مقدمة
تعريف القانون التجاري I
1 القانون التجاري هو مجموعة القواعد القانونية التي تطبق على الأعمال التجارية وتنظم حرفة التجارة. ومعنى
ذلك أن القانون التجاري ينظم علاقات معينة فقط تنشأ نتيجة القيام بأعمال معينة هي الأعمال التجارية كما ينظم نشاط
طائفة معينة هي طائفة التجار. وتشمل كلمة تجارة من الناحية القانونية معنى أوسع منه من الناحية الاقتصادية إذ يقصد
من هذه الناحية الأخيرة كل ما يتعلق بتداول وتوزيع الثروات. أما من الناحية القانونية : تشمل التجارة علاوة على ذلك
العمليات الإنتاجية فالصانع في المعنى القانوني الذي سنتناوله في هذا الخصوص ليس إلا تاجرا.
( علاقة القانون التجاري بالقانون المدني وفروع القانون الأخرى : (* 1
2 القانون التجاري وفقا للتعريف السابق ليس إلا فرعا من فروع القانون الخاص شأنه في ذلك شأن القانون المدني
إلى جوار الفروع الأخرى كقانون العمل وقانون الأسرة وإذا كان القانون المدني ينظم أساسا كافة العلاقات بين مختلف
الأفراد دون تميز بين نوع التصرف أو صفة القائم به أي قانونا عاما فإن القانون التجاري ينظم فقط علاقات معينة هي
العلاقات التجارية وقد أدى إلى ظهور هذا النوع من القواعد القانونية الظروف الاقتصادية والضرورات العملية التي
استلزمت خضوع طائفة معينة من الأشخاص هم التجار ونوع معين من المعاملات هي الأعمال التجارية لتنظيم قانوني
يتميز عن ذلك الذي يطبق على المعاملات المدنية حيث عجزت القواعد المدنية عن تنظيم المعاملات التجارية التي قوامها
السرعة من جهة والثقة والائتمان من جهة أخرى.
فالملاحظة أن المعاملات المدنية تتسم دائما بالثبات والتروي.
3 وعلى عكس ذلك البيئة التجارية التي تتطلب السرعة والثقة في وقت واحد فطبيعة العقود التي تجرى في مجال
التجارة تختلف كل الاختلاف عن تلك التي تجرى في البيئة المدنية ذلك أن الصفقات التي يبرمها التاجر لا تكون بقصد
الاستعمال الشخصي أو بقصد الاحتفاظ بها وإنما لإعادة بيعها لتحقيق ربح من فروق الأسعار كما وأن مثل هذه الصفقات
تعقد كل يوم مرات ومرات بالنسبة لكل تاجر وهو يبرمها بأسلوب سريع.
وقد ظهرت فعلا عادات وتقاليد معينة التزمت بها طائفة من التجار في معاملاتهم التجارية تختلف عن تلك القواعد
التي تنظم المعاملات المدنية واضطر المشرع إلى تقنين هذه العادات التجارية في مجموعات خاصة بالتجارة والتجار
وظلت هذه القواعد الجديدة تزداد شيئا فشيئا حتى اصبح لها كيان مستقل.
4 على أنه لما كان القانون المدني هو الشريعة العامة لجميع الأفراد وجميع التصرفات فإن أحكام وقواعد القانون
التجاري ليست إلا استثناء من أصل عام يجب الرجوع إليه في كل حالة لا يحكمها نص خاص. تظهر هذه الصلة الوثيقة
Thaller : traité élémentaire de droit commercial : 1أنظر )
volume 1 - n° 6 ,7 , 14
بين القانون المدني والتجاري بوضوح في معظم التشريعات ففي القانون الفرنسي وكذلك الجزائري نجد المجموعة
التجارية لا تتكلم عن البيع إلا في مادة واحدة وتلجأ بالنسبة لباقي الأحكام إلى القواعد العامة بالقانون المدني.
5 على أننا نجد من جانب آخر أن القانون التجاري أثره في القانون المدني ويتمثل في عدة حالات منها اعتبار
الشركات التي تأخذ الشكل التجاري شركات تجارية تخضع للقانون التجاري أيا كان موضوع نشاطها كما قد يقرر
المشرع اكتساب الشركة لصفة التاجر بصرف النظر عن طبيعة نشاطها سواء كان موضوع نشاطها تجاريا أو مدنيا ومن
الأمثلة شركات الأسهم تجارية دائما وذلك بحسب الشكل سواء كان موضوع نشاطها تجاريا أو مدنيا والتشريع التجاري
الجزائري الصادر سنة 1975 والذي نصت المادة 544 منه على أن تعد شركات بسبب شكلها مهما كان موضوعها
شركات المساهمة والشركات ذات المسؤولية المحدودة وشركات التضامن.
6 المناداة بوحدة القانون الخاص :
نظرا للصلة الوثيقة بين أحكام القانونين التجاري والمدني ظهر اتجاه في الفقه القانوني ينادي بإدماجهما معا في قانون
واحد يطبق على جميع الأفراد وفي جميع المعاملات دون تفرقة بين عمل مدني أو تجاري أو بين تاجر وغير تاجر وذلك
بفرض الوصول إلى ما يسمى بوحدة القانون الخاص.
7 ويطالب أنصار هذا الرأي بسريان قواعد القانون التجاري من سرعة وبساطة، في الإجراءات على قواعد القانون
المدني كلما اقتضى الأمر ذلك حتى يفيد من ذلك التاجر وغير التاجر كما أنه إذا كانت إجراءات القانون المدني بها بعض
القيود والشكليات في تصرفات معينة أو عقود خاصة نظرا لأهميتها فإنه يمكن فرض هذه القيود والشكليات في تصرفات
التجارية الهامة حتى تستقر بشأنها المنازعات.
ويرى أنصار هذا الرأي أن القانون التجاري بإعتباره قانون الأعمال في عصرنا هذا إنما يتضمن في الواقع النظرية
العامة في الأموال والالتزامات التي تطبق على جميع التصرفات التي تجرى بين الأفراد العاديين وبين من يساهمون في
الحياة الاقتصادية بصفة عامة.
8 قد أخذت فعلا بعض البلاد بهذا الاتجاه كما هو الحال في الولايات المتحدة وإنجلترا وسويسرا وإيطاليا حيث
استطاعت معظم هذه البلاد إدخال العناصر والصفات التجارية للقانون المدني ومثال ذلك القانون المدني الإيطالي الصادر
عام 1942 الذي رد القانون التجاري إلى حظيرة القانون المدني فألغى مجموعة القانون التجاري وأدمج موضوعاتها في
مجموعة القانون المدني.
9 ضرورة استقلال القانون التجاري :
إن فكرة المناداة بتوحيد أحكام القانون التجاري مع القانون المدني وإن كانت تعد منطقية في ظاهرها إلا أنها تخالف
في جوهرها حقيقة الأوضاع والضرورات العملية فما من شك أن المعاملات التجارية لها لما يميزها عن المعاملات
المدنية مما يستتبع وضع نظام خاص بها فطبيعة المعاملات التجارية تقتضي السرعة وسهولة الإجراءات.
