هو الشأن بالنسبة إلى الزوج . لكن يمكن إجبار الزوجة التي توفر لها الكسب إن تنفق على العائلة وذلك استنادا إلى قواعد المسؤولية التقصيرية, فالمسؤولية التقصيرية تكون قائمة بمجرد وجود فعل الحق ضرر بالغير وذلك الفعل يمكن إن يكون ايجابيا أو سلبيا فعدم الإنفاق يمكن اعتباره فعل سلبي ضار بمصالح الأسرة
إرسال تعليق