gالـمقدمـةs
"
ان الهدف من الإجراءات الجنائية ليس هو كشف
الحقيقة بعيدا عن احترام حرية
المتهم, ومن ثم فيجب معاملته بهذه الصفة في جميع الإجراءات, مما يتعين معه احترام
حريته وتأكيد ضماناتها, فلا قيمة للحقيقة التي يتم الوصول إليها على مذبح الحرية ".(1)
و الضمان القانوني
هو ضمان موضوعي يحتاج حتما الى ضمان قانوني إجرائي (2) هو ما يعبر عنه بالشرعية الإجرائية لحرية
المتهم ,فالقانون هو مصدر كل اجراء جنائي, كما ان
الإجراءات الجزائية يجب ان تتخذ تحت إشراف القضاء.
والركيزة الأساسية
للشرعية الإجرائية هي قرينة البراءة وهي قرينة طبيعية اقرها القانون و يترتب عنها
آثارا خطيرة على مستوى الإثبات الجنائي باعتبار و أنه تحمل على سلطة الاتهام مهمة
إثبات وقوع الجريمة و إسنادها الى المتهم , عكس المتهم الذي لا يجوز تكليفه بإثبات
براءته لان الأصل هو افتراض براءته فلا يجوز إكراهه على الاعتراف بجريمته, لان الأصل
انه له الحق في الإدلاء بأقواله بحرية لذلك كان سكوت المتهم وقرينة البراءة المفترضة
فيه من أهم المواضيع التي طرحت أهمية على المستويين الاجرائي والموضوعي لارتباطه
بالعديد من المفاهيم كحقوق الانسان والحرية الفردية ولارتباطه كذلك بالإثبات في
المادة الجزائية بصفة عامة.
و الإثبات هو الفعل
الذي بمقتضاه يتقدم أحد الخصوم الى القاضي بالوسائل اللازمة لإقناعه من خلال اقامة
الدليل لدى السلطة المختصة على حقيقة قيام الجريمة او عدم قيامها, وبالطرق
المشروعة قانونا وبيان نسبتها الى المتهم وشركاؤه لذلك لابد ان يكون الدليل يقينيا
ومؤسسا على قرائن ثابتة و صحيحة لان الأصل في الإنسان هو البراءة.
والبراءة كما عرفها
الفقهاء هي معاملة الشخص – مشتبها فيه كان ام متهما- في جميع مراحل الاجراءات
ومهما كانت جسامة الجريمة التي نسبت اليه على انه برئ حتى تثبت ادانته بحكم قضائي
بات وفقا للضمانات التي قررها القانون للشخص في كل مراحله .
وهذا التعريف
يتماشى وما جاء به الفصل 12 من الدستور التونسي الذي اعتبر ان " كل متهم
بجريمة يعتبر بريئا الى أن تثبت ادانته في محاكمة تكفل له فيها الضمانات الضرورية
للدفاع عن نفسه ".
اما القرينة فهي
جمع قرائن ويقصد بها ما يدل على الشيء من غير استعمال فيه والقرينة في اللغة
مأخوذة من المقارنة وهي المصاحبة, و التقارن بين الشيئين يعني الملازمة ,و قانونا
فهي ما يستنبطه المشرع او القاضي من أمر معلوم للدلالة على أمر مجهول وهو التعريف
الذي اعتمده المشرع التونسي ضمن الفصل 479
من م.إ.ع الذي اعتبر ان القرائن ما يستدل به القانون او الحاكم على اشياء مجهولة
وبذلك تعدد أنواع لقرائن فمنها القرائن
القانونية التي تكون اما مطلقة وقاطعة او بسيطة, والقرائن القضائية والقرائن
العلمية والعملية.
و تعتبر الإحاطة
الدقيقة بالإجراءات وضبطها وتحديد جزاء الإخلال بها من أهم النتائج المباشرة
لقرينة البراءة في المقابل و ما يعنينا في موضوعنا الحالي هو الحق في السكوت هذا
الحق الذي يوجد بوجود قرينة البراءة وينتفي بانتفائها , باعتبار ان الحق في السكوت هو حق من حقوق
الدفاع وان الإخلال به يؤدي الى بطلان الإجراءات طبقا للفصل 199 م.إ.ج المتعلق
بالإخلال بالمصلحة الشرعية للمتهم ويعبر عنها فقه القضاء بهضم حقوق الدفاع ( كما أوردها
الفصل 175 من م.م.م ت).
الا أن المشرع
التونسي كغيره من المشرعين في القوانين المقارنة لم يعط لهذا الحق أي تعريف وبقي
الأمر موكولا لاجتهاد الفقه وفقه القضاء ويمكن ان نعرفه عامة بكونه امتناع الشخص
عن الكلام والتصريح بصحة أو بنفي الأفعال المنسوبة إليه وهو بذلك موقف سلبي قد
يتخذه المتهم في كامل مراحل الدعوى الجزائية وترجع صعوبة تعريف السكوت لكونه يتعلق
بجوانب نفسية داخلية لا يمكن فهمها بسهولة ولتعلقها بمشاعر وأحاسيس دقيقة ومعقدة تنم عن غريزة
المحافظة لدى الإنسان.
وتجدر الملاحظة ان
هذا الحق مازال غير معتمدا بصفة عملية وان
المتهمين لا يلجئون اليه كما يلجئون الى بقية وسائل الدفاع وهو ما بينته شارلوت جيرار
في كتابها (1)بان من مجموع 848 قضية فان الحق في
السكوت وقع استعماله في 38 قضية فقط أي بنسبة4.5% من الحالات.
اما بالنسبة لتعريف
المتهم فإننا لا نجد تعريفا تشريعيا لذلك بقي موكولا لاجتهاد الفقه, وقد عرفه احمد
بسيوني ابو الروس بان : " كل شخص أقامت سلطة تحقيق الدعوى الجنائية ضده امام
قضاء الحكم او رفعت الدعوى الجنائية عليه يعد متهما "(2).
و السؤال الذي يطرح بمناسبة هذا الموضوع هو كيف يمكن تبرير حق
السكوت على ضوء قرينة البراءة ؟ هذه التساؤلات وان تعددت فإنها واحدة في غايتها
وهي تطرح العديد من المسائل ذات العلاقة بالإثبات في المادة الجزائية كما تطرح
مسألة مبدأ الشرعية على المستويين الإجرائي والموضوعي كما ترتبط الإجابة عن هذا
الإشكال بعديد المفاهيم المتعلقة بحقوق الإنسان والحريات الفردية.
وللإجابة عن هذا
التساؤل فانه يمكن القول بان السكوت يعتبر من حقوق الدفاع التي وقع تكريسه تشريعا
في الفصول 69و74و148 من م. إ.ج وهو نتيجة مباشرة وتطبيقية لقرينة البراءة التي
نضمها الدستور التونسي بالفصل 12 منه , وقد ارتبط الحق في السكوت وجودا او عدما
بقرينة البراءة ولا يمكن ان يفقد المتهم حقه في السكوت الا برفع قرينة البراءة عنه
وإحلالها بقرينة إدانة.
و هذا الحق وكما
سبقت الإشارة اليه يتأثر بتأثر قرينة البراءة وبالتالي يعتبر الحق في السكوت
تكريسا قانونيا لقرينة البراءة {الجزء الاول} الا أنه قد يقع التباعد بين قرينة
البراءة والحق في السكوت لتكون العلاقة انفصالية بين كلتى المؤسستين {الجزء
الثاني}.
الجزء
الأول : الحق في السكوت والتكريس القانوني لقرينة البراءة
ان الأصل في الإنسان هو البراءة وهو أصل ثابت لا يمكن دحضه الا باثبات
خلافه, ولهذه القرينة عديد النتائج من أهمها حق المتهم في الدفاع, ولعها من أهم
الحقوق التي رتب المشرع عن الإخلال بها بطلان الإجراءات حسب مقتضيات الفصل 199 من
م إ ج الذي اعتبر ان من أسباب بطلان الإجراءات المس من المصلحة الشرعية للمتهم ,كحقه
في الدفاع عن نفسه بكل الوسائل, ويعد السكوت إحدى هذه الوسائل الممنوحة للمتهم في
الدفاع عن نفسه وقد وقع تكريس هذا الحق في الفصول 69 – 74 –148 من م إ ج ويعتبر
هذا الحق من أهم الآثار التطبيقية لهذه القرينة.
الفصل
الأول :مدى الاعتراف بحق السكوت
يعتبر حق المتهم في السكوت من أهم الأفكار التي
ولدت في إطار التغييرات العميقة المؤثرة في القانون الجزائي عامة وفي قانون الإجراءات الجزائية خاصة, و بالتوازي
مع هذه التغيرات ظهرت فكرة حقوق الدفاع عن المتهم وخاصة حقه في السكوت التي ظلت
متأرجحة بين مؤيد و معارض لها .
المبحث الأول: بين
النظرية المنافية للحق في السكوت والنظرية القائلة بوجوده في القانون التونسي و المقارن:
الفقرة الأولى : النظرية المنافية للحق في السكوت :
ترى هذه النظرية ان الشخص الذي يمتنع
عن الجواب يستحق العقوبة التي يحددها
القانون, وهذه العقوبة يجب ان تكون مجحفة حتى يسعى الجميع في إعطاء
المجموعة ما تستحقه .
وخلافا لما قد يفهم
من رأي الفقيه " بكاريا " الذي اعتبر التعذيب عمل شنيع وبربري فانه لم
يعترف بالحق في السكوت بعد أن كتب في مؤلفه المعروف تحت عنوان " جرائم
وعقوبات "(1) ان سكوت المتهم
يعد جريمة وجب معاقبته من أجلها رغم تناقض
ذلك مع منطقه في رفض التعذيب .
أما بالنسبة للأستاذ "شارل" فانه يناقش وجود حق السكوت على مستويين مختلفين
:فعلى المستوى الأخلاقي الفردي, فانه يعتبر" أن القانون الذي يحكم الإنسان هو
الحقيقة التي يكتسبها من السلطة الشرعية التي تمارس بصفة مشروعة و بدون حقيقة ليست
هناك عدالة وبدون عدالة ليس ثمة أمن ولا نظام وبالتالي ليس ثمة تطور
اجتماعي....." أما على مستوى القانون الطبيعي, فسير العدالة يقتضي من الإنسان
أن يعاضده " سيكون من الطبيعي أمر سئ أن نختار أن نضلل العدالة بدل ان
نساعدها, فيكون إذ ليس من الطبيعي ان نكسب
المتهم حق عدم الجواب حسب وعي القاضي الذي يستجوبه, فليس ثمة في كل المبررات
عذرا إنسانيا يبرر السكوت "(1).
أما الفقيه " بنتام " فهو يبرر عدم إمكانية
إقرار الحق في السكوت بكون المجتمع ينشد بدوره حق التكلم مثلما ينشد المتهم امتياز
السكوت(2).
و قد يفضي الاعتراف بحق السكوت الى وجود تعارض بين
حق المجتمع في الإثبات وحق المتهم في السكوت اذا كان تصريح المتهم هو الوسيلة الوحيدة
للكشف عن الحقيقة إلا أنه بوجود وسائل إثبات أخرى غير اعتراف المتهم او تصريحاته
فيجب المحافظة على التوازن بين المصلحتين القائمتين, وفي هذا الشأن يرى "ميلور"(3) أن مضمون المصلحتين يحوي التزاما بعدم الفعل او
الالتزام بالامتناع عن عمل فالمجتمع لا يمكنه الزام الصامت عن الكلام وبصفة معاكسة
فان المتهم لا يمكنه تحدي المحقق الذي يقوم باستنطاقه و أن يرفض الطرق العادية
للتحقيق .
ويعتبر
الموقف المناهض للحق في السكوت موقفا وقع تكريسه في ظل المجتمعات القديمة ،أما فيما يتعلق بنظام الاتهام و اجراءاته
حيث الاتهام الفردي يعد ضروريا لتحريك الدعوى, فانه لم يكن يمارس أي ضغط او اكراه
على المتهم اثناء استجوابه بل كان له الحق في ان يعترف او ان ينكر ولكن سكوته عن
الاجابة كان يعتبر معادلا للاعتراف .