وليس من المفيد أن تنتقل هذه التسهيلات إلى الحياة المدنية التي تتسم بطابع الاستقرار والتروي وذلك أن من شأن
تعميم هذه السرعة في الإجراءات زيادة المنازعات وعدم استقرار التعامل بين المدنيين وصعوبة الإثبات أمام القضاء
وخاصة أن مسك الدفاتر أمر لا يلتزم به سوى التجار كما وأن المناداة بنقل بعض الإجراءات الرسمية والشكلية المدنية
إلى العقود التجارية أمر يؤدي في الواقع إلى عرقلة التجارة مهما بلغت أهمية عقودها أو ضخامتها. كما أن تشجيع
المدنيون على التعامل بالأوراق التجارية خاصة الكمبيالات منها من شأنه أن يدفع بهذه الطائفة من الأفراد في مجالات لا
شأن لها بها.
10 ويلاحظ أن البلاد التي أخذت بتوحيد كلا القانونين لم تستطع إدماجها إدماجا كليا حيث ظلت فيها بعض الأحكام
والقواعد المستقلة التي تنفرد بها المعاملات التجارية وطائفة التجار كما هو الحال في بلاد الأنجلوسكونية ومن الأمثلة
على ذلك إنجلترا حيث أصبحت النظم التجارية منفصلة عن مجموع القانون العام مثل قانون بيع البضائع وقانون الإفلاس
والشركات وكذلك الحال في كل من القانون السويسري والإيطالي الذي وضع كل منها بعض النظم الخاصة بالتجارة
والتجار مثل مسك الدفاتر التجارية والإفلاس.
إن للقانون التجاري أصالته في عدة موضوعات لا نجد لها سندا إلا بالمجموعة التجارية مثل الإفلاس وتصفية الأموال
وعمليات البنوك خاصة ما يتعلق منها بالحساب الجاري وخطابات الضمان والتحويل المصرفي التي نشأت نتيجة
المقتضيات العملية واقرها القضاء التجاري.
11 والواقع أنه ما من شك في أن لكل من القانون المدني والتجاري مجاله وأن في إدماجهما في قانون واحد لا
يتناسب مع طبيعة معاملات كل منهما بل أن فيه إنكار للواقع على أن استقلال القانون التجاري لا يعني إنكار الصلة
الوثيقة بينه وبين القانون المدني إذ قد يعتمد القانون التجاري على بعض أحكام القانون المدني اعتمادا كليا ويكتفي بالإحالة
عليها ويؤدي هذا إلى اعتبار القانون المدني الأصل العام الذي يرجع إليه كمصدر من مصادر القانون التجاري.
12 علاقة القانون التجاري بعلم الاقتصاد :
يتصل القانون التجاري اتصالا وثيقا بعلم الاقتصاد فهذا الأخير يبحث إشباع الحاجات الإنسانية عن طريق موارد
الثروة وعلم القانون ينظم وسائل الحصول على هذه الحاجات وتحقيقها فالأشياء أو الأموال التي يهتم رجل الاقتصاد
بعوامل إنتاجها وتداولها وتوزيعها واستهلاكها هي ذاتها التي يهتم رجل القانون ببيان نظامها من الناحية القانونية
والقضائية والاتفاقية وهذه الأشياء التي يتناولها رجل القانون ورجل الاقتصاد كل من ناحيته هي تلك التي يراد استخدامها
وتسخيرها لخدمة الإنسان في أجسادهم وأرواحهم.
والواقع أن هذه الصلة الوثيقة بين القانون التجاري وعلم الاقتصاد أساسها ما يتركه كل منهما من أثر على الآخر
فالنشاط الاقتصادي واتساعه أدى إلى خلق قواعد قانونية جديدة في المجال التجاري والجوي والصناعي والمالي مثل عقود
النقل والتأمين والتشريعات الصناعية وعمليات البنوك كما وأن هذه الصلة الوثيقة بينهما جعلت البعض يرى في القانون
التجاري النشاط الاقتصادي.
13 علاقة القانون التجاري بالقانون الدولي :
للقانون التجاري صلات وثيقة بالقانون الدولي الخاص فهو يقوم بتنظيم العلاقات التجارية الخارجية إذ يحكم المعاملات
التي تنشأ بين أفراد الدولة مع رعايا الدول الأخرى في المعاملات الناشئة عن التصدير والاستيراد والتبادل التجاري بين
رعايا الدول المختلفة وللقانون التجاري أيضا صلة بالقانون الدولي تظهر في حالة إبرام اتفاقيات تجارية دولية وتعتبر هذه
الصلة بين القانون التجاري وكل من القانون الدولي الخاص والعام سببا في اعتبار الحاجة ماسة إلى توحيد حكم هذا الفرع
من القانون،فنظرا لازدياد العلاقات التجارية الدولية نتيجة سهولة وسائل النقل وانشارها نشأت الحاجة إلى توحيد أهم
قواعد القانون التجاري نظرا لاختلاف القواعد الداخلية لكل دولة وذلك للقضاء على مشكلة تنازع القوانين وقد لجأت
الدول والتجار إلى عدة وسائل لتوحيد أحكام القانون التجاري ومن الأمثلة على ذلك ما يأتي :
أ/ في مجال التوحيد الإتفاقي لا التشريعي لجأ التجار أنفسهم إلى وضع قواعد اتفاقية موحدة للعلاقات الدولية يؤخذ
بها إذا رغب أطراف التعاقد بمعنى أن توحيد الأحكام يتم بطريق إصدار نماذج عقود دولية يلتزم المتعاقدين بها في
عقودهم الدولية ومن ذلك عقود البيع الدولية النماذج المعدة لعقد التصدير والإستراد أو العقود التي تجريها الهيئات المهنية
كالنقابات والغرف التجارية.
ب/ في مجال المعاهدات لجأت الدول إلى توحيد بعض أحكام القانون التجاري عن طريق المعاهدات الدولية التي
تضع أحكام قانونية موحدة تقبلها الدول الموقعة عليها وتلتزم بها في العلاقات الدولية فقط بمعنى أن العلاقات الداخلية لهذه
الدول الموقعة على الاتفاقيات لا تخضع لأحكام هذه الأخيرة وإنما تخضع لأحكام القانون الداخلي ومن الأمثلة على ذلك
اتفاقية بون 1953 في حالات النقل بالسكك الحديدية إذ حددت هذه الاتفاقية شروط وآثار عقد النقل في حالة ما إذا كان
النقل يتعدى الحدود السياسية للبلاد المتعاقدة.