الفقرة الثانية : النظرية
القائلة بوجود الحق في السكوت :
ان المتهم ليس ملزما بإظهار الحقيقة عند استنطاقه
و لا الجواب عن الأسئلة التي يطرحها باحث البداية او حاكم التحقيق أو رئيس الجلسة
و هي فكرة تجد العديد من الأسس والمبررات .
فحسب الفقه الفرنسي لهذه الفكرة أساسين : أولهما
مستمد من عدم التزام المتهم بدفع ما هو منسوب اليه وهو ما كرسته الفصول 62 – 63 من
مجلة الاجراءات الفرنسية ونستنتج من هذا الأساس انه لا يمكن لأي كان أن يشهد ضد
نفسه او يتهم نفسه و ثانيهما فقد صاغه بعض المناهضين للتعذيب واخذ به الفقه
المعاصر
(1) والذي انطلق من تساؤل حول الغاية من
التعذيب , فحق السكوت وقع طرحه كحق طبيعي وكمظهر من مظاهر الحفاظ على الحياة فلا
يمكن بالتالي للقانون الوضعي ان يلغيه حتى لا يكون كل القانون باطلا.
وقد انطلق الفقيه "هيلي" في بيان مفهوم وأساس حق السكوت ان هذا الحق
يخضع أساسا لمصلحة المتهم, فحق السكوت هو حق طبيعي للدفاع, فاذا كان للمتهم حقا في
الكذب فله حقا في السكوت وذلك تطبيقا لمبدأ قانوني أساسي يتمثل في أن من أمكنه
الأكثر أمكنه الاقل (1) ويتفق الفقه اليوم
بكل شرائحه على ان ما يؤسس هذا الحق هو قرينة البراءة(2) فاذا ما اعتبرنا
ان حق السكوت هو حق أساسي للدفاع وان حق الدفاع ليس الا مرآة للقاعدة التي تفترض
البراءة في الشخص فان حق السكوت لا يكون الا النتيجة المنطقية لهذه القاعدة .
أما في تونس فقد اعتبر هذا المبدأ كأحد الضمانات الأساسية
للحريات الفردية اذ يفرض انه لا احد يمكن أن يكون محل تتبع ما دامت إدانته غير
ثابتة ومن تطبيقات هذا المبدأ هو أن قرينة البراءة تضع على كاهل سلطة الاتهام وهي
النيابة العمومية عبء الإثبات و بالتالي إعفاء المتهم من الإثبات مما يعطيه الحق
في التزام الصمت. وانطلاقا من مبدأ حرية الإقرار التي كرستها التشريعات الحديثة
وخاصة التشريع التونسي فانه لا يمكن اعتبار الاعتراف سيد الأدلة في وسائل الإثبات
فالمشرع لم يجعل من الاعتراف وسيلة وجوبية لكشف الحقيقة باعتبار
وأن الإقرار لا يعفي القاضي من البحث عن وسائل
أخرى للإثبات حسب الفصل 69 فقرة 7 من م.ا.ج
فالبحث عن وسيلة الإثبات يجب أن يتم بعيدا عن تصريحات المتهم .
أما في القانون التونسي فقد نص صراحة على حق
المتهم في السكوت عند مثوله أمام حاكم التحقيق وهو ما يستشف من الفصل 69 من م. إ
.ج التي نص في فقرته الأولى على انه :
" يثبت حاكم التحقيق هوية ذي
الشبهة عند حضوره لأول مرة ويعرفه بالأفعال
المنسوبة إليه والنصوص القانونية المنطبقة عليها ويتلقى جوابه بعد أن ينبه بان له
الحق في ان لا يجيب الا بمحضر محام يختاره و ينص على هذا التنبيه بالمحضر " .
و يبدو أن الحق في السكوت قد منحه المشرع التونسي كأجل
للتفكير يمكن المتهم من حسن إعداد دفاعه وتسييره واخذ العلم بالتهمة الموجهة إليه
فيتراءى هذا الحق بالنسبة للمتهم كاختيار يمكنه التخلي عنه ولكنه بالنسبة للقاضي
هو واجب عليه احترامه حتى لا يسقط في بطلان إجراءات التتبع .
و يستمد تكريس حق سكوت المتهم ضمن الفصل 69 من م .إ . ج من الحل الذي اعتمده
التشريع الفرنسي وكذلك الضمانات المتصلة بالمتهم أثناء الإعلام القضائي فهي مستمدة
من التشريع الفرنســي لسنة 1897 (1).
إلا أن الاعتراف بحق دون إحاطته بضمانات فعلية في
تطبيقه قد يفضي الى إفراغه من كل محتوى, فالاعتراف للمتهم بحقه في السكوت وتكليف
محام للدفاع عنه والحال ان العمل الذي من الواجب ان يقوم به حاكم
التحقيق قد سبقه فيه أعوان الضابطة العدلية بواسطة
ممارسات قد تشكل مخاطر على الحرية الذاتية والحريات الفردية التي لا معنى لها ولا
مكان لها في هذه المرحلة من استنطاق
المتهم (2) .
ومن الملاحظ ان المشرع التونسي لا يضمن حق السكوت إلا
أثناء الاستنطاق الأولي ويبرر هذا الأمر بغياب نص قانوني يفرض على المتهم التكلم
ويعاقبه على صمته ويسمح للقاضي باللجوء الى وسائل مختلفة لخرق سكوته او يمكنه من
تأويله كونه قرينة ادانة و في نفس الاتجاه
يلاحظ بان الاستنطاق هو في نفس الوقت أداة
تحقيق وكذلك وسيلة دفاع وبالتالي لا شئ يمنع
المظنون فيه من استخدام سكوته كوسيلة للدفاع أثناء الاستنطاق و كل مخالفة لذلك
يعرض كافة الإجراءات الى جزاء البطلان مناط الفصل199 م إ ج البطلان
الذي اقتضى أنه : " تبطل كل الأعمال و
الأحكام المنافية للنصوص المتعلقة بالنظام
العام آو للقواعد الإجرائية الأساسية او لمصلحة المتهم الشرعية ".
و ينص الفصل 74 م ا ج على انه : " إذا امتنع ذو الشبهة عن
الجواب او اظهر عيوبا تمنعه وليست فيه فان حاكم التحقيق ينذره بان البحث في القضية
لا يتوقف على جوابه وينص على هذا الانذار بالتقرير ".
كما اقتضى الفصل 148 م ا ج انه : " إذا امتنع
المظنون فيه عن الجواب جاز إتمام المرافعة بدون توقف على كلامه ويعتبر الحكم في
هذه الحالة حضوريا" و هما فصلان يبيحان سكوت المتهم .
المبحث الثاني:
الإقرار القانوني لقرينة البراءة :
فقرة أولى: تعريف
البراءة و أسسها :
لقد وردت جل التعاريف متشابهة ان لم نقل أنها
متماثلة من حيث المعنى والمبنى ، فقد عرفها الفقه بقوله : " ان لا يجازى
الفرد عن فعل أسند اليه ما لم يصدر ضده حكم بالعقوبة من جهة ذات ولاية قانونية
" (1)
و قد عرفها بعض الفقهاء بقوله : " إن أصل
البراءة يعني ان القاضي وسلطات الدولة كافة يجب عليها ان تعامل المتهم وتنظر إليه
على أساس انه لم يرتكب الجريمة محل
الاتهام ما لم يثبت عليه ذلك بحكم قضائي نهائي غير قابل للطعن بالطرق العادية
".(2)
ويرى البعض الأخر من الفقهاء وأن "مؤدى قرينة
البراءة أن يعامل المتهم مهما كانت جسامة الجريمة التي نسبت اليه انه برئ حتى تثبت إدانته بحكم قضائي
وفقا للضمانات التي يقررها القانوني ".(3)
وما يمكن اعتماده كتعريف عام لأصل البراءة :
" يعني معاملة الشخص– مشتبها فيه كان ام متهما-في جميع مراحل الإجراءات ومهما
كانت جسامة الجريمة التي نسبت إليه , على
انه برئ حتى تثبت إدانته بحكم قضائي بات وفقا للضمانات التي قررها القانون للشخص
في كل مراحله ".(4)
و بناء على القاعدة الفقهية الإسلامية القائلة : " لا ينسب
لساكت قول " لا يصح ان يتخذ سكوت المتهم كقرينة على ثبوت التهمة ضده والمتمعن
في هذا الرأي يجد أنه دون شك تطبيقا صحيحا وحقيقيا لقرينة البراءة .
والحقيقة أن الأهمية التطبيقية لقرينة البراءة هو
الذي جعلها ترتقي الى مستوى المبادئ التي حضيت بالتكريس على عديد المستويات أهمها
الاتفاقيات والإعلانات , الدساتير
والقوانين .
ولعل إعلان حقوق الإنسان الصادر سنة 1789 إبان
الثورة الفرنسية يعتبر ممن لهم فضل السبق على غيره من الإعلانات والاتفاقيات في التنصيص
على هذا المبدأ , فقد جاء فيه ان أصل الإنسان هو البراءة حتى تتقرر إدانته وفق ما
نصت عليه المادة 9 منه , ثم تلاه بعد ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر
سنة 1948 والذي أقر ان كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا الى ان تثبت ادانته قانونا
بمحاكمة علنية تؤمن له فيها جميع الضمانات الضرورية للدفاع وفق ما نصت عليه
المادة 11 فقرة 1.
ثم جاءت بعد ذلك الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية الصادرة
سنة 1950 حيث نصت المادة 6 فقرة 2 على ان كل متهم بارتكاب جريمة يعد بريئا حتى يتم
إثبات إدانته طبقا للقانون, ونص في المادة 5 على حق كل شخص في التمتع بالحرية والأمن,
كما أنه لا يجوز توقيع جزاء جنائي عليه طالما لم تثبت مسؤوليته على الوجه المنصوص
عليه في القانون بالإضافة الى أنه لا يكلف شخص باثبات براءته ليستفيد المتهم بأي
شك الذي يؤول ضرورة لصالحه.(1)
وعلى ذلك فان أهمية هذا المبدأ تكمن في مدى
اعتماده دستوريا من عدمه ذلك لأنه إذا كانت الاتفاقيات والإعلانات ليست لها القوة
الالزامية الموجبة لتطبيقه فان الدول الحرة ذات النظم الديموقراطية اعتنت به لتحقيق
الموازنة بين حق المجتمع في معاقبة المجرم و احترام الحريات و الحقوق
الاساسية للأبرياء (2).
و تكتسي قرينة البراءة صبغة دستورية في القانون
التونسي حيث ورد في الفصل 12 من دستور غرة جوان 1959 " ان كل متهم بجريمة
يعتبر بريئا الى ان تثبت ادانته في محاكمة تكفل له فيها الضمانات الضرورية للدفاع
عن نفسه ."
أما على مستوى القانون فلقد ذهبت اغلبها في جانبها
الإجرائي إلى عدم النص على هذا المبدأ معتمدة في ذلك على ما نص عليه صلب الدستور باعتباره
الوثيقة العليا في البلاد , كما انه أصبح من المبادئ التي لا يجوز التنازل عليه او
المساس بها لكونه يمثل الدعامة الثانية للحريات بعد مبدأ الشرعية وعليه فان التنصيص
عليه صلب القوانين الإجرائية يعد من باب التزيد خاصة اذا كان الدستور سابقا في
صدوره لقانون الإجراءات الجزائية .(1)
فقرة الثانية :
نتائج نظرية البراءة :
بتحريك الدعوى
العمومية ضد المتهم وانطلاق التحقيق تتقلص جزئيا حريته كلما تم اتخاذ إجراءات
جديدة بهدف استقصاء الحقيقة مما يشدد في أهمية كل الضمانات الممنوحة للمتهم وذلك كلما طالت إجراءات الدعوى قبل انطلاق
المحاكمة.
و في هذا الإطار تتأكد قيمة الأدلة و البراهين
التي تلعب وحدها دورا أساسيا في الإبقاء على أصل براءة الشخص مما يجيز لحاكم
التحقيق في تلك المرحلة اتخاذ إجراءات
لفائدة البحث , إلا انه قيده بضمانات تدرء عن المتهم خطر التحكم والاستبداد
المنتهك لقرينة البراءة.(2)
وتصعب في هذا
الإطار مهمة الجهة المختصة بتوجيه الاتهام في إثبات الجريمة بقدر ما يزداد إنكار
المتهم و تمكنه من طمس معالمها بتخطيط المسبق منه خاصة اذا ما ظل مدة زمنية طويلة
طليقا بعد ارتكابها , وقد تكون هذه الصعوبة متأتية من جهة أخرى بالتعمق في البحث
عن أدلة أخرى لفائدة الحقيقة رغم اعتراف المتهم بما نسب إليه من أول وهلة وذلك مثل
الذي يرتكب فعلا مجرما قانونا ولكن في المقابل يتبين وجود
سبب من أسباب الإباحة
أو أداء الواجب او استعمال الحق او ثبوت وجود حالة دفاع شرعي او مانع من موانع
المسؤولية او عذر من الأعذار المعفية من العقوبة او المخففة لها.(1)
و قد سار فقه القضاء التونسي على هذا المنوال بضرورة
تأسيس قضاة الموضوع قناعتهم على الجزم واليقين لا على الظن والترجيح وقد ورد في
القرار التعقيببي الجزائي عدد 17410 المؤرخ في 26/02/1986 انه " ولئن كان
تقدير وسائل الإثبات وكفايتها ودرجة تأثيرها على وجدان القاضي الجزائي أمر راجع
لاجتهاده
لكن شريطة أن يعلل حكمه تعليلا سائغا قانونيا وواضحا
منسجما مع عناصر الدعوى شاملا للردود على كافة الدفوعات الجوهرية دون أن يركز على
عناصر غير قطعية ولا مقنعة ضرورة أن الأحكام لا تبنى إلا على الجزم واليقين دون
الحدس والتخمين " (2) ومرد هذا الموقف قاعدة البراءة التي يتمتع
بها المتهم وتبعا لذلك فان الشك يفسر ضرورة لمصلحته في مرحلة المحاكمة وفي هذا الإطار
فقد قضت محكمة التعقيب بان محكمة
الموضوع بإبرازها
عناصر الشك الحافة بأطوار القضية لانتفاء الحجج القوية والقرائن المتضافرة فقد أبرزت
عدم اقتناعها بالإدانة وعللت حكمها تعليلا سائغا و قانونيا(3)
.
الفصل
الثاني : مظاهر تكريس قرينة البراءة من
خلال الحق في السكوت:
المبحث الاول : حماية قرينة
البراءة والحق في السكوت :
فقرة أولى : منع
التعذيب :
خلال مرحلة استجواب
يتمتع المتهم بالعديد من الضمانات التي تخول له إبداء رأيه بكل حرية وبدون ضغط وهي حماية تلازمه في كامل مراحل البحث والتحقيق
, ومن بين هذه الضمانات هو عدم تعذيبه لانتزاع تصريحاته بالقوة أو عدم التأثير
عليه بأي شكل من الأشكال , فيجب أن يكون المتهم عند استجوابه
متحررا من أي ضغط أو تأثير خارجي مصدره الجهة المختصة
بالبحث أو بالتحقيق و مهما كانت صور الضغط عن طريق الوعد أو الإكراه المادي أو المعنوي (1)
ويتمثل الوعد في إعطاء
المتهم الأمل في ميزة معينة أو في البراءة ويتمثل الإكراه المادي في التعذيب,
تخدير المتهم أو تنويمه مغناطيسيا أو استعمال جهاز كشف الكذب أو إرهاق المتهم
باستمرار الاستجواب لمدة طويلة مما يؤدي إلى التأثير على قواه الذهنية وبالتالي
التأثير في إرادته(2).
ويتمثل الإكراه الأدبي
في تهديد المتهم أو تحليفه اليمين, ولا يعتبر من قبيل الإكراه أمور جانبية لا
علاقة لها بالمتهم مثل خشيته من ضابط الشرطة الذي حضر البحث ولا خشيته من سلطان
الوظيفة أو الإيحاء من الضابط للمتهم بالاعتراف ما دام سلطان الضابط لم يمتد إلى
المتهم بالأذى ماديا أو معنويا.(3)
ويعتبر الإكراه
المادي من أهم صور التعذيب فهو يتسلط على جسد المتهم ليمس من إرادته وحرية اختياره عند
الاستجواب والعنف المادي – أو التعذيب –
هو كل قوة مادية خارجة عن المتهم تستهدف جسده ويكون من شأنها تعطيل إرادته بأي
درجة من درجات العنف طالما أن فيه مساس بسلامة الجسم ويستوي الأمر إن كان هذا الإكراه
قد سبب ألما للمتهم أولم يسبب شيئا من ذلك .
أما في خصوص
استعمال وسائل الحيلة والتدليس فان القانون لا يجيزها عند الاستجواب ولو كان
الوصول إلى الحقيقة متعذرا بدون استعمالها لان الحيلة تنطوي على نوع من التدليس
الذي يوقع المتهم في الغلط فيعيب إرادته مما يبطل معها جميع الأدلة المستمدة منه
ويشترط وجود علاقة سببية بين الحيلة غير المشروعة وبين الأدلة المستمدة من هذا
الاستجواب ليتحقق البطلان ومن أمثلة ذلك أن يقع إيهام المتهم أثناء استجوابه بان
شريكه في الجريمة قد اعترف او شخصا معينا شاهده وهو يرتكب الجريمة او اتهامه بوجود
أدلة معينة.
فقرة ثانية : منع
وسائل أخرى لانتزاع اعتراف المتهم بالقوة :
من أهم الوسائل
التي حضر استعمالها القانون بهدف انتزاع اعترافات المتهم بالقوة هو التنويم
المغناطيسي وهو نوع من التنويم لبعض ملكات العقل الظاهري الذي يمكن إحداثه صناعيا
عن طريق الإيحاء بفكرة النوم وهي وسيلة تستخدم منذ زمن بعيد في علاج الأمراض
النفسية لحمل المريض بعد تنويمه على تذكر أسباب مرضه النفسي ومحاولة رده إلى وعيه والتأثير
المباشر في العقل الباطني وغرس المعتقدات الطبية فيه وبالتالي فان فائدة
التنويم تنحصر في
تسهيل وتقوية عملية الإيحاء فهو من العلاج بمثابة التخدير في العملية
الجراحية (1) وفي حالة التنويم المغناطيسي يضيق نطاق
الاتصال الخارجي للنائم لتحجب الذات الشعورية للنائم وتبقى ذاته اللاشعورية تحت
سيطرة ذات أجنبية و هي ذات المنوم المغناطيسي وبذلك تشل الوظيفة الأساسية لعقل الإنسان
ومما لا شك فيه أن التنويم المغناطيسي للمتهم يؤثر على إرادته بل يعدمها ويكون
استجوابه أثناء ذلك باطلا إذ أن المتهم في هذه الحالة يكون خاضعا لتأثير من ينومه
فتكون إجاباته صدى لما يوحى إليه ويعتبر مكرها ماديا على ما يأتيه من أفعال أو
أقوال لذلك يخطر الالتجاء إلى التنويم المغناطيسي أثناء البحث أو غيرها من مراحل
استكشاف الحقيقة .
و على المستوى
الفقهي هناك بعض الكتابات التي تطرقت الى هذا الموضوع بصورة مختصرة اعتمادا على
القانون المقارن وهي تميل إلى منع استخدام هذه الوسيلة عند استنطاق المتهم لأنها
تمثل تعديا ليس على السلامة النفسية والمادية للمتهم فقط بل كذلك على حقوق الدفاع
وضمانات المتهم وهو نفس الإشكال الذي
أثاره أيضا الاستنطاق تحت تأثير التخدير و هي وسيلة منع استعمالها المشرع و تتمثل في
القيام بتخدير المتهم بالحقن أو بوسيلة أخرى بمادة تؤثر على مراكز معينة في المخ
دون غيرها بحيث تبقى قدرته على التذكر
والسمع والنطق قائمة
بما يتيح استجوابه بتوجيه الأسئلة إليه ورده عليها بصورة غير إرادية ودون أدنى
تحكم من جانبه في إجاباته وبذلك يمكن معرفة كل ما كان المتهم يستطيع إخفاءه لو كان
في حالة طبيعية .
ويبدو أن الرأي
السائد اليوم لا يعارض في استعمال العقاقير المخدرة في البحث الجنائي مع ضرورة
احترام بعض الشروط الجوهرية التي يمكن حوصلتها في كونه يجب حصر استعمال العقاقير
المخدرة في الجرائم الخطيرة كالقتل والحريق مع ضرورة وجود قرائن متضافرة على الإدانة
كما يجب حصر استعمال العقاقير المخدرة في الكشف عن الحالة العضوية أو النفسية
للمتهم دون البحث عن الاعتراف مع ضرورة الحصول مسبقا على موافقة المعني بالأمر مع
الأخذ بعين الاعتبار و أن النتائج المتحصل عليها لا يمكن اعتبارها سوى مجرد قرائن
خاضعة للوجدان الخالص للقاضي مع خاصة و أن استعمال العقاقير يجب أن يكون من طرف
خبير مع ضمان حق المتهم في الاختبار المضاد فإذا ما تم احترام هذه الشروط فانه
يمكن الاستفادة من ثمرات التطور العلمي في
مجال البحث الجزائي دون إهدار لحقوق الأفراد وضمانات المتهم(1).
المبحث
الثاني : مراحل تكريس قرينة البراءة من خلال الحق في السكوت :
فقرة أولى : لدى
باحث البداية :
يقصد بباحث البداية
بالجهة المكلفة بإجراء البحث الأولي المتمثلة في مجموعة التحريات التي يقوم بها
رجال الشرطة أو الحرس الوطني قبل وضع قاضي التحقيق يده على القضية قصد التأكد من
حدوث الجريمة وجمع الأدلة عنها وكشف مرتكبها (1)
و يعتبر الاحتفاظ من الوسائل التي تساهم في ضمان
حقوق المتهم حسبما سعى الى ذلك المشرع التونسي و هي حجز المظنون فيه من قبل السلطة
المختصة للتثبت من الشبهة التي تحوم حول اقترافه لجريمة ما في انتظار
قرار عاجل يؤخذ في
شانه (1)
وقد بقي هذا الإجراء بدون إطار قانوني ينظمه إلى حدود سنة 1987 مما سمح لأعوان
الضابطة العدلية بالتعسف في استعماله .
و هو ما جعل رجال
القانون في تونس ينادون بشدة لإيجاد الإطار القانوني للاحتفاظ حتى يبقى ملجأ لكل
فرد يحتمي به من خلال المبادرة باقتراح جملة من العناصر والحلول التي يمكن للمشرع
ان يستنير بها لوضع نظام متكامل للاحتفاظ يضمن للموقوف سلامته البدنية والذهنية و يضمن
للعدالة تصريحات صحيحة وسليمة وإلا تمتع بحقه في السكوت انسجاما مع مبدأ قرينة
البراءة التي يتمتع بها (2).
وفعلا فقد استجاب المشرع التونسي لهذه النداءات
المتكررة وذلك بمناسبة التنقيح الوارد على م.ا.ج في 26 نوفمبر 1987 الذي أضاف إليها
فصلا جديدا وهو الفصل 13 مكرر المتعلق بالاحتفاظ الذي وضع على كاهل أعوان الضابطة
العدلية بعض الواجبات كما منح المحتفظ به بعض الحقوق الضرورية .
مع الملاحظ أن هذا
الفصل وقع تنقيحه مرة ثانية في جويلية 1999 وتم بموجبه التخفيض من مدة الاحتفاظ
وذلك تماشيا مع تطور مفهوم حقوق الإنسان وضمانا للحريات العامة وتأكيدا أكثر
لقرينة البراءة و ذلك بالرغم من أن التنقيحات المدخلة في هذا الفصل لم تأت بشئ
يذكر على الحق في السكوت خاصة لدى باحث البداية ويبدو أن ذلك راجعا بالأساس إلى
اقتناع المشرع بان قرينة البراءة هي الكفيل الوحيد لحماية المتهم في هذه المرحلة
ويتجلى ذلك بتدعيمها بجملة من الإجراءات
الحمائية الوقائية دون التعرض إلى حق السكوت وهي في نظرنا من النقائص التي كان من
المفروض على المشرع التفطن إليها والتنصيص على هذا الحق في السكوت صراحة كما فعل
ضمن الفصل 69 –74 خلال مرحلة التحقيق والفصل 148 خلال مرحلة المحاكمة.