ج/ كما لجأت الدول إلى عقد اتفاقيات دولية تؤدي إلى إنشاء قانون موحد لجميع الدول المتعاقدة على أن تتعهد هذه
الدول بتعديل قانونها الداخلي بما يطابق أحكام هذه الاتفاقيات بحيث تصبح هذه الأخيرة بمثابة قانون داخلي ومن الأمثلة
. على هذه الاتفاقيات اتفاقية جنيف بخصوص توحيد أحكام الكمبيالة والسند الإذني سنة 1930 وأحكام الشيك 1931
علاقة القانون التجاري بفروع القانون الأخرى : II
هذا وبالإضافة إلى ما سبق ذكره، فإن للقانون التجاري علاقة بفروع القانون الأخرى التي سوف لم نتطرق لهما هذا
بسبب عدم أهميتها القصوى.
تطور القانون التجاري : III
عرفت التجارة قواعد وأحكام وأعراف خاصة بها منذ العصور الأولى وكان القائمون بالتجارة يمثلون طائفة خاصة
في المجتمع لها عاداتها وتقاليدها. وما من شك في أن التجارة كانت معروفة عند الكثير من الشعوب القديمة خاصة تلك
التي كانت تسكن سواحل البحر الأبيض المتوسط حيث مكنها موقعها الجغرافي من ممارسة التجارة ولن نتعرض في هذا
المقام إلى دراسة تفصيلية لنشأت القانون التجاري في مختلف العصور والأزمان لذلك سوف نقترح على إيضاح تطور
نشأت القوانين والأحكام التجارية بصفة عامة.
في العصور القديمة :
تمتد نشأت القانون التجاري إلى زمن بعيد فقد نشأت الأعراف التجارية عند شعوب البحر الأبيض المتوسط وقدماء
المصريين والآشوريين والكلدانيين خاصة في مجال التعامل بالنقد والاقتراض والفائدة واستخدام بعض الصكوك التي تشبه
إلى حد ما البوليصة والسند للأمر ولعل أهم الدلائل على ذلك ظهور عدة قواعد قانونية تجارية في مجموعة حامورابي في
عهد البابليين 1000 سنة قبل الميلاد منها ما يتعلق بعقد الشركة وعقد القرض فلم تكن هذه القواعد سوى تقنين للأعراف
التي كانت سائدة آنذاك.
وعرف الفينيقيون والإغريق التجارة خاصة البحرية منها إذ اهتموا بوضع القواعد الخاصة بالتجارة البحرية وتركوا
تراثا هاما في ذلك الفرع من القانون مثل الأحكام الخاصة بمبدأ الخسارة المشتركة أو العوار المشترك.
ولا يفوتنا التنويه بدور العرب في مجال التجارة ابتداء من القرن السابع الميلادي إذ ظهرت أنظمة جديدة في مجال
التجارة كشركات الأشخاص ونظام الإفلاس والكمبيالة ( السفتجة ) في عهد الرومان.
لما اتسعت رقعة الإمبراطورية الرومانية وشملت معظم أوروبا وشمال إفريقيا وبعض أجزاء آسيا ظهرت فيها حركة
تقنينية واسعة لتنظيم المعاملات بين الأفراد وتحديد الحقوق والواجبات غير أن هذه التنظيمات الكبيرة لم تكن تحتوي على
قواعد وأحكام تجارية رغم ظهور كثير من المعاملات التجارية مثل الشركات، كذلك ظهرت أعمال تجارية أخرى
كالمصارف بسبب استخدام النقود المعدنية وإمساك الدفاتر التجارية.
ولعل السبب في عدم إشمال المجموعات المدنية الرومانية لمثل هذه القواعد التي تنظم التجارة هو أن الرومان كانوا
يتركون القيام بهذه الأعمال للرقيق والأغراب اعتقادا منهم أنها أعمال دنيا.
على أنه لما اندمج القانون المدني وأصبح هذا الأخير هو الشريعة العامة التي تطبق على جميع التصرفات القانونية وعلى
جميع الأفراد أصبح القانون المدني الروماني يحتوي على جميع الأحكام والقواعد الخاصة بالتجارة سواء البحرية أو البرية
إلى جوار الأحكام المدنية وكانت أحكام هذا القانون تطبق على جميع الرومان دون تفرقة بين تاجر وغير تاجر ذلك أن
الرومان كانوا يؤمنون بفكرة قانون موحد يحكم جميع التصرفات.
غير أنه وفي الفترة ما بين القرن 11 وحتى القرن 16 جاء القانون التجاري أكثر وضوحا واستقلالا عن القانون
المدني وذلك نتيجة زيادة التجارة البرية والبحرية بسبب الحروب الصليبية في القرن الحادي عشر ويمكن القول أن قواعد
القانون التجاري والبحري قد وصلت في تطورها في هذا العصر إلى مرحلة يمكن اعتبارها أساسا للقانون التجاري الحالي
ففي إيطاليا وجدت أسواق عالمية لتبادل التجارة ومن ثم نشأت طائفة من الأشخاص في ممارسة هذا النوع من النشاط
وخضعت في تنظيم أمورها إلى التقاليد والعادات التي استقرت بينهم وقامت هذه الطائفة بانتخاب قناصل من كبار التجار
( يختصون في الفصل في المنازعات التي تنشأ بين التجار وذلك وفقا للعرف والعادات والتقاليد التي استقرت بينهم. (* 1
: في الفترة ما بين القرن 17 حتى نهاية القرن 18
أصبح القانون التجاري خلال هذه الفترة قانونا مهنيا خلق بواسطة التجارة وليطبق على التجار كما تميز القانون
التجاري بأنه قانون عرفي وأصبح أيضا قانونا دوليا يطبق خلال هذه الفترة على دول أوروبا الغربية .
أما في العصر الحديث فقد بدأ انتشار التقاليد والعادات في بلاد أوروبا وخاصة المدن الفرنسية كان وباريس
ومرسيليا ولما ظهرت الحاجة إلى تقنين هذه العادات والتقاليد في مجموعات قانونية لتنظيم أعمال هذه الطائفة أصدر
. 1 _مصطفى كمال طه : الوجيز في القانون التجاري صفحة 20
الملك لويس الرابع عشر أمرا ملكيا بتقنين العادات والتقاليد الخاصة في مجموعة مستقلة فصدرت في مارس 1673
1681 وهي خاصة بالشركات والأوراق التجارية والإفلاس ويطلق عليها مجموعة سافاري وتبعتها مجموعة خاصة
بالتجارة البحرية وتعتبر هذه الأوامر الملكية مرجعا وافيا للقانون التجاري والبحري لكثرة ما تناولتها من موضوعات
وكان القانون التجاري في أول أمره قانونا شخصيا فكان يعد تاجرا كل من هو مقيد في السجل التجاري وبعد إلغاء نظام
الطوائف عقب الثورة الفرنسية 1789 وإعلان مبدأ حرية التجارة تكونت لجنة عام 1801 لوضع مشروع القانون التجاري
على أساس هذه المبادىء الجديدة فأخد القانون التجاري طابعا موضوعيا حيث وضعت فكرة العمل التجاري كأساس
لتطبيق أحكام القانون التجاري وأصبح التاجر هو من يتخذ الأعمال التجارية حرفة معتادة له ولم يعد التاجر من هو مقيد
بالسجل التجاري.