وبالرجوع إلى الفصل
13 مكرر م إ ج يتبين لنا أن المشرع بعد ضبط بعض الشروط الأولية حمل أعوان الضابطة
العدلية واجب التقيد بمدة الاحتفاظ وواجب تحرير محضر و من المؤكد أن المشرع قصد من
وراء
تمكين ذي الشبهة من
بعض الوسائل كعرض نفسه على الفحص الطبي منع حصول أي تجاوز من شأنه أن يهدد الحرمة
الجسدية للمحتفظ به ويجعله سهل الانقياد للإدلاء باعترافات ما كان ليدلي بها لو لم
يتعرض لما من شأنه أن يمس من سلامته الجسدية و ذلك من خلال تمكين ممارسة هذا الحق أثناء
فترة الاحتفاظ طول مرحلة الاستنطاق أو عند نهاية الاستنطاق بانتهاء مدة الاحتفاظ، مع
العلم و أن إجراء الاستنطاق من قبل أعوان الضابطة العدلية لا يكون دائما نزيها
لجنوحهم المتواصل للقوة باعتبارها أسهل وسيلة للحصول على ما يعتبرونه سيد الأدلة (1)
كما جاء بالفصل 13
مكرر من م. إ. ج ما يلي: "ويجب أن يكون المحضر ممضي من المحتفظ به وان امتنع
ينص على ذلك وعلى السبب ". هذه العبارات نجدها في اغلب التشريعات التي تضمنت
إجراءات استنطاق ذي الشبهة من طرف أعوان الضابطة العدلية كالتشريع الفرنسي
مثلا في الفصل 64 من م . إ . ج فرنسية في فقرته الثانية .
إن الوضعية الخاصة لأعوان
البحث الأولي باعتبارهم اقرب الباحثين لميدان الإجرام وفي صراع يومي ومتواصل مع
المجرمين جعل اغلب التشريعات تمنحهم وضعية خاصة في إطار ما يسمى بالمبرر القانوني
وهي حالة التي يسمح فيها لأعوان الضابطة العدلية استعمال بعض الوسائل التي لا يمكن
قبولها في الحالات العادية من ذلك مثلا حالة الدفاع الشرعي أو حالة الضرورة أو "
العنف الشرعي " الذي يعتبر ضرورة قضائية ومعنوية لاستجوابه بصفة ناجعة
والحصول على اعترافه (2) .
يجب أن لا يبالغ في
التسامح مع الأعوان الذين خالفوا القانون واخلوا بالتزاماتهم الوظيفية من اجل
الحصول على اعتراف مجرد مثلما يتضح من
الحكم الذي صدر في القضية عدد 4728 عن محكمة الاستئناف بصفاقس في 13/07/1987 والذي
قضى بثبوت إدانة عوني الضابطة العدلية :" فيما نسب إليهما واعتبار
جناية التعدي عن
الحرية الذاتية للغير مندمجة في جناية الاعتداء بالعنف الناجم عنه الموت ويعاقب كل
واحد منهما بالسجن مدة خمس أعوام مع تأجيل التنفيذ ".
فقرة ثانية : لدى حاكم التحقيق :
يمكن تعريف
الاستنطاق بكونه مواجهة المتهم من قبل القاضي بالتهمة المنسوبة إليه وطرح أسئلة
حول تلك التهمة ومطالبته بالإجابة عنها ومناقشتها تفصيليا .
ويبدو أن م. ا.ج التونسية قد
سارت على هذا المنهج بإقرارها عديد الضمانات للمتهم عند استنطاقه يهدف ضمان سلامة
التصريحات التي تصدر عنه : غير أن إمكانية الإخلال بهذه الضمانات تبقى واردة
لاعتبارات افرزها الواقع العملي.
وقد رأى
المشرع أن جعل استنطاق المتهم من اختصاص
القاضي وحده لضمان سلامة التصريحات التي تصدر عنه لذلك أقر عديد الإجراءات
الجوهرية التي تضبط عملية الاستنطاق خلال مرحلة التحقيق وحمل القاضي واجب الالتزام
بها ومكن المتهم من حق طلب إبطال الاستنطاق
الواقع بطريقة فيها إخلال بالإجراءات الجوهرية أو حقوق الدفاع الشرعية (1).
ويستمد
إجراء الاستنطاق خلال مرحلة التحقيق أهميته من خلال الفرصة التي تمنح للمتهم
لمناقشة التهمة الموجهة إليه وبيان موقفه منها سواء بالاعتراف بها كليا أو جزئيا أو
إنكارها , و يبرز تطور مفهوم الاستنطاق الذي لم يعد وسيلة للحصول على دليل إثبات للتهمة الموجهة للمتهم يستخلص من واقع أقواله
وإجاباته عن التهمة بل وسيلة سعي الى الحقيقة وضمان تأمين مصداقيتها وذلك
من خلال ما كرسته م.ا.ج من حق المتهم في الدفاع بنفسه و بالتالي حقه في الكلام أو في
ملازمة الصمت وهذا الحق منصوص عليه
تشريعيا بالفصل 74 من م. ا.ج الذي اقتضى
انه : " إذا امتنع ذو الشبهة
عن الجواب فان حاكم التحقيق منذ البداية ينذره بان البحث في القضية لا يتوقف على جوابه " والحق في السكوت الممنوح
للمتهم خلال
مرحلة التحقيق
يرتكز على مبدأ قرينة البراءة التي يتمتع بها كل متهم والتي تعني أن عبء إثبات
الفعل الإجرامي ونسبته للمتهم يحمل عن النيابة العمومية في حين انه من حقه أن يسلك
سلوكا سلبيا وينتظر مآل القضية دون أن يسعى إلى جمع أدلة براءته(1) الحق في السكوت
ليس إلا تطبيقا لمبدأ قرينة البراءة(2).
كما اقتضى الفصل 69 من م إ ج الحق في عدم الإجابة الفورية
ورغبة المشرع واضحة في هذا النص وهي تجنب استنطاق المتهم في أصل التهمة منذ حضوره الأول
مع وجوبية تذكيره بان له الحق في ملازمة الصمت إلى حين حضور محاميه فهذا الإجراء
هو بمثابة الضمانات التي تهدف إلى تحقيق اكبر قدر ممكن الصدق في اعترافات المتهم(ُ3), فالحق في السكوت المؤقت الذي اقره الفصل 69 من م إ ج يعطي للمتهم مهلة قصيرة
لاستيعاب التهمة الموجهة إليه وتنظيم أوجه دفاعه وتقدير إذا كان يحتاج إلى محام
يسانده أم لا , لذلك فهو حر في التنازل عن هذا الحق و ذلك بعدم الإجابة الفورية أو الاستفادة منه بالتمتع بمهلة مؤقتة
يلازم خلالها الصمت إلى حين حضور
محام يختاره لمساندته.
فقرة ثالثة :
أثناء المحاكمة :
اقتضى الفصل 12 من
دستور غرة جوان 1959 أن : " كل متهم بجريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته
بمحاكمة علنية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عن نفسه ". وهو ما كرسه
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بالفقرة 1 المادة 11 وجاء فيها " كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا إلى أن
تثبت إدانته بمحاكمة علنية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه "
وانطلاقا من تحليل مضمون هذين الفصلين فإننا نلاحظ أن المتهم يبقى متمتعا بقرينة
البراءة حتى في مرحلة المحاكمة ضرورة أن
المحاكمة تتطلب عديد الإجراءات قد تطول أو تقصر بحسب الجريمة ومتطلباتها الواقعية
ومن ثمة فان كامل تلك الإجراءات التي من الممكن أن تتخذ ضد المتهم يجب أن تراعي في
ذلك مبدأ قرينة البراءة .
ومبدئيا فان سكوت المتهم مكرس قانونا ضمن أحكام
الفصل 148 من م إ ج الذي اقتضى انه: " إذا امتنع المظنون فيه عن الجواب جاز إتمام
المرافعة بدون توقف على كلامه ويعتبر الحكم في هذه الحالة حضوريا " باعتبار أن
المحكمة لم تصدر بعد حكما بإدانته وان حق السكوت هو نتيجة من نتائج قرينة البراءة
ويعتبر في هذه الحالة سكوته مبررا إلا انه عند الامتناع عن الجواب وكان عذر
المتهم مبررا للمحكمة ان تنظر في جدية هذا
العذر من عدمه .
ولئن تعرض القانون
التونسي لإمكانية ملازمة ذي الشبهة للصمت أثناء المحاكمة فانه لم يقر قواعد تأويله من حيث الإثبات إذ
اقتصر على التنصيص على أن الامتناع عن الكلام لا يوقف المرافعة, ويرى الأستاذ عبد
الله الأحمدي : " أن صمت المتهم يترك
مبدئيا انطباعا سيئا لدى المحكمة أو لدى الباحث لان وراءه إخفاء لبعض الحقائق
التي قد لا تكون لصالح من اعتصم بها إذ
المفروض أننا لا نخفي الأمور الحسنة ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن السكوت دليل على
ثبوت التهمة إذ من المبادئ القانونية المعروفة انه : " لا ينسب إلى ساكت قول
" فليس الصمت اعترافا بالجريمة ولا نفيا قاطعا لها وبالتالي فان للمحكمة ان تستخلص منه ما يقنع
وجدانها سواء في اتجاه الإدانة أو البراءة اعتمادا على ملابسات كل قضية والأدلة الأخرى المتوفرة في
أوراق الملف"(1).
و يعتبر بعض
الفقهاء (2) أن هناك مماثلة بين آثار السكوت والغياب إلا في وصف الحكم
فيعتبر الحكم غيابيا عند غياب المتهم عند
المحاكمة ويكون حضوريا إن حضر المتهم الحكم ولكنه التزم الصمت.
وتأويل السكوت أثناء
المحاكمة قد يؤدي إلى إحدى النتيجتين فإما
تأويله في اتجاه الإدانة وبالتالي فان السكوت لم يعد مبررا ولم يخدم صاحبه ووقع تأويله
في اتجاه إدانته هذا طبعا مع ما توفر لدى المحكمة من أدلة وقرائن أخرى ويفقد هذا
الحق أية نتيجة ايجابية لصالح المتهم أو تأويله
في اتجاه البراءة و لكنها ليست نتيجة منطقية وحتمية للسكوت باعتباره عطل عمل
المحكمة في تحديد مسؤولية المتهم وإسناد التهمة إليه بل إن عناصر الإدانة غير
كافية ويكون هنا المتهم قد استعمل السكوت كإحدى وسائل دفاعه استعمالا حسنا.
الجزء
الثاني : انفصال قرينة البراءة عن الحق في السكوت
إن البراءة باعتبارها قرينة
يكون من الجائز إثبات خلافها فهو إضعاف من شأنه أن يكون متمظهرا في شكل انفصال
جزئي بين قرينة البراءة و الحق في السكوت ( الفصل الأول ) أو في شكل انفصال كلي حيث
تكون لجرائم معينة استقلالية تامة عن القرائن القانونية كالبراءة أو الحقوق
الممنوحة للمتهم كالحق في السكوت ( الفصل الثاني ) .
الفصل
الأول : انفصال جزئي من خلال :
إن الإثبات في المادة الجزائية يخضع في كثير من
الأحيان إلى وجدان القاضي باعتباره المرجح للبراءة أو الإدانة و تبعا لذلك فان
وجدان القاضي من شأنه أن يشكل حاجزا فاصلا بين قرينة البراءة والحق في السكوت
(المبحث الثاني) كما أن قيام الإثبات في المادة الجزائية على مبدأ حرية الإثبات من
شأنه أن يفصل بين قرينة البراءة و الحق في السكوت وذلك حين يتم اعتماد وسائل أخرى
لإثبات الجريمة ( المبحث الأول).
المبحث الأول
: حرية وعبء الإثبات في المادة الجزائية :القرائن و شهادة الشهود و الاختبار
تمثل القرائن
وشهادة الشهود من الأدلة المتاحة للقاضي في إثبات الجرم المنسوب للمتهم, وهي من
الوسائل المعتمدة بشكل منتشر تقريبا في جل التشريعات القديمة منها والحديثة , ومن
أهم هذه الأدلة القرائن , شهادة الشهود و الاختبار.
و القرينة كما عرفها الفقه هي استنتاج حكم على واقعة
معينة من واقعة أخرى وفقا لمقتضيات العقل وعرفها المشرع التونسي بالفصل 479 من
مجلة الالتزامات والعقود بأنها: " ما يستدل به القانون أو الحاكم على أشياء
مجهولة ".
أما بخصوص الشهادة
فقد نظمها المشرع التونسي بالفصول 59 إلى 67و161 و290 من م.ا.ج وبالفصلين 241 و244
من المجلة الجزائية , إلا انه لم يعط تعريفا لها حتى في مجلة الالتزامات والعقود,
غير انه يلاحظ أن فقهاء الشريعة الإسلامية قد أوردوا تعريفات مختلفة تجمع اغلبها من
أنها أداة إثبات في المواد
الجزائية وتعني :
" الإخبار القاطع والصادق بلفظ الشهادة والناشئ عن يقين لا عن حسبان وتخمين
في مجلس القضاء. " (1)
ويبقى أن نشير إلى أن الفقه الحديث قد عرفها على أنها دليل من أدلة الإثبات
يتمثل في رواية شخص عما أدركه بحواسه المختلفة عن واقعة معينة وهذه هي الشهادة
المباشرة أما الشهادة غير المباشرة أو شهادة النقل أو الشهادة السماعية فهي تلك
التي ينقل فيها الشاهد الواقعة بالتواتر عما سمعه من غيره ومثل ذلك أن يصرح الشاهد
بان شخصا آخر قد رأى الجريمة ومقترفها وقد نص الفصل 61 من م . إ. ج بفقرته الأولى
على أن " كل شخص استدعي بوصفه شاهدا
ملزما بالحضور وأداء اليمين والإدلاء بشهادته مع مراعاة أحكام م.ج المتعلقة بسر
المهنة...." و قد حرص المشرع التونسي على تنبيه الشاهد المستدعي بنتائج تخلفه
عن الحضور ولذلك نص الفصل 135 من م. إ .ج بفقرته الأخيرة على : " أن الاستدعاء الموجه إلى الشاهد
يجب أن ينص فيه علاوة على ذلك على أن عدم الحضور أو الامتناع من أداء الشهادة أو
تزويرها يعاقب
عليها القانون
" إلا أن الشاهد الذي ثبتت عدم قدرته على الحضور يمكن سماعه في مكانه إذ جاء
بالفصل 62 م . إ. ج بأنه : " إذا
تعذر على الشاهد الحضور تسمع شهادته في محله ".
ويقتضي مبدأ
الاقتناع الحر أن تكون جميع الأدلة على
قدم المساواة إذ ليس لأي دليل حجية خاصة في الإثبات ومن ثمة فالشهادة
كغيرها من الأدلة تخضع في تقديرها لسلطة القاضي الذي يظل له مطلق الحرية في اعتمادها
او العدول عنها طالما كانت مؤسسة وغير متضاربة مع الحجج بملف القضية وبمجرد أن
تكون الشهادة معززة بقرائن اقتنع بها وجدان القاضي الجزائي فان ذلك من الممكن أن
يضعف قرينة البراءة وما على المتهم إلا دحض تلك الشهادة أو بقية القرائن بما لديه
من دفوعات ليدرء التهمة عنه .
و يختلف الاختبار
عن كلتي الوسيلتين باعتباره أداة فنية و علمية في الإثبات ليكون القاضي في غنى عن
السكوت بمجرد ظهور نتيجة حاسمة و قطعية للاختبار من شأنها إن تبدد السكوت كحق أو
تضعفه .
ولا نبالغ إذا قلنا أن الجريمة تتوقف أحيانا
فيما يتعلق بإبراز معالمها على عمل المخابر الجنائية و التحاليل الطبية و مختلف
الأدوات العلمية لكونها تحيلنا مباشرة إلى الأثر المادي للجريمة في شكل دلائل مادية
تتفاوت طبيعتها القانونية من مجرد دليل, قرينة عادية أو حجة دامغة .
و تتمثل الآثار
المادية للجريمة او ما يعرف بالادلة المصاحبة أو الملازمة للمجرم في المواد والأجسام
التي توجد بمكان الحادث أو ذات صلة به ويمكن إدراكها وإحساسها بإحدى الحواس, وتكمن أهميتها
في التوصل إلى كشف المجرم وتحديد هويته كالتأكد من صحة أقوال المجني عليه والشهود
وكذلك المشتبه فيهم فالآثار المادية تساند الأدلة المعنوية كما تساعد في الاستدلال
على طريقة ارتكاب الجريمة و إيجاد الرابطة بين شخص المتهم, والمجني عليه ومكان
الحادث وهي أساسا مفيدة في تحقيق شخصية المتهم.
و زيادة على موضوع
الخبرة في المسائل المادية , تكتسي الخبرة في المسائل المعنوية أهمية بالغة و ذلك
من خلال البحث في الحالة العقلية والنفسية للشخص لبيان درجة توفر مقومات الإسناد
المعنوي تقديرا للمسؤولية الجزائية كما تساهم في تبيان درجة خطورة المتهم وبالتالي
في تقدير العقوبة اللازمة.
ويتكون الاختبار
النفساني من أربعة عناصر هامة يستوجب
تضمينها في كل تقرير اذ نص الفصل 103 م إ ج على أنه" عند انتهاء عمليات
الاختبار يحرر الخبراء تقريرا يتضمن وصفا لتلك العمليات وكذلك نتائجها" وهذه
العناصر هي موضوع الاختبار, الأسئلة, العمليات الفنية و الاستنتاجات.
ويعتمد الطبيب أثناء
تشخيص حالة المتهم على تحليل المعطيات المتوفرة لديه كما يستعين بالأبحاث التي أجريت
في القضية وعلى شهادة الشهود وسوابق المتهم ، وباستكمال جملة هذه الأبحاث فان
الاختبار النفسي لا يخرج عن حالات ثلاث و تتمثل أولها في إثبات جنون المتهم قبل
وقوع الجريمة أو عند ارتكابها وفي هذه الحالة فان مسؤولية المتهم تنعدم.
أما عن الحالة
الثانية فتتمثل في إثبات وقوع الجنون بعد ارتكاب الجريمة وصحة مدارك المتهم
العقلية ساعة إقدامه على ارتكاب الجرم و في هذه الحالة فانه يقع تعليق الدعوى
العمومية في طور ما قبل المحاكمة و بمجرد صدور حكم و البدء في تنفيذه فانه يقع نقل
المتهم الى المستشفى العقلي بقصد علاجه .
و تتجسد الحالة الثالثة في
مدى إثبات وقوع الجنون بعد ارتكاب الجريمة مع سبق إصابة المتهم بتلك العاهة في
فترة تقع قبل تاريخ الجريمة وفي هذه الحالة فان المتهم يخضع الى نفس الآثار المنصوص
عليها بالحالة الثانية.
المبحث
الثاني : خضوع الاعتراف لوجدان القاضي الجزائي :
اعتنق المشرع التونسي مبدأ حرية القاضي الجزائي
في الإثبات بالفصل 150 من م.إ.ج الذي جاء فيه انه "يمكن إثبات الجرائم بأية
وسيلة من وسائل الإثبات ما لم ينص القانون على خلاف ذلك , ويقضي الحاكم حسب وجدانه
الخالص " والمتأمل في هذا الفصل يلاحظ انه يضم مبدأين متلازمين احدهما نتيجة
منطقية للآخر ويتعلق المبدأ الأول بحرية القاضي الجزائي في الإثبات فكل طرق الإثبات
مقبولة و جائز اعتمادها أمام القضاء لتؤسس اقتناع القاضي باعتبار أن الإثبات في
المواد الجنائية يتسلط على وقائع مادية وليس أعمال قانونية وهذه الوقائع المادية
عادة ما تكون صعبة الإثبات وتستوجب تمكين الباحث من وسائل إثبات متنوعة لتسهيل
مهمته فيقع إطلاق سلطته في البحث عن الدليل الذي قد يوصله إلى الكشف عن تلك
الوقائع المادية و إقامة الدليل على وقوعها ونسبتها إلى شخص أو أشخاص معينين(1).
و تعتمد جل التشريعات الحديثة على نظام الأدلة الاقناعية
أو ما يسمى بالوجدان الخالص للقاضي الجزائي وعملا
بهذا النظام الذي اخذ به المشرع التونسي بصريح النص يكون القاضي الجزائي
غير ملزم بالأخذ باعتراف المتهم حتى ولو كان صريحا وواضحا كقرينة قاطعة و غير
قابلة للدحض بل يظل له مطلق الحرية في اعتماده أو إقصائه من قائمة الأدلة و ذلك
حسب اجتهاده المطلق اذ أن للاعتراف قوة ثبوتية نسبية تستدعي
تدعيمها بأدلة
وقرائن أخرى للقضاء بإدانة المتهم و اذا لم يتحقق ذلك فانه يقضي بترك سبيل المتهم المعترف(1).
و إذا كانت المحكمة
تملك بمقتضى السلطة المطلقة التي منحها إياها المشرع إمكانية تقدير الدليل فان
فرضية تأسيس حكمها على الاعتراف المنفرد للمتهم دون حاجة الى تعزيزه بأدلة أخرى يتشرط
تعليل اختيارها تعليلا واقعيا وقانونيا ترتاح له محكمة التعقيب , فمن واجب القاضي
الذي تطرح أمامه دعوى مجردة من أي دليل إلا من اعتراف غير مؤيد بشيء مادي أن يدقق
النظر في ذلك الاعتراف ويتفحصه جيدا ليتيقن من صحته وذلك بالبحث في غاية المتهم من
الاعتراف وما إذا يستشف من وقائع القضية ما يخالف ذلك الاعتراف أو يفنده، وقد أكدت
محكمة التعقيب انه"لئن كان للقاضي الجزائي الحرية المطلقة في تقدير
الوقائع واستخلاص الأدلة منها والأخذ بما
يطمئن إليه وجدانه ، لكن أوجبت عليه الفقرة الرابعة من الفصل 168 من م.إ.ج أن يعلل
حكمه من الناحيتين الواقعية والقانونية حتى تتمكن محكمة التعقيب من التحقق من صحة
تطبيق القانون على الواقعة وحيث أن
التعليل لا يكون قانونيا وموفيا بالغرض المقصود إلا متى كانت أسبابه موفية بظروف
التهمة والأدلة التي قام عليها الاتهام ووازنت بينها وبيــن أدلة البراءة(2)
."
ويبدو ان هذا
الموقف قابل للنقاش في جزء منه ذلك ان المشرع لم يمنع القاضي الجزائي من الاعتماد
على الاعتراف المجرد في حكمه إذا ما ارتاح إليه وجدانه، باعتبار أنه لا يمكن تحجير شيء لم يحجره المشرع
صراحة و الأهم ما يثبته الاعتراف من يقين في وجدان القاضي الذي يمكنه أن يستند إليه
في حكمه حتى و لو تم الرجوع فيه .
وبالرغم من أنه لا
يوجد نص صريح يسمح للمتهم بالعدول عن الاعتراف المسجل عليه , فانه يمكن أن نجد له عدة
مبررات منها أن المشرع لم ينص صراحة على عدم إمكانية الرجوع في الاعتراف كما هو
الشأن
بالنسبة للإقرار في
المادة المدنية وعلى ذلك الأساس فان قيمة الاعتراف وقيمة العدول عنه هي من المسائل
التي تبقى خاضعة إلى الاجتهاد المطلق للقاضي.
والشئ الثابت هو أن
المحكمة لا يمكنها الاعتماد على اعتراف مجرد تم العدول عنه فلابد أن يكون ذلك
الاعتراف المتراجع فيه معزز بعدة أدلة وقرائن أخرى تؤكد صحته وتجعل عدول المتهم
غير ذي قيمة ولا تأثير له على وجدان القاضي وهذا ما ذهبت إليه محكمة التعقيب
بقولها " حيث ان القضاء الجزائي لا يعتمد على الاعتراف والإنكار فقط, بل
لابد من وجود أدلة وقرائن أخرى تعزز ذلك, وبالرجوع الى الحكم المنتقد نجد أن
المحكمة قد اعتمدت عناصر متظافرة مستمدة من الأوراق لثبوت إدانة المتهم, وعدم ردها
على تراجع المتهم في اعترافه أمامها أمر غير لزومي "(1).