نطاق ومجال القانون التجاري :
اختلف كثير من الفقهاء في تحديد نطاق القانون التجاري وكان هذا الاختلاف عن عمد وذلك لانتماء كل فريق منهم
إلى نظرية معينة دون غيرها وكان نتيجة هذا الاختلاف أن ثار التساؤل، هل القانون التجاري هو قانون التجار ؟ أم هو
القانون الذي يحكم الأعمال التجارية ؟ ويمكن رد الآراء التي قال بها الفقهاء إلى نظريتين، الأولى وهي النظرية
وسنتناولهما فيما يلي : Théorie Subjective والثانية هي النظرية الشخصية Théorie Objective الموضوعية
( أولا النظرية الموضوعية : (* 1
وفحوى هذه النظرية عند القائلين بها، أن القانون التجاري تحدد دائرته بالأعمال التجارية
وتطبق أحكامه على هذه الأعمال دون ارتباط بشخص القائم بها سواء كان يحترف التجارة أو Actes de Commerce
لا يحترف ولكن العبرة بموضوع النشاط الذي يمارسه الشخص وحتى ولو قام به مرة واحدة، أما إذا استمر الشخص في
مزاولة النشاط على سبيل الاحتراف فإنه يكتسب صفة التاجر، وهي صفة لا يعترف بها القانون طبقا لمفهوم هذه النظرية،
إلا لإخضاع التاجر لالتزامات معينة كالقيد في السجل التجاري والخضوع للضرائب التجارية وإمساك الدفاتر التجارية
( وشهر الإفلاس. (* 2
وكانت الدوافع التي أدت للقول بهذه النظرية لها جانبين في نظر القائلين بها، الأول جانب فني يستند إلى نص
631 من القانون التجاري الفرنسي، وتقضي المادة 631 من القانون المذكور على عقد الاختصاص - المادتين 637
1وقد اعتنق هذه النظرية طول القرن التاسع عشر فقهاء كثيرون مثل :
Pardessus - Delemmarre et le Poitevin - Lyon Ceen et Renault.
المرجع السابق. Paul, Didier أنظر Hamel et Lagarde ونقدها وخاصمها الفقيهان هامل ولاجارد
. 2 - أنظر أآثم أمين الخولي : الموجز في القانون التجاري الجزء الأول صفحة 7
بالمحاكم التجارية بالنظر في المنازعات الخاصة بالمعاملات التجارية.
دون أن تحدد هذه المعاملات وأنواعها على سبيل الحصر وكذلك ما قضت به المادة 638 من ذات القانون على أن
المحاكم التجارية لا تختص بنظر المنازعات المرفوعة على التجار بسبب تعاقداتهم الخاصة أو شرائهم أشياء لاستعمالهم
الخاص بعيدا عن نشاطهم التجاري.
وكان تفسير هذه النصوص في نظر القائلين بالنظرية الموضوعية يوحي بأن العمل التجاري، دون سواه، هو معيار
تحديد نطاق القانون التجاري.
أما عن الجانب الثاني فهو ذو صيغة سياسية، لما تؤدي إليه النظرية الموضوعية من تدعيم لمبدأ الحرية الاقتصادية
الذي يتميز بالقضاء على نظام الطوائف الذي كان سائدا في العصور السابقة، وطالما كان حائلا يعوق ازدهار التجارة
( وتقدمها، بسبب منع هذا النظام لغير طائفة التجار مباشرة الأعمال التجارية. (* 1
(
ثانيا النظرية الشخصية : (* 2
ويرى القائلون بهذه النظرية، أن نطاق القانون التجاري يتحدد تحديدا شخصيا، حيث أن أصله قانون مهني، ينظم
نشاط من يحترفون مهنة التجارة دون سواهم، ولذلك فإنه وفقا لهذه النظرية يجب تحديد المهن التجارية على سبيل الحصر
بحيث يعتبر القانون كل من احترف مهنة تجارية يعتبر تاجرا، يخضع في نشاطه للقانون التجاري، وعلى ذلك فإن عنصر
الاحتراف في مفهوم هذه النظرية يعتبر المعيار الذي يحدد نطاق القانون التجاري.
وقد يكون عنصر الاحتراف مطاطا في مفهومه وتحديده، لذلك لجأت بعض القوانين كالقانون الألماني باشتراط القيد
في السجل التجاري كشرط لازم ولاكتساب صفة التاجر أنظر أكثم أمين الخولي المرجع السابق صفحة 7 حيث يقول "
ويظهر طابع الشخص للقانون الألماني هنا في أن أعمال هذا الفريق من التجار، ويسمون التجار بالقيد في السجل التجاري
في مباشرة حرفتهم لا تعتبر تجارية ولا تخضع للقانون التجاري إلا لصدورها ممن قيد في سجل بحيث تكون مدينة لو
صدرت من شخص غير مقيد.
ويبرر أنصار هذه النظرية رأيهم في أن القانون التجاري في أصل نشأته يرجع إلى العادات والقواعد والنظم التي
ابتدعها وطبقها أصحاب الحرف التجارية الأمر الذي أصبح به القانون التجاري قانونا مهنيا وأنه على الرغم من إلغاء
نظام الطوائف، وانتشار مبدأ الحرية الاقتصادية الذي يعني الحق لكل شخص في مزاولة ما يشاء من النشاط إلا أن
القواعد التجارية ظلت مستقرة كما كانت عليه في مجتمع التجار الطائفي وكذلك أبقت التشريعات الحديثة على المحاكم
التجارية تزاول اختصاصها في الفصل في المنازعات التجارية دون سواها.
Hamel et Lagarde T.I p. 1 أنظر 169
2
في مؤلفه Ripert قال بهذه النظرية الفقيه الفرنسي
Traité élémentaire de Droit Commercial
* موقف القانون الجزائري :
إذا نظرنا إلى القانون الجزائري الصادر بالأمر رقم 59 لسنة 1975 نجد أن المادة الأولى منه تنص على أن " يعد
تاجرا كل من يباشر عملا تجاريا ويتخذه حرفة معتادة له " وقضى في المادة الرابعة بأن " يعد عملا تجاريا بالتبعية، تلك
الأعمال التي يقوم بها التاجر والمتعلقة بممارسة التجارة أو حاجات متجرة والالتزامات بين التجار ".
وعلى الرغم من أن المشرع الجزائري أخذ هذين النصين بالنظرية الشخصية إلا أنه لم يلبث أن أخذ بالنظرية
الموضوعية حين عدد الأعمال التجارية بحسب موضوعها في المادة الثانية، والأعمال التجارية بحسب الشكل في المادة
الثالثة.
وفضلا عن أن المشروع الجزائري حدد في هذه المواد الأربع مجال ونطاق تطبيق القانون التجاري، فإنه نظم
بنصوص واضحة الأحكام التي تسري على التجار دون سواهم كمسك الدفاتر التجارية والقيد في سجل التجاري وملاكا
ذلك.
ولهذا فإننا نرى أن المشرع الجزائري أخذ بمذهب مزدوج، حيث لا نجد قواعده جميعا من طبيعة واحدة، وإنما
استلهمت بعض أحكامه النظرية الشخصية، والبعض الآخر اعتنقت النظرية الموضوعية.
ثالثا مصادر القانون التجاري :
كلمة مصدر تعني المنبع بصفة عامة وللقانون عدة مصادر أو منابع استقى منها أساسه هو المصدر الموضوعي أو
المادي والمصدر التاريخي والمصدر الرسمي والمصدر التفسيري ويقصد بالمصدر المادي أو الموضوعي للقانون
الظروف الاجتماعية التي استمد منها نشأته على خلاف المصدر التاريخي الذي يمثل الظروف التاريخية التي تكون عبرها
القانون ويقصد بالمصدر الرسمي للقانون المصدر الذي تستمد منه القاعدة قوتها الملزمة على خلاف المصدر التفسيري
الذي لا يلزم القاضي بالرجوع إليه إنما يلجأ له من قبيل الاستئناس وللقانون التجاري بصفة عامة كبقية فروع القانون عدة
مصادر نقتصر منها على المصادر الرسمية والمصادر التفسيرية وهي الفقه والقضاء باعتبارهما مصدرين تفسيريين يلجأ
إليها القاضي إذا أعوزه التشريع ومبادئ الشريعة الإسلامية والعرف.
أولا التشريع :
التشريع يجيء في المرتبة الأولى بين مختلف المصادر وعلى القاضي أن يرجع إليه أولا ولا يرجع إلى غيره من
المصادر إلا إذا لم يجد نصا تشريعيا يطبق على الحالة المعروضة.
ويمثل التشريع كمصدر من مصادر القانون التجاري فيما يلي :
أ) المجموعة التجارية :
(1*) . ويقصد بها قواعد وأحكام القانون التجاري الصادر عام 1975
1
1
88 - 87 المؤرخ في 23 ديسمبر المتضمن قانون المالية 1988 والقانون رقم 04 - المعدل والمتم بالقانون رقم 20
المؤرخ في 12 يناير 1988 المحدد للقواعد الخاصة المطبقة على المؤسسات العمومية الاقتصادية .
ب) المجموعة المدنية :
. ويقصد بها قواعد وأحكام القانون المدني الصادر عام 1975
فالقاعدة الأساسية أن نصوص المجموعة التجارية هي التي تحكم أصلا المواد التجارية على أنه إذا لم يرد في هذه
القوانين التجارية نصوص خاصة بعلاقات معينة تعين الرجوع إلى أحكام القانون المدني بإعتباره الشريعة العامة التي
تنظم جميع العلاقات سواء كانت تجارية أو مدنية فكما سبق أن ذكرنا تعتبر أحكام وقواعد القانون التجاري استثناء من
أصل عام يجب الرجوع إليه في كل حالة لا يحكمها نص خاص وإذا فرض ووجد تعارض بين نص تجاري ونص مدني
وجب أن يغلب النص التجاري مهما كان تاريخ نفاده وذلك تطبيقا للقاعدة التفسيرية التي تقضي بأن النص الخاص يغلب
على النص العام بشرط أن يكون كلا النصين على درجة واحدة فإذا كان أحدهما نصا آمرا والآخر مفسرا وجب الأخذ
بالنص الآمر لأنه نص لا يجوز الاتفاق على مخالفته.
ثانيا الشريعة الإسلامية :
اعتبر القانون المدني الجزائري في مادته الأولى مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرسمي الثاني بعد التشريع وقبل
العرف ومعنى ذلك أن القاضي وهو يفصل في منازعة تجارية إذا لم يجد حكمها في النصوص التشريعية فعليه الرجوع
إلى مبادئ الشريعة الإسلامية والمقصود بهذه المبادىء القواعد المستقاة من القرآن الكريم والسنة والإجماع والاجتهاد.
ثالثا العرف :
العرف التجاري هو ما درج عليه التجار من قواعد في تنظيم معاملاتهم التجارية بحيث تصبح لهذه القواعد قوة ملزمة
فيما بينهم شأنها شأن النصوص القانونية وإذا كان التشريع دائما مكتوبا فإن العرف غير مدون كما أن هذا الأخير هو
قانون تلقائي لا إرادي على عكس التشريع الذي يعتبر مصدر إراديا ومقصودا ويبدأ العرف تكوينه عندما يتفق اثنان على
تنظيم تصرف ما على وجه معين ثم يتبع باقي الأشخاص نفس هذا التنظيم فيما يتعلق بهذا التصرف فترة من الزمن
لدرجة أنهم يشعرون بأنه أصبح ملزما لهم دون النص عليه. فهو في الواقع نوع من الاتفاق الضمني على ضرورة إتباع
قواعد معينة في حالات معينة على أن ذلك لا يعني أن العرف واجب التطبيق إذا ما انصرفت إرادة الأفراد إليه فقط بل
إنه واجب التطبيق طالما لم تتجه إرادة المتعاقدين إلى استبعاده حتى ولو ثبت عدم علم الأطراف به.
ذلك لأن العرف يستمد قوته الملزمة من إيمان الجميع به واعتباره حكما عاما كالتشريع تماما.
ويتمتع العرف في مجال القانون التجاري بمكانه كبيرة عن بقية فروع القانون الآخر وذلك رغم ازدياد
النشاط التشريعي وازدياد أهميته ذلك أن هذا الفرع من القانون نشأ أصلا نشأة عرفية ولم يدون إلا في فترة متأخرة عن
91 المؤرخ - 90 المؤرخ في 18 أوت 1990 المتعلق بالسجل التجاري والمعدل بالقانون 14 - والقانون رقم 22
في 7 ماي 1983 المتعلق باستعمال السندات التجارية في المعاملات التجارية بين المتعاملين العموميين.
بقية فروع القانون .
والعرف قد يكون عاما متبعا في الدولة بأسرها وقد يكون محليا ويقع على الخصوم عبء إثبات العرف وقد جرى
العمل على استخراج شهادات من الغرف التجارية بوجوده ومن الأمثلة على العرف التجاري قاعدة افتراض التضامن بين
7 مدني جزائري) والتي / المدينين بديون تجارية إذا تعددوا خلافا للقاعدة العامة المنصوص عليها في القانون المدني ( 2
تقضي بأن التضامن لا يفترض وإنما يكون بناء على اتفاق أو نص في القانون .
يعتبر العرف التجاري تاليا في المرتبة والشريعة الإسلامية بمعنى أنه للقاضي الأخذ به في حالة عدم وجود نص
تشريعي أو حكم من الشريعة الإسلامية يحكم العلاقة المعروضة.
وبناءا على ما سبق إذا ما عرض نزاع تجاري، على القاضي الجزائري أن يتبع الترتيب التالي في تطبيقه لقواعد
القانون.
1 النصوص الآمرة الموجودة بالمجموعة التجارية. )
2 النصوص الآمرة الموجودة بالقانون المدني. )
3 مبادئ الشريعة الإسلامية. )
4 قواعد العرف التجاري. )
5 العادات التجارية. )
6 النصوص التجارية المفسرة. )
7 النصوص المدنية المفسرة. )
أما ما يتفق عليه صراحة أطراف النزاع فيأتي قبل التشريع أو العرف إن لم يكن حكما آمرا.
*المصادر التفسيرية :
يقصد بمصادر القانون التفسيرية المصادر التي يتمتع القاضي إزاءها بسلطة اختيارية إن شاء رجع إليها للبحث عن
حل النزاع المعروض أمامه دون إلزام عليه بإتباعها فالمصادر التفسيرية على خلاف المصادر الرسمية مصادر اختيارية.
إن شاء رجع إليها للبحث عن حل النزاع أمامه دون إلزام عليه بإتباعها ويعتبر القضاء والفقه من المصادر التفسيرية.
1 القضاء :
يقصد بالقضاء مجموعة الأحكام الصادرة من مختلف المحاكم في المنازعات التي عرضت عليها كما يقصد بها مدة
الحجية التي تتمتع بها هذه الأحكام وهو ما يطلق عليه السابقة القضائية وهذه الأخيرة تمثل الأحكام التي تصدر في المسائل
القانونية الجديدة ذات الأهمية الخاصة والتي لم يرد حلها في القانون ويعتبر دور القضاء بالنسبة لهذه السوابق دور خلاق
يوسع بمقتضاها نطاق تطبيق القانون حيث تؤدي إلى حلول لموضوعات مماثلة لما صدرت بشأنها في المستقبل ويلاحظ
أن دور القضاء في الجزائر كما هو الحال في التشريعات الأوربية حيث يسود فيها التشريع يقتصر على تفسير القاعدة
القانونية دون خلقها ذلك أن القضاء لا يعتبر مصدرا للقانون بالمقارنة إلى مصدر التشريع.
فاختصاص القاضي الجزائري هو تطبيق للقانون في الحالات المعروضة عليه دون أن تكون لأحكامه قيمة القاعدة
الملزمة.
ويختلف موقف القضاء في القانون الإنجليزي والبلاد الأنجلوسكونية بصفة عامة حيث تسود قاعدة السابقة القضائية
والتي بمقتضاها تلزم المحاكم في أحكامها بما سبق أن صدر من جهات قضائية أخرى سواء كانت أعلى درجة منها أو
مساوية لها ويترتب على ذلك اعتبار القضاء وفقا لهذا النظام مصدرا ملزما للقانون.
2 الفقه :
يقصد بالفقه مجموعة آراء الفقهاء في هذا الفرع من القانون بشأن تفسير مواده فالفقهاء يقومون باستنباط الأحكام
القانونية من مصادرها بالطرق العلمية نتيجة تكريس جهودهم لدراسة هذا الفرع من فروع القانون والرأي السائد أن الفقه
لا يعتبر مصدرا للقانون حيث تقتصر وظيفته على مجرد شرح القانون شرحا علميا بدراسة النصوص القانونية وما
يربطها من صلات ثم استنتاج مبادئ عامة في تطبيقات مماثلة وذلك دون أن يكون مصدرا ملزما للقاضي.
وقد ساعد الفقه كثيرا في تطوير مواد القانون التجاري نتيجة نقد الحلول القانونية والقضائية وإبراز مزاياها وعيوبها
وما بها من تناقض وأدى ذلك إلى سرعة مسايرة مواد القانون للتطور في المواد القانونية.
سنتناول بالبحث الأعمال التجارية والمحل التجاري والإفلاس والتسوية القضائية و الأوراق التجارية.
-خطة البحث
المبحث الأول: أهمية التفرقة بين الأعمال المدنية والأعمال التجارية .
عرفنا مما سبق أن القانون التجاري يختلف عن القانون المدني من حيث مجاله
)يحكم الأعمال التجارية والتجار) ، ومن حيث مصادره .
إن الاختلاف القائم ما بين القانونين منا وضع اليد على أهم المسائل الجهوية التي يظهر فيما هذا الاختلاف ، والتي
تتمثل بصفة أساسية في :
1 الإثبات .
2 الاختصاص القضائي .
3 التضامن .
4 الإعذار .
5 مهاة الوفاء ( نظرة الميسرة ) .
6 حوالة الحق .
7 الإفلاس .
8 صفة التاجر .
1 الإثبات : إذا كان الإثبات في المسائل المدينة محدد ، ونذكر في هذا المجال مثلا : )
* عدم جواز الإثبات بالبنية ، إذا كان التصرف القانوني تزيد قيمة على ألف دينار جزائري أو كان غير محدد القيمة .
* لا يجوز الإثبات بالبنية ، ولو لم تزد القيمة على ألف دينار جزائري فيما يخالف أو يجاوز ما أشمل عليه مضمون عقد
رسمي .
* إن المحررات العفوية لا تكون حصة على الغير في تاريخها إلا منذ أن يكون لها تاريخ ثابت ثبوتا رسميا .
أما الإثبات في المواد التجارية فلا يعرف مثل هذه القيود ، حيث أجاز المشرع الإثبات بالبنية والقوائن مهما كانت
قيمة التصرف . كما يجوز الاحتجاج بتاريخ المحورات العفوية على غير أطرافها ولو لم يكن هذا التاريخ ثابتا . كما أنه
وإن كان من المزيد أن لا يجوز للشخص أن يشيئ دليلا لنفسه، فقد أجاز المشرع لخصم التاجر أي يحتج بتاريخ بما ورد
بدفاتر خصمه لإثبات حقه .
والسبب في الخروج عنه القواعد العاملة في المجال الإثبات في المسائل التجارية مرجعه إلى رغبة المشرع في تقوية
الاعتبارات التي أملتها الثقة والائتمان والسرعة والمدونة التي تنطبع الأعمال التجارية .
2 الاختصاص : تخصص بعض الدول جهات قضائية خاصة تتكفل بالفصل في المنازعات التجارية . )
هذا التخصيص تمليه الاعتبارات المتعلقة بطبيعة المعاملات التجارية ، التي تستلزم الفصل فيما على وجه السرعة
وبإتباع إجراءات غير تلك المتبعة أمام المحاكم العادية . وتكون في هذه الحالة أمام محاكم تجارية.
أما بالنسبة للجزائر ، فإن المشرع لم يأخذ بنظام القضاء المتخصص . وبذلك فإنه لم يوجد جيهاتا قضائية تجارية .
وقد منح الاختصاص في المواد التجارية للمحاكم العادية ، التي تتولى الفصل في المنازعات التجارية.
فالمحاكم في النظام الجزائري هي الجهات القضائية الخاصة بالقانون العام ، فهي تفصل في جميع القضايا المدنية
والتجارية أو دعاوي الشركات التي تختص بها محليا.
على أن الاختصاص يعود للمحاكم الابتدائية الكائن مقرها بالمجالس القضائية ، دون سواها ، في المسائل التالية :
الحجز العقاري .
تسوية قوائم التوزيع .
حجز السفن .
تنفيذ الحكم الأجنبي .
بيع المتاع .
معاشات التقاعد الخاصة بالعجز .
المنازعات المتعلقة بحوادث العمل .
دعاوي الإفلاس أو التسوية القضائية .
طلبات بيع المحلات التجارية المثقلة يقيد الرهن الحيازي .
هذا من حيث الاختصاص الموضوعي ، أما فيما يخص الاختصاص الإقليمي فإن الاختصاص ينعقد على النحو التالي
:
في الدعاوي العقارية أو الأشغال المتعلقة بالعقار أو دعاء الإيجارات المتعلقة بالعقار، وإن كانت تجارية ، أمام
المحكمة التي يقع العقار في دائرة اختصاصها.
في مواد الإفلاس أو التسوية القضائية أمام المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها مكان افتتاح الإفلاس أو التسوية
القضائية .
في الدعاوي المتعلقة بالشركات ، بالنسبة لمنازعات الشركات أمام المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها المركز
الرئيسي للشركة .
في مواد الحجز ، سواء كان بالنسبة للإذن في الحجز أو بالإجراءات التالية له ، أمام محكمة المكان الذي تم فيه
الحجز .
ونصت المادة 9 من القانون المدني ، على أنه يجوز أن توقع الدعوى إما أمام المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصه
موطن المدعي عليه أو مسكنه وإما أمام الجهة أو الجهات القضائية التالية :
في الدعاوي التجارية ، غير الإفلاس والتسوية القضائية ، أمام الجهة القضائية التي وقع في دائرة اختصاصها
الوعد بتسليم البضاعة أو أمام الجهة القضائية التي يجب أن يتم الوفاء في دائرة اختصاصها .
في حالة اختيار الموطن ، أمام الجهة القضائية للوطن المختار .
في الدعاوي المرفوعة ضد شركة ، أمام الجهة القضائية ، التي تقع في دائرة اختصاصها إحدى مؤسساتها .
يتضح مما سبق أن المحاكم العادية هي التي يعود لها الاختصاص بالنسبة للمنازعات التجارية . وفي الواقع العملي
جرى العمل على تخصيص دوائر تجارية ، على رأسها قضاء لهم خبرة في هذا المجال ، تتولى الفصل في المنازعات
التجارية .
إلا أن هذه الممارسة لا تجعلنا أمام قضاء تجاري مستقل ، بحيث يفتح لنا المجال بالدفع بعدم الاختصاص بمعناه
القانوني .
3 التضامن : تعد قاعدة التضامن بين المدينين في حالة تعددهم من القواعد التي استقرت في المسائل التجارية ، )
فاحترامها القضاء وطبقها .وذلك تدعيما لعنصري الثقة والائتمان في المعاملات التجارية .
أما في المعاملات المدينة فإن قاعدة التضامن لا توجد إلا بأقوامها بنص أو باتفاق .
ويجوز في المسائل التجارية إبعاد قاعدة التضامن في أي تعامل ، ما لم يكن هناك نص آمر، يقضي بوجوب قيام
التضامن بين المدينين . ومثال ذلك نص المادة 551 من القانون التجاري الجزائري التي تقضي بأن الشركاء بالتضامن
صفة التاجر ، وهم مؤولون من غير تحديد وبالتضامن عن ديون الشركة.
4 الإعذار : إن تنبيه الدائن للمدين ، يعد حلول آجل الوفاء بالدين ، مع تسجيل تأخره عن الوفاء ، يعوق بلإعذار . )
وفي هذه الحالة و يحمله ما يترتب عن هذا التأخير ، خاصة مسؤولة عن كل ضرر ينشأ عنه مستقبلا .
والإعذار في المعاملات المدينة لابد أن يتم بورقة رسمية تعلن بواسطة أدوات القضاء . أما في المسائل التجارية فقد
جرى العرف على أنه يكفي أن يتم الأعذار بخطاب عادي دون حاجة إلى أي ورقة من الأوراق القضائية . كل ذلك من
أجل تحقيق السرعة التي تتميز بها المعاملات التجارية .
5 مهلة الوفاء : إذا عجز المدين يدين مدني عن الوفاء به في الميعاد ، جاز للقضاء أن ينظره إلى أجل معقول أو )
آجال ينفذ فيها إلزامه، إذا استدعت حالته ذلك ، ولم يلحق الدائن من هذا التأجيل ضرر( المادة 210 من القانون المدني ).
أما القانون التجاري فلا يعطي مثل هذه السلطة للقاضي نظرا الآن ما تحتمه طبيعة المعاملات التجارية وما تقدم عليه من
سرعة وثقة تقتضي من التاجر ضرورة الوفاء بدينه في الميعاد وإلا كان ذلك سببا في إثمار إفلاسه .
6 حوالة الحق : تقتضي المادة 241 من القانون المدني الجزائري على أنه لا يحتج بالحوالة قبل المدين ، أو أجز بها )
بإعلان غير قضائي ، غير أن قبول المدين لا يجعلها نافذة قبل الغير إلا إذا كان هذا القبول ثابت التاريخ .
أما القانون التجاري فإنه لا يشترط شيئا من ذلك ، ولهذا تجوز حوالة الحق الثابتة في الأوراق التجارية بمجرد التوقيع
عليها بما يفيد انتقالها ، وبناء على ذلك ، يحصل تداول السفتجة والشيكات والسندات الإذنية بمجرد تظهيرها أي التوقيع
عليها ، بما يفيد تحويلها أو حتى بمجرد تسليم السند إذا كان حامله .
7 الإفلاس : لا يجوز شهر الإفلاس التاجر إلا إذا توقف عن دفع ديونه التجارية ، أما إذا توقف عن دفع دين مدني ، )
فلا يجوز شهر إفلاسه ، وإذا أجاز القانون للدائن بدين مدني أي يطلب شهر إفلاس التاجر ، إلا أنه يجب أن يثبت أن
التاجر قد توقف عن دفع دين تجاري عليه ، فإذا صدر حكم يشهر الإفلاس تلافع يد التاجر عن إدارة أمواله والتصرف
فيها ، ويدخل جميع الدائنين في الإجراءات ويعين وكيل عنهم تكون مهمته تصفية أموال المفلس وتوزيع الناتج منها بين
الدائنين كل بحسب قيمة دينه ، وبذلك تتحقق المساواة بينهم .
أما المدين المادي فإنه يخضع لأحكام القانون المدني ( المادة 177 إلى 202 ) التي لا تتم بالشدة والصرامة التي يتصف
بها نظام الإفلاس . فليس في المسائل المدينة حل يد المدين عن التصرف في أمواله وتصفيتها تصفية جماعية وتوزيع
ثمنها على الدائنين .
8 صفة التاجر : التاجر هو الشخص الذي يباشر عملا تجاريا ويتخذه حرفة معتادة له ، وذلك ما نصت عليه المادة 1 )
من القانون التجاري ومن يصبح تاجرا ، يخضع لإلزامات التجار ، خاصة منها القيد في السجل التجاري ومسك الدفاتر
التجارية ، كما يخضع لنظام الإفلاس .
المبحث الثاني : الأعمال التجارية في القانون التجاري الجزائري
رأينا أن المشرع الجزائري قد عدد الأعمال التجارية من المواد من الثالثة إلى الرابعة من القانون التجاري ، ومعنى ذلك
أن هذه الأعمال هي التي حسم المشرع تحديد طبيعتها . ولم يعد ثمة شك في صفتها التجارية ، حيث أصبغ عليها المشرع
بنص صريح هذه الصفة ولا يجوز للأفراد مخالفة هذا الوصف وإلا يتعرض للسجلات ، باعتبار أن المشرع أراد إخضاع
العمل لنظام قانوني معين ، هو القانون التجاري فلا يجوز لهم إخضاعه لنظام قانوني آخر ، ولذلك فإن وصف العمل
والفصل في تحديد طبيعته والنتائج المترتبة على ذلك تعتبر مسألة قانونية تخضع لوقاية محكمة النقض .
إلا أننا نلاحظ أن المشرع الجزائري ، في التعداد الذي وضعه لم يتبع معيارا ثابتا . فأحيانا يعتبر العمل تجاريا ولو وقع
منفردا ، وتارة أخرى يشترط مباشرة العمل على وجه المقاولة ، بحيث أنه لو تم مباشرة نفس العمل بصفة منفردة لما
اعتبر تجاريا .
على أنه يجب اعتبار الأعمال التجارية التي نص عليها المشرع الجزائري واردة على سبيل المثال لا الحصر ، وذلك ما
يفهم صراحة من نص المادة الثانية من قولها " يعد عملا تجاريا بحسب موضوعه ..." لأن المشرع لو أراد اعتبار
الأعمال التجارية التي عددها على سبيل الحصر ، لكانت الصياغة كما يلي:
الأعمال التجارية بحسب موضوعه حي ... ،. وعليه فإن الرأي الراجح في هذا المجال هو جواز الاجتهاد في القياس
على هذه الأعمال وإضافة غيرها إليها.
هذا بالنسبة للأعمال التجارية حسب موضوعها ، ثم تناول المشرع الجزائري فئة من الأعمال اعتبرها أعمالا تجارية من
حيث الشكل ( المادة 3 ) ، وطائفة ثالثة من الأعمال اعتبرها تجارية بالتبعية
. ( )المادة 4
وعلى ذلك تقسم الأعمال التجارية في التشريع الجزائري على النحو التالي :
1 الأعمال التجارية بحسب موضوعها .
2 الأعمال التجارية بحسب شكلها .
3 الأعمال التجارية بالتبعية .
4 الأعمال المختلطة
1 الأعمال التجارية بحسب موضوعها : )
وهي تلك الأعمال التي تعتبر تجارية بصرف النظر عن الشخص القائم بها ، ومعظم هذه الأعمال تتعلق بتداول
المتقولان ، من مأكولات وبضائع وأوراق مالية ، وتصدر بقصد تحقيق الربح ، والبعض منها اعتبره القانون تجاري
بالرغم من عدم تعلقه بتداول الثروات . ثم إن من هذه الأعمال ما يعتبر تجاريا ولو وقع منفردا والبعض منها لا يكون
تجاريا إلا إذا صدر على وجه المقاولة .
وسنتناول فيما يلي الأعمال التجارية حسب موضوعها في نصوص القانون التجاري الجزائري ، سواء تلك التي تقع
منفردة أو تلك التي تتم ممارستها على سبيل المشرع .
أ الأعمال التجارية المنفردة :
تشمل الأعمال التجارية المنفردة ،
* شراء المنقولات لإعادة بيعها بعينها أو بعد تحويلها وشغلها .
* شراء العقارات لإعادة بيعها .
* العمليات المصرفية وعمليات الصرف والسمرة .
* عمليات الوساطة لشراء وبيع العقارات والمحلات التجارية والقيم العقار .
ب الأعمال التجارية على وجه المقاولة :
عددت المادة الثانية من القانون التجاري الجزائري الأعمال التي لا تكتسب الصفة التجارية إلا إذا وقعت على سبيل
المقاولة ، والمقاولات التي اعتبرها المشرع الجزائري تجارية هي :
* تأجير المنقولات أو العقارات .
* البناء أو الحفر أو تمهيد الأراضي .
* استغلال المناجم السطحية أو مقالع الحجارة أو المنتجات الأرض الأخرى .
* استغلال النقل أو الانتقال .
* التأمينات .
* بيع السلع الجديدة بالمزاد العلني بالجملة أو الأشياء المتعلقة بالتجزئة .
* الإنتاج أو التحويل أو الإصلاح .
* التوريد أو الخدمات .
* استغلال الملاحي العمومية أو الإنتاج الفكري .
* استغلال المخازن العمومية .
2 الأعمال التجارية بحسب الشكل : )
تنص المادة 3 من القانون التجاري الجزائري على أنه " يعد عملا تجاريا بحسب شكله :
1 التعامل بالسفتجة بين كل الأشخاص .
2 الشركات التجارية .
3 وكالات ومكاتب الأعمال مهما كان هدفها .
4 كل عقد تجاري يتعلق بالتجارة البحرية والجوية .
ويتضح من هذا النص أن المشرع الجزائري أصبغ الصفة التجارية ليس فقط على الأعمال التجارية حسب موضوعها ،
وهي التي تقدم عرضها ، بل أيضا على بعض الأعمال التي تتخذ شكلا معينا .
وبذلك يكون القانون الجزائري قد أخذ بالمعيارين الوضعي والشكلي .
3 الأعمال التجارية بالتبعية : )
تنص المادة 4 من القانون التجاري الجزائري على أنه : يعد عملا تجاريا بالتبعية :
الأعمال التي يقوم بها التاجر والمتعلقة بممارسة تجارته أو حاجات متجرة .
الإلزامات بين التجار .
يتضح من هذا النص أن القانون التجاري الجزائري أضفى الصفة التجارية ، ليس فقط على الأعمال التجارية بطبيعتها ،
أو الأعمال التجارية بحسب الشكل ، بل أيضا على الأعمال التي يقوم بها التاجر لحاجات تجاريه ، واعتبر هذه الأعمال
تجارية بصرف النظر عن طبيعتها الذاتية ، اعتدادا بمهنة الشخص الذي يقوم بها ، فأكتسبها الصفة التابعة بهذه المهنة ،
ولذلك أطلق المشرع التجاري على هذه الأعمال
الأعمال التجارية بالتبعية .
4 الأعمال المختلطة : )
الأعمال المختلطة ليست طائفة رابعة من الأعمال التجارية قائمة بذاتها ، كالأعمال التجارية التي تقدم عرضها ،
ولذلك لم ينص القانون التجاري عليها . لأن الأعمال التجارية المختلطة لا تخرج عن نطاق الأعمال التجارية بصفة عامة
إرسال تعليق