كما أكدت أن محكمة
الموضوع غير ملزمة بالبحث وراء جدية إنكار المتهم ضرورة انه تمادى على اعترافاته
حتى لدى قلم التحقيق وما إنكاره أمام المحكمة إلا للتفصي من المسؤولية الجزائية
فهذا العدول حسب رأي محكمة التعقيب لا تأثير له على وجدان محكمة الموضوع التي
تيقنت من إدانة المتهم من اعترافاته المتواترة بكامل أطوار البحث سواء لدى الباحث
الابتدائي او لدى قلم التحقيق(2).
الفصل الثاني:
انفصال كلي من خلال:
ان الحديث عن غياب
قرينة البراءة فيه الكثير من الجدل خاصة وأنها ركيزة لأهم المبادئ التي تقوم عليها
منظومة حقوق الإنسان إلا انه وأمام تطور الحياة الاقتصادية ظهرت مجالات جديدة للتجريم
و ذلك بظهور جرائم لم تكن معروفة في السابق قائمة على ضرورة توفر ركن كشكلية بدونها
لا يستقيم وجودها و ذلك بمنئ عن البراءة في مفهومها التقليدي لتتكون جرائم شكلية
(المبحث الأول) وجرائم اقتصادية (المبحث الثاني) وقبل التعرض الى هذه الجرائم سوف
نعطي بسطة عن هذه الجرائم ومحاولة التمييز بينها .
تختلف الجريمة المادية عن الجريمة الشكلية , فالجريمة المادية هي
تلك التي تقوم المسؤولية فيها بمجرد ارتكاب الفعل المادي دون النظر الى مدى توفر
القصد الجنائي لدى مقترفها من عدمه, ونفس الشئ بالنسبة للجريمة الشكلية التي تقوم كذلك
المسؤولية فيها بمجرد ارتكاب الفعل المادي, على أن الفرق بينهما يتمثل في أن الأولى
تحدث نتيجة إجرامية مادية وملموسة في حين أن
الثانية لا تؤدي إلى حدوث نتيجة محسوسة.
المبحث الأول
: الجرائم الشكلية :
رتب المشرع عن
الإخلال ببعض الشكليات التي اعتبرها ضرورية عقابا جزائيا يتراوح بين الخطية
والسجن, هذه الجرائم متعددة وكثيرة وسوف نقتصر على دراسة جرائم الشركات( فقرة
أولى) باعتبار قيام الاقتصاد العالمي في وقتنا الحاضر على هذا النوع من ممارسة
الأنشطة التجارية وكذلك تضخمها زيادة على صدور مجلة للشركات التجارية في تونس ,
أما الجريمة الثانية فهي جريمة اختلاس أموال عمومية (فقرة ثانية) باعتبارها في نفس
الوقت جريمة شكلية وجريمة مادية.
فقرة أولى : جرائم
الشركات :
يفترض هذا النوع من
الجرائم الشكلية للشركات التجارية لقيامها وجود إخلال بإحدى الشكليات المنصوص
عليها بالقانون, ويترتب عن هذه الاخلالات نوعين من الجزاءات جزاء مدني وهو البطلان
وجزاء جزائي.
لقد جرم المشرع عديد
الأفعال المتعلقة بالشكليات أثناء فترة تأسيس الشركة التجارية أو الفترة الفاصلة
بين التأسيس وبدء التسيير, وهذه الشكليات يمكن تصنيفها الى صنفين بالنسبة للأفعال
المجرمة يخص الصنف الأول منها الأعمال التي تكون في علاقة مع كتابة المحكمة التي
يوجد بدائرتها مقر الشركة , أما الصنف الثاني فيهم الشكليات المتعلقة بعملية النشر
سواء بالرائد الرسمي أو بواسطة وثائق .
يعتبر عدم احترام
التسجيل تقاعسا تقوم به الجريمة على معنى قانون 2 ماي 1995 و يتمثل أساس في صنفين
من الجرائم يخص لأول رفض التسجيل ويتعلق
الثاني بالادلاء ببيانات غير صحيحة او السكوت عن بعض
البيانات الضرورية
في مطلب التسجيل وهذا السلوك يكون جريمة
على معنى فصل 69 من قانون 2 ماي 1995
في حالة ثبوت سوء النية وقد نص هذا الفصل على
انه : " يعاقب كل شخص يدلي ببيان غير صحيح أو ناقص عن سوء نية بقصد التسجيل أو
التنقيح بخطية من 100 إلى 5000 دينار . "
و يختلف الإيداع عن التسجيل رغم أن العمليتين تتمان
لدى كتابة المحكمة و الإيداع كما تمت الإشارة إليه يتم قبل التسجيل و قد اكتفى الفصل
177 من م.ت بالإشارة إلى أنه :" خلال الشهر من تاريخ تأسيس كل شركة يجب أن
يودع بكتابة المحكمة التي بدائرتها المركز الأصلي للشركة نظيران من العقد الأصلي للتأسيس
إن كان بخط اليد أو نسختان منه إن كان بحجة رسمية ".
أما بالنسبة لجرائم
النشر بالرائد الرسمي فقد جاء الفصل 179 م.ت انه يجب على مؤسسي الشركة في غضون
الشهر ان يقوموا بنشر عمليات التأسيس بالرائد الرسمي أي نشر مضمون عقد التأسيس
والوثائق
المرفقة به كما جاء
بالفصل 182 م.ت أن جزاء ترك هذا الواجب هو البطلان .
و في خصوص جرائم
النشر بواسطة وثائق الشركة فإنها تحتوي على جريمتين مختلفتين : وتتمثل الأولى في
نشر بيان غير صحيح بوثائق الشركة وقد جاء بالفقرة الثانية من الفصل 69 من قانون
السجل التجاري انه : " يكون عرضة للتتبع الجزائي كل تاجر أو وكيل أو مدير
شركة يذكر بصكوكه أو بأوراقه المتعلقة بتجاربه بيانات يعلم أنها غير صحيحة فيما
يخص المحكمة التي هو مسجل بها أو عدد
تسجيله والعقوبة من 100 دينار الى 5000 دينار ."
وتتمثل الجريمة
الثانية في عدم ذكر بعض البيانات وقد تعرض
الى هذه الجريمة قانون 2 ماي 1995 بالفصل 70 منه كما تعرض لها المشرع
بالفصل 184 م.ت
فقرة ثانية :
جريمة اختلاس اموال عمومية :
لعل الخاصية
المميزة لطبيعة هذه الجريمة وفقا لأحكام م.م.ع وبالتحديد الفصل 58 منها أنها جريمة
شكلية أساسا وهو ما يقتضي النظر الى هذه الجريمة من زاوية خاصة منحصرة بالضرورة في
التأكد من مدى إخلال الموظف العمومي سواء كان مديرا, آمر صرف أو محاسبا عموميا
بالقواعد القانونية الفنية المنظمة لكيفية التصرف السليم في أموال المؤسسة العمومية
.
كما تتميز بكونها جريمة مستمرة أي ان حالة
اقترافها تستمر لفترة زمنية ممتدة خلافا للجريمة الحينية كأن يقع فتح ومسك
واستعمال حساب بنكي ممنوع , اما اذا تفطن المتهم الى حالة استمرار الجريمة وسارع بإغلاق
الحساب البنكي الممنوع فانه لا يعدم الجريمة في ذاتها وانما يوقف فقط حالة
الاستمرار التي ميزتها .
اما بالنسبة
للعناصر العامة للجريمة كفعلة أصلية حسب أحكام المجلة الجزائية فان ما يميزها
حالتين أولهما حالة الفصل 99 م.ج الذي أكد على انه : " يعاقب .......كل موظف
عمومي او شبهة والمؤتمن او المحتسب العمومي وكل مدير او عضو او مستخدم باحدى
الجماعات العمومية ذات الصبغة الصناعية والتجارية او الشركة التي تساهم الدولة في
راس مالها لها مباشرة بنصيب ما او الشركات التابعة الى الجماعات العمومية المحلية
تصرف بدون وجه في أموال عمومية او خاصة او اختلسها . "
اما ثانيهما فهي حالة
الفصل 96 م.ج وقد ابرز هذا الفصل بدوره اهم عناصر هذه الجريمة من خلال تأكيده على
انه : " يعاقب كل موظف عمومي او شبهه...... مكلف بمقتضى وظيفته ببيع او صنع
او شراء او إدارة أي مكسب استغل صفته لاستخلاص فائدة لا وجه لها لنفسه او لغيره للإضرار
بالإدارة أو خالف التراتيب المنطبقة على
تلك العمليات لتحقيق الفائدة أو إلحاق الضرر المشار اليه " .
وانطلاقا من تحليل
عناصر جريمة اختلاس اموال عمومية طبقا للمفهوم الشكلي فانه متى تمت معاينة أي اخلال بالقواعد المنظمة
لكيفية التصرف السليم في اموال عمومية فان الموظف يكون تحت طائلة المؤاخذة
الجزائية التي حددها الفصل 96 و99 م.ج , وبالرجوع الى قرينة البراءة التي يتمتع
بها متهم نلاحظ انها في
حالة هذه الجريمة
تنتفي تماما اعتبارا ان أي اخلال بالقواعد
الفنية المحددة صلب م.م.ع يعتبر دليل ادانة المتهم في جريمة اختلاس اموال عمومية, ولا يبقى لهذا المتهم الا ان
يدفع عن نفسه قرينة الإدانة المتمثلة في اختلاس اموال عمومية حيث تقوم هذه الجريمة
بمجرد توفر اركانها وشروطها خلافا للمبدأ العام في المادة الجزائية الذي ينص على
أنه يبقى المتهم بريئا الى أن تثبت إدانته .
ولما كان الحق في السكوت هو تطبيق عملي ونتيجة من نتائج قرينة
البراءة ينقلب الحق في السكوت الى شكل من أشكال الهروب للتفصي من المؤاخذة
الجزائية.
وينتفي الحق في
السكوت انتفاء مطلقا عن المتهم الموظف في جريمة اختلاس أموال عمومية باعتبار انتفاء الأصل الناتج عنه وهو
تمشي وان كان مخالفا للقواعد والمبادئ العامة في القانون الجزائي الا انه تمشي
منطقي إتباعا للسياسة الجنائية المتبعة في الدولة والتي ترمي من خلالها الى حماية أموال المجموعة والضرب على يد
المجرمين حتى يصعب التفصي من العقوبات وهو
ما يعني أيضا إهدار أموال المجموعة.
المبحث
الثاني : الجرائم الاقتصادية :
تتمضهر الجرائم
الاقتصادية أهم أشكالها في الجرائم القمرقية (الفقرة الأولى ) والجرائم المتعلقة
بالنقود (الفقرة الثانية).
فقرة اولى :
الجرائم القمرقية:
تعتبر الجرائم
القمرقية او الديوانية من الجرائم التي تؤثر
بصورة هامة على اقتصاد البلاد و قد تم تنظيمها بواسطة القانون الديواني المتمثل في
جملة من القواعد القانونية و التراتيب التي تنظم مسألة التصدير و التوريد للبضائع
و الأشياء القابلة بطبيعتها او بحكم القانون للتصدير المالي وللتعامل فيها
والداخلة للتراب الديواني او الخارجة منه .
و من خلال الركن
الشرعي لهذه الجرائم يلاحظ أمران أولهما خضوع الجريمة لنص التجريم يصف الفعل الإجرامي
ذاته, ثانيهما عدم خضوع الفعل لسبب من أسباب الإباحة والتبرير لكي يظل محتفظا
بالصفة غير المشروعة.
ولعل في هذا الامر
ما يستشف منه سعي لمحاصرة كل فعل اجرامي
فيه اخلال بالنظام الاقتصادي العام بما تصبح معه المصلحة العامة مقدمة على المصلحة
الخاصة في تصادم اكيد للحقوق والحريات الذاتية والمصالح العليا للدولة بما يسدل
الستار عن قرينة البراءة وسكوت المتهم .
وهذا الوضع لم
يقتصر على الركن الشرعي لهذه الجريمة بل امتد الى الركن المادي لها, فاذا كان
استعمال تقنية الإحالة في النصوص الديوانية على قرارات وزير المالية المحددة
للتعريفة القمرقية تجاوزت منطق القواعد الأصولية المألوفة في التجريم وأدت الى ظهور
ما اطلق عليه فقهاء القانون الجنائي الاقتصادي التجريم على بياض فان هذا الامر
دعمه تعامل المشرع في الجرائم الديوانية مع الركن المادي لها ذلك ان الجرائم
الواردة ضمن مقتضيات مجلة الديوانة تشمل فيها المخالفة 4 درجات والجنحة ثلاث درجات
وبذلك خرج المشرع عن نطاق التقسيم الثلاثي للجرائم الذي يحكم القانون الجزائي
العام و هو ما أدى ببعض رجال القانون فقهاء و شراح الى القول بان الجرائم
الاقتصادية عادة ما تكون جرائم اصطناعية وغير نابعة من صميم وأخلاق المجتمع ولا
يدركها الضمير الإنساني ولذلك من السهل ارتكابها وتجهل النصوص التي تطبقها وتجرمها
فضلا عن كون مجلة الديوانة حجرت على الحكام التماس المعاذير للمتهمين في خصوص نواياهم .
و لعل اهم ما يلاحظ
في الجريمة الديوانية هو توسع نطاق المسؤولية الجزائية فالمبدأ السائد هو انه كل
شخص برئ الى ان تثبت إدانته الا أن المشرع الديواني تجاوز ذلك فمن خلال قراءة
الفصول 281 والى 287 التي جاءت محددة لدرجات المخالفات الديوانية والجنح خير الشرع
الصمت حول الركن القصدي بشكل جاز القول معه وان جريمة القانون الديواني تقوم بمجرد
توفر الركن الشرعي المجرم للفعلة دون التفات الى الجاني من ارتكابها ونيته في إحداث
نتيجتها.
وتعتبر المؤاخذة
الجنائية عن فعل الغير خروجا عن مبدأ شخصية العقوبة الذي يقتضي بان تطبق العقوبة
على غير الجاني لكن اعتبارا لخصوصية مادة القانون الجنائي الاقتصادي من ناحية
وللطابع الاستثنائي لأحكامه سواء في ما يتعلق بالتجريم أو العقاب من ناحية أخرى
دفع لقبول المؤاخذة الجنائية عن فعل الغير في عديد النصوص القانونية.
كما اعتمد المشرع
تكريس مؤسستي الضمان والتضامن حيث اقتضى الفصل 288 على تضامن أرباب البضائع
المهربة والأشخاص المكلفين بتوريدها أو بتصديرها مسؤولين بالتضامن لأجل دفع
الخطايا والمبالغ القائمة مقام المصادرة والمصاريف كما اقر أيضا ضمن الفصل 253 م.
د إمكانية تتبع ورثة مرتكب جرائم التهريب واستخلاص المعاليم والخطايا من تركة
الهالك الجاني.
لقد حددت م. د
كيفية تتبع الجرائم الديوانية وقواعد الزجر فيها بصورة تجاوزت فيها القواعد
التقليدية التي درجت م.إ.ج و م. ج على
الاعتداد به ,فاستنادا الى الفصل 197 من م.د نتبين و أن المشرع أسند أصالة البحث
وتتبع الجرائم الديوانية الى أعوان إدارة الديوانة وهو ما يستشف من خلال ما لإدارة
الديوانة من امكانية الاطلاع على كيفية سير الأجهزة التابعة لها ومن خبرة معمقة في
معرفة أسرار وخفايا شؤون الإنتاج وتقنيات التبادل التجاري والتصدير والتوريد أوكل أمر
معاينة الجرائم المستهدفة لها الى أعوانها الإداريين المختصين بالإضافة الى أعوان
الضابطة العدلية(1).
فقرة
ثانية : الجرائم المتعلقة بالنقود
انطلاقا من الفكرة
القائلة بان الاعتداء على العملة هو اعتداء على ذات الملك أي ان التزييف هو اغتصاب
لحق الحاكم في ان ينفرد دون غيره بضرب العملة تطورت هذا المبدأ خاصة بعد ما أصبح
يميز بين شخصية الحاكم وشخصية الدولة لتتحول الجرائم المتعلقة بالعملة هو اعتداء
على الدولة وعلى أمنها ونظامها العام.
و نجد صدى لذلك في
القانون التونسي و الفرنسي على حد السواء من خلال تعريب الأحكام المتعلقة بتدليس
العملة حيث أدرج محور المجلة الجنائية هذه الأحكام في القسم 18 المتعلق بتدليس
وتغيير السكة والذي ورد تحت الباب الرابع الذي عنوانه في الاعتداء على السلطة
العامة الواقعة من افراد الناس وكل ذلك في الجزء الاول المعنون بالاعتداء على
النظام العام .
اما الأفعال الخاصة
بالتزييف فلقد أدرج المشرع التونسي كل أركانها تحت باب تدليس وتغيير السكة إذ انه
لم يستعمل صيغة العملة المزيفة بل استعمل عبارة تدليس وتغيير وتعتبر العملة محل التجريم
هي العملة المدلسة و تنقسم أفعال التزييف إلى صنفين التقليد والتغيير و التي تكون
العناصر الأساسية لفعل التزيف فالتقليد لم يعرفه المشرع التونسي بل عرفته محكمة
التعقيب في قرارها الجزائي التقليد الذي جاء به الفصل 188 من م. إ. ج هو التقليد
الهادف للترويج ويتعين على قضاة الأصل ان
يشخصوا بحكمهم وجه الشبه بين الورقة المقلدة والورقة الحقيقية حتى يمكنوا محكمة
التعقيب من إجراء مراقبتها على تطبيق القانون تطبيقا سليما ".
ويختلف تغيير
العملة عن تقليدها وقد عبر عنه الفقهاء بطرق مختلفة فالفقه المصري واللبناني
يستعمل عبارة التزوير على خلاف المشرع التونسي الذي يستعمل صراحة عبارة "يغير"
وذلك في العديد من الفصول ( 186-187-191-185 من م. إ. ج) وتغيير العملة هو
عبارة عن تعديل يدخله الجاني على العملة الصحيحة من شأنه أن يغير قيمتها الحقيقية
وعموما فالتغيير المسلط على العملة الصحيحة يكون بتغيير ما عليها من أصول او أرقام
او علامات او كتابة بحيث يكون سببا في إنقاص القيمة الحقيقية للعملة او الرفع
الظاهري لقيمة العملة الذي يكون عادة عن طريق التهويل.
اما الأفعال المتعلقة بالاستعمال فيلاحظ بانها
وردت في صور متعددة وقد اتفقت أغلبية التشاريع على تجريم صور معينة من الاستعمال
غير المشروع للعملة المزيفة وهي الترويج والحيازة وإدخال العملة للبلاد وإخراجها
منها كما ان بعض القوانين تعاقب على صور أخرى مثل العرض والتخزين و أفعال مستقلة عن التزييف لان النشاط
الإجرامي في كل منهما يختلف من حيث الطبيعة والأركان بالرغم من وجود ارتباط وثيق
بين الجريمتين أساسه وحدة الغاية .
اما المقصود بإدخال
العملة المزيفة للبلاد هو جلب واستراد العملة المزيفة عبر الحدود ويلاحظ بان جريمة
الإدخال تتم بمجرد دخول العملة المزيفة
للدولة اما اذا اكتشف أمرها على الحدود فيعد الفعل شروعا في الجريمة.
و فيما يتعلق بالزجر
في جرائم تزييف العملة نلاحظ بان العقوبات الجنائية تعتبر الجزاء الأساسي لجرائم
العملة وهي ضرورية و صارمة تنقسم الى عقوبات ذات طابع زجري وعقوبات ذات طابع امني فالنوع الأول نشأ وفسر ارتفاع درجة العقوبة
السجنية اما بخصوص العقوبات ذات الطابع الأمني فتجدر الإشارة الى ان الانطلاق في
بناء نظرية التدابير الاحترازية يعود الى ما توصل اليه الفقه الجنائي من استنتاج
حول فشل العقوبة في تحقيق أهدافها نظرا لتفاقم الجريمة من جهة وارتفاع نسبة العود
من جهة أخرى وهي التدابير الممثلة في أهم وسائل الدفاع الاجتماعي التي يأمر بها
القاضي على اثر ارتكاب جريمة يسعى من خلالها الى مواجهة الخطورة الإجرامية .
وانطلاقا من تحليل أركان
جريمة النقود التي نظمها المشرع بالمجلة الجنائية نلاحظ ان هذه الجرائم هي
بطبيعتها مادية اذ لا يمكن الحديث عن هذه الجرائم الا بتحقق ركنها المادي وخاصة
فيما يخص تغيير او تزييف العملة ويكون المتهم في تلك الجرائم ضرورة في حالة تلبس
ولا يمكن له ان يدفع بقرينة البراءة ضرورة ان مسك واستعمال هذه النقود يمثل دليل إدانة
ضده وما عليه إلا أن يرفع هذه القرينة ويدفعها عنه وهو ما يؤدي الى القول بان
المتهم في هذه الحالة يكون على عاتقه قرينة إدانة وبالتالي لا يمكن ان يتمتع بحقه
في السكوت باعتبار و ان سكوته في مثل هذه الجرائم سيدعم قرينة الإدانة ضده وهو ما
يؤدي الى القول ان المتهم في ظل هذه الجرائم تنتفي عنه قرينة البراءة لتحل محلها
قرينة إدانة وهذه الأخيرة لا تستلزم بطبيعتها حقا في الدفاع بل عبء إثبات محمول
عليه بإثبات عكسها ويكون بالتالي استعماله للحق في السكوت غير مجد ولا نافع لأنه
يؤدي الى تعكير وضعيته القانونية ويفقد قيمته كحق دفاع.
s الخــــــــاتـــمـــــةg
قد يبدو التساؤل
المتعلق بسكوت المتهم وقرينة البراءة دليل إدانة ام قرينة براءة من السهل الاجابة عنه نظريا, أما على المستوى التطبيقي فتارة يؤخذ على ان السكوت هو
تعطيل لسير الدعوى الجزائية وبالتالي فانه يمثل عائقا أمام كشف الحقيقة و هذا الاتجاه
على سطحيته له من الصحة الشئ الكثير, وتارة أخرى اعتبر سكوت المتهم كأحد الحقوق الأساسية
التي يتمتع بها في كامل مراحل سير الدعوى وكوسيلة دفاع مشروعة وناجعة كلما أحسن
المتهم استعماله وهو كذلك من النتائج المباشرة لقرينة البراءة التي نظمتها
القوانين واعتبرتها من ركائز حقوق الإنسان .
ورغم ان المشرع
التونسي لم ينظم هذا الحق بصفة صريحة ومباشرة وذلك ضمن الفصل 69 و74 اثناء التحقيق
والفصل 148 م.إ.ج اثناء المحاكمة فانه لاشئ يمنع من اعتماده لدى باحث البداية
باعتبار ان المشرع في الفصل 103 من المجلة الجزائية اعتبر ان التعذيب الصادر من موظف على شخص لانتزاع اعترافه يعد
جريمة معاقب عنها
وبالتالي فان خرق صمت المتهم اثناء البحث الاولي يؤدي الى المؤاخذة الجزائية كذلك
فان المشرع حرصا منه على حماية هذا الحق فانه استبعد كل ما يؤدي الى انتزاع تصريحات المتهم تحت أي
ضغط مادي أو معنوي
.
و يظل
التمييز بين نوعين من السكوت المبرر و السكوت غير المبرر شرعي و قائم
باعتبار و أن السكوت المبرر هو ذلك الذي تكون فيه قرينة البراءة قائمة ومهيمنة أما عن السكوت غير مبرر في فهو الذي
يجابه بأدلة وحجج وقرائن من الممكن ان تضعفه ومنها بالخصوص وجدان القاضي ومدى
اقتناعه بثبوت الأفعال محل التجريم .
الا ان تطور الحياة
الاقتصادية و تدخل الدولة في العديد من الميادين ذات الحيوية والضرورات التي
تبيحها المصلحة الوطنية أدى الى ظهور نوع جديد من الجرائم وبالتالي نوع جديد من
القوانين و التشريعات
كالقوانين الجنائية
الاقتصادية حماية للمصالح الاقتصادية وضمانا للمعاملات أقرت جملة من الشكليات التي
في صورة فقدانها تقوم الجريمة دون النظر الى سوء النية من عدمه, وقيام تلك الجرائم
لا يسع المتهم إزاءه التمسك بقرينة البراءة ذلك ان الإخلال حصل والجريمة قامت,
فعدم التسجيل لدى كتابة المحكمة لعقد التأسيس المتعلق بالشركة تقوم معه الجريمة
وبالتالي فان المتهم في هذه الحالة يكون محل مسائلة جزائية فلا يمكنه تبعا لذلك التمسك
بالصمت لتحل قرينة إدانة محل قرينة البراءة وما على المتهم الا دحضها بإثبات براءته فيفقد
حق السكوت معناه لانه يستمد وجوده من قرينة البراءة ومثل هذا التحليل ينسحب على الجرائم المادية او الجرائم
الاقتصادية كالجريمة القمرقية والجرائم المتعلقة بالنقود فمجرد توفر ركنها المادي تقوم
أليا قرينة الإدانة لينقلب المبدأ استثناء والاستثناء مبدأ.
و عموما ,فان ما
يمكن استخلاصه هو أن الحق في السكوت ما زال متعثرا على مستوى التطبيق وخاصة أمام
باحث البداية وكان من الأجدر على المشرع التنصيص عليه كضمان لممارسته في تلك
المرحلة حتى يلقى المتهم أكثر حماية تتماشى واتجاه الدولة لتكريس حماية للمتهم
تماشيا مع مفهوم حقوق الإنسان, مع ضرورة التنصيص صراحة على جزاء الإخلال به و المس
منه في كامل مراحل الدعوى بصفة واضحة رغم انه لاشئ يمنع من تفعيل أحكام الفصل 199 م.إ.ج الذي يبقى
قائما باعتباره مبدأ عاما يشمل جميع الإجراءات الجزائية ./.
المــــراجـــــع
* المراجع باللغة
العربية :
Ø
أحمد فتحي سرور : الشرعية والاجراءات الجنائية
.
Ø
عبد الحكيم فودة : امتناع المساءلة
الجنائية في ضوء الفقه وقضاء النقض – دار المطبوعات الجامعية الاسكندرية طبعة 1997-
Ø
د عبد الله الاحمدي : حقوق الانسان والحريات العامة في القانون التونسي –الشركة
اوربيس للطباعة والنشر- نوفمبر 1993.
Ø
أحمد فتحي بهنسي : نظرية الاثبات في الفقه
الجنائي الاسلامي – مصر 1967-.
Ø
الدكتور محمود نجيب حسني : شرح قانون
الاجراءات الجنائية ط 1982.
مقالات و رسائل تخرج :
ـ عبد الرزاق
الحكيري : الاعتراف في المادة الجزائية : رسالة تخرج من المعهد الاعلى للقضاء 1999.
5-حياة عباس : التعذيب بين الواقع
والقانون : مذكرة للحصول على شهادة الدراسات المعمقة في القانون, كلية الحقوق والعلوم الانسانية بتونس 1992.
-محمد الهادي الاخوة : حتى لا يبقى مجال
للقول بان التعذذيب يستنطق والآلام تجيب,
محاضرة في القانون الجنائي, الجمعية التونسية للقانون الجنائي 1985-1986.
-عبد السلام الحاج قاسم : حقوق المشتبه فيه
في البحث الاولي, مذكرة الدراسات المعمقة في القانون الخاص 1980-1981.
-حسن ذياب : الدعوى العمومية في القانون
الجنائي الاقتصادي, مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في العلوم الجنائي.
المراجع باللغة
الفرنسية :
1-
MELLOR (A) :les grands problèmes de l'instruction criminelle
2- Jean Claude Laurant et Raymond Lasierra :
La torture et les pouvoirs.Paris 1973.Balland.
3- FAUSTIN - HELIE :Traité de l'instraction
criminelle 2ème Ed. Paris 1866- 1867 . N° 290.
4-
MERLE (R) VITU (A) : Traité de droit Criminel ( procédure pénale) Paris ,
C.U.JA 3ème ed 1979.
5-
PRADEL (J) : Procédure pénale , Paris, C.U.J.A.S 4ème ed 1987.
6-
BECCARIA : des délistes et des peines, trad, Defuy , Paris 1821.
Les
Ouvrages Spéciaux:
1-
GRAVEN (J) : l’obligation de
parler en justice, Genève 1946.
2-
MONIA KARI (R) : le silence de l’inculpé, Mém. D.E.A en science
criminelle . Fac.Droid .Sc .Pol Tunis III 1990.
3-
LABBEN (R) : la présomption d’innocence , mythe ou réalité
Mém .D.E.A Tunis 1983.
4-
ROBINSON ( C.D) : et ESER (A) : le droit de prévenu en
silence et son droit d’être assisté par un déffenseur au cour de la phase
préjudiciare en Allemagne et aux Etats –Unis d’Amérique R.S.C 1967.
5-
ESSAID (M.J) : la
présomption d’innocence, thèse,Paris 1969 éd la porte.
Les ARTICLES /
Les MEMOIRES / Les THESES :
Ø DONNEDIEU DE VABBERS (H) :
la réforme de l’instruction préparatoire .R .S.C 1949.
Ø La BOUCIQUE : la macro -
analyse – méthode d’investigation Criminelle .R.D.P.C 1959-1960.
الفهــرس
المقدمة.........................................................1
الجزء
الأول : الحق في السكوت والتكريس القانوني لقرينة البراءة .............4
الفصل
الأول :مدى
الاعتراف بحق السكوت.....................................4
المبحث الأول:بين النظرية
النافية للحق في السكوت والنظرية القائلة بوجوده في القانون
التونسي و المقارن .................................................................................4
الفقرة الاولى : النظرية المنافية للحق في
السكوت............................................4
الفقرة الثانية : النظرية القائلة بحق المتهم في
السكوت.........................................6
المبحث الثاني:
الإقرار القانوني لقرينة البراءة
................................................8
فقرة أولى : تعريف
البراءة و أسسها ........................................................8
فقرة الثانية :
نتائج نظرية البراءة ...........................................................10
الفصل الثاني : مظاهر تكريس قرينة البراءة من خلال الحق في السكوت................11
المبحث الاول : حماية قرينة
البراءة والحق في السكوت......................................11
فقرة اولى : منع
التعذيب..................................................................11
فقرة ثانية : منع
وسائل أخرى لانتزاع اعتراف المتهم بالقوة..................................13
المبحث الثاني : مراحل تكريس
قرينة البراءة من خلال الحق في السكوت......................14
فقرة اولى : لدى
باحث البداية............................................................14
فقرة ثانية : لدى حاكم
التحقيق..........................................................17
فقرة ثالثة : أثناء
المحاكمة..................................................................18
الجزء الثاني :
انفصال قرينة البراءة عن الحق في السكوت .....................20
الفصل الأول :
انفصال جزئي على مستوى........................................20
المبحث الاول : حرية وعبء
الاثبات في المادة الجزائية :القرائن و شهادة الشهود و الاختبار.....20
المبحث الثاني : خضوع الاعتراف
لوجدان القاضي الجزائي....................................23
الفصل الثاني :
انفصال كلي على مستوى...........................................25
المبحث الاول : الجرائم
الشكلية...........................................................26
فقرة اولى : جرائم
الشركات...............................................................28
فقرة ثانية : جريمة
اختلاس اموال عمومية....................................................29
المبحث الثاني : الجرائم
الاقتصادية...........................................................29
فقرة اولى :
الجرائم
القمرقية.................................................................29
فقرة ثانية : الجرائم المتعلقة
بالنقود...........................................................31
الخاتمة
العامة......................................................34
ورد ذكر هذا القرار في كتاب
تعذيب المتهم لحمله على الاعتراف للدكتور عمر فاروق الحسيني. المطبعة العربية الحديثة 1986 ص 5.
(1) CHARLOTTE GIRARD : Culpabilité et silence en droit comparé, préface
d'Alain Claisse, éd L'Harmattan, 1997, P 142.
(1) Beccaria
: op . cit p 40 d'après LABBEN (R) : la présomption d'innocence mythe ou
réalité Mém D E A Tunis 1983 -84
(2) Bentham (J) traité des preuves judiciaires Trad Paris 1825 cité par SIGOYER DE SEZE ( S)
les droits de la défense au cours de
l'information Thèse Bordeux 1971 p :11
pouvoirs Paris 1973- Balland- p 54 et 55(3) Jean Claude Laurant et Raymond La sierra - la
torture et les pouvoirs Paris
FAUSTIN- HELIE : traité de l'instruction criminelle 2éme édition Paris 1866- 1867 VI
N° 290. Du même . Pratique(1) criminelles des cours et
tribunaux 5 éme édition par J Brouchot Paris 1951 I. N°494
II N° 467 voir aussi la position de GRAVEN (J) l'obligation de parler en justice . Genève 1946.
(2) CHAMON (M) :les nullités
substantielles ont-elles leur place dans l'instruction préparatoire .J.C.P , 1954
, p 1170 CH ch n°14. voir les critiques
adressés à ce droit : - LAMBERT
(L) : traité de police judiciaire 3 éme
éd, p 698 et
suivante.- PATIN in R.S.C 1947 chronique n°4 ,p 234 .- MERLE (R)
VITU (A) opcit n° 1220
(1) المرصفاوي
(الصادق) : الحبس الاحتياطي وضمان الحرية الفردية في التشريع المصري, رسالة
دكتوراه – كلية الحقوق ,جامعة القاهرة – 1954 ص 2.
(1) لمزيد من
التفصيل راجع : احمد فتحي سرور : الشرعية والاجراءات الجنائية . مرجع سابق ص 117 و
120 . عبد المجيد محمود مطلوب المرجع السابق ص 221 . محمود محمود مصطفى : حقوق
المتهم في الدستور المصري والدستور المقارن , مجلة مصر المعاصرة السنة 70 العدد
375 . جانفي 1979 مطابع الاهرام التجارية ص 69.
(2) فتحي
سرور : الشرعية والاجراءات الجنائية -المرجع السابق- ص 126 و 127 انظر كذلك : عبد المجيد مطلوب : المرجع السابق ج 11
ص 240.
انظر كذلك : traveaux de l'institut de criminologie de paris ;
Paris 1977 p 16-17 Kiejman (G):l'innocence
(2) د. عمر
الفاروق الحسيني : تعذيب المتهم لحمله على الاعتراف. الجريمة والمسؤولية. دراسة
تحليلية على ضوء احكام القانون المصري والفرنسي وآراء الفقه واحكام القضاء.
المطبعة العربية الحديثة طبعة 1986 ص 152
(1) محمد
الهادي الاخوة : المرجع السابق انظر كذلك
:Huyer - G- Narco- analyse- narco diagnostic RSC 1950 p 7
et suit
(1) حياة
عباس : التعذيب بين الواقع والقانون : مذكرة للحصول على شهادة الدراسات المعمقة في
القانون 1992
(1) محمد
الاخوة : "حتى لا يبقى مجال للقول
بان التعذيب يستنطق والآلام تجيب "
محاضرات في القانون الجنائي , الجمعية التونسية للقانون الجنائي 1985 –
1986
(2) احمد
عمار ينباعي : الاعتراف في المادة الجزائية : شهادة الدراسات المعمقة في علوم
الاجرام 1977 ص 34 وما بعدها (باللغة الفرنسية)
(1) سنية
البجاوي : القاضي والاثبلت في المادة الجزائية : مذكرة لنيل شهادة ادراسات المعمقة
في العلوم الجنائية 1997 ص 61.
(1) د. عبد
الله الاحمدي : حقوق الانسان والحريات العامة في القانون التونسي , شركة اوربيس
للطباعة والنشر, نوفمبر 1993 ص 410
(1) احمد
فتحي بهنسي : نظرية الاثبات في الفقه الجنائي الاسلامي : الشركة العربية للطباعة
والنشر سنة 1962 ص 175.
(1) عادل
البكاري : تحليل الفصل 170 من م.إ.ج , رسالة تخرج من المعهد الاعلى للقضاء
98-99 ص 34 وما بعدها.
(1) حسن ذياب
: الدعوى العمومية في القانون الجنائي الاقتصادي , مذكرة نيل شهادة الدراسات
المعمقة في العلوم الجنائي